All Writings
فبراير 11, 2008

تحـدّ ٍخطيــر لأمريكـــــــــــــــا

12 فبراير ( شباط ) 2008

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

إن انهيار الإتحاد السوفياتي في بداية العقد الأخير من القرن العشرين جاعلاً من الولايات المتحدة القوّة العظمى الوحيدة في العالم قد لقّب القرن ب " القرن الأمريكي". لقد تطلّع العالم آنذاك لقيادة متنوّرة وسياسات ذات رؤى بعيدة، وتشاور وتقارب متعدّد الأطراف في سلوك الدبلماسية الأمريكية. ولقد كان الرئيس كلينتون، بالرغم من تلوّث سمعته بقضية مونيكا ليفنسكي، يتمتع باحترام واسع من قبل المجتمع الدولي. وكان الأمل لدى الجميع أن يقوم الرئيس الجديد (بوش) باتباع نهج ٍ واضح وسليم وإن لم يكن نفس السياسات. غير أن الرئيس بوش خلال سبعة أعوام قصيرة قد حوّل أمل العالم وتفاؤله إلى خيبة أمل كبيرة. كثيرون في الشرق الأوسط – عندما ينظرون للماضي – يستغربون كيف تمكّن رئيس أمريكي واحد من اقتراف هذا الكمّ من الأخطاء الفادحة التي أثّرت تأثيرا ً سلبيا ً على مكانة أمريكا في العالم وعلى قيادتها الأخلاقية والمعنوية.

ومن دواعي السخرية أن سياسة السيد بوش في الشرق الأوسط كانت محكومة طيلة الوقت بدوافع الأمن القومي وباعتبارات إستراتيجية يؤيده فيها المحافظون الجدد. فكلّ شيء كان الرئيس يلمسه يكون له التأثير العكسي عما هو مقصود منه. وتؤكد مغامرات السيد بوش في الشرق الأوسط على فظاعة فشل سياسته الخارجية التي قد تحتاج أمريكا للشفاء منها أعواما ً عديدة. ولكن لكي يحدث مثل هذا الشفاء أو على الأقلّ التصحيح في النهج لإعادة الأمور إلى نصابها، علينا أولا ً أن نفهم ماذا حصل خطأ وما هي الإفتراضات التي وضعت والتي ساندت مثل هذه السياسات المشئومة. والجواب المختصر هو أن سبب الإخفاقات قصور تامّ في فهم الخلفية التاريخية للشعوب الأخرى وتوجهها الحضاري وتطرفها الديني وانشقاقاتها السياسية والإجتماعية، وذلك في كل بلد تدخّلت فيه هذه الإدارة. دعنا نسرد بعض الأمثلة على ذلك: لم يسبق لأية حكومة مركزية أو فاتح أن تمكّن من "ترويض" أو إخضاع أو حكم المناطق القبلية في أفغانستان. ثمّ العداء واللاثقة الموجودة الآن في العراق بين الشيعة والسنّة والأكراد كانت موجودة منذ مئات السنين. ولذا لن تخلق أية انتخابات ما يمكن أن يحدث تفاهما بينهم. واقتحمت الإدارة الأمريكية هذه البلدان بتهوّر فظيع ومن موقف: " نحن أدرى منكم بما هو خير لكم "، وهو "وصفة" من وصفات العجرفة الممزوجة بالجهل الذي أثبت بأنه سامّ قاتل.

كان الأمر في بدايته سياسة صائبة تتمثّل في غزو أفغانستان لإخراج طالبان منها وتدمير قواعد القاعدة وبنيتها التحتية هناك، وهذا ما جعل المجتمع الدولي يساند الحرب بالكامل. ولكن الخطأ الفادح كان على أية حال بعدم التشبت تماما ً بوجود الإئتلاف العسكري الدولي وملاحقة القاعدة حتى النهاية المُرّة وتوظيف جميع الموارد والقوة العسكرية اللازمة لمنع طالبان من البروز ثانية إلى السطح والقاعدة من إعادة تنظيم نفسها كما يفعل الإثنان في الوقت الحاضر.

ولكن بدلا ً من التركيز على هذه الأهداف، قرّر السيد بوش – باسم الحرب على الإرهاب – أن يخوض حربا ً في العراق من اختياره هو وبتكاليف فلكيّة هائلة لا تصدّق من الناحيتين المالية والبشرية. وضدّ من ؟ ضدّ عدوّ مُفترض لم يكن يشكّل أي خطر جوهري ولم يكن له صلة بالقاعدة وليس بحوزته أسلحة دمار شامل. ولقد أطلقت هذه الحرب بدورها حربا ً أهليّة مأساوية بين السنّة والشيعة محدثة دمارا ً لا حصر له وزارعة ً بذور الشقاق لعراق مجزأ ومنطقة مجزأة وخلاف مشئوم بين المسلمين المتطرفين والغرب. لقد أصبح العراق الآن قاعدة لتدريب الإرهابيين اللذين أخذوا على أنفسهم إرهاب المنطقة بأكملها.

وبدلا ً أيضا من الإستفادة من التقدم الذي حصل في مفاوضات كامب ديفيد بين إسرائيل والفلسطينيين في صيف عام 2000، ترك السيد بوش الطرفين المتخاصمين وشأنهما ليحلا ّ النزاع بأنفسهما، الأمر الذي فتح المجال لحماس لكي تصبح قوة سياسية يجب أخذها الآن بعين الاعتبار. أما قيام السيد بوش بالدعوة لعقد مؤتمر سلام في أنابوليس عند "الساعة الحادية عشر" من فترة رئاسته فقد كان وبكلّ بساطة تمثيلةً مسرحية ساخرة، وأقلية فقط تعتقد اليوم بمصداقية أنه من الممكن التوصل إلى الهدف المعلن وهو اتفاقية إسرائيلية – فلسطينية حتى نهاية العام الحالي 2008. هذا في الواقع أمر لا يتعدى أن يكون سوى سرابا ً.

وأما رفض التفاوض مع ايران لإنهاء طموحاتها النووية والإصرار بدلا ً من ذلك على تغيير النظام في طهران، فقد كان هذا الآخر سياسة فاشلة دفعت فقط ايران إلى الإسراع في تنفيذ برنامجها النووي. ومتشجّعة علاوة على ذلك من جراء كارثة الأمريكيين في العراق في حين هي تعوم في بحر من أموال النفط ، استطاعت إيران أن تتحدّى أمريكا والمجتمع الدولي دون خوف أو وجل من انتقام فعلي. واليوم أصبحت ايران تشكّل تهديدا ً إقليميا ً أخطر من أي وقت مضى بأسلحتها النووية.

ثمّ ماذا عن هوس الإدارة الأمريكية بتهميش وعزل سوريا ؟!! هي بذلك قد دفعت دمشق وبصورة مستمرة إلى أحضان إيران، وهذه نتيجة كان من الضروري أن تكون واضحة ً ومعروفة منذ البداية. فسوريا، رافضة ً بالطبع أن تكون مهمّشة في المنطقة ومهددة بتغيير نظامها، لم توفّر بالمقابل جهدا ً لكي تصبح اللاعب الإقليمي المُفسد. لقد سمحت لحزب الله أن يتسلّح حتى "أنيابه" وقدمت الدعم السياسي والمعونات المالية لحماس من إيران، في حين أنها تغض ّ الطرف من جهتها عن عمليات تسلّل الثوار والأسلحة إلى داخل الأراضي العراقية. وحرب صيف عام 2006 ما بين حزب الله وإسرائيل لم تكن سوى حلقة ً مشئومة من سياسة بوش قصيرة النظر تجاه سوريا.

وأخيرا، فان تشجيع الرئيس بوش للإصلاحات السياسية وللديمقراطية قد أعطى عكس النتائج المرجوّة أينما كان هناك انتخابات: ققي مصر قوّت الإنتخابات حزب " الإخوان المسلمون" وأوصلت في المناطق الفلسطينية حماس إلى السلطة، وخلقت في لبنان حالة خطيرة من عدم الإستقرار السياسي، وعمّقت في العراق الحرب الأهلية ولم تجلب لباكستان لا السلام ولا الإستقرار. فبدون فهم وإدراك الظروف والأحوال والمعطيات الاجتماعية

والإقتصادية والسياسية لكل بلد ٍ على حدة، والسماح للمؤسسات الديمقراطية أن تتطوّر وتزدهر، وللأحزاب الليبرالية أن تتنافس، وبدون صحافة حرة وقضاء نزيه وتعهّد جادّ لخلق مشاريع تنموية طويلة الأمد لنشل ملايين العرب من الفقر المدقع، لن يكون هناك سلام ولا ديمقراطية ولا استقرار في منطقة الشرق الأوسط. وستكون – على ما يبدو – المجموعات الإسلامية الأفضل تنظيما ً وتمويلا ً بشبكاتها الإجتماعية الواسعة النطاق وخدماتها هي الجهات المستفيدة أخيرا ً.

إن أخطاء الإدارة المؤسفة في الشرق الأوسط ليست الوحيدة. هناك تهوّر في التعامل مع البيئة، في إنكار حقوق الإنسان الأساسية باسم الأمن القومي الأمريكي، في "الإستئساد " على العديد من الحلفاء والنفور منهم، في الإدمان على النفط ومصالح النفط وفي سلوك هذه الإدارة الأحادي الجانب في التعامل مع القضايا الدولية. هذه كلها وأخرى كثيرة أصبحت تلاحقها الآن على نحو مزعج. والسيد بوش، إما أنه لا يريد التغيير أو أنه غير قادر عليه قبل مغادرته البيت الأبيض. ويبقى السؤال: هل سيرتقي الرئيس القادم إلى مستوى هذا التحدي الخطير الذي تواجهه أمريكا ؟

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE