سخف العلاقة بين إسرائيل وحماس
بالنظر إلى أن إسرائيل وحماس تتعاونان علنًا وضمنيًا على جبهات متعددة ، قد يعتقد المرء أنهما سيدركان أخيرًا أنهما عالقان ولا يمكن لأي منهما الهروب من الآخر. لقد حان الوقت لكليهما للتصالح مع واقعهما الذي لا مفر منه والبحث عن حل طويل الأمد لصراعهما.
في البحث عن حلّ للنزاع بين إسرائيل وحماس ، يتعين على المرء أن ينظر إلى واقعهما ويحدد العناصر التي تبقي على صراعهما وتلك التي تحافظ على نطاق واسع من التعاون بغض النظر عن علاقتها العدائية. تدعو حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى تدمير إسرائيل ، وتعتبر إسرائيل حماس منظمة إرهابية يجب عزلها وإبقائها تحت الحصار. وفي حين “يبدو” أنّ كلا الجانبين يتحدثان عن قناعة ضد الآخر ، إلا أنهما يدركان أيضًا أنهما عالقان معًا. وبغض النظر عن تصريحاتهما العلنية عكس ذلك ، فإنهما يعترفان سراً أنه لا يمكن لأي منهما التخلص من الآخر. وتكمن سخافة علاقتهما في أنهما على الرغم من أنهما يعرفان أن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر إلى أجل غير مسمى ، إلا أنهما يبذلان القليل من الجهد – إن وجد – لتغيير مسار صراعهما.
فمنذ أن سيطرت حماس على غزة في عام 2007 خاضت إسرائيل وحماس أربع حروب وعشرات من حوادث العنف بينهما دون تحقيق أي مكاسب دائمة. في الواقع ، وعلى العكس من ذلك ، عانت إسرائيل مرارًا وتكرارًا من اضطرابات اقتصادية نتيجة للعنف المتقطع والحروب، بينما عانى الفلسطينيون من دمار واسع وآلاف القتلى وعشرات الآلاف ممن سيستمرون في تحمل سنوات من اليأس والدمار من الحرب في أعقاب هذه المواجهات العنيفة.
يستمر الصراع بينهما لأن حماس تريد الحفاظ على مكانتها السياسية في نظر جمهورها من خلال إظهار التشدد والمقاومة المواجهة ضد إسرائيل في تصريحاتها وأفعالها العلنية ، وتعزيز دورها في طليعة النضال ضد الاحتلال والحصار. ومن ناحية أخرى تحافظ إسرائيل بشكل صارم على حصارها وسيطرتها على الأشخاص والبضائع على المعبرين من وإلى غزة ، و تستخدم عند الضرورة القوة العسكرية لإخضاع أي استفزازات عنيفة كبيرة من خلال غزو غزة و “جز العشب” لمنع حماس من التقدم أو الإنتعاش.
وفي هذه الأثناء ، وعلى الرغم من فشلها في جني فوائد ملموسة على مر السنين ، لا تزال حماس ترفض نبذ العنف ضد إسرائيل وتواصل بناء ترسانتها من الأسلحة (معظمها صواريخ). وبالمقابل ، تستعد إسرائيل للجولة التالية من الأعمال العدائية ، لكنها في كل مرة تفشل في تغيير ديناميكية الصراع لصالحها. والمفارقة هنا أنه في حين أن هذا الوضع ظاهر على أكمل وجه ، فإنهما يواصلان التعامل بشكل مباشر ولكن ضمنيًا مع بعضهما البعض أو من خلال مصر. إنهما تتفاوضان بشأن تدابير أمنية أو اقتصادية محددة بعد اندلاع كل حرب ٍ بينهما ويتوصلان إلى اتفاقيات جديدة حول مختلف القضايا المتضاربة التي تنشأ عن غير قصد نتيجة لواقع مواجهتهما العبثية.
إن عبثية أو سخف العلاقة بين إسرائيل وحماس ثلاثية. المفارقة من الناحية الأولى هي أن إسرائيل نفسها هي التي أنشأت حماس ، وهو ما أكده العديد من كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين الإسرائيليين على مدى عدة سنوات. قال العميد السابق يتسحاق سيغيف ، الذي كان الحاكم العسكري الإسرائيلي في غزة في أوائل الثمانينيات ، لمراسل نيويورك تايمز إنه ساعد في تمويل حماس باعتبارها “ثقلًا موازنًا” للعلمانيين واليساريين في منظمة التحرير الفلسطينية وحركة التحرير الفلسطينية فتح بقيادة ياسر عرفات، قائلا ً أنّ “الحكومة الإسرائيلية أعطتني ميزانية والحكم العسكري كان يعطيها للمساجد”. ومن بين آخرين كثيرين ، أفنير كوهين – مسؤول الشؤون الدينية الإسرائيلي السابق الذي عمل في غزة لأكثر من عقدين – قال لصحيفة وول ستريت جورنال في عام 2009 أن “حماس ، للأسف الشديد ، هي من صنع إسرائيل”.
كان تفكير الجيش الإسرائيلي في ذلك الوقت هو أنه سيكون من المفيد لإسرائيل بشكل كبير إذا استمرت حماس الملتزمة دينياً ومنظمة التحرير الفلسطينية الاشتراكية في الإستمراربقتال بعضهما البعض بدلاً من محاربة إسرائيل. ومن المؤكد أن إسرائيل ساعدت في تحويل عصابة من الإسلاميين الفلسطينيين في أواخر السبعينيات إلى قوة كبيرة نسبيًا. وبالنسبة لمعظم الإسرائيليين ، هذه الحقيقة إما غير معروفة أو مرفوضة بسهولة باعتبارها نظرية مؤامرة. ولم يعرف القادة الإسرائيليون في ذلك الوقت (رابين وشامير) أن حماس ستصبح العدو اللدود لإسرائيل.
والناحية الثانية من العلاقة العبثية بين إسرائيل وحماس هو أنه بينما ترفض إسرائيل رسميًا التفاوض مع أي منظمة إرهابية، وبالتأكيد لا تساعد أو تدعم بأي شكل من الأشكال أي منها ، فإنها تجد نفسها في مأزق مختلف عندما يتعلق الأمر بحماس. وبخلاف إبطاء أو تعليق حركة المرور من حين لآخر عبر المعبرَين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية (إيريز للأشخاص وكرم شالوم للبضائع) بسبب حوادث عنف ، ليس أمام إسرائيل خيار آخر سوى السماح بإمدادات المواد الغذائية ومواد البناء والمعدات الطبية والنفط والغاز أن تعبر إلى غزة. بالإضافة إلى ذلك ، تقوم إسرائيل بتحويل الأموال إلى حماس من جهات مانحة مختلفة ، ولا سيما قطر ، بينما تسمح لما يصل إلى 17 ألف عامل فلسطيني من غزة بالعمل في إسرائيل بشكل يومي لتخفيف المصاعب الاقتصادية الشديدة التي يعاني منها معظم الفلسطينيين في القطاع.
والناحية الثالثة هي أنه على الرغم من أن كلا الطرفين يعرف أنهما عالقان ويجب عليهما العيش مع بعضهما البعض إلى أجل غير مسمى ، إلا أنهما لا يزالان يرفضان قبول وجود الطرف الآخر الذي لا مفرّ منه. ففي حديثي إلى عشرات الإسرائيليين والفلسطينيين حول استمرار الوضع غير المستقر بين الجانبين ، لم أجد سوى إجماعًا ضئيلًا حول طبيعة أي حل محتمل. ومع ذلك ، كان هناك اتفاق عام على أنه لا يمكن لأي منهما التخلص من الآخر. السؤال هو ، بما أنه يجب عليهما أن يواجها ويتفاعلا بانتظام على العديد من المستويات ، فلماذا لا يسعيان إلى حل دائم للصراع ، بالنظر إلى واقعهما في الوقت الحاضر ؟
الجواب هو أن هناك العديد من العناصر الأخرى التي تلعب دورًا في الصراع والتي تجعل من الصعب للغاية حله ، بما في ذلك الروايات التاريخية والصلات الدينية وعلم النفس والحالات العاطفية والتي يعد التخفيف من حدتها شروطًا أساسية لإيجاد حل. وعلى الرغم من أن جميع الفلسطينيين يتشاركون في نفس المنظور التاريخي والمشاعر والعقلية والمعتقدات ، فإن تطرف حماس وتعصبها من حيث صلتهما بكل هذه العناصر يجعل إحتمال اعتدالها أكثر صعوبة وتعقيدًا.
حماس ، مثل معظم الفلسطينيين ، تؤمن بحق الفلسطينيين في الأرض التاريخية لأسلافهم ، وتطالب بدولة فلسطينية على كل أراضي فلسطين التاريخية (بما في ذلك غزة والضفة الغربية وإسرائيل) ، وتذهب إلى أبعد من الفلسطينيين الآخرين في الإصرار على أن هذه ستكون دولة إسلامية. وعلى الرغم من أنه لا يزال من غير المعقول بالنسبة لحماس التخلي عن الكثير مما تعتبره فلسطين التاريخية ، إلا أنهم يعرفون أيضًا في أعماقهم أنه سيكون من المستحيل استردادها بالكامل. وأكثر ما يمكن أن يأملوه هو إقامة دولة فلسطينية على أساس حدود عام 1967 التي عرضوها في عدة مناسبات ، وهذه تشمل الضفة الغربية مع بعض عمليات تبادل الأراضي وغزة بأكملها.
وكمنظمة متجذرة في الإسلام ، تتمتع حماس بعلاقة دينية قوية بالأرض. ويعلن ميثاقها اعتقادها بأن “أرض فلسطين هي وقف إسلامي مكرس لأجيال المسلمين القادمة حتى يوم القيامة” ، وتشير حماس إلى المسجد الأقصى بعبارات متعصبة كدليل لا جدال فيه على علاقتها المقدسة به.
فأكثر من 70 عامًا من الصراع الدموي الذي استلزم إستنزاف موارد بشرية ومادية ثقيلة ومعاناة وتفككًا، ترك بالتأكيد معاناة نفسية عميقة لا تمحى ومقاومة لا تزال تطارد جميع الفلسطينيين ، ولا سيما سكان غزة. وبغض النظر عن عناد حماس والفرص الضائعة على مر السنين ، فإن حصار غزة يزيد من تعميق الصدمة النفسية لديهم ويقدم تذكيرًا دائمًا بوضعهم البائس الذي يلومون إسرائيل عليه.
وأخيرًا ، يطغى المكوّن العاطفي على أي خطاب منطقي. فحماس تتواجد على رأس السكان الفلسطينيين في غزة الذين يشعرون بالذهول العاطفي والإرهاق مع إحساس عميق باليأس. إنهم يكافحون يومًا بعد يوم لتغطية نفقاتهم دون أن يلوح في الأفق الكثير من الراحة. إن مقاومتهم العاطفية للحصار تحرض على الكراهية ضد إسرائيل وتولّد رغبة قوية في الانتقام لا تترك مجالًا كبيرًا للتفاهم والتصالح مع الواقع الإسرائيلي.
وحتى بعد الفحص الأكثر شمولاً للنقاط الأربع المذكورة أعلاه ، وبغض النظر عن تفسيرإسرائيل المقنع لتعنت حماس ، يبقى استنتاج واحد لا مفر منه: لا شيء سيغير الحاجة إلى التصالح مع إسرائيل. وفي التحليل الأخير ، لا يزال يتعين على حماس أن تجد طريقة للتصالح مع وجود إسرائيل لأنه لا حماس ولا إسرائيل يمكنهما أن يزيل وجود الواحد منهما الآخر – ليس الآن ، ولا في غضون عشر سنوات ، ولا في أي وقت في المستقبل المنظور.
ولتحقيق هذه الغاية ، يجب أن أطلب من كل عضو في قيادة حماس أن ينظر في المرآة ويسأل نفسه السؤال الآتي والإجابة بأمانة عليه : في ظل أية ظروف وتحت أية شروط ، وكيف ومتى وبأي وسيلة ستكون حماس في وضع يمكّنها من تدمير اسرائيل؟ فإذا كانوا صادقين مع أنفسهم ، فلإجابة ستكون ولا في أي وقت مطلقا.
ربما حان الوقت لأن يكونوا جريئين وواضحين. فإذا واجهت إسرائيل في يوم من الأيام تهديدًا وجوديًا واضحًا وحاضرًا ، فإنها ستطلق العنان لكل قوتها العسكرية للقضاء تمامًا وبلا رحمة على مصدر التهديد الذي سينهي وجود حركة حماس أو أي أعداء لدودين آخرين لإسرائيل.
ويجب على كل زعيم سياسي في إسرائيل أيضًا أن يسأل سؤالًا مشابهًا وهو، هل سيكون هناك ظرف يمكن لإسرائيل في ظله أن تتخلص تمامًا من حماس؟ ستكون الإجابة هنا أيضًا بشكل قاطع لا. ولذا ، وبغض النظر عن عداوة الطرفين العميقة تجاه بعضهما البعض وتفكيرهما الراغب في تدمير بعضهما البعض ، فإنهما عالقان مع بعضهم البعض ولا جدوى من إنتظار اليوم الذي يمكن فيه لأي منهما تحقيق نصر أحادي ودائم على الآخر. لن يأتي ذلك اليوم ، ولن تتغير ديناميكية الصراع بشكل كبير ، واحتمال تكرار المواجهات العنيفة موجود في كل مكان. فبغض النظر عمن سيشكل الحكومة الإسرائيلية القادمة ، سواء نتنياهو أو لبيد ، ينبغي أن يبدأ الخطاب الجماهيري في هذه القضية.
أظهرت حماس في أغسطس ضبط النفس من خلال عدم الانضمام إلى هجوم الجهاد الإسلامي الصاروخي على إسرائيل ، والذي انتهى بإذلال الجهاد الإسلامي نتيجة رد إسرائيل الانتقامي. كما أظهرت حماس أن مصلحة الشعب الذي تحكمه تأتي أولاً ، وامتنعت عن الانضمام إلى الاضطرابات العنيفة الأخيرة في الضفة الغربية. قد لا يبدو هذا ملحوظًا بشكل خاص ؛ ومع ذلك ، فإن هذه الأحداث توفر فرصة لكل من إسرائيل وحماس للبناء عليها.
وعلى المدى القصير ، يجب على إسرائيل أن ترد بالمثل من خلال زيادة عدد العمال الفلسطينيين من غزة الذين يمكنهم العمل في إسرائيل من العدد الحالي البالغ 20.000 إلى 30.000 كما أفاد المبعوث القطري إلى غزة محمد العمادي الذي يلتقي بانتظام مع المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين والإسراع ، كلما أمكن ذلك ، بتحويل الأموال ونقل البضائع إلى غزة. علاوة على ذلك ، ينبغي على إسرائيل أن تسهل على الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى رعاية طبية عاجلة أن يتلقوها في إسرائيل ، وكذلك تسهيل خروج الطلاب الفلسطينيين من غزة إلى الجامعات.
ومن ناحية أخرى ، ينبغي على حماس ألا تستفز إسرائيل ويجب أن تواصل بالتدريج في تلطيف روايتها العلنية اللاذعة ضد إسرائيل وكبح جماح الجهاد الإسلامي ومنعها من استفزاز إسرائيل. لن يفقد أي من الجانبين ماء وجهه من خلال التعاون على هذا المستوى وتوسيع تعاونهما بشكل تدريجي دون ضجة كبيرة.
وعلى المدى الطويل ، ينبغي على حماس تجديد دعوتها لوقف إطلاق النار لمدة 15-20 عامًا (الهدنة) والاتفاق ضمنيًا مع إسرائيل على أنها ستركز خلال هذه الفترة على بناء الدولة بدلاً من شراء المزيد من الأسلحة والصواريخ للتحضير للجولة القادمة من الأعمال العدائية ، بينما تنأى بنفسها عن إيران. ينبغي على كل من إسرائيل وحماس تطوير آلية تحقق مصداقية وقبولاً لدى الطرفين لهذا الغرض. الفكرة في الواقع وراء وقف إطلاق النار طويل الأمد هي توفير اللبنات الأساسية للتوصل إلى اتفاق سلام دائم قائم على حل الدولتين يتم التفاوض عليه بالاشتراك مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية أو بشكل منفصل عنها. وعلى أي حال ، يظل وقف إطلاق النار طويل الأمد خطوة أولى حاسمة نحو تلك الغاية.
إن إشارة حماس إلى استعدادها لوقف جميع الأعمال العدائية ليس استسلامًا – بل هو الشيء الأخلاقي والأكثر فائدة لشعبها. الشيء نفسه ينطبق على إسرائيل. إن الفكرة التي يرتئيها الكثير من الإسرائيليين أن حماس لا يمكن ببساطة إصلاحها هي فكرة سخيفة. لقد قيل الشيء نفسه عن منظمة التحرير الفلسطينية. وليس لدى إسرائيل ما تخسره من خلال الإشارة أيضًا إلى أنها منفتحة على الحوار بهدف التوصل إلى اتفاق انتقالي.
عليّ أن أناشد قيادة حماس للتفكير في محنة شعبها. لن تنتهي معاناتهم حتى يتم رفع الحصار نهائيا. وبدلاً من تدريب جيل آخر من المقاتلين على معارك يائسة والتضحية بأنفسهم من أجل هدف وهمي يتمثل في تدمير إسرائيل ، فإن حماس ملزمة بالتفكير بعناية في مستقبلهم وطموحهم لفجر جديد وبداية جديدة يتوقون إليها بشدة ويستحقونها بكل ثراء ويفخرون بإنجازاتهم ، إذا أتيحت لهم الفرصة فقط لذلك.
لقد حان الوقت لكي تواجه إسرائيل واقع حماس وتعالج عواقب إنشائها. وعلى العكس من ذلك ، يتعيّن على حماس قبول واقع إسرائيل مهما كان ذلك مرفوضًا ، وذلك ببساطة لأنه ليس لديهما خيار آخر.