اللـــــــــــــــــــــــــه قد تكلــ&

رسالة مفتوحة لرئيس الوزراء الفلسطيني المعيّن، السيد إسماعيل هنيّة                                                            بقلـــــــــم:  أ.د.  ألون بن مئيرأستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسطبمعهد السياسة الدوليــــــــة أوجه هذه الرسالة إليك لما هو معروف عنك بأنك رجل تتسم بالبراغماتية وأيضا إنسان مؤمن. استعمل براغماتيتك وإيمانك بالله لتغيير مصير شعبك والسير بهم إلى "أرض الميعاد" لان شعبك قد عانى ما فيه الكفاية. يشهد تاريخ الأرض المقدسة العريق بأنه لا توجد أرض أخرى قد رأت مجدا وقنوطا في نفس الوقت أو قد أثرت في نفوس الكثيرين كهذه الأرض. إنها أرض شكّلت مصير مواطنيها وشهدت صعود وسقوط العديد من الامبرطوريات العتيدة مثل الأشورية والبابلية والفارسية والإغريقية والرومانية وأخيرا الامبرطورية العثمانية. لقد أخفقت جميع هذه الامبرطوريات في الحكم حسب وعودها بإنكارها حقوق الإنسان والعدالة للشعوب التي كانت تعيش تحت سيطرتها وبذلك أثبتت عدم أهليتها لامتلاك الأرض. لقد استهلكت هذه الامبرطوريات من الداخل وتلاشت جميعها في النهاية.  يجب أن تعلم،  دولة رئيس الوزراء،  أنه ليس بإمكان أي من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني أخذ كل شيء: انه لمن المستحيل – بكل ما أوتيت هذه العبارة من معنى – أن تبني بيتك على أنقاض بيت آخر. يجب أن تتوقف دائرة العنف هذه التي تحطم كل شيء،  فالإسرائيليون والفلسطينيون في حرب منذ قرن من الزمن تقريبا. لقد سبّبوا خلال هذه الفترة جروحا عميقة لبعضهم البعض. لقد تعامل الشعبان بقيادة زعماء مضللين بكراهية عمياء وعداء شديد تجاه بعضهما البعض وسمّموا بذلك أجيالا، جيلا بعد جيل. والآن نرى كيف أن عمليات القتل البارد والتفجيرات الانتحارية والطعن والخطف وغيرها من الجرائم الشنيعة التي ترتكبها جهة تقابل من الجهة الأخرى بعمليات تدمير ونسف البيوت والاعتقالات والاغتيالات والطرد والإذلال اليومي. وكل من هذه العمليات يتحدّى،  لا بل يزدري بواقع وحقيقة الارتباط الديني لكلا الشعبين بهذه الأرض مما قد دنس ترابها الطاهر. آمل،  دولة رئيس الوزراء،  أن تشاركني هنا تأملاتي وملاحظاتي المتواضعة:  في كل مرة أسافر فيها إلى الأرض المقدسة أقوم بزيارة الحرم الشريف  على جبل الهيكل. تراني أتباطأ في مشيتي متأملا جموع المسلمين يتوافدون على قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى المبارك. يأتون للصلاة إلى الله عز وجل طالبين رحمته وتكريم رسوله محمد. وأستمر في سيري نازلا الدرجات باتجاه الحائط الغربي من الهيكل (المعروف ب "حائط المبكى") الذي دمره الرومان عام 75 ميلادية. آلاف اليهود يزورون يوميا هذا المكان المقدس لاستذكار التاريخ.  البعض منهم يأتي للصلاة، والبعض الآخر يبحث عن خلاص،  وآخرون يأتون طالبين التوبة والغفران. البعض يزور ويتأمل وآخرون يطلبون لأنفسهم الصحة الجيدة وراحة البال، بينما آخرون يحدقون مشدوهين وكأنهم مسحورين من منظر هذا الجدار المهيب وما يعني لهم. اليهود والعرب،  عبر انقسام عاطفي عميق وغير منظور،  يبكون بسكوت لخسارة أناس يحبون،  ضحايا نزاع عنيف لا يرحم،  ويصلون لوضع نهاية للمأساة التي حلّت بهم. منفصلون عن بعضهم البعض،  ولكنهم متحدون في تطلعاتهم، فكل منهم يصلي من أجل السلام.  في هذه البقعة الصغيرة المقدسة تتواجد أقدس مقامات اليهود والمسلمين بجوار بعضها البعض ولا يتمكن أي طرف تغيير أي شيء من هذه المواقع المقدسة الطاهرة. كل حجر منها،  كل إيماءة وكل حركة تقول نفس الرسالة: "لا هروب من هذه الزيجة ولا مخرج من التعايش السلمي بينكما !". أجل،  شعبان منفصلان عن بعضهما البعض،  ولكنهما في نفس الوقت متلازمان.  هذا هو مصير المسلمين واليهود. تمتزج أصداء صلوات المصلين العرب واليهود في الهواء وتصل جميعها في آن واحد إلى الله الواحد الذي يعبده الشعبان.  إن القاعدة التي تنطلق منها حركة المقاومة الإسلامية هي:" الاعتقاد بأن أرض فلسطين هي أرض وقف إسلامي منذ جميع الأجيال وحتى يوم القيامة. لا يجوز لأحد التفريط فيها أو في أي جزء منها، أو التخلي عنها أو عن أي جزء منها" . ولكنك تعلم بأن التاريخ الذي يبيّن في سجلاته كيفية انبعاث الديانات السماوية الثلاث: اليهودية والمسيحية والإسلام،  والواقع الموجود على الأرض يدحض صحة الافتراض الوارد في الميثاق.  إن حلم الإسرائيليين في أن يعيشوا في وطنهم التاريخي وكذلك حلم الفلسطينيين في أن يكون لهم دولتهم الخاصة بهم لا يتعارضان مع بعضهما البعض ولا يلغي كل منهما الآخر. لا بل عكس ذلك،  إنهما يعرضان القاعدة الوحيدة لاقتسام الأرض بإنصاف. لقد فرض العالم القديم منذ آلاف السنين على الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني معا أمرا واقعيا. والآن وفي عصرنا الحاضر عاد أولاد إبراهيم لوطنهم لمشاركة أولاد عمومتهم فيه. هذه ليست مصادفة تاريخية ولا انحراف عن المكان والزمان.  لقد دعاهم جدار المبكى وقبة الصخرة المشرفة معا لذلك قبل وقت طويل من موت أول شاب فلسطيني وطفل إسرائيلي في هذا الجحيم الآني. يجب أن يتذكر المتطرفون والمتزمتون على كلا الجانبين بأن الحملة التي يقودها كل منهما لطرد   الطرف الآخر من الأرض ستفشل حتما لان التعايش الإسرائيلي الفلسطيني حقيقة تاريخية راسخة في وعد ديني الهي وهي أشد قوة من التعصب الأعمى وأعمق من قناعاتهم السياسية المنحرفة.  هذا من أشد الأسباب التي تدعو إلى ضرورة إنهاء معاناة وكرب الشعبين الآن. هذا ويجب أن تكون المهمة الرئيسية الان خلاص نفوس الشعبين وتطهير الأرض من كل دنس. وأنا أسألك يا دولة رئيس الوزراء: كم من حالة قتل من الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني سينظر لها الله بعد الآن بصمت ؟  وكم من الدماء ستسفك بعد اليوم ؟ وكم سيعاني كلا الشعبين من الدمار واليأس أكثر مما عانياه ؟  لماذا أصبحت هذه الأرض،  مهد الديانات السماوية العظيمة، ميادين لقتل أبنائها وبناتها،  ضحايا التطرف والتضليل والإنكار المأساوي لحقوق من عليها ؟  تستطيع حماس قتل مائة أخرى،  أو لربما ألف آخر من الإسرائيليين،  وسيطرد ويقتل مقابل أولئك آلاف الفلسطينيين. ولكن ماذا بعد ذلك ؟  سيظل الفلسطينيون والإسرائيليون وجها لوجه قبالة بعضهم البعض. وعندما يعود في النهاية كل طرف إلى موقعه سيتحاورون وسيتناقشون مع بعضهم البعض في شئون حياتهم،  لأنه لا يوجد ببساطة أي بديل آخر !  الشيء الوحيد الذي جنوه من ذلك كله هو تعميق جذور الحقد والكراهية فيما بينهم. هذا وقد تمحو المخاوف والشكوك المتبادلة بين الطرفين آخر بقايا للثقة بينهما وإفساد أية محاولة ايجابية للمصالحة والسلام. وستكون بذلك خسائر النفوس البشرية والمعاناة على كلا الجانبين قد فرضت ضريبتها بإحداث المزيد من الجروح في القلوب والعقول وجعل المفاوضات أكثر عسرة وتعقيدا. دولة رئيس الوزراء،  السيد هنية !  إسرائيل ليست بحاجة في الواقع إلى اعتراف منكم أو لقبولكم اتفاقيات سابقة مبرمة مع السلطة الفلسطينية.  إذا أصريتم على استمرار المقاومة المسلحة،  فان شعبكم سيعاني نسبيا أكثر بكثير مما سيعانيه الشعب الإسرائيلي.  إن إسرائيل حقيقة واقعية،  وتغيير هذا الواقع بأي طريقة من الطرق أمر يتجاوز قدرات حماس والدول العربية مجتمعة،  بما في ذلك محاولة التغيير باستعمال القوة،  الخيار العسكري. بإمكانكم فقط بالاعتراف بدولة إسرائيل والتقيد بالاتفاقيات الحالية المبرمة بين السلطة الفلسطينية ودولة إسرائيل والمعترف بها دوليا أن تضمن مكانا لشعبك تحت الشمس وفوق هذه الأرض على أساس حل الدولتين. إن أغلبية الإسرائيليين والفلسطينيين تؤمن بالتعايش السلمي بين الشعبين. كلا الشعبين يؤمن بحقهما المتبادل في العيش على نفس الأرض، في التنفس من نفس الهواء والارتواء من نفس ينابيع المياه والاقتيات من خيرات هذه الأرض، من قمحها وزيتونها. كلا الشعبين يؤمن بأنهما يتقاسمان نفس المصير وأن لا مفر سوى العيش بسلام. ذلك كله ليتحقق وعد الله لكلا الشعبين في جعل هذه الأرض مرة ثانية    أرضا تدر لبنا وعسلا للجميع.  ولذا و من منطلق حبي لهذه الأرض ومن منطلق أن يسود السلام العادل والشامل بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي أدعوكم أن تنضموا للرئيس الفلسطيني أبو مازن في مساعيه للاستمرار في دفع المسيرة السلمية إلى الإمام. إذا كانت التعاليم والممارسات الدينية التي تستشهد بها في دعم الحقوق التاريخية لشعبك لها أي تأثير على النتيجة،  يكون الله قد تكلم فعلا. ملاحظة:  سأكون سعيدا لو حظيت بلقائكم لتقديم حججي لكم شخصيا.                            وتفضلوا قبول فائق الاحتـرام والتقديـــــــــــــــــر                                     د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــــــــــــر