All Writings
مايو 21, 2013

بالإرادة يتحقّق كلّ حلــــــــــــــــم

تبيّن لي عندما تحدّثت لعشرات الشخصيّات الدوبلماسيّة والأكاديميّة والعديد من وسائل الإعلام هنا في الولايات المتحدة وفي الدول العربيّة وإسرائيل عن الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني بأنّ الأغلبيّة توافق على أنّه ما لم تضع الولايات المتحدة ثقلها بمعنى الكلمة لحلّ هذا الصّراع ستؤول الجهود الحاليّة لتحقيق السّلام التي شرعت بها في الآونة الأخيرة واشنطن بالتأكيد إلى الفشل.

إنني أؤيّد شخصيّا ً هذا الرأي وأعارض بشدّة رأي العديد من المسئولين الأمريكيين اللذين يقولون بأنه ليس من الضروري على الولايات المتحدة أن تطلب السّلام أكثر من أطراف السّلام أنفسهم, ويصرّون بأنّ المسئوليّة تقع على كاهل الإسرائيليين والفلسطينيين لبيان إرادتهم في الدخول في مفاوضات سلام ٍ جادّة تقوم الولايات المتحدة بكلّ سرور بتسهيلها.

وإذا كانت هذه هي الحال, لماذا إذن يستمرّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني في تعنّته بالرّغم من أنّ الأغلبيّة على كلا الجانبين تريد السّلام ؟ وأنا أؤكّد بأن الرئيس أوباما إن أراد السّلام فعلا ً, فإن بإمكانه التوصّل إلى اتفاقيّة سلام بشرط أن يستثمر لأجلها الموارد اللازمة ورأس المال السياسي الذي كانت تفتقر إليه الجهود السابقة.

هناك العديد من المعوّقات لتحقيق السّلام ما بين إسرائيل والفلسطينيين, شاملة عدم الثقة على كلا الجانبين والنظرات الخاطئة لكلّ طرف ٍ حول الآخر والضغوط المحليّة المتفاوتة والإيديولوجيّات المتطرفة والمفاهيم الدينيّة المتناقضة. ورغم كلّ هذه المعوّقات فإنني أعتقد أنّه من الممكن التغلّب عليها جميعها مع مرور الوقت.

لقد وقع القادة الإسرائيليّون والفلسطينيّون ضحايا لرواياتهم الشعبيّة العنيدة والمتصلّبة ممّا يجعل من تغيير المسار دون خسارة قاعدتهم السياسيّة أمرا ً في غاية الصعوبة. ولتسهيل شروط وظروف إبرام اتفاقيّة بين الطرفين, الجانبان بحاجة لضغط قويّ لا يلين لتوفير التغطية السياسيّة لهما. وهذا الضغط لا تستطيع أن تمارسه سوى الولايات المتحدة الأمريكيّة.

الجهود الحاليّة التي يقوم بها وزير الخارجيّة الأمريكي جون كيري لإعادة استئناف المفاوضات الإسرائيليّة – الفلسطينيّة في منتهى الأهميّة لأمن إسرائيل, لحلفاء أمريكا العرب وللإستقرار الإقليمي. وعلى الرئيس أوباما على أيّة حال أن ينذر كلا الطرفين وبصورة واضحة لا لبس فيها بأنّ الولايات المتحدة عازمة على مواصلة مساعي السّلام دون كلل وستكون مستعدّة لاستخدام أيّة أدوات أو وسائل متاحة لها لتحقيق هذا الغرض. وعدا ذلك, لا رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لأسباب إيديولوجيّة ولا الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس لضعفه السياسي سيهتمّان بهذا الإنذار, وعليه ستنتهي هذه الجهود بالفشل مثلما فشلت محاولة الرئيس الأمريكي سابقا ً خلال فترة رئاسته الأولى للخوض في “المستنقع” الإسرائيلي – الفلسطيني حيث افتقرت إدارته آنذاك لاستراتيجيّة واضحة المعالم والتصميم لإخراج كلا الطرفين من مواقفهما المتصلّبة منذ وقت ٍ طويل.

وإضافة ً إلى أسلوب استخدام القوّة التي لا مفرّ منها, يجب على أوباما مطالبة لاعبين سياسيين آخرين مهمّين يتمكّنون بدورهم من ممارسة المزيد من النفوذ على الإسرائيليين والفلسطينيين للتصالح مع بعضهم البعض.

أوّلاً, يجب أن يُترجم نداء كيري الموجّه للجامعة العربيّة إلى أفعال الآن. لقد عرضت مبادرة السّلام العربيّة – التي خرجت لحيّز الوجود في عام 2002 خلال مؤتمر القمّة العربيّة المنعقد في بيروت / لبنان – آفاقا ً جديدة ووضعت خطّة تعتبر مركزيّة لأيّ سلام ٍ عربي – إسرائيلي شامل. يجب إعادة إنعاش هذه الخطة الآن لتقديم أمل ٍ جديد في إنهاء الصّراع. فمن الضروري أن تصرّ الولايات المتحدة بهذا الصّدد على المملكة العربيّة السعوديّة التي وضعت أصلا ً هذه المبادرة أن تستلم زمام القيادة بإعادة عرضها المبادرة بصيغة ٍ معدّلة وألاّ تعامل على أساس “إمّا أن تأخذها كما هي أو تتركها” بل بجب – على أية حال – التفاوض حولها.

ونظرا ً للثورات والإضطرابات الإقليميّة والتهديد الإيراني, لا تستطيع دول الخليج (بقيادة المملكة العربيّة السعوديّة) وتركيا, وبشكل ٍ خاصّ مصر بعد الآن الإستمرار في التكلّم بلسانين, أي الإدعاء بأنها تساند السّلام من ناحية, ولكن تسمح في نفس الوقت لحماس وحزب الله بنسف هذه التوقعات والآمال. وعلى الولايات المتحدة أن تطالب هذه الدّول أن تساهم بممارسة أي ضغط ضروري لإعادة هاتين المنظمتين المرتدتين إلى رشدهما.

والفلسطينيّون ليسوا ضحايا أبرياء, فقد ساهموا أنفسهم في حلول شقائهم. ويستمرّ بعضهم مثل حماس والجهاد الإسلامي في السعي حتّى هذا اليوم لتدمير إسرائيل. وما دامت هذه الفصائل المتطرّفة مستمرّة في تهديد إسرائيل وتقبل بهذا الدّول العربيّة القياديّة بدون اكتراث ٍ أو اهتمام, فإن لدى الحكومات الإسرائيليّة الحاليّة والمستقبليّة أسباب مشروعة للتشكّك في نوايا العرب. وبإمكان الولايات المتحدة أن تصرّ بأنه لا يجوز لهذه الدّول العربيّة أن تبشّر بعد الآن ببشارة السّلام في الوقت الذي تنظر فيه بطريقة أخرى مغايرة وذلك بسماحها لحزب الله – الذي يخدم أسياده في طهران – ولحماس بالإستمرار في تجزئة الفلسطينيين, مقوّضين بذلك احتمالات السّلام.

ثانيا ً, من الضروري على الرئيس أوباما أن يناشد قادة الكونغرس, وبالأخصّ أولئك اللذين تسندهم الطوائف الإنجيليّة في الولايات المتحدة واللذين يساندون بشكل ساحق إسرائيل (أكانت على حقّ أم على باطل), بأن يفهموا بأن مصالح إسرائيل الأمنيّة الوطنيّة تُخدم أفضل طريقة بالسّلام. يجب أن يدرك هؤلاء الزّعماء بأن الوضع الراهن يزداد خطورة ً وهم يساهمون فيه بتأييدهم الغير مقصود للإحتلال. وهذا ينعكس بشكل ٍ مروّع على موقف إسرائيل المعنوي والأخلاقي في عيون المجتمع الدولي ويصوّر الكونغرس على أنّه شريك في الإحتلال.

وفي حين أنّ تأييد ومساندة إسرائيل سياسيّا ً وماليّا ً وعسكريّا ً ضروري, غير أنّه يجب أن يسأل كلّ زعيم في الكونغرس الأمريكي نفسه هذا السؤال: “أين ستؤدي سياسة إسرائيل الحاليّة ؟“. فكلّما طال الصّراع زادت المخاطر بالنسبة لإسرائيل التي يسعى هؤلاء الزعماء لحمايتها.

على الديمقراطيين والجمهوريين على حدّ سواء, المعجبين بديمقراطية إسرائيل وبإنجازاتها الغير معقولة في ظروف ٍ وأجواء مستمرة من العداء, أن ينهضوا الآن لإنقاذ إسرائيل من نفسها. عليهم أن يحثّوا حكومة نتنياهو على قبول مبادرة السّلام العربيّة من حيث المبدأ. فمساندتهم التي لم تكلّ خلال السنوات تلقي عليهم المسئوليّة المعنويّة والأخلاقيّة وكذلك الإلتزام بمساندة الرئيس في مساعيه من أجل السّلام.

ثالثا ً, إنّ تأييد ومساندة الجالية اليهوديّة الأمريكيّة لإسرائيل أمر ٌ طبيعي بحكم انتساب الشعب اليهودي لبعضه البعض والإعتقاد بمصير ٍ مشترك. لقد خُلقت إسرائيل لتعطي جميع اليهود – بصرف النظر عن مكان إقامتهم – شعورا ً بالأمن نشأ نتيجة الخبرات والتجارب التاريخيّة والمأساويّة والتراث الحضاري, لربّما باختلاف أية أمّة أخرى. وفي حين أنّ مساندة هذه الجالية اليهوديّة لإسرائيل أمر ٌ بديهي, يجب ألاّ يُترجم هذا التأييد كموافقة عمياء على سياسات إسرائيل التي قد تقوّض كلّ الأسباب والدوافع التي أقيمت من أجلها إسرائيل بالدرجة الأولى.

وبالرّغم من أنّ بعض القادة اليهود الأمريكيين يقدّمون بشكل ٍ شخصي النصيحة للقيادة الإسرائيليّة لتعديل سياساتها تجاه الفلسطينيين, غير أنّ أغلبيّة اليهود الأمريكيين ساندوا من الناحية التاريخيّة سياسات الحكومات الإسرائيليّة مهما كانت هذه السياسات متطرّفة.

وفي السنوات الأخيرة على أية حال مع بروز حركة “جي ستريت” التي تشجّع السّلام وتدعو لإنهاء الإحتلال – بخلاف لجنة الشئون الأمريكيّة – الإسرائيلية العامّة (آيباك) التي تساند بشكل ٍ عام سياسات أية حكومة إسرائيليّة – تدعو هذه إلى تغيير ملموس للأفكار والأحاسيس ما بين اليهود الأمريكان. أضف إلى ذلك, فإن هناك امتعاض متنام ٍ بين الشبّان اليهود الأمريكيين اللذين يعارضون الإحتلال وينظرون إليه على أنّه لاأخلاقي ولا يتماشى مع القيم التي تربّوا عليها.

تشكّل كلّ هذه التطورات انفتاحا ً جديدا ً للإدارة الأمريكيّة لكي تقول وبشدّة للقادة اليهود الأمريكيين بأنّه بالرّغم من التزام الولايات المتحدة الذي لا يهتزّ بأمن إسرائيل, فإن إسرائيل لا تستطيع أن تعيش دوما ً بالسيف ويجب أن تخرج من عزلتها المتنامية.

يستطيع أيّ شخص أن يشير للصعوبات التي تواجه التوصّل لاتفاقيّة لأنها تضمّ في ثناياها العديد من المشاكل الشائكة والمخاطر الناتجة عنها والخوف من الفشل. ولذا على الرئيس أوباما على أية حال أن يلجأ لأية وسائل ضروريّة, شاملة القسريّة, لحلّ الصّراع, لأنّ عواقب عدم اتخاذ أي إجراء يفوق إلى حدّ بعيد أيّة مخاطر سياسيّة أو احتمالات الفشل.

قد يكون دفع الإدارة الأمريكيّة الجديد نحو السّلام آخر فرصة للرئيس أوباما قبل أن ينجرّ الشرق الأوسط باحتمال ٍ كبير إلى حرب ٍ إقليميّة بسبب تفكّك سوريا وسعي إيران الحثيث لامتلاك الأسلحة النوويّة. لقد قدّمت الولايات المتحدة نفسها في الماضي على أنها الوسيط النهائي لإنهاء الصّراع الإسرائيلي- الفلسطيني المدمّر. ولذا عليها الآن أن تفي بوعدها.

في كتابه الصادر عام 1902 بعنوان:”الأرض القديمة الجديدة” قال مؤسس الحركة الصهيونيّة, ثيودور هرتسل, بالإشارة إلى تأسيس دولة يهوديّة مقولته الخالدة:”إذا أردتها, فلن تكون حلما ً”.

لم يكن أحد يدرك آنذاك بأنه ستقام دولة يهوديّة, ولكنها قامت بالفعل بعد 45 عاما ً. لقد تحمّل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي حتى الآن مدة 65 عاما ً, وبإمكانه أن ينتهي الآن, ولكن فقط إذا أرادت الولايات المتحدة ذلك.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE