دعوة روبرت وكسلـــــــــــــــــــــــ&
بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
حان الوقت للبيت الأبيض لكي يجدّد طاقم سلام الشرق الأوسط. ففي جواب ٍ له خلال الأشهر الماضية عن سؤال أحد الصحفيين حول عمليّة السلام المتوقّفة أجاب جورج ميتشل، المبعوث الأمريكي الخاصّ للسّلام في الشرق الأوسط، مستذكرا ً تجربته التي مرّ بها في الوساطة لحلّ النزاع الذي كان مندلعا ً في ايرلندا الشماليّة قال:" لقد كان لي 700 يوما ً من الفشل ويوم واحد فقط من النجاح". للأسف، هذا التشبيه لم يكن مناسبا ً أبدا ً. فسبعمائة (700) يوم من الفشل في الشرق الأوسط من شأنها أن تقوّض المصداقيّة والثقة بين الأطراف، وهذا ما حدث بالضبط لجورج ميتشل وفريقه.
في أقلّ من شهرين سيكون قد مرّ على ميتشل 700 يوما ً من العمل لإنهاء الصّراع ما بين الفلسطينيين والإسرائيليين وبدون أي ثمر ٍ للنجاح حتى الآن، ولا حتّى ما يُرجى على الأمد البعيد. ونتيجة ً لذلك، فإن الإسرائيليين والفلسطينيين والمجتمع الدولي في غاية التشاؤم والإحباط والسخرية من جهود السّلام التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكيّة بقيادة السناتور السابق لولاية ماين، هذا مع وضع حلّ الدولتين في دائرة الشكّ أكثر من أيّ وقت ٍ مضى. إذن حان الوقت لميتشل أن يستقيل، ووجب استبداله بشخص ٍ قد حاز على ثقة الطرفين. شخص يستطيع التواصل بفعاليّة مع الزعماء في الشرق الأوسط ومع الجماهير المحليّة في الولايات المتحدة، شخص يستطيع العيش في المنطقة ليعمل وجهاً لوجه مع الأطراف المعنيّة على أساس ٍ يومي. وهناك شخصٌ واحد تنطبق عليه جميع هذه الأوصاف، هو العضو السابق في الكونغرس الأمريكي، روبرت وكسلر.
يتمتّع وكسلر بثقة الرئيس الأمريكي وثقة كلا الطرفين المتنازعين، الإسرائيليين والفلسطينيين. وكمستشار للرئيس أوباما خلال فترة حملته الإنتخابيّة كان وكسلر صوتا ً قياديّاً في دعم توجهات أوباما للجماهير اليهوديّة بصورة خاصّة. لقد قال عنه وليام داروف بصفته مدير الروابط والإتحادات اليهوديّة في أمريكا الشماليّة في واشنطن للصحفيين عند مغادرة وكسلر الكونغرس:" من الأمور المهمّة والحاسمة جدّا ً أن يكون لدينا شخص بمنزلة روبرت في الجالية اليهوديّة ليشهد لأوباما". ومن الممكن أن يكون لوكسلر الآن نفس التأثير الذي كان لأوباما في الشرق الأوسط. وكعضو في الكونغرس الأمريكي عن ولاية فلوريدا وُصف وكسلر من قبل اللجنة الأمريكية الإسرائيليّة للقضايا العامّة (آيباك) بأنّه "أحد الزعماء الأقوياء المناصرين للتحالف الأمريكي – الإسرائيلي في الكونغرس". ولكنه حُظي أيضا ً بثقة القادة الفلسطينيين. لقد عقد رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس ورئيس وزرائه سلام فيّاض في الأشهر الأخيرة اجتماعين على مستوى ً عال ٍ مع قادة بارزين من الجالية الأمريكيّة – اليهوديّة في واشنطن وفي نيويورك. وقام باستضافة كلا الإجتماعين روبرت وكسلر بدوره الحالي كرئيس مركز الشرق الأوسط للسّلام ومقرّه واشنطن. أضف إلى ذلك، فإنه يتمتّع بثقة أحد أكبر البلدان اندفاعا ً وأكثرها نزعة ً للإنتقاد في الشرق الأوسط اليوم، ألا وهي تركيا. لقد شارك وكسلر في تأسيس لجنة الكونغرس للعلاقات الأمريكية – التركيّة وهو اليوم كثير التردّد على زيارة هذا البلد. وقليلون هم في الوقت الحاضر من يستطيعون مضاهاة وكسلر في خبرته ومصداقيته ومعرفته بالقضايا المتشابكة وذات العلاقات المتبادلة الموجودة على الساحة الآن في هذه المنطقة الملتهبة من العالم.
بإمكان وكسلر بفضل الثقة التي يتمتّع بها أن يحاور الجانبين، الإسرائلي والفلسطيني من ناحية، والجمهور الأمريكي محليّا ً من الناحية الأخرى، وذلك بطريقة لا يتمكّن ميتشل أبداً ً منها. لقد نُظر لميتشل فور تعيينه مباشرة ً بنوع ٍ من التشكّك من قبل بعض الأفراد في الجاليات الموالية لإسرائيل بصورة خاصّة، وقد يكون ذلك دون وجه حقّ. ولكن ميتشل لم يُحظى بعد بثقة أي من الطرفين. لقد أثبت التشديد الذي مارسه على قضية المستوطنات عدم فعاليته في الدّفع بالعمليّة السلميّة إلى الأمام وساهم في الواقع في تقويض الثقة الضعيفة ما بين البيت الأبيض والجمهور الإسرائيلي. وللحصول على تجميد للإستيطان أو أي تنازل آخر من طرف الإسرائيليين يجب التوصّل أوّلا ً في الواقع لكسب ثقة المجتمع الإسرائيلي والمؤيّدين لإسرائيل. وفشل ميتشل في مساعدة الرئيس أوباما على تحقيق ذلك، ولكن وكسلر قادر ٌ على ذلك. فبفضل منصبه السابق كعضو كونغرس عن أكثر ولاية يقطنها أمريكيّون يهود في الولايات المتحدة الأمريكيّة، لا يعتبر وكسلر سياسيّا ً مبتدءا ً عندما يدور الحديث حول معالجة قضايا ومخاوف إسرائيل والأمريكيين المناصرين لإسرائيل. إنّه يفهم تماما ً ويقدّر عقلية أطراف الصراع وهو قادر على منح كلا الطرفين الثقة اللازمة لدعم تنازلات جوهريّة والتقدّم بعمليّة السّلام.
تحوم الإشاعات منذ أشهر حول تعيين روبرت وكسلر لمنصب السفير الأمريكي الجديد لإسرائيل، وسيكون بالفعل خيارا ً جيّدا ً لهذا المنصب. ولكن الأفضل هو تكليفه بمهمّة دفع عمليّة السّلام إلى الأمام: عيّنه في القدس واجعله يعمل مستفيدا ً من الثقة التي اكتسبها من كلا الطرفين ! ولعلّ من أهم أسباب نجاح الجنرال الأمريكي المتقاعد، كيث دايتون، المنسّق الأمني للولايات المتحدة المكلّف بتدريب عناصر الأمن الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة هو أنّه كان يعيش في المنطقة ويعمل يوميّا ً على كسب ثقة الإسرائيليين والفلسطينيين على أرض الواقع. ويجب أن تطبّق نفس الطريقة الآن للتقدم بعمليّة السّلام.
ما تحتاجه عمليّة السّلام في الوقت الحاضر هو مبعوث ٌ بصلاحيّات رئاسيّة لكي يتوسّط بين الأطراف ويعرض أفكارا ً جديدة ومبدعة، ويستطيع أيضا ً أن يكون صبورا ً جلدا ً وأمينا ً ليوصل ما هو في خطر والإلتزامات التي يجب على كلا الطرفين القيام بها. ويعتبر وكسلر خشونته وصراحته كسمات شرف لدرجة أنّه وضع لسيرة حياته عنوان: " الليبرالي المتنفّس للنار". ولإنهاء الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني على أساس حلّ الدولتين، حان الوقت لتعيين النائب السابق ، روبرت وكسلر، المبعوث الذي "يتنفّس النار".
_______________________________