التعامل مع ايران مباشـــرة
بقلم: أ.د. ألون بن مئيرأستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدوليةبجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسطبمعهد السياسة الدوليــــــــة لقد اتبعت إدارة الرئيس بوش خلال الأعوام الخمسة الماضية سياسة فاشلة تجاه إيران قادتها إلى هذا المأزق الحالي الخطير. وقد حان الوقت للإدارة الأمريكية لإعادة تقييم إستراتيجيتها، التفكير في الخروج من هذه الورطة والدخول في مباحثات مباشرة مع طهران. الهدف من ذلك هو ليس فقط نزع فتيل الأزمة الحالية، بل التوصل أيضا إلى معادلة أمنية إقليمية أكثر شمولا بحيث تضم أيضا العراق ودول خليجية أخرى. على الإدارة الأمريكية مع استمرار حالة الحرب وعدم الاستقرار في العراق وفي المناطق الفلسطينية أن تتّخذ جميع الإجراءات المعقولة لوقف تصعيد الوضع الخطير الذي أصبح على حافة الانفجار والذي – إذا استمر في التصعيد – قد يجرّ معه دولا أخرى في المنطقة. واعتقاد إدارة بوش بأن طهران لا تنصاع إلا للإجراءات القسرية والعنيفة قد أثبت أن لا أساس له وأنه بالعكس قد يؤدي إلى نتائج عكسيــة. وفي الواقع لقد فازت طهران في لعبة التهديد المفتعل بالحرب، أو ما يسمونه ب "الحرب الباردة"، مع واشنطن. فكلّما شدّدت الإدارة الأمريكية من تهديدها للإيرانيين، زاد ذلك من عنادهم وتصلبهم في مواقفهم. لقد رفع هذا التهديد من مستوى وعيهم الوطني وأصبح "حقّهم" في امتلاك القوة النووية رمزا لكرامتهم واعتزازهم بوطنيتهم. ولكن وبعد أن قامت طهران بتخصيب اليورانيوم بنجاح قد تشعر الآن أيضا بأنها قد ضمنت طريقة تحفظ بها ماء وجهها للخروج هي الأخرى من المأزق، وهذا ما يفسّر -ولو جزئيا على الأقل - غرض الرسالة الموجهة من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للرئيس الأمريكي جورج بوش. وبالرغم من أن هذه الرسالة لا تستحقّ الرد عليها بالتفصيل، غير أنها تمثّل مفاتحة دبلوماسية. وقد تعزّز هذا الانطباع خلال رحلة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد لاندونيسيا عندما عبّر عن استعداده للتحدث مباشرة مع مسئولين أمريكيين. ولذا، ومع أن الرسالة لا تتطرّق إلى المشكل النووي، فقد كان القصد منها بوضوح أن تكون فاتحة. فالتعامل مع الإيرانيين مباشرة هو السبيل الوحيد لتمكين واشنطن من وضع أجندتها الخاصة للمباحثات. وإذا اختارت الإدارة الأمريكية عكس ذلك، فإنها ستفوّت عليها الفرصة الممنوحة لانفتاح كبير من شأنه أن يزيل حدة التوتر في منطقة الشرق الأوسط. هناك أسباب كثيرة أخرى تدعو إدارة بوش للتعامل مباشرة مع الإيرانيين وبذلك تتمكن الإدارة من تشكيل أجندتها بقدر المستطاع والتأثير إلى حدّ كبير على النتيجة. وفيما يلي بعض هذه الأسباب: أولا، بالنظر إلى سياسة واشنطن المعلنة لتغيير النظام في إيران، فان لدى طهران ألف سبب للشكّ في نوايا الإدارة الأمريكية واتهامها بالخداع. وبرفض الاشتراك في مفاوضات مباشرة، فان واشنطن تظهر افتقارا كاملا للصدق وسلامة النية وتقوّي فقط مثل هذه الشكوك لدى إيران. ولقد زاد من حدّة الشكوك الإيرانية أيضا غياب سياسة أمريكية متماسكة، الأمر الذي يتناقض بوضوح مع إصرار الرئيس بوش بأن أمريكا تبحث عن حلّ دبلوماسي. ولذا، فما دامت سياسة الإدارة الأمريكية المعلنة هي تغيير النظام الحاكم في طهران، فان إيران تطالب من جانبها بضمانات أمنية من الولايات المتحدة بأنها لن تتعرّض لهجوم عسكري. وحيث أن إيران وقفت وما زالت تقف شاهدة عن كثب عما حدث ويحدث في العراق المجاور لها والذي اعتبره الرئيس الأمريكي بوش عندما غزاه بأنه أحد " محاور الشرّ "، فليس لإيران أي دافع يجعلها تشعر بطمأنينة تجاه مخططات الإدارة الأمريكية. ولهذا السبب يشعر الإيرانيون بأن المفاوضات المباشرة – التي يتم من خلالها إبرام اتفاقية مع واشنطن - هي المرجعية الأساسية لأمنهم القومي. ثانيا، على الإدارة الأمريكية أن تدخل في مفاوضات مباشرة مع إيران ولو أن هناك – في هذا السياق - مباحثات جارية مع ألمانيا وفرنسا وبريطانيا. سيساعد هذا الإطار التفاوضي على إقناع الدولتين الرئيسيتين وهما روسيا والصين بأن الولايات المتحدة الأمريكية جادة وبصدق لاستنفاذ جميع الخيارات الدبلوماسية قبل التفكير بإجراءات أكثر حدّة وصرامة. وما دامت الولايات المتحدة الأمريكية بحاجة لتأييد الصين وروسيا، فان عليها النظر إلى المفاوضات المباشرة مع إيران على أنها خيار استراتيجي وأنه تمّ بذل جميع الجهود الممكنة لإنجاحها بحيث تتحمّل إيران لوحدها اللوم في حالة انهيار المباحثـــــــــــــات. ثالثا، ستمكّن المفاوضات المباشرة مع طهران الولايات المتحدة رأسا وبدون وساطة من اكتساب خبرة ليس فقط فيما يتعلق بطموحات إيران الوطنية المعلنة لحيازة وتطوير برنامج نووي سلمي، بل المزيد حول نوايا إيران الحقيقية. لقد بيّنت المفاوضات مع كوريا الشمالية بأن لا شيء يعلو على الاتصال المباشر في خلق شفافية أكبر وجوّ يؤدي إلى المزيد من الثقة المتبادلة بين الحكومات. رابعا، ستخلق المفاوضات المباشرة علاوة على ذلك ديناميكيتها الذاتية فاتحة الباب أمام المزيد من الاتفاقيات الأمنية الإقليمية العريضة. ونظرا لما تتمتع به إيران من موقع جغرافي واستراتيجي في غاية الأهمية، وكذلك حجمها ومساحتها الواسعة ومواردها الضخمة من النفط والغاز، ستحافظ دائما على كيانها كلاعب سياسي لا يستغنى عنه في المنطقة. ولذا على إدارة الرئيس بوش أن تبحث عن مواقع دعم وإسناد أينما شعرت أن هناك مواقع ضعف أو انهيار محتمل. ولا شك أن المفاوضات المباشرة مع إيران تعرض عليها مثل هذه الفرصة. أضف إلى ذلك أن مثل هذه المبادرات من طرف الولايات المتحدة سيكون لها صدى ايجابيا كبيرا لدى الشعب الإيراني. قد يثير هذا القول نوعا من الدهشة، ولكن الولايات المتحدة تتمتع في الواقع بشعبية في إيران لا تجدها في أية دولة عربية أو إسلامية أخرى، الأمر الذي يفسّر سبب ترحيب معظم الإيرانيين بإعادة تطبيع العلاقات بين بلدهم والولايات المتحدة الأمريكية. وخامسا، لقد بيّنت الخبرة المكتسبة من المفاوضات المباشرة مع كوريا الشمالية بأن المحادثات المباشرة بين واشنطن ونظام تختلف معه هي السبيل الوحيد الكفيل للتوصل إلى اتفاقية نهائية محتملة مع مثل هذا النظام حتى لو أجريت مثل هذه المحادثات في سياق مفاوضات متعددة الإطراف. لقد أصرّ الكوريون الشماليون طيلة الوقت على مفاوضات مباشرة مدركين تماما بأن الولايات المتحدة الأمريكية هي اللاعب السياسي العالمي الأول وهي الوحيدة التي بإمكانها أن توفر لهم (للكوريين) الأمن المنشود والمساعدات المالية التي هم بحاجة لها. وطهران بلا شك تفكّر بنفس الطريقة وهي على ثقة تامة بأن أمريكا تمسك في يدها مفاتيح الاستقرار والرخاء الإقليمي.
بعد الوقوف على سياسة الولايات المتحدة المضللة تجاه إيران خلال الأعوام الخمسة المنصرمة، يراهن أصدقاء وأعداء أمريكا فيما بينهم على ما ستقع فيه الإدارة الأمريكية عن قريب. فإذا أرادت هذه الإدارة حل النزاع مع إيران حول طموحاتها النووية، فان المنطق والنهج العملي السليم يقولان لها بأن المفاوضات المباشرة هي الكفيل الحقيقي الوحيد لحل النزاع قبل أن تتجاوز الأمور الحدّ الذي تعجز عنده حتى قدرة الولايات المتحدة عن احتوائه