All Writings
سبتمبر 6, 2016

الغضب الأخلاقي الذي لم يغضب له أحد

ينبغي أن يوقظ الرّعب المستمرّ في مدينة حلب ضمير أي قائد عالمي لديه شيء  من الشجاعة لينهض ويقوم بكلّ ما بوسعه لوضع نهاية للمذبحة والمعاناة اللآانسانية للشعب السوري. وواقع أن حصار حلب مستمرّ بلا هوادة يكشف فقط عن سخافة المجتمع الدولي وانحطاطه الأخلاقي، هذا المجتمع الذي فشل في انقاذ السوريين الأبرياء من آلة قتل الأسد. وينبغي على الولايات المتحدة أن تتخذ الآن موقفا ً أكثر صلابة  تجاه انهاء المجزرة في مدينة حلب.

وبالتركيز في المقام الأول على هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، تساعد الولايات المتحدة واقعيّا ً نظام الأسد للإستمرار في حملته عديمة الرحمة التي قتلت حتّى الآن ما يقرب من 500.000 سوري ورحّلت 11 مليون وأمطرت على البلاد دمارا ً لم يُشاهد منذ الحرب العالميّة الثانية. يجب أن يوقف أولا ً قتل الأعداد التي لا تُحصى من السوريين الأبرياء، خصوصا ً الأطفال، وفقط بعد ذلك يمكن الشروع في التفاوض حول وقف ٍ طويل الأمد للأعمال العدائيّة.

وبالنظر إلى تعقيد الحرب الأهليّة في سوريا، وكما هي الأمور عليه اليوم، لا يوجد حلّ في الأفق. هناك عدّة لاعبين على الساحة، بما فيهم نظام الأسد والثوار وأحزاب المعارضة وتنظيم الدولة الإسلاميّة (داعش) وإيران وروسيا والولايات المتحدة وتركيا والأكراد السوريّون وتشكيلة من المجموعات المتطرفة المختلفة وغيرهم مثل المملكة العربية السعوديّة التي تشنّ حربا ً بالوكالة في سوريا والعراق – وهؤلاء جميعا ً لهم مصالح مختلفة في نتيجة الحرب الأهليّة. ولكلّ واحد ٍ منهم تحالفات وأهداف مختلفة عن الآخر، وليس هناك قطعا ً أية طريق لهم جميعا ً للوصول إلى حلّ توافقي لأن ليس أحد منهم حقّا ً قلقا ً أو مهتمّاً بوضع الشعب السّوري المزري، وهم بالأحرى يستغلّون الصراع فقط لخدمة مصالحهم الإستراتيجيّة الطويلة الأمد.

إنّ غزو الرئيس بوش المتهور للعراق في عام 2003 الذي هزّ وما يزال الشرق الأوسط بأكمله جعل الرئيس أوباما يخجل، لا بل يخشى من أن يتورّط بعمق عسكريّا ً في سوريا. أوباما كان وما يزال، لربّما لأسباب وجيهة، يسعى لمنع مزيدا ً من التصعيد للأسوأ لأنه هو الآخر لا يرى أية إمكانيّة لإنهاء الصّراع في وقت ٍ قريب، حتّى مع تدخّل أمريكي واسع النطاق.

ونتيجة ً لذلك، تخلّى الرئيس أوباما بشكل ٍ جوهري عن سوريا وشعبها لنزوات روسيا وإيران بشكل ٍ خاصّ، وسامحا ً لبوتين باستخدام ما يراه مناسبا ً من وسائل عسكريّة لحماية الأسد ما دام هذا الأخير يعمل كأداة لضمان المصالح الروسيّة.

والجهود الأمريكية لترتيب هدنة أخرى، حتّى وإن تمّ التوصّل إليها، لن تنجح أكثر من سابقتها، وقد تُحقّق في أحسن الأحوال توقفا ً محدودا ً وهشّا ً للأعمال العدائيّة. والسبب الكامن وراء هذه الحرب المأساويّة هو أنّ مثل هذا الصراع العنيد، الصّعب المراس، بهذا العدد الهائل من اللاعبين السياسيين والمصالح المختلفة والمتشعبة على الساحة لا يمكن تسويته ما دام أحد هذه الشروط الأربعة المبينة أدناه لحلّ الصراع غير موجود.

وكقاعدة يؤخذ بها، لن يكون بالإمكان حلّ الصراعات الدموية العنيفة الغير قابلة للمساومة ما لم: أ) تصل الأطراف المتصارعة لنقطة إعياء تامّ ، أو ب) يستنتج أخيرا ً اللاعبون الرئيسيّون بأنه ليس باستطاعتهم بعد الآن تحسين مواقفهم  والسيطرة، أو ج) لم يعد هناك مصلحة كامنة متأصلة في تمديد أمد الصراع والسيطرة عليه بكلّ بساطة  من قبل لاعب رئيسي أو أكثر لخدمة هدف إستراتيجي طويل الأمد،  أو د) وقوع حدث مأساوي يجعل من العودة للوضع الراهن  أمراً مستحيلا ً ومجبراً الأطراف المتصارعة على الإندفاع من أجل إيجاد حلّ دائم.

وبالنظر إلى عدم وجود أيّ من هذه الشروط الأربعة الرئيسيّة وأيضا ًمن غير المحتمل أن يحدث أحدها في وقت ٍ قريب، بإمكاننا أن نتوقّع بأن تستمرّ الحرب الأهليّة السوريّة لفترة خمسة إلى عشرة أعوام أخرى، الأمر الذي لا يبدو غير مسبوقاً. ففي لبنان المجاور استمرّت الحرب الأهليّة ضمن أمثلة عديدة حوالي (15) عاما ً (1975 – 1990) والحرب الأهليّة في الجزائر استمرّت (10) أعوام (1992 – 2002).

وأخذا ً في الحسبان بأن الحرب الأهليّة في سوريا ستستمرّ لعدة سنوات أخرى، فالسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: إلى أيّ مدى تستطيع الولايات المتحدة أن تسمح لنفسها بالمشاهدة من هامش الأحداث وتسمح بالذبح الذي لا يُغتفر للرجال والنساء والأطفال الأبرياء أن يستمرّ بلا هوادة ؟

وبالرغم من الإنتخابات الرئاسية، لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتخلّى عن دورها القيادي الأخلاقي. يجب على إدارة أوباما على الأقلّ أن ترسل للأسد رسالة واضحة لا غموض فيها بالقيام بقصف محدود وهادف للمطارات السوريّة وبعض إنشاءات القوات الجويّة وإنشاءات عسكريّة معيّنة ومعروفة. سيكون لهذا بلا شكّ صدى ً لدى الروس ونظام الأسد، لأنّ آخر شيء يريده أيّ منهما هو دور عسكري أمريكي متصاعد ضد النظام. وهذا يعلّل سبب قبول الأسد بالتخلّي عن مخزون الأسلحة الكيميائيّة في سوريا، لأنه – على وجه التحديد – أراد أن يتجنب ضربات أمريكيّة جويّة. وللأسف، كان بالمقدور أن يكون تخلّي الأسد عن أسلحته الكيميائيّة صفقة أكثر فعاليّة بكثير لو لم تقيّد أوباما من القيام بأي عمل ٍ عسكري لاحق.

لم يرتدع الأسد، حتّى بفترة ٍ قصيرة بعد الصفقة، من استخدام البراميل المتفجرة التي تقتل بدون تمييز وتشوّه وتدمّر أحياء بكاملها ولا تترك شيئا ً سوى ظلال الجحيم الكامنة ورائها. فالضربات العسكريّة الأمريكيّة، على أية حال، إن كانت محدودة في نطاقها ومدتها ستنذر الأسد وشركاءه الرّوس بأن الولايات المتحدة لن تسمح لهم بعد الآن بارتكاب فظائع بدون عقاب. وعلى الأقلّ، ستستعيد الولايات المتحدة بعض مصداقيتها وهيبتها في المنطقة. والأهمّ من ذلك، ستمنع المزيد من القتل وستسرّع من عملية التوصّل لهدنة أكثر استدامة، على الأقلّ بين اللاعبين الرئيسيين.

وإذا لم يفعل أوباما ذلك، لن يتذكر التاريخ منجزاته المحليّة الهامّة داخل الولايات المتحدة، بل بالأحرى دوره كالرئيس الذي كان شاهدا ً بشكل ٍ مباشر على الإنحلال المأساوي لشعب ٍ بأكمله ولم يفعل سوى القليل لمنع ذلك، وهذا بحدّ ذاته استمرار لحرب العراق الكارثية التي شنها الرئيس بوش، فقط بشكل ٍ آخر.

ولربما العنصر الأكثر كارثية في الحرب السورية هو أنّ جيلين، أو حتّى ثلاثة أجيال من السوريين، تعتبر الآن ضائعة، تاركة ً وراءها أعمق الندبات التاريخيّة.

على كلّ دولة حرّة أن تواجه هذه الكارثة بالخزي والعار لأنها فشلت على نحو بائس في أن تنهض وتوقف أكبر شرّ مزّق بلد وأن تنقذ ما تبقى لها من المصداقية الأخلاقيّة.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE