All Writings
يونيو 26, 2013

إستراتيجيات متباينة ولكن نفس النتائج

بالرغم من أنه يفصل الرئيس السابق جورج بوش عن الرئيس الحالي باراك أوباما من الناحية الإيديولوجية عالم مترامي الأطراف، غير أن سياساتهما تجاه صراعات الشرق الأوسط قد سبّبت نفس رد الفعل الملعون. فحرب بوش المضللة في العراق ونتائجها وعدم ثقة أوباما بنفسه تجاه المذابح التي تحدث في سوريا وحرصه المفرط في غير محله تجاه تدخل الولايات المتحدة في بلد عربي آخر قد أثارت موجات مماثلة من النقد والإستياء من العالم العربي تجاه الولايات المتحدة.

هذا لا يعني بأنه كان من المفروض على أوباما أن يكون متسرعاً في ردّ فعله ويواجه قوات الأسد مباشرة عند بداية أعمال العنف، ولكن وقوفه شاهداً الآن على المأساة المتفاقمة وذبح ما يزيد عن مائة ألف من الرجال والنساء والأطفال الأبرياء والتسبب في نزوح خمسة ملايين سوري للخارج وفي الداخل هو أمر بكل بساطة غير معقول ويرفضه الضمير. هذا ما يتنافى أيضاً مع المبادىء المعنوية والأخلاقية والسياسية التي دأب أوباما مراراً وتكراراً على المناداة بها، هذا في الوقت الذي تتآكل فيه مصداقية أمريكا بشكل خطير في أعين أصدقائها وأعدائها على حدّ سواء.

وكون أوباما قد ورث النتائج المشئومة الكارثية لحرب العراق في الولايات المتحدة نفسها وفي المنطقة، من الطبيعي أن يكون حذراً للغاية قبل التورط في صراع مسلح آخر، ولو أنه لا يحتاج لقوات عسكرية على الأرض، وبالأخصّ ضد بلد عربي ، ولكن يجب علينا أن نميّز ما بين حرب العراق المضللة وقتل المدنيين السوريين ببشاعة وبدون تمييز من طرف حاكم مستبد لا يرحم وعصاباته الإجرامية.

أجل، لا شك أنه علينا أن نتعلم درساً من حرب العراق وأنه يجب علينا تجنب مثل هذه البلاوي في المستقبل، ولكن بحكم مكانتها كقائدة للعالم لا تستطيع أمريكا الهروب من مسئولياتها عندما ُترتكب جرائم فظيعة ضد الإنسانية في سوريا وتقف مشلولة عاجزة عن اتخاذ أي إجراء بسبب التجربة العراقية.

وقرار الرئيس أخيراً بتزويد الثوار بأنواع معينة من الأسلحة الخفيفة والذي جاء في صحوة الإثبات بأن الأسد قد استخدم أسلحة كيميائية ضد شعبه لن يغيّر الكثير في أعين حلفائنا وأعدائنا على حدّ سواء. لقد أصبح لديهم القناعة بأن الرئيس أوباما متردّد ويفتقر إلى القيادة وهذا الضرر لمصداقيته سيبقى حتى نهاية ولايته الثانية.

لقد عبّر حلفاؤنا في الخليج والأردن وغيرهم من الدول العربية عن مخاوفهم الشديدة حول التزام أمريكا الفعلي تجاه أمنهم القومي، فكبار المسئولين والجاليات الأكاديمية وحشود كبيرة من عامة الشعب في المنطقة مرتبكة من تصرّف أوباما الغير مناسب. إنهم يرون التناقض الفاضح ما بين خطاباته الحماسية حول الحرية والديمقراطية وتخليه عن هذه المبادىء إذا اتضح بأنها لا تتفق مع مصالح أمريكا القومية.

إيران تدرس بكل عناية تراخي أوباما وتردده واستنتجت من كلّ ذلك أنه بمقدورها أن تدعم الأسد علانية بتزويده بأسلحة فتاكة ومواد وخبراء ودعم مالي وتشجيع المتطوعين على الانخراط في جيش الأسد للقتال وأن تقوم بكلّ ذلك دون عقاب.

وتحت كل هذه الظروف، كيف ستأخذ إيران تهديدات أوباما بجدّية حول منعها من امتلاك أسلحة نووية وهي ترى تردده وتقلبه واضحاً للعيان؟ فقيامه برفض مشورة طاقمه الأمني الوطني بالكامل – عند اقتراب نهاية ولايته الأولى – لتزويد الثوار بأنواع الأسلحة التي قد تقلب الميزان لصالحهم قد زاد من تشجيع طهران للتدخل في الصراع مباشرة دون خوف من العقاب الأمريكي.

هل كان سيستطيع حزب الله أن يرسل آلاف من أشرس محاربيه للقتال بجانب قوات الأسد ضد الثوار لو كان على يقين بأنه سيكون هناك عواقب وخيمة لتدخله المباشر وخسائر فادحة أكثر مما يتصوّر؟ أم هل كان العراق سيستمر بالسّماح بتحليق الطائرات الإيرانية فوق أجوائه ناقلةً آلاف الأطنان من المعدات العسكرية والذخائر وغيرها من الإمدادات الضرورية والأساسية لإبقاء قوات الأسد مجهزة بالكامل للقتال “حتى النصر”؟

ولدى شعوره بافتقار التصميم والقيادة المجردة من المبادىء أصبح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكثر تحمساً لتحدي الولايات المتحدة على حلبة السباق في حين أنه لا يتوقع أكثر من ردّ فعل واهن على ذلك، وإلاّ هل كانت روسيا ستستمرّ في تزويد نظام الأسد بأكثر المعدّات العسكرية تطوراً بحجة أنها “موضوع عقود قديمة” في قمة القتال بين الطرفين في حين أن روسيا تطالب زيفاً ورياءً بعدم السماح بتزويد الثوار بالأسلحة وبعدم تدخل أية قوة خارجية بالصراع الداخلي في سوريا؟

ويتساءل كثير من الإسرائيليين أيضاً عمّا إذا سيتخذ الرئيس أوباما بالفعل إجراءاً عسكرياً كما تعهد لمنع إيران من حيازة أسلحة نووية أم أنه سيرضخ للأمر الواقع في حالة توصّل إيران لنقطة اللارجوع، أي القدرة على تجميع أسلحة نووية في وقتٍ قصير.

وفي الوقت الذي يقوم فيه الإسرائيليون بدراسة الوضع عن كثب في سوريا وردّ فعل الولايات المتحدة على ذلك، هل سيعهدون بأمنهم القومي لرئيسٍ لم تصل أفعاله لمستوى بلاغته الخطابية؟

ولماذا سيثق حلفاء أمريكا بكلمة الإدارة الأمريكية في حالة تجاوز “الخطوط الحمراء”،مثلاً فيما يتعلّق باستخدام الأسد الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين؟ ومن باب السخرية، فإن البحث المستفيض الذي تبع ذلك للتأكد من أنه قد تمّ فعلاً استخدام الأسلحة الكيميائية كان غير ضرورياً على الإطلاق لأن الإدارة قد أثبتت فعلاً صحة استخدامها قبل ذلك ببضعة أسابيع.

قد يكون هناك مبرّر لحجب الأسلحة عن الثوار وهم بأمس الحاجة إليها لو كان هناك استراتيجية أمريكية تؤدي بدورها لنتيجة معينة مطلوبة، ولكن للأسف ليس هذا هو الحال.

لقد تكهّنت الإدارة الأمريكية مراراً وتكراراً بأن أيام الأسد معدودة، ولكن لم يكن هناك إطار ليس فقط حول مساعدة الثوار للإسراع في الإطاحة بنظام الأسد بل عن الدور الذي بإمكان الولايات المتحدة أن تلعبه في تشكيل النظام السياسي الجديد الذي قد يبرز بعد سقوط الأسد.

لقد اتُخذت مرتين في السابق جهود مضنية لإيجاد حلّ سياسي تدعمه الولايات المتحدة والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وحتى روسيا. وقد عُيّن لهذه المهمة دبلوماسيان معروفان وهما الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان ووزير الخارجية الجزائري السابق الأخضر الإبراهيمي، وفي المرتين فشلت جهودهما المتواصلة.

وما الذي يجعل الولايات المتحدة تعتقد بأن جولة أخرى من هذه المجهودات في هذه المرحلة بالذات ستنجح في الوقت الذي يستمرّ فيه عدد القتلى في سوريا في الارتفاع بشكلٍ مأساوي والبلد تدمّر بشكل منهجي والرهان على نظام الأسد من ناحية والثوار من الناحية الأخرى في ارتفاعٍ متواصل؟ لا يرى أي من الجانبين حلاًّ سياسياً يستلزم بالضرورة التعاون التام بينهما.

وبعد خسارتهم الكثير من الأرضية من تحت أقدامهم في الأيام الأخيرة يرفض الثوار بحق الدخول في مفاوضات لأيجاد حلّ سياسي من مركز الضعف. وبالمقابل، بإحرازه مكاسب مهمة بالدعم الكامل من طرف روسيا وإيران وحزب الله، ليس للأسد حافز للتفاوض بجدية ما دام يعتقد أنّ بإمكانه الآن سحق الثورة والحفاظ على قبضته في السلطة.

أما اجتماع الدول الصناعية الثمانية في إيرلندا الشمالية الذي عقدت عليه آمال كبيرة فلم يسفر عن شيء أكثر من البلاغات والخطابات الرنانة الفارغة. فبالرغم من الإتفاق السابق ما بين روسيا والولايات المتحدة لعقد مؤتمر لجميع الأطراف المعنية لإيجاد حلّ سياسي، لم يحدَّد حتى الآن موعد لذلك. وحتى لو عُقد المؤتمر، سيكون مصيره على الأرجح نفس مصير ما سبق من جهود ومحاولات. وأثناء ذلك تتفكك سوريا على طول الخطوط الطائفية وكلّ يوم يمرّ يزيد من صعوبة لمّ شملها.

لقد أصبحت سوريا أرض المعركة ما بين السنة والشيعة وبين روسيا والولايات المتحدة، وقد تورّط بشكل أو بآخر جيرانها، وبالتحديد إسرائيل وتركيا والأردن ولبنان.

لا يستطيع أحد وضع اللوم بالكامل على الولايات المتحدة لأن سوريا كانت ناضجة لثورة ضد نظام لا يرحم تسيطر عليه عائلة الأسد منذ أكثر من أربعة عقود من الزمن، ولكن الإفتقار لقيادة وتصميم الولايات المتحدة لوقف النزاع في بدايته قدّم لأعداء أمريكا الفرصة لاستغلال الصراع لمصلحتهم في الوقت الذي تٌرك فيه حلفاء أمريكا في قلقٍ حول المستقبل. ومن المحزن أنّه لم يعد يشعر حتى حلفاء أمريكا الغربيين أنهم ملتزمون باتباع زعامة أمريكا ومقدرة أوباما للتوصل لاتفاق جماعي قد أصبحت محدودة.

فحرب بوش المضللة والصفيقة على العراق التي سلمت البلد على طبقٍ من ذهب لإيران وسمحت لها بترسيخ نفوذها الإقليمي بشكل هائل مماثل لتردد أوباما في مساعدة الثوار السوريين عسكرياً وفي الوقت المناسب.

لقد قوّى كلا الرئيسين بتصرفاتهما أعداء أمريكا وزادا من ضعف حلفائها فيما يتعلق بقضايا أمنهم القومي الحالية والمستقبلية.

إن سوريا على شفة التفكك الإقليمي، ولكن قد يكون هناك بعض الوقت للرئيس أوباما لتحويل كفة الميزان لصالح الشعب السوري وإنقاذه من آلة القتل التي يديرها الأسد وفي نفس الوقت يستردّ مصداقية أمريكا التي تبقى أمراً مركزياً لأمن المنطقة واستقرارها المستقبلي.

والآن وبعد أن وافق الرئيس أوباما على تزويد الثوار بالأسلحة، يجب ألاّ يتم هذا شيئاً فشيئاً وقطعة بقطعة بل بسرعة وبالكمية المطلوبة، شاملة الأسلحة الهامة مثل الصواريخ المضادة للطائرات والدبابات، حيث أن هذه قد تغيّر وبسرعة ديناميكية القتال على الأرض لصالح الثوار وحرمان الأسد من أي أمل في الفوز.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE