All Writings
يناير 15, 2007

"وصفة" لكارثة أكبر

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

بما أن الرئيس بوش قد كشف عن "إستراتيجيته الجديدة" فقد تركّز الجدل في البرلمان ومجلس الشيوخ ووسائل الإعلام حول خيارين رئيسيين: إمّا الانسحاب الفوري أو تصعيد مستوى القوات العسكرية. وإذا قمنا بتنفيذ أي منهما, فإن هذا سيعني كارثة أكبر للعراق ممّا هو عليه في الوضع الحالي. إن من المحزن بأن الرئيس بكل بساطة لم يستوعب بعد عواقب التصعيد في حين يبدو بأن الديمقراطيين غير مكترثين أيضاً بنتائج انسحاب متهوّر. الواقع أنّه ليس هناك حلّ عسكري لأزمة العراق, غير أن الولايات المتحدة لا تستطيع أيضاً ترك العراقيين وشأنهم الآن بعد أن أوصلوهم إلى هذه الحالة المؤسفة.

يدعو الخيار الأول الذي يتبناه العديد من الديمقراطيين القياديين إلى انسحاب تدريجي للقوات العسكرية الأمريكية (خلال 18 شهراً) بالتوازي مع زيادة أعداد قوات الأمن العراقية المدربة بحيث تكون قادرة على استلام المهمّة من الأمريكيين, غير أنّ هذا الخيار يتجاهل ثلاث حقائق وهي: (أ) لن تستطيع قوات الأمن العراقية في أي مكان في المستقبل المنظور أن تمسك بزمام أمن الدولة بسبب العوائق اللوجستية والوقت الذي ستحتاجه للتدريب, (ب) إنّها مخترقة بأعداد كبيرة بالمليشيات الشيعية التي تقود الكثير من المذابح الطائفية و (ج) لم تلزم الطائفة الشيعية نفسها بعراق متعدد الأحزاب وستصرّ على حكم أغلبية شيعية مطلقة في حين ستهمّش السنّة. ولذا فإن منتقدو هذا الخيار على صواب عندما يقولون بأن سحب القوات العسكرية الأمريكية بدون ترك دولة تؤدي وظيفتها من الناحية السياسية سيكون كارثة على العراق وعلى كل المنطقة: سيؤدي ذلك بالتأكيد للفوضى والحرب الأهلية الشاملة وتقسيم العراق في النهاية. هذا وسيدفع هذا الخيار المنطقة بأكملها إلى وضع من الفوضى والعنف بعواقب يصعب التنبؤ بها وأضرار جسيمة لمكانة أمريكا في العالم.

أمّا خيار الرئيس بزيادة عدد القوات الأمريكية المقاتلة بما يزيد عن 21.000 رجل فهو خيار أكثر تهوراً, فلن يغيّر ذلك من ديناميكية الحرب وسيؤدي حتماً إلى كارثة أكبر. فالاستمرار في هذه المرحلة في الاعتماد على خيار عسكري سيبرهن بأنه أكبر خطأ فادح لهذه الإدارة منذ بداية الحرب قبل أربعة أعوام. هذه ليست حرباً ضد الإرهاب كما يرغب الرئيس أن يسميها. هذه الحرب تشجع في الواقع الإرهاب في العراق وفي المنطقة. إنّها في الواقع حرب ضد ثورة مصمّمة على مقاومة الاحتلال الأمريكي بالقوة

وتتمتع بقوة الثبات والصمود للتغلّب على الوجود الأمريكي. أضف إلى ذلك, هي حرب أهلية بين الشيعة والسنّة التي ينظر إليها العديد على كلا الجانبين بأنّها حرب من أجل البقاء بالنسبة لهم. علاوة على ذلك, تعتمد خطة الرئيس بوش بشدّة على الحكومة العراقية لتستلم مسئولية أكبر في محاربة الثورة وإنهاء المذابح الطائفية وهي متطلبات فشلت حكومة المالكي حتى الآن في القيام بها. وليس هناك ما يشير بأن هذا الوضع سيتغيّر أو قد يتغيّر في المستقبل القريب. وزيادة القوات الأمريكية للحفاظ على الأمن والنظام في بغداد ستظهر بادئ الأمر علامات مؤقتة من النجاح, غير أنّها علامات مضلّلة, فمن المعروف أن الثوار ينصهرون في مجتمعاتهم أمام القوة الأمريكية الغالبة لينهضوا مرّة أخرى وحتى بعنفٍ أكبر, بينما تتربّص فرق الموت الشيعيّة للقوات الأمريكية للتخفيف من الضغط أو ترحل. رئيس الوزراء المالكي ليس مهتما ولا قادراً على إنهاء المذابح الطائفية. إنه ضعيف ويرأس حكومة مختلّة وظيفيّاً ويعتمد بدرجة كبيرة على المليشيات الشيعية (جيش المهدي ومجموعات أخرى تابعة له) للبقاء في السلطة. ولذا ما عرضه السيد بوش ليست إستراتيجية لتوطيد العراق والتوصل إلى حكومة آمنة وديمقراطية تستطيع أن تعيد الحياة الطبيعية للشعب العراقي. بل عكس ذلك, إنها نفس إستراتيجية "الإبقاء على المسار الحالي" ولكن بمظهر خادع. إنّها "وصفة" لزيادة عدد القتلى الأمريكيين وتوسيع الهوّة الطائفية وتصعيد الثورة والتمرد وتقوية موقف إيران والدّفع بالعراق إلى شفا الهاوية.

على الإدارة الأمريكية بدلاً من ذلك أن تبحث عن حلّ سياسي في الوقت الذي ما زالت تمسك فيه بزمام الأمور إلى حدّ ما. أجل، حلّ يعالج الأسباب الجذرية للصراع الداخلي في العراق الناتج عن الغزو الأمريكي. وهذا ما يبرّر مسئولية الولايات المتحدة لما سيحدث في العراق عند انسحاب القوات الأمريكية. ولكن لن يعمل على أية حال أي حل سياسي إلاّ إذا قدّمت واشنطن للسنة الدّعم السياسي والعسكري الذي هم بحاجة له لحكم أنفسهم وحمايتهم. فهناك بعد فقدانهم السلطة دون أمل في استعادتها حل سياسي دائم, ولو كحدّ أدنى, في حكم ذاتي فوق مقاطعاتهم الثلاث. وحتّى يتحقّق ذلك, على الولايات المتحدة أن تصرّ على ما يلي: (1) تمرير قانون فدرالي أساسي ينصّ على توزيع عادل لإيرادات النفط وإنشاء وكالة فدرالية تكلّف بالتنقيب عن النفط وتطوير إنتاجه وتسويقه وبيعه. (2) إعلان عفو عام عن جميع الثوار. (3) توفير الدعم الاقتصادي والعسكري للكيان السني الجديد في العراق. (4) التزام الفصائل الرئيسية الثلاثة (الشيعة والسنة والأكراد) بنظام فيدرالي مرن ينصّ عليه الدستور العراقي مع ترك الحرية لكل طائفة بإدارة شئونها الداخلية ضمن المحافظات المخصصة لها على النحو الذي تراه مناسباً. (5) قيام كل طائفة بتكوين قوات الأمن الخاصة بها لحمايتها (كما هو الحال لدى الأكراد والشيعة) والمساهمة تناسبياً في إنشاء جيش وطني فدرالي يدافع عن الأمة والوطن ضد أي تهديد من الخارج.

فإذا تحرّك السيد بوش بعزيمة وإصرار – وهو شيء يمكنه القيام به كما أثبت ذلك- وقام بزيادة مستوى القوات العسكرية بصورة مؤقتة لتحقيق هذا الخيار الثالث, حينئذ بإمكانه أن ينجح في إنجاز ما فاته حتى الآن. إنه سينقذ العراق من حرب أهلية شاملة ومن تفككه سياسياً وإقليميّاً, وينقذ أمريكا من هزيمة مخزية.

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE