All Writings
سبتمبر 8, 2010

هل بإمكان تركيا إخماد التحدي النووي


        بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

           لقد حان الوقت لتركيا لكي تلعب دوراً مهماً في كبح جماح الطموحات الإيرانية لامتلاك الأسلحة النووية. وفي الوقت الذي تشتد فيه العقوبات المفروضة على إيران، وقبل أن تفكّر إسرائيل أو الولايات المتحدة جدياً بالقيام بإجراءٍ أكثر قسوة، بما في ذلك ضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية، يمكن الاستفادة من مكانة تركيا الفريدة ونفوذها وخبرتها مع إيران للحيلولة دون ذلك. ولتقوم تركيا بهذا الدور، عليها أن تظهر التكافؤ المعنوي الأخلاقي والقيادة البرغماتية التي من شأنها أن تخلق الثقة في مساعيها الوساطية في المنطقة.

 

          بإمكان تركيا في هذا الوقت بالذات أن توجّه رسالة واضحة وقوية لإيران مفادها: هناك فعلاً طريق للخروج من العزلة قبل فوات الأوان. لقد زاد الضغط على إيران بصورة جسيمة بعد تبني الدورة الرابعة من العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن الدولي في شهر يونيو (حزيران) المنصرم، وكذلك إجراءات أكثر صرامة تبنتها بعد ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا واليابان وأستراليا. وقد تأثر بصورة خاصة قطاعي الطاقة والمصارف والحرس الثوري الإيراني بهذه الإجراءات والعقوبات. وفي الوقت الذي يزداد فيه دحر إيران في الزاوية، يجب أن يكون هناك استحثاث للسعي وراء سبل لكسر العزلة الدولية عنها. وبما أن إيران لم تدّعي يوماً ما بأنها تسعى وراء امتلاك الأسلحة النووية، قد يقدم مركز تركيا الفريد من نوعه ونفوذها قناةً منطقية تستطيع من خلالها طهران أن تعقد صفقة تلبي مطالب الوكالة العالمية للطاقة الذرية والخمسة أعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي وهم: الولايات المتحدة، الصين، روسيا، فرنسا، وبريطانيا العظمى مضافاً إليهم ألمانيا، بدون أن تخسر ماء وجهها.

 

          إن تركيا مؤهلة دون غيرها للعب هذا الدور. فنجاح تركيا مع البرازيل في عقد اتفاقية لمقايضة الوقود النووي الإيراني يبيّن – بالرغم من أنّ هذه الاتفاقية لم تتطرّق إلى العديد من القضايا الرئيسية حول برنامج إيران النووي. أنه بإمكان أنقرة أنتفلح في التقدم بمبادرات دبلوماسية مع إيران. وثانياً فإن تركيا كدولة بأغلبية مسلمة قد تثق بها إيران أكثر من الدول الأخرى. ويدعم الحزب الحالي الحاكم ذو الاتجاه الإسلامي في تركيا حزب العدالة والتنمية          نفوذ تركيا في هذا الخصوص. وثالثاً: مركز تركيا كعضو في الناتو (حلف شمال الأطلسي) يعزز من مصداقيتها في الاتصال بكلا الطرفين، إيران والغرب. كان دور تركيا في الناتو طيلة فترة الحرب الباردة موازنة النفوذ السوفييتي في المنطقة والتصدي له كقاعدة استراتيجية للموارد العسكرية. واليوم تستطيع تركيا أن تلعب دوراً فريداً من نوعه ضمن دول حلف شمال الأطلسي (الناتو) للدفع بالمبادرات الدبلوماسية إلى الأمام مثل إعادة إشراك إيران في المنطقة وفي نفس الوقت تقوم بتمثيل المخاوف والمصالح الجماعية لأعضاء الناتو. أضف إلى ذلك، فإن تركيا تقيم علاقات حسنة مع كلا البلدين، الولايات المتحدة وإيران. وبالرّغم من معارضة أنقرة للجهد الذي تقوده الولايات المتحدة لتمرير الدورة الأخيرة من العقوبات ضد إيران في مجلس الأمن الدولي، فإن المصالح الاستراتيجية لتركيا والولايات المتحدة للإبقاء على منطقة مستقرة وآمنة تبقى ثابتة وتضمن تعاوناً متزايداً بين البلدين.

 

          لا تستطيع تركيا أن تتحمّل خطر نزاع إقليمي قد ينشأ من إيران في وقت يكون بحيازة هذه الأخيرة أسلحة نووية. وقيام تركيا بلعب دور الريادة في كبح جماح طموحات إيران النووية لن يعزّز فقط من مبدأ سياسة تركيا الخارجية بقيادة وزير خارجيتها أحمد دافوتغلو الساعي "ألاّ يكون لتركيا أية مشاكل مع جيرانها"، ولكن سيحافظ أيضاً على مصالحها الاقتصادية والأمنية في المنطقة. لقد أثرت وتيرة العقوبات المتصاعدة ضد إيران على علاقة تركيا الاقتصادية الحالية مع الجمهورية الإسلامية التي يتجاوز حجم التبادل التجاري بينها وبين تركيا 10 مليارات دولار سنوياً. لقد انخفض حجم صادرات النفط المكرّر من تركيا لإيران بصورة جسيمة نتيجة العقوبات الدولية التي لا تستطيع تركيا أن تتحداها بدون عقاب. ولكن نشوب نزاع مسلّح في إيران سيؤدي إلى نتائج أسوأ بكثير، مثل حالة من عدم الاستقرار الشديد على طول الحدود التركية وتصاعد التهديدات لمصالح تركيا الاقتصادية الجوهرية في

 

جميع أرجاء المنطقة، بما في ذلك قدرة تركيا على أن تخدم كممرّ للطاقة من الشرق الأوسط ووسط آسيا إلى أوروبا.

 

          ولكي تقوم تركيا بلعب دور قيادي في التعامل مع المأزق الإيراني النووي، عليها أن تتعلّم من أخطائها السابقة. فالاتفاقية التركية – البرازيلية التي تمّ التوصل إليها مع تركيا لمقايضة الوقود النووي الإيراني كانت ناجحة، ولكن غير كافية. فمن ناحية عانت هذه الاتفاقية من سوء الاتصال بين تركيا والولايات المتحدة، ومن الناحية الأخرى لم تلبي المعايير الكاملة التي كانت تسعى إليها الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. وبالأخصّ، لقد استثمرت إيران في التّهرب من عمليات التفتيش التي تقوم بها الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وبالرّغم من الترتيبات الإيرانية – التركية – البرازيلية، ما زالت إيران ملزمةً بالكشف عن جميع مواقع منشآتها النووية. إضافةً إلى ذلك، فبدلاً من إنهاء عمليات تخصيب اليورانيوم بمقتضى قرار الأمم المتحدة رقم (1929). فقد أخذت على نفسها الاستمرار بتخصيب اليورانيوم بما يفوق نسبة 20% القريبة من نسبة اليورانيوم المطلوبة لتصنيع الأسلحة النووية. أضف إلى ذلك، واستناداً إلى ما أكّده تقرير صدر حديثاً عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ما زالت إيران ترفض الاستجابةلطلبات المفتشين الدوليين للكشف عن خطط تصميم منشآتها النووية ومستمرة في برنامجها المتسارع لتخصيب اليورانيوم، وهو أمر لا يقبل به المجتمع الدولي. يجب أن تستند أية جهود تقوم بها تركيا في المستقبل على قيام أنقرة بكسب ثقة الولايات المتحدة عليها معززة بذلك وبصورة جوهرية تنسيقها وتعاونها مع المجتمع الدولي. والتصريح الأخير الذي أدلى به بهذا الخصوص غلين دافيس بصفته ممثل الولايات المتحدة لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومفاده أنّه بإمكان تركيا والبرازيل أيضاً أن يلعبا دوراً مهماً في المفاوضات مع إيران إشارة إيجابية بأن الولايات المتحدة تدرك أهمية إشراك تركيا في هذه القضية.

 

          ولتنجح تركيا في نهاية المطاف، عليها أن تتعلّم السّير على الأرضيّة المعنوية العالية بوضع نبرة جديدة لقيادتها الإقليمية. فالخطابات الملتهبة التي أطلقها رئيس الوزراء أردوغان

 

في صحوة حادثة الأسطول وكذلك عقب اتخاذ قرار مجلس الأمن الدولي تضرّ بقدرة تركيا للوصول إلى إمكانيتها كوسيط أمين، هذا ناهيك عن قيادة إقليمية ودولية. فمثلاً تعليق السيد أردوغان خلال مأدبة إفطار في باريس في الشهر الماضي قائلاً بأن إسرائيل "الخطر الرئيسي للسلام" في الشرق الأوسط لم يخدم حتى الدّفع بقضية السلام والأمن في المنطقة. على تركيا تجنب مثل هذه الخطابات وأن تكسب بدلاً من ذلك السلطة المعنوية والأخلاقية بإظهار استقامة سياسية وقيادة براغماتية. وعليها أن تبدأ بذلك بإظهار مخاوفها بطريقة أكثر علنية فما يتعلّق بسعي إيران لامتلاك أسلحة نووية. وكما قال وزير خارجية تركيا، أحمد دافوتغولو في فصل الربيع المنصرم:"لا نريد أن يكون لإيران أسلحة نووية ولا نريد أي توتر عسكري في منطقتنا". هذه رسالة يجب توصيلها لإيران والولايات المتحدة وإسرائيل.

 

          على تركيا أيضاً ألاّ تتجاهل المخاوف الحقيقية لأمن إسرائيل عندما يتعلّق الأمر بطموحات إيران النووية. لا بل زد على ذلك أن على تركيا بروح السعي وراء حلّ واقعي عدم ربط برنامج إيران النووي من موقف إسرائيل تجاه أسلحتها النووية. فالتركيز على قدرة إسرائيل النووية سيأتي بنتيجة عكسية لما تريد أنقرة التوصل إليه. فإسرائيل لن تتخلّى عن مكانتها النووية بدون أن يحلّ محلها اتفاقية سلام عربية – إسرائيلية دائمة وشاملة تشمل بعض الدول الإسلامية القيادية، وبالأخصّ إيران. وعلى تركيا بدلاً من ذلك الدعوة لكلا الأمرين: وقف لمساعي إيران النووية وسلام إقليمي شامل، وكلاهما سيوفران معاً الأرضية اللازمة لشرق أوسط خالٍ من الأسلحة النووية. وبتعزيز السلام والأمن الإقليميين بهذه الطريقة، تستطيع تركيا أيضاً الشروع في نزع التوتر الحالي مع إسرائيل وتزويد الإسرائيليين بالثقة بريادة تركيا الدبلوماسية إزاء إيران. وأخيراً، وبتنسيق جهودها مع الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، يجب أن تكون تركيا مستعدّة لأن تنقل لإيران العواقب المحتملة لتحديها المستمر للمجتمع الدولي، شاملة احتمال اتخاذ عقوبات إضافية كاسحة من قبل جميع دول العالم.

          لا شك أن هناك أيضاً من سيعارض تركيا وبصورة غريزية في لعب دور وساطة في هذه المرحلة. سيقولون بإيراد الدليل والحجة بأن تركيا لا تستطيع معالجة مثل هذه المشاكل

 

في الوقت الذي تستمرّ فيه صراعاتها الداخلية الغير محلولة مع الأكراد والأرمن والقبارصة. أضف إلى ذلك، كثيرون يجادلون بأن التوترات الحالية بين تركيا والولايات المتحدة من ناحية وتركيا وإسرائيل من ناحية أخرى. تقوّض مقدرة تركيا على لعب مثل هذا الدور القيادي في المنطقة في هذه المرحلة الحرجة. ومثل هذه الحجج تبدّد بسهولة دور تركيا القيادي الصاعد في المنطقة وأهمية مصالحها الوطنية التي تتقاسمها مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

 

          لقد أحبطت تركيا في الأشهر الأخيرة – ولربّما في السنوات الأخيرة – الكثيرين في العالم العربي في ادعائها بأنها تعمل ليس فقط من دافع مصالحها الذاتية، بل لصالح الهدف الأسمى وهوالاستقرار والسلام الإقليمين. ولكن يتطلّب في الوقت الحاضر العمل بدافع المصلحة الذاتية أو الإقليمية من تركيا التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي والعمل على استعادة تحالفها الوثيق مع إسرائيل. هذه هي الطريقة الوحيدة لتركيا لتعزيز مصداقيتها واتخاذ موقفٍ قوي لكي تنقل لإيران عواقب سعيها وراء الأسلحة النووية وفي نفس الوقت ترك طريقة لطهران – في حالة تخليها عن طموحتها النووية – للخروج من العزلة الدولية.

 

          ففي الوقت الذي تؤثر فيه العقوبات الدولية على إيران وتضرّها، حان الوقت للاستفادة من قدرة تركيا القيادية. فإذا كانت هذه القيادة ناجحة، ستكون تركيا قد منعت حدوث حريق إقليمي هائل وحافظت على مصالحها الاقتصادية والأمنية ورسّخت دورها كالجسر الرئيسي الرابط بين الشرق والغرب.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE