الخطــــوة الأولــــى
بقلم: أ.د. ألون بن مئيرأستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسطبمعهد السياسة الدوليــــــــة أية جهود تقوم بها إدارة بوش بدعم وتنسيق القوى الإقليمية الأخرى في الشرق الأوسط لتقويض حماس والتسريع من انهيارها المبكر سيأتي بنتائج عكسية وسيشكل أمراً في منتهى الخطورة. والخيار الأفضل هو إقناع حماس، ومن أجل مصلحتها، بأن تفرض هدنة شاملة كخطوة أولى وتخلق بذلك جواً أكثر هدوءاً يستطيع الإسرائيليون والفلسطينيون أن يستفيدوا منه إلى حد كبير. بعد عودتي الآن من زيارة مكثفة لتركيا، واستناداً إلى محادثاتي مع العديد من المسئولين الأتراك أثناء زيارتي هناك، ليس لدي أدنى شك بأنه لا توجد دولة أخرى أكثر ملائمةً واحتراماً في المنطقة من تركيا لكي تلعب دوراً مهماً. وبناءً عليه، فإن تركيا في أفضل موقف لإقناع حماس بقبول اقتراح هدنة شاملة. لقد كانت تركيا ومازالت منشغلة في الشئون الإسرائيلية الفلسطينية وتتمتع بعلاقات ممتازة مع كلا الطرفين. وبالرغم من قيام تركيا مؤخراً باستضافة حماس، الأمر الذي سبّب امتعاضاً للإسرائيليين والأمريكيين، غير أنّ تركيا – بالرغم من ذلك – قد فعلت الشيء الصحيح، وعليها الاستمرار بجهودها الداعية للسلام بدون كلل. والآن تسنح الفرصة لتركيا لأن تبرز نفسها بقوةٍ أكبر وتتمسّك بوعدها كلاعب سياسي ذو أمدٍ بعيد في المنطقة، يساندها بذلك كونها بلد ديمقراطي يرتبط بعلاقاتٍ نامية وقوية مع كل دولةٍ تقريباً في المنطقة. سيقدّم رئيس وزراء إسرائيل المعيّن، السيد إيهود أولمرت، قريباً حكومته الجديدة للبرلمان للمصادقة عليها، وهي حكومة قد التزمت بانسحاب من معظم أجزاء الضفة الغربية. ولذا، ليس هناك وقت أفضل من ذلك لحكومة حماس للإعلان عن نيتها في فرض هدنة شاملة. هذه هي الخطوة الأولى الحرجة جدّاً التي على حماس الآن أن تسرع بها لكسر الجفاء في العلاقات الإسرائيلية- الفلسطينية وتركيا في وضع يسمح لها أن تلعب دوراً رئيسيّاً في إحراز مثل هذا التطور. هذا سيحث إسرائيل بالمقابل على إنهاء الاغتيالات وعمليات المداهمة داخل المناطق الفلسطينية وإزالة حواجز الطرق والسماح لآلاف المواطنين بالعمل داخل إسرائيل. وما دامت حماس تبرهن على وضع جهودها في هذا المجال 100 بالمئة، فحتى إسرائيل ستكون متفهمة إذا قصّرت النتائج نوعاً ما للوصول إلى النجاح التام. سيبقى الجو الهادئ الخالي من العنف المطلب الأساسي بالنسبة لإسرائيل، وأي شيء أقل من ذلك سينهي أية فرصة للقيام بحوار مباشر أو حتى غير مباشر. أولمرت يميل إلى الموافقة للسماح لحماس بأخذ وقت كافٍ للتفكير مليّاً بموقفها. وستدرك قيادة حماس- بصفتها السلطة الحاكمة – عاجلاً أم آجلاً بأنّ أية مساعدة مؤقتة تستلمها من إيران أو سوريا لن تشكّل حلولاً طويلة الأمد لمشاكل واحتياجات الشعب الفلسطيني. ومع إعطاء حماس الوقت الكافي للتكيف بالوقائع السياسية على الأرض، ستدرك قيادتها بأنّ الوقت ليس لصالحها، وإذا لم تتصرف بمسئولية، فإنّ حكومة حماس ستنهار تحت ثقل حملها أو بسبب الضغط المتزايد إسرائيليّاً ودوليّاً أو بفعل الاثنين معاً. وبإمكان رئيس السلطة الفلسطينية، السيد محمود عباس، أن يلعب دوراً أكثر فعالية بهذا الخصوص وذلك بمحاولته التعديل من سياسات حماس والعمل يد بيد مع الحكومتين التركية والإسرائيلية. أمّا الخيار الثاني الذي تتداوله الألسن فهو إسقاط حماس سياسيّاً قبل الأوان، وهو خطأ فادح حسب اعتقادي. إنّ الانهيار المبكر لحركة حماس كحكومة سيحدث ضجة رهيبة من جمهور منتخبيها الملتزمين والذين يشكلون على الأقل 30% من المجتمع الفلسطيني. علينا ألا ننسى بهذا السياق الدرس المؤلم والمأساوي من انتخابات الجزائر عام 1992 عندما انتزع النصر الانتخابي من جبهة الخلاص الإسلامية، حيث قتل بعد ذلك عشرات الآلاف من الجزائريين وما زال القتل مستمراً حتى اليوم. إنّ زخم العنف الذي قد يثور في المناطق الفلسطينية نتيجة لذلك والموجّه ضد الفصائل الفلسطينية وإسرائيل سيجعل الانتفاضة الثانية مقارنة به تظهر كلعبة أطفال. ومن الوهم أيضاً أن نفكر بأنّ توجيه المساعدات مباشرة للشعب الفلسطيني – وفي نفس الوقت إضعاف مركز حماس- سيجنّب الفلسطينيين المزيد من المعاناة. ومهما تكن الطرق أو القنوات التي يستلم الفلسطينيون من خلالها المساعدات المالية، فإنّ حماس ستستفيد من ذلك بطريقة أو بأخرى. ولكي تقوم حماس بمهامها بصورة طبيعية وليس كحكومة منبوذة، لا يمكنها أن تعمل بعزلة تامة. ولذا من الحكمة أن نمارس الصّبر في الوقت الذي تحث فيه حماس على الشروع بالتقدم نحو هدنة شاملة يتوقّع منها كحكومة أن تكون قادرة على فرضها، خاصةً وأنّ حماس نفسها ملتزمة باتفاقية لوقف إطلاق النار منذ أكثر من سنة. هذا وعلى الأرجح أن تقابل جهود حماس لفرض هدنة شاملة معارضة من قبل قوات الأ