فرصة لسلام ٍ سوري – إسرائيلــي
بقلم: : أ.د. ألون بن مئيــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
في الوقت الذي يستنكر فيه العالم تصعيد العنف في الآونة الأخيرة على طول الحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة، هناك تطوّرات أخرى في المنطقة قد تشكّل فرصة ً للتقدم بالسلام الإقليمي إن تمّت متابعتها. لقد أعادت فعليّا ً الزيارة التي قام بها العاهل السعودي الملك عبدالله والرئيس السّوري بشّار الأسد للبنان هيمنة سوريا على لبنان، الأمر الذي يؤثّر على الديناميكيّة السياسيّة الداخلية في هذا البلد المجزّأ. وفي حين أنّ سوريا تميل على الأرجح للإحتفاظ بعلاقتها الثنائيّة مع إيران لأسباب ٍ استراتيجيّة وتكتيكيّة، فإن التفاهم الجديد الغير ُمعلن ما بين الرئيس الأسد والملك عبدالله ورئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري هو أن يبقى لبنان خارج نطاق النفوذ الإيراني. والرسالة الموجهة لإيران واضحة جدّا ً وهي أنّ سوريا – بدعم ٍ من الدول العربيّة – ستستأنف هيمنتها على لبنان، وعلى إيران ووكيلها في المنطقة حزب الله أن يتقبّلا هذا الواقع السياسي الجديد.
ويشير أيضا ً هذا الترتيب الجديد للوضع السياسي في لبنان بأن سوريا مستعدّة مقابل "الثمن المناسب" أن تنضمّ إلى العالم العربي في مساعيه للتصدّي لطموحات إيران في أن تصبح القوّة الإقليميّة المهيمنة. وهذا يعني ضمنا ً بأنّه من غير المحتمل لسوريا أن تمدّ يد العون لإيران في حالة تصميم إسرائيل أو الولايات المتحدة الأمريكية على مهاجمة مرافقها النوويّة. أضف إلى ذلك أن سوريا بدافع ابقاء لبنان خارج حلبة صراع ٍ محتمل ٍ كهذا قد تحدّ من قدرة التحدّي السياسي لحزب الله تجاه حكومة الحريري ومنعه من مهاجمة إسرائيل في حالة بدء سيناريو الأعمال العدائيّة المحتملة ما بين إسرائيل (و/أو الولايات المتحدة) وإيران. ولذا ترحّب الولايات المتحدة وإسرائيل في هذا السياق بهذا التطوّر الجديد في لبنان حيث أنّه قد يغيّر من حساباتهم فيما يتعلّق بهجوم ٍ على إيران. زد على ذلك، فإن هذا التحرّك السعودي – السّوري يعطي إسرائيل فرصة ً لاستئناف مفاوضات السّلام مع سوريا وبذلك تحسين
الأجواء السياسيّة بصورة جذريّة في جميع أرجاء المنطقة، وهذه فرصة يتوجّب على إسرائيل ألاّ تفوّتها.
سيكون لاتفاقيّة سلام إسرائيليّة – سوريّة تطوّرات هامّة وبعيدة الأمد بالنسبة لروابط سوريا مع إيران ومع وكلائها حزب الله وحماس. وسيضع حتماً تغيير مصالح سوريا الإستراتيجيّة وتغيير الوضع الجيوسياسي في الشرق الأوسط سوريا على قاب قوس ٍ من استعادتها مرتفعات الجولان وتطبيع علاقاتها مع الولايات المتحدة. وسيكون للقيام بذلك تأثير مباشر على سلوك إيران وحماس وحزب الله. لقد كانت سوريا طيلة هذه الفترة بمثابة مسمار العجلة ما بين الأطراف الثلاثة. وبإزالة أو تقويض دعم سوريا اللوجستي والسياسي – الذي سيزداد صلابة ً باتفاقيّة سلام ٍ إسرائيلية – سوريّة – سيتم إضعاف حماس وحزب الله بصورة جذريّة وقد تُجبر حماس على وجه الخصوص على إعادة النظر في استراتيجيتها تجاه إسرائيل. وسيغيّر السّلام مع سوريا وبصورة فعّالة ومؤثّرة مركز الثقل للسياسات السوريّة في المنطقة التي ستشكّلها مصالح دمشق الإستراتيجيّة.
وحيث أنّ مخاوف إسرائيل حول برنامج إيران النووي لن تُخفّف على الأرجح باتفاقيّة سلام إسرائيلي – سوري، غير أنها بالتأكيد ستجبر إيران على إعادة النظر في استراتيجيتها تجاه إسرائيل. ومن باب السخرية أنّه في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل مغالاتها علنا ً في التهديد النووي الإيراني، فقد فقدت التركيز على كيفيّة تغيير الديناميكية الجيوسياسيّة الإقليميّة وإضعاف نفوذ إيران في المنطقة. لن تتمكّن إيران على أيّة حال في ظلّ أيّ سيناريو عنف ما بين إسرائيل وإيران وبوجود اتفاقيّة سلام سوريّة – إسرائيليّة أن تعتمد على ردود الفعل الإنتقاميّة التي قد تصدر عن حماس وحزب الله لأن مصالح هاتين المجموعتين ستكون حينها على خلاف ٍ مع مصالح سوريا الإستراتيجيّة.
المعارضة الدوليّة لاستمرار الإحتلال الإسرائيلي الآن في نموّ متزايد لأنّه يُنظر لاحتلال أرض ٍ عربيّة وبناء مستوطنات إسرائيليّة عليها على أنّه المصدر الوحيد لاستمرار النزاع وعدم الإستقرار في المنطقة. وربط احتلال مرتفعات الجولان بقضايا الأمن القومي الإسرائيلي أصبح يُنظر اليه على أنّه ليس سوى ذريعة لإبقاء قبضة إسرائيل على المنطقة. حتّى حلفاء إسرائيل، بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكيّة، لم يعد يجدون الآن علاقة ً ذات جدوى ما بين مرتفعات الجولان والأمن القومي الإسرائيلي. وكون الحكومة الإسرائيليّة الحالية مستقطبة
ايديولوجيّا ً ويطغى عليها الطابع اليميني المتطرّف من حزب الليكود والمستوطنين والأحزاب الدينيّة لا يقدّم أي عذر أو مبرّر للسياسات التي لم يعد تحمّلها أو الإبقاء عليها على المدى البعيد والتي قد تؤدي بالفعل إلى تجديد أعمال العنف. فإذا كانت إسرائيل فعلا ً مهتمّة ً بالأمن القومي، عليها أن تتخلّى عن مرتفعات الجولان. فالعلاقات الطبيعيّة مع سوريا وآليات الأمن الفعّالة هي التي من شأنها فقط أن تقدّم لإسرائيل الأمن المنشود والإستقرار على حدودها الشماليّة.
لقد سبّب الصّدع ما بين تركيا وإسرائيل حول التوغّل الإسرائيلي العسكري في قطاع غزة والحادث المأساوي لأسطول خرق الحصار توتّرا ً في العلاقات الثنائيّة بين البلدين. وعليه فقد رفضت إسرائيل أن تقوم تركيا باستئناف دورها كوسيط بينها وبين سوريا. ولكن إبّان ذلك اتخذت خطوات لتلطيف النبرات اللفظيّة الإعلاميّة وتخفيف حدّة التوتّر بين البلدين. ويجب توسيع هذه الخطوات بهدف تجديد الثقة بين هذين الحليفين التاريخيين. لقد أثبت الوسطاء الأتراك حتّى الآن بأنهم قادرون على إحراز تقدّم في الجولة الأخيرة من المفاوضات بين إسرائيل وسوريا والتي انهارت أخيرا ً مع شنّ عمليّة "الرّصاص المصبوب" الإسرائيليّة داخل قطاع غزّة. إنّ من مصلحة كلا البلدين، إسرائيل وتركيا، أن يطرأ تقدّم على هذه الثقة وبالتالي تقدّم على المسار السّوري. فتركيا تسعى في الواقع لاتفاقيّة سلام ٍ إسرائيليّة – سوريّة ليس فقط من دافع الإفتخار الذاتي، بل لأنّ للسّلام الإقليمي بالنسبة لتركيا تأثير هائل على أمنها القومي ونموّها الإقتصادي كما هو الحال بالنسبة لإسرائيل. وقيام سوريا باختيار قناة للتفاوض من خلال تركيا لاستعادة مرتفعات الجولان يجب أن يؤخذ من قبل إسرائيل كإشارة أنّه ليس بإمكانها الإحتفاظ بالوضع الراهن إلى ما لا نهاية بدون عواقب وخيمة. وبالرغم من أنّ سوريا قد لا تكون في وضع ٍ عسكري يسمح لها الآن باستعادة الجولان بالقوّة، غير أنّها أظهرت مقدرة ً هائلة في حجب السّلام عن إسرائيل من الجانبين اللبناني والفلسطيني وأنّه بمقدورها الإستمرار في فعل ذلك ما دامت اسرائيل تحتلّ الجولان.
لقد بيّن الرئيس بشّار الأسد كأبيه بأن دفع الجهود للتوصّل لسلام ٍ مع إسرائيل هو خيار استراتيجي. وقد عبّر في أكثر من مناسبة عن رغبته في عقد اتفاق مقابل استرداد مرتفعات الجولان وإقامة علاقة سليمة مع الولايات المتحدة. وعلى إسرائيل ردّا ً على ذلك أن تختار ما بين الإحتفاظ بالأراضي والأمن الفعلي. وما دام لسوريا مطالبات إقليميّة تجاه
إسرائيل، لن تكون إسرائيل آمنة أبدا ً على حدودها الشماليّة. لا تستطيع إسرائيل بعد الآن أن تدّعي بأنّها تسعى وراء السّلام ولكن تفشل في انتهاز الفرصة لذلك عند طرحها. وإذا عرضت سوريا السّلام على إسرائيل وتطبيع العلاقات معها والإستجابة لمخاوف إسرائيل المشروعة بخصوص الأمن، وإسرائيل ما زالت ترفض ذلك، فستبقى الجولان حملا ً قوميّا ً يثقل كاهل إسرائيل ومصدرا ً للعنف وعدم الإستقرار.