All Writings
يناير 14, 2013

على إسرائيل أن تستيقظ لتجنب كارثة وطنيّة

أعتقد بأنه حان الوقت “للربيع العربي” ليصل إلى الشواطىء الإسرائيلية. وحان الوقت للإسرائيليين ليحرروا أنفسهم من قيود الاحتلال ويعودوا أحراراً. وحان الوقت أيضا ً لوقف المتزمتين والقيادات الدينية المتطرفة من الدفع بإسرائيل تدريجياً إلى حافة كارثة وطنية. لا يجوز للإسرائيليين أن يبقوا راضين عن ازدياد عزلة بلادهم والخطر المحدق بها نتيجة التخلي عن رؤية حلّ الدولتين الذي يبقى الخيار الوحيد القابل للحياة لإنقاذ إسرائيل كدولة ديمقراطية يهودية. حان الوقت للإٌسرائيليين أن ينهضوا ويثوروا قبل أن يفوت الأوان وأن يطالبوا بوضع نهاية للصراع مع الفلسطينيين.

فبالرغم من فشل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في الماضي في التوصل إلى اتفاقية سلام وبالرّغم من قيام حكومة نتنياهو – بما يتناقض مع تصريحاتها العلنية الجوفاء – بتنفيذ سياسات تقوّض أي أملٍ في التوصل إلى اتفاق، حان الوقت للإسرائيليين أن يسألوا أنفسهم هذا السؤال:”إلى أين نحن متجهون؟”. ستقضي طبيعة النظام السياسي الإسرائيلي بتركيبته الحالية التي ينقصها قادة شجعان وبعيدي البصر على الأرجح على أي أملٍ لإحراز اختراق سلمي في المستقبل القريب. سيدرك فقط الإسرائيليون الذين لن ينخدعوا بالتهدئة النسبية الظاهرة والإزدهار الإقتصادي والذين لم ينجروا وراء الأساليب الدهماوية وعقلية الحصار بأن البلاد على طريق الدّمار الذاتي. هؤلاء عليهم أن يثوروا الآن ويطالبوا بإعادة إسرائيل إلى المبادىء التي وضعها مؤسّسوها وهي: وطن حرّ وديمقراطي وقوي لليهود يعيشون فيه بكرامة ويسيرون على أرض أخلاقية ومعنوية عالية ورؤوسهم مرتفعة.

قبل حوالي عامٍ ونصف خرج عشرات الآلاف من الإسرائيليين للشوارع مطالبين بتوفير مسكنٍ أفضل وأجور أفضل وضرائب أقل ويتذمرون بمرارةٍ من ارتفاع تكاليف المعيشة والوقود، ولكن لم يطالب أحد منهم بإنهاء الإحتلال الذي تنفق عليه الحكومة ما يزيد عن 6 مليارات دولار سنوياً على إجمالي التكاليف الأمنية والعسكرية. فعلاوةً على استخدام الأموال لغير الأغراض المخصصة لها، كم من الإسرائيليين يعتقد فعلاً بأنه بإمكان إسرائيل أن”تستمر في النمو والإزدهار” في حين هي مستمرة في احتلال أراضٍ فلسطينية ضد إرادة شعبها بتكاليف باهظة؟ ثم لنتساءل: هل إسرائيل فعلاً في ازدهار اقتصادي متنامٍ في وقت تعيش فيه 20% من العائلات الإسرائيلية (أي ما يعادل 1.7 مليون إسرائيلي من ضمنهم 840.000 طفل) تحت خط الفقر؟ فإذا كان الإسرائيليون غير واعين بأزمتهم الداخلية، الاجتماعية والاقتصادية، فكيف بهم سيعون محنة الفلسطينيين.؟

إن موازاة المشاريع الإستيطانية بالأمن القومي ليس فقط أمراً مضلّلاً ومخادعاً، بل إنه يسلب الإسرائيليين الفقراء العيش حياةً كريمة في حين يسمح أيضاً بإبقاء الصراع مع الفلسطينيين عند نقطة الغليان. إلى متى ستظلّ التهدئة النسبية مسيطراً عليها قبل أن تنفجر في وجه نتنياهووحلفائه؟ لم تثنِ المليارات التي أٌنفقت على المستوطنات وعلى أجهزة الأمن المعقدة جداً من قيام حماس بإرهاب عشرات الآلاف من الإسرائيليين. الحرب الأخيرة مع حماس لا تشرح أو تبرّر استمرار الإحتلال أو الحصار، لا بل عكس ذلك، فهي تدلّ على عقم وعدم جدوى القوة العسكرية الفائقة في غياب السلام.

إن الفشل الذريع للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في إنهاء الأحوال المهينة للإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء يتطلّب الآن أن يثور الشعب الإسرائيلي بمئات الألوف، يوماً بعد يوم، لوضع نهاية للإحتلال. عليهم إنهاء المهزلة التي قام بها قادة سياسيّون فاسدون التصقوا بإيديولوجيات ذات طريقٍ مسدود وأشغلوا أنفسهم بالمؤامرات والمكائد السياسية للحفاظ على مصالحهم الشخصية على حساب حاجة الدولة الملحة. حان الأوان للشعب الإسرائيلي أن ينهض لأن وقت التحضير قصير، وبالأخصّ فالتوقيت مناسب وهناك نافذة لفرصةٍ تقدم نفسها.

مطلوب قيادة شعبية فاعلة تبرز من الأكاديميين والمنظمات الطلابية لتعمل بمثابة عامل مساعد لتوحيد الرأي العام في انتفاضة حول المبرر العام لإنهاء الإحتلال. أجل، قادة يتوفر لديهم الطموح السامي والرؤية الحقيقية لدولة إسرائيل الديمقراطية والحرّة، محرّرة من أصفاد السياسات الفظة والتمييزية التي حوّلت اليهود المضطهدين تاريخياً إلى جلادين ومحتلين. سلوك حكومة نتنياهو يصطدم بعنف بجميع القيم الأخلاقية والمبادىء التي يعيش ويموت اليهود على أساسها، وهي مبادىء المساواة والعدل والكرامة الإنسانية. يجب على الإسرائيليين الشباب وكبار السن على حدّ سواء استرجاع هذه القيم النبيلة التي حافظت على بقاء اليهود عبر التاريخ والتي ستوفر لإسرائيل الآن الضمانات الأمنية النهائية.

لا يمكن المغالاة في التأكيد على أهمية الإبقاء على الإنتفاضة الشعبية بدون عنف مهما كلّف ذلك من ثمن. بإمكان فقط المحتجين بالطرق السلمية أن ينقلوا حقيقةً أهمية حلّ الصراع سلمياً. أضف إلى ذلك، وحيث أن نجاح مثل هذه الحركة سيعتمد بشكلٍ رئيسي على جذب أعداد متزايدة من المؤيدين من داخل وخارج إسرائيل، فإن الحفاظ على الطبيعة السلمية للإنتفاضة سيصبح أكثر أهمية بكثير. يجب ألاّ يسمح المحتجون أبداً لأنفسهم أن تخاف من وجود قوّات أمنية. وفي حالة حدوث أعمال عنف متفرقة ومحدودة وبدون قصد، يجب ألاّ تقابل هذه بأعمال عنفٍ مضاد. هذه هي الطريقة الوحيدة لترسيخ القصد السلمي للإنتفاضة. وبالفعل، كلّما كان سلوك المحتجين أكثر سلمياً، كلّما عظمت الأرض الأخلاقية والمعنوية التي يقفون عليها.

يجب أن تكون الانتفاضة جماهيرية بمئات الآلاف يتدفقون إلى الشوارع، وبالأخصّ في تل أبيب والقدس، مطالبين بتغيير الوضع الراهن. مثل هذا العرض الهائل للتعبير الجماهيري الديمقراطي لن يدعم فقط روح المظاهرات، بل سيرسل أيضاً رسالة واضحة للحكومة – بصرف النظر عن ميولها السياسية أو انتمائها – بأن إرادة الشعب لن تهدأ إلاّ بإحداث تغيير جوهري في السياسة. ويجب على الشعب أن يبقى صلباً في موقفه المطالب بالسلام واستخدام شتى وسائل التواصل الحديثة لزيادة الوعي الشعبي.

إن الطريق الثابتة والمنهجية لانتفاضة سلمية هي الحلّ الوحيد لضمان نجاح شامل لإبداء الإرادة الشعبية. يجب أن يكون الإصرار الشعبي السّمة المميزة للإنتفاضة. وعلى المحتجين أن يستعملوا رموزاً وشعارات تعبّر عن سخطهم الشّديد مثل: ليسقط الإحتلال – نحن ضدّ الإنحطاط الأخلاقي – السّلم فقط يوفّر الأمن – يجب إنهاء الإعتقالات التعسفيّة والغير قانونيّة – لا يمكن أن تكون الديمقراطيّة جزءا ً من العسكريّة والعنصريّة – أوقفوا سياسة الأبارتهايد (الفصل العنصري) الزاحفة – إنهوا توسّع المستوطنات … وغير ذلك. هذا ويجب أن ترافق بعض هذه الشعارات صور أو رسومات تُحفر في الذاكرة وتبيّن الظلم والجور وتحرّك المشاعر الشعبيّة.

وفي حالة فشل الحكومة في الإستجابة بشكل ٍ ايجابي لاحتجاجات الشعب, يجب أن تكون الخطوة التالية إضرابات عماليّة وعصيان مدني, مثلا ً الخروج الجماعي من قاعات المحاضرات في الجامعات في جميع أنحاء البلاد واستخدام جميع وسائل الإعلام الشعبيّة بشكل جيّد لنشر المعلومات بشكل ٍ مفصّل عمّا يجري في أنحاء أخرى من البلاد. فإضرابات الطلبة والجامعات والمراكز العلميّة والبحثيّة والثقافيّة تستطيع أن تقدّم أمثلة ورموز قويّة ليس فقط للمقاومة الفكريّة بل تظاهرة جيل ٍ بأكمله يرفض إخضاع شعب ٍ آخر لأن ذلك يتناقض مع معتقداتهم ومبادئهم.

أمّا الرسالة الموجهة للفلسطينيين فستكون قويّة وواضحة إذ تبيّن استطلاعات الرأي العديدة بأن أغلبية من الإسرائيلين تتراوح ما بين 65 – 70 % تريد حلّ الدولتين لإنهاء الصراع, الأمر الذي سيحرّر الكثير من الفلسطينيين من وهمهم بأن إسرائيل لا تريد السّلام. هذا لا يعني بالطبع بأية حال ٍ من الأحوال بأن ليس للفلسطينيين دور يلعبونه أو مسئوليّة يتحملونها, وهذا ما سيكون موضوع مقالتي القادمة . المسألة هنا أنّه علينا أن نبدأ بإسرائيل لسبب وجيه فقط وهو أنّ العالم بأسره, بما فيه الولايات المتحدة الأمريكيّة, يضع المسئوليّة على عاتق إسرائيل متّهما ً إيّاها بالعناد والتحدّي والتزامها ببناء المستوطنات أكبر من التزامها بالسّلام. وحيث أنّ إسرائيل هي الطرف الأقوى في المعادلة, بإمكانها أخذ زمام المبادرة حتّى بمخاطر محدودة بدون أن تظهر ضعيفة ً مبيّنة قدرتها على تغيير المسار بإرادتها.

قد لا تكون الدعوة لانتفاضة ضدّ النظام محبوبة ً وستواجه بالتأكيد معارضة ً من الأغلبيّة الساحقة من أولئك الإسرائيليين المنتمين لأحزاب يمين الوسط الذين يؤمنون بقضيتهم وبحقّهم في أرض أجدادهم. ولكن على هؤلاء الإسرائيليين على أية حال أن يسألوا أنفسهم السؤال البسيط:” أين ستكون إسرائيل بعد عشرة أو حتّى عشرين عاما ً من الآن ؟”. وردّ نفتالي بينيت – زعيم حزب “البيت اليهودي” الجديد والنجم الصاعد على الساحة السياسيّة الإسرائيليّة – على سؤال ٍ حول الإتجاه المستقبلي لإسرائيل بقوله:” لا أدري” هو دليل خطير على أنّ قادة إسرائيل قد يكونوا مهندسي زوالها عن الوجود.

لا يحقّ لأيّ زعيم مهما كان متفانيا ً في خدمة إسرائيل أن يتبنّى مسارا ً قد يعرّض وجود الدولة للخطر بدون أن يعلم أين ستكون إسرائيل بعد جيل ٍ من الآن. لا يجوز أن يوضع مستقبل إسرائيل في أيدي مثل هؤلاء الزعماء المتهورين والمضلّلين اللذين لا يبصرون ما قد يخبّىء المستقبل للملجأ اليهودي الوحيد.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE