عام 2020 سيكون أكثر اضطراباً من عام 2019 ، ما لم…
ما لم تُتّخذ بعض التدابير الصارمة، فإن النزاعات المختلفة في الشرق الأوسط ستصبح أكثر تعقيدًا وستتسبب في خسائر فادحة في الدم والإضطراب الإاقتصادي الهائل. ستعتمد شدة هذه الأزمات المستمرة وتداعياتها على ما إذا كان المقاتلون يفترضون موقفًا واقعيًا أم أن قيادة جديدة ستُبعث وتلتزم بالبحث عن حلول عادلة يمكن أن تبقى. يجب أن نضع في اعتبارنا أن الإضطرابات التي شهدناها في عام 2019 قد تزداد حدة في عام 2020 بسبب الأزمة العالمية المستمرة للقيادة والتحديات التي تواجه النظام العالمي الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية. تعكس المراجعة الموجزة التالية لسبعة صراعات في الشرق الأوسط هذه التطورات وتطرح السؤال حول ما يجب القيام به لتغيير الديناميات على أمل حل بعض هذه النزاعات.
الخيانة:
إن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني هو أقدم وأعسر صراع استهلك كلا الشعبين منذ أكثر من 70 عامًا ، وأصبح أكثر ضعفًا بسبب رفض قيادتهما الإعتراف بحق كل منهما للآخر في نفس الأرض. لقد خان القادة شعوبهم من خلال عدم تقديرهم للترابط النفسي والديني والتاريخي لكلّ منهم بالأرض والتعامي عن الإنتشار الداخلي بين السكان مما يجعل التعايش لا مفر منه. يجب على الإسرائيليين والفلسطينيين الآن الاختيار بين العنف الذي لا ينتهي أو العيش في وئام ٍ وسلام. وبالنظر إلى الأزمة في القيادة ، تستدعي الساعة قادة جدد يتمتعون بالشفافية والشجاعة ويدركون أن أمن ورفاهية شعبهم في المستقبل لا تزال تستند إلى الخيار الوحيد القابل للتطبيق، ألا وهو حل الدولتين.
الوهم الكبير:
سعت إيران في أعقاب الثورة في عام 1979 لتصبح القوة المهيمنة في المنطقة مجهزة بالأسلحة النووية. وتشير الإضطرابات التي تجتاح الشرق الأوسط إلى تورّط وإشتراك إيران في معظم النزاعات التي تزعزع استقرار المنطقة ، بما في ذلك لبنان واليمن والعراق وسوريا، هذا في حين أنها تقوم بتجنيد وتمويل وتدريب الجماعات الجهادية والإرهابية وتهديد وجود إسرائيل. وعلى الرغم من أن انسحاب الولايات المتحدة من صفقة إيران كان خطأ ، إلا أن تحدي إيران أدى إلى عقوبات كاسحة من طرف الولايات المتحدة الأمريكية. ليس الحل هو السعي لتغيير النظام وتدمير المنشآت النووية الإيرانية، بل إن استئناف المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران هو السبيل الوحيد للخروج من المأزق الحالي، شريطة أن تلعب إيران دورًا إقليميًا بناءً وأن تتخلى عن وهمها الضخم لتصبح قوة نووية ومهيمنة في المنطقة.
التوق للهوية الوطنية:
مرّ العراق منذ تأسيسه في عام 1932 باضطرابات سياسية كثيرة طغت على تاريخه المجيد. وفي أعقاب ثورة عام 1958 صعد حزب البعث، وهو نظام قومي واشتراكي، إلى السلطة وتمكّن من تمويل مشاريع طموحة طوال السبعينيات. وفي عام 1979 تولى صدام حسين ، وهو مستبد لا يرحم ، السلطة وقاد البلاد إلى الحرب العراقية – الإيرانية الكارثية وإلى حرب الخليج. لقد أدت حرب عام 2003 إلى مقتل أكثر من 100000 عراقي ودمّرت البلاد وجعلت إيران تمارس تأثيراً هائلاً على جميع الشؤون العراقية، هذا بينما يعاني الشعب من ضائقة إقتصادية عميقة. والمظاهرات الضخمة الحالية التي تطالب بالإطاحة بإيران سوف تسود في نهاية المطاف وتستعيد الهوية الوطنية الفريدة للعراق التي يتوق إليها جميع العراقيين.
القتل باسم الله:
سيتم التذكير بحرب اليمن كأكبر كارثة إنسانية في التاريخ الحديث. إنها حرب بالوكالة بين زعيمة المسلمين السنة – المملكة العربية السعودية التي تدعم الحكومة المعترف بها دوليًا ومصممة على منع إيران من تأسيس موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية – و زعيمة المسلمين الشيعة – إيران ، التي تدعم المتمردين الحوثيين. أصبحت اليمن ساحة المعركة ويُقتل اليمنيون في أرضهم باسم الله. لقد لقي عشرات الآلاف حتفهم والملايين يتضورون جوعا وأكثر من مليون طفل مصابون بمرض الكوليرا، كل ذلك في الوقت الذي تتواجد فيه البلاد في حالة خراب. وبعد خمسة أعوام أدركت الأطراف المتحاربة أخيرًا أن الحرب ببساطة لا يمكن ربحها. ولن يبقى في النهاية للطرفين سوى التفاوض على حل.
ثمن النهم للسلطة:
يصعب فهم الحرب الأهلية في سوريا التي بدأت في عام 2011. ما بدأ كمظاهرة سلمية أصبحت أكثر الحروب تدميراً في القرن الحادي والعشرين. ولو أن الرئيس الأسد استجاب لمطالب مواطنيه من خلال تزويدهم بحقوق الإنسان الأساسية ، لكان قد تجنب حرباً كارثية أسفرت عن مقتل ما يقرب من 700.000 شخص والتسبب في لجوء أو تشريد حوالي 11 مليون شخص خارج وداخل البلاد وسوّت نصف عمارة البلاد بالأرض. والآن يحكم الأسد تحت رحمة روسيا وتركيا وإيران الذين عقدوا العزم على الحفاظ على موطئ قدم دائم في سوريا. وقد تصبح سوريا ساحة معركة بين إسرائيل وإيران، هذا في حين تجوب عشرات الميليشيات والمجموعات الجهادية والإرهابية البلاد بلا نهاية منظورة.
دكتاتورية أردوغان التي تهزم نفسها بنفسها:
بعد فترة وجيزة من وصول الرئيس التركي أردوغان إلى السلطة في عام 2002 ، كان يُعتقد أن تركيا تحت قيادته ستصبح أول ديمقراطية إسلامية عاملة. لقد شرع في إصلاحات اجتماعية سياسية وتطورات اقتصادية واسعة النطاق وشجع الأكراد على إنهاء نزاع استمر عقودا في حين قام بتحسين فرصة اندماج تركيا المحتمل في الاتحاد الأوروبي. ولكن بعد ذلك عكس تروس الدولاب. فبالنسبة لأوردوغان كانت الديمقراطية مجرد وسيلة لتعزيز أجندته الإسلامية وقيادة العالم الإسلامي السني. لقد لاحق خصومه الدينيين والأيديولوجيين بالإنتقام وسجن عشرات الآلاف من أتباع غولن والأكراد، هذا إلى جانب حوالي 200 صحفي ما زالوا يقبعون في السجون. سوف يترك أردوغان وراءه إرث زعيم لا يرحم تستحوذه فكرة إحياء الإمبراطورية العثمانية والذي بدد مستقبل تركيا الباهر المرتقب لصالح دكتاتورية تهزم نفسها بنفسها.
هزيمة مقدرة مسبقا ً:
كان ينبغي أن تنتهي حرب أفغانستان ، وهي الأطول في التاريخ الأمريكي ، بعد عام واحد من بدئها في عام 2001. وكان من الواضح أن هزيمة طالبان الأولية كانت مؤقتة وأنهم سيعودون يوما ً لاستعادة حقهم الأصلي في أرض أجدادهم التي تعود إلى الألف عام الماضية. لم تؤت جهود الولايات المتحدة لإقامة ديمقراطية، إلى جانب زيادة متصاعدة من القوات الأمريكية وتكلفة متصاعدة ، بثمار تذكر. حافظت طالبان بلا هوادة على هجومها المضاد. وبغض النظر عن خسائرها الفادحة، إلاّ أنها أعادت تأسيس دورها المركزي. وبصرف النظر عن أي اتفاق يتم التفاوض عليه مستقبلا ً، ستتولى طالبان في نهاية المطاف زمام الأمور. كل ما تستطيع الولايات المتحدة فعله هو مطالبة طالبان بالتمسك الكامل بحقوق الإنسان ومعاقبة أي انتهاكات بعقوبات كاسحة.
هناك بالتأكيد العديد من البلدان الأخرى في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي تعاني من عدم الإستقرار السياسي والمشاكل الاقتصادية الشاقة والعنف وعدم اليقين والخوف. وللأسف ، فشلت إلى حد كبير الجهود التي بذلتها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتهدئة أو حل الكثير من هذه الصراعات – سواء في لبنان أو ليبيا أو جنوب السودان أو العديد من البلدان الأخرى.
من المرجح أن يكون عام 2020 مضطربًا ، إن لم يكن كعام 2019 فلربما حتّى أكثر من ذلك . ويرجع ذلك أساسًا إلى الإفتقار إلى القيادة الأمريكية واندفاع قوى أخرى ، وخاصة روسيا والصين ، وإلى حدّ أقل تركيا وإيران، لملء الفراغ الذي خلّفته الولايات المتحدة. أضف إلى ذلك ، فإننا نشهد تحولًا عالميًا حيث تتصاعد القومية والتطرف وكره الأجانب، وملايين اللاجئين يتنقلون، والفقر والتفكّك الإقتصادي متفشيان ، مما يسهم معًا بشكل كبير في عدم الإستقرار والعنف.
للأسف ، قد تتفاقم هذه التطورات مقترنة بأزمة عالمية في القيادة قبل أن يتمكن جيل جديد من القادة من النهوض والقيام بمحاولة جدية لحل العديد من هذه الصراعات بصورة إنسانية وعاطفية ومنصفة لضمان إستمراريتها.