All Writings
أغسطس 6, 2012

الأزمة السورية – أهي تحريض لروسيا ضد الولايات المتحدة؟

رفضت روسيا والصين للمرة الثانية القرار الأخير الصادر عن الأمم المتحدة والذي تبنته الدول الغربية (الولايات المتحدة، إنجلترا وفرنسا) والهادف لزيادة الضغط على الأسد وإجباره للتخلي عن السلطة، الأمر الذي بات من خلاله واضحاً كل الوضوح بأن جميع الجهود الدبلوماسية قد وصلت لطريقٍ مسدود. فإذا كانت روسيا – النصير الرئيسي لنظام الأسد والدولة التي استخدمت ثلاثة مرات متتالية حق النقض/الفيتو لإفشال قرارات الأمم المتحدة الهادفة لإسقاط الأسد – ما زالت تعتقد أنه بالإمكان الإبقاء على الأسد وتسانده حتى النهاية المرّة، فإنها بذلك تقترف خطأً جسيماً. وبالمقابل، إذا استمرّت الولايات المتحدة في إصدار إدانات درداء الواحدة تلو الأخرى وتسعى للتغطية تحت خطط سياسة جوفاء للإطاحة بالأسد، فإن موقفها لن يكون بأفضل من موقف روسيا. والحقيقة أن لا روسيا ولا الولايات المتحدة تعتقدان بأن باستطاعة نظام الأسد البقاء حياً. ولذا، عليها الاتفاق الآن على طريقة لإيجاد حلّ يستند إلى دبلوماسية قسرية يقبل بها الطرفان مع الحفاظ على مصالحهما.

بالفعل، هناك حقائق عديدة لا تقبل الجدل توحي بشدة بأن نهاية الأسد محتومة. فالعنف المستمر يتصاعد، وبدأت كفة الميزان تميل تدريجياً لصالح الثوار. والنجاح الملفت للنظر الذي أحرزه الثوار السوريون بقتلهم أربعة من كبار معاوني الأسد المسئولين عن تنفيذ أعمال القمع الوحشية قد رفع بصورة جذرية من مستوى التشكك وأضعف معنويات العديد من كبار القادة في نظام الأسد. إنّ عدد المنشقين وكبار المسئولين بما فيهم السفير السوري لدى العراق، نواف الفارس والعميد مناف طلاس، في ازدياد مضطرد وأصبح من الصعب جداً على الأسد إيجاد أشخاص يثق بهم من مجموعة الموالين له التي بدأت تتقلص بسرعة. ومحفزين بانتصاراتهم في مهاجمة قاعدة السلطة لنظام الأسد فقد قطع الثوار خطوات كبيرة في مقدرتهم على تنظيم أنفسهم والتخطيط لإلحاق أكبر الخسائر للجيش السوري النظامي وقوات المليشيات التي تعتبر أفضل تدريباً وتسليحاً. وأخيراً، فإن إخفاقات جميع الجهود الدبلوماسية قد أجبرت القوى الغربية ومعها تركيا وجامعة الدول العربية للبحث عن حلول بديلة خارج نطاق مجلس الأمن الدولي بتسريب المزيد من الإمدادات والأسلحة المعقدة وإجهزة اتصالات حديثة ومعدّات وتجهيزات ضرورية أخرى لقوات الثورة. وبصرف النظر عن مدى أهمية هذه الإجراءات في مساعدة الثوار إلاّ أنها تبقى وللأسف غير كافية لترجيح كفة الميزان بشكل ٍ جذري لصالح المعارضة وضمان الإطاحة السريعة لنظام الأسد.

وبالرّغم من أن جميع هذه الأسباب وغيرها تجعل من بقاء الأسد أمراً مستحيلاً، فإن الرئيس الروسي بوتين ليس ساذجاً ليعتقد بأن الثورة السورية هي انحراف بل هو على علم ٍ بأنها جزء من الربيع العربي. إن انتفاضة الشباب العربي في سوريا اللذين كانوا شهوداً على رحيل مبارك مصر وقذافي ليبيا وصالح اليمن وبن علي تونس لا يريدون بعد اليوم أن يعيشوا في استعبادٍ وإذلالٍ ويأس. ولن ينجح أيّ إطار سياسي، مهما كان واضعوه، إن لم يفي بطموحاتهم. وبوتين يعلم أنه وبصرف النظر عن كمية ونوعية الأسلحة التي يزوّد بها نظام الأسد وعن مدى تأخيره لما هو محتوم، في النهاية نظام الأسد مقضي عليه.

وانطلاقاً من قلقه على موقفه المحلي المتدهور في روسيا ونظرة الرأي العام له الآن على أنه شريك في المذابح، سيسعى بوتين إلى احتواء الضرر عاجلاً لا آجلاً حيث أن الكرملين موجّه بالتأكيد بمصالح روسيا في المنطقة. والرئيس أوباما يدرك أيضاً بأن الولايات المتحدة ستخسر الكثير مما تبقى لها من مصداقية ونفوذ إذا استمرت في تغطية نفسها بجهود دبلوماسية مخفقة وإصدار تصريحات جوفاء تهدف يائسة لإنهاء الصراع، هذا في الوقت الذي يُقتل فيه يومياً مئات المدنيين السوريين. وبالفعل، فإن التردد للسماح بتدخل من الخارج للأزمة المتفاقمة سينقل الأزمة إلى عتبات أبواب روسيا والولايات المتحدة.

من الواضح أن روسيا ستسعى لحماية مصالحها في الشرق الأوسط التي تتعدّى سوريا وتمتد للهلال الشيعي من الخليج العربي حتى البحر الأبيض المتوسط، وتنظر للأزمة المتفاقمة في سوريا بذعر مدركة بأن إصرارها على سياستها الحالية هزيمة لنفسها. ومن الواضح أيضاً بأن للولايات المتحدة مصالح رئيسية في المنطقة وأن الأحداث المتفاقمة في سوريا قد تقوّض بصورة جذرية مصالح الولايات المتحدة الاستراتيجية بشكلٍ عام. وبالرغم من أن للولايات المتحدة بحكم تحالفاتها الواسعة في منطقة الشرق الأوسط اليد العليا، تستطيع روسيا منع الولايات المتحدة وحلفائها من هذه الميزة كما بيّنت ذلك بوضوح.

وروسيا تعلم أيضاً على أية حال بأن عدم تعاونها مع الولايات المتحدة على مستقبل سوريا سيبقي لموسكو نفوذ ضئيل في تشكيل أو التأثير على النظام السياسي الجديد الذي سيبرز أخيراً من رماد أعمال عنف وفوضى مفعمةً بالانتقام والعقاب والتي سيستفيد منها الإسلاميون بدرجة كبيرة ويبرز تبعاً لذلك مزيداً من التطرف. ولذا، فالوقت قد حان لكلتا الدولتين العظمتين للاشتراك مع المجلس الوطني السوري وجامعة الدول العربية وتركيا للتعاون تماماً في البحث عن مخرج يحافظ على الكثير من مصالحهم ويمنع في نفس الوقت “خروج الأزمة عن نطاق السيطرة” كما عبّر عن ذلك في الآونة الأخيرة وزير الدفاع الأمريكي بانيتا. وبالفعل، لا روسيا ولا الولايات المتحدة (ولو أن كلاهما يحاول حلّ الأزمة من زوايا مختلفة) يمكن أن تسمحا للأزمة أن تدمر البلد بعشرات الألوف من الإصابات والضحايا دون التسبب بضرر شديد لمصالحهما القريبة والبعيدة الأمد.

وتجدر الإشارة بأن وزير خارجية روسيا، سيرجي لافروف، قد صرّح في أكثر من مناسبة بأن روسيا غير “متزوجة” من الرئيس الأسد ولن تعارض حلاً ينهي الأزمة تحت ظروف غير محددة. واحتمال اندلاع حرب أهلية على نطاقٍ واسع (بالرغم من أن الصليب الأحمر قد أعلن عن تحوّل الأزمة إلى حرب أهلية) قد يخلق الآن الظروف القسرية للولايات المتحدة وروسيا لوضع استراتيجية تجبر الأسد على التنحي عن طريق دعم جهود المجلس الوطني السوري للتوصل لنفس الهدف. وكما ذكرت آنفاً، فإن بوتين يدرك بأن استمرار دعمه لنظام الأسد حتى النهاية المرّة يفقد جوهره ومصداقيته وخسارة سوريا ستكون ضربة قاسمة لمصالح روسيا الاستراتيجية بشكلٍ عام في المنطقة. فإذا تمكّن بوتين من التوصل لاتفاقية مع الولايات المتحدة والمجلس الوطني السوري يحفظ مصالح روسيا في سوريا ويتفاوض مع الولايات المتحدة على قضايا ثنائية ذات أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا، حينئذٍ سيكون بوتين مستعداً للتضحية بالأسد. وإذا علم الأسد من خلال قنوات روسية خاصة بأنه على وشك أن يفقد دعم موسكو له، قد يختار ممراً آمناً لدولة أخرى وتجنب مصير القذافي.

وإذا رفض الأسد الانصياع لدعوة روسيا، قد تعبّر روسيا حينئذٍ وبصورة علنية عن مخاوفها بأن الأزمة في سوريا تخرج بالفعل عن السيطرة وتعرّض استقرار المنطقة للخطر. وفي هذه الحالة قد تصبح روسيا مستعدة لتبني قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي بالنيابة عن الجامعة العربية تحت الفصل السابع الذي يخوّل فرض عقوبات واحتمال استخدام القوّة إذا رفض الأسد التخلي عن السلطة. ويجب على القرار أيضاً أن يفوّض توريد معدات عسكرية لإيقاف الدبابات والطائرات النفاثة وتوفير مساعدة لوجستية للمعارضة والسماح للثوار بوضع يدهم على مساحة واسعة من الأراضي السورية في الشمال والجنوب. هذا الأمر سيوفر ملجأً للزيادة الضخمة المتوقعة من اللاجئين وينشىء أرضية انطلاق للجيش السوري الحرّ ليشن منها عمليات عسكرية مهمة ضدّ النظام. وعند الوصول إلى هذا الهدف، يمكن للولايات المتحدة وروسيا بعدئذٍ أن تساعد المجلس الوطني السوري على إعادة تنظيم نفسه وتقديم أجندة موحدة تضمّ جميع الشرائح الاجتماعية والطوائف الدينية في سوريا، وبالأخص الأقليات الكردية والمسيحية والعلوية. وتعاون الضرورة ما بين روسيا والولايات المتحدة سيجنب نتيجة رهيبة قد يعاني البلدان منها نكسةً مذلة.

ومن الأمور التي لا مناص منها هو أن يكون المجلس الوطني السوري مستعداً لتسلم الجهاز الحكومي عندما يغادر الأسد وذلك بإنشاء حكومة ظلّ مكونة من شخصيات يجب أن تضمّ بعض الوجوه التي هربت أخيراً من سوريا. وعند تشكيل المجلس الوطني السوري جبهة موحدة، يجب أن يكون الدعم الذي يستلمه من الغرب ومن روسيا مشروطاً بفترة انتقالية طويلة نسبياً تتراوح ما بين ثلاثة إلى خمسة أعوام قبل إجراء الانتخابات. بهذه الطريقة سيكون لأحزاب علمانية جديدة فرصة أفضل لتنظيم أنفسها وتحضير برامج سياسية شاملة وفي نفس الوقت تقليص فرص الإسلاميين للإستيلاء على السلطة ، وهذا ما لا تريده روسيا ولا الولايات المتحدة ولا المجلس الوطني السوري.

علاوة على ذلك، يجب أن تكون الولايات المتحدة وروسيا مستعدة لتبني قرار أممي يفوّض إنشاء قوة حفظ سلام تتكوّن من عددٍ لا يقل عن 10 إلى 15 ألف جندي من الدول العربية. ويفضّل أن تكون هذه القوة العسكرية تحت قيادة سعودية – مصرية مشتركة ينضم لها مستشارون من الغرب ومن روسيا لتوفير الدعم اللوجستي والفني. ويجب أن يكون لهذه القوة – إذا كانت تريد أن تعمل بفعالية في سوريا – الصلاحية لاتخاذ أي إجراء لحفظ السلام عند الضرورة.

وأخذاً بعين الاعتبار المصالح المعقدة المتضاربة ما بين جميع الجهات المعنية والتي ستتأثر مصالحها حتماً نتيجة الأزمة في سوريا، قد يبدو هذا الطرح بعيد المنال، ولكن إذا تُركت الأزمة لتأخذ مجراها، سيكون كل طرف في النهاية خاسراً وسيغوص الشرق الأوسط في مستقبل رهيب لا يمكن التكهن به.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE