All Writings
مارس 18, 2008

مقيّدة في حلقة مفرغة من العنـــف

18 مارس ( آذار ) 2008-03-20
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

إنّ قتل أربعة من المسلحين الفلسطينيين بواسطة قوّات إسرائيلية خاصّة في مدينة بيت لحم في اليوم الثاني عشر من شهر آذار (مارس) الجاري يطرح أسئلة كثيرة ليس فيما يتعلّق بحقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ولكن حول القرائن والظروف التي ُيمارس في ظلّها هذا الحقّ. حتّى حقّ الدفاع عن النفس وقضايا الأمن الوطني يجب أن تكون متوافقة مع الظروف السائدة. وفي هذا السياق إرتكبت إسرائيل خطأ ً فادحا ً بقتلها الأفراد الأربعة اللذين يَبهُت خطرهم المستمرّ على إسرائيل إذا قورن بالغضب الفلسطيني الذي أثارته عملية قتلهم وما يترتّب عنه من حماس شعبي للقيام بأعمال عنف ثأريّة ضد إسرائيل.

ومهما كان القتل مبرّرا ً من وجهة النظر الإسرائيلية، فلا الرجال المستهدفين ولا الظروف ولا التوقيت يبرّر إدعاء إسرائيل بالدفاع عن نفسها، ناهيك عن تعهّدها بتسوية سلميّة عن طريق المفاوضات. وإليك الأسباب:
أولا ً: من المعروف أنّ الأفراد الأربعة نبذوا العنف ولا يشكّلون خطرا ً محدقا ً بإسرائيل وكانوا يأملون أن يتمّ شملهم ضمن اتفاقية عفو ٍ عام مع إسرائيل، غير أن هذه الأخيرة رفضت ذلك. ثانيا ً: لقد بدّد قتلهم الهدوء في منطقة بيت لحم، وهذه كانت أهدأ مدينة فلسطينيّة وكانت تخطّط لاستضافة مؤتمر دولي لرجال الأعمال المستثمرين في شهر مايو ( أيار ). ثالثا ً: لقد نفّذت العملية العسكرية الإسرائيلية في وقت ٍ حسّاس جدّا ً أربك المصريين الذين كانوا يعملون جاهدين للتوصل إلى هدنة بين إسرائيل وحماس. رابعا ً: إسرائيل حاليّا ً في وسط مفاوضات سلام مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عبّاس الذي يشعر الآن بأن جهوده قد قُوّضت بشدّة من جرّاء هذه العملية. وخامسا ً: لقد أتت العملية في أعقاب اجتياح إسرائيلي مكثّف ودموي في قطاع غزة راح ضحيته (126) فلسطينيّا ً وأربعة إسرائيليين وهجوم مسلّح في القدس حصد ثمانية أرواح من الإسرائيليين، وهي في مجملها أعمال عنف هزّت المجتمعين الفلسطيني والإسرائيلي وسط نداءات دوليّة بالإلتزام بالهدوء وضبط النّفس.
وختاما ً، يبدو أنّ العملية الإسرائيلية الأخيرة جاءت لتتحدّى المنطق وراء إستراتيجية إسرائيل لصنع السلام، حيث أنّ عمليّة الإغتيال هذه بالذات سيكون لها أثرا ً كبيرا ً في الشارع الفلسطيني على المدى البعيد.

من الخطأ أن نتجاهل مخاوف إسرائيل الشرعيّة وقلقها من أعمال العنف التي لا حصر لها والمرتكبة ضدّ مواطنيها من طرف فلسطينيين متطرفين من مختلف الإنتماءات السياسية والدينية. لقد تركت سلسلة التفجيرات الإنتحاريّة خلال فترة الإنتفاضة الثانية على كلّ إسرائيلي علامة ً لا تمحى. إطلاق صواريخ القسّام على المدن الإسرائيلية الذي لم ينقطع يوما ً واحدا ً علاوة ً على عمليّة القتل الأخيرة لثمانية طلاب معهد ديني في القدس لم تعزّز سوى قلق إسرائيل ومخاوفها حول الوضع الأمني لمواطنيها. وتعهّد حماس والجهاد الإسلامي بتدمير إسرائيل قد خلق لدى الإسرائيليين عقليّة "جبريّة " تؤمن بالقضاء والقدر ويتلخّص مفهومها بجملة واحدة فقط: " إمّا هم أو نحن على وجه هذه الأرض ". أضف إلى ذلك فإن الحكومة الإسرائيلية تجادل قائلة ً بأنه في الوقت الذي تلتزم فيه بعمليّة السلام لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي تسمح لقتلة مدنيين إسرائيليين معروفين أن "يصولوا ويجولوا" بحريّة أو ألاّ تعطّل هجوما ً إرهابيّا ً وشيكا ً إذا فشلت السلطة الفلسطينية في القيام بذلك. ولذا كان من الضروري- من وجهة النظر الإسرائيلية – إغتيال الأفراد الأربعة ليس فقط لأن أياديهم ملطّخة بدماء إسرائيلية بل لأنهم – إذا تركوا وشأنهم – قد يكرّروا قتل الإسرائيليين مرّة تلو الأخرى لأنهم وبكلّ بساطة لا يعترفون بحق إسرائيل في الوجود.

ولكن في الوقت الذي نتفهّم فيه المنطق الإسرائيلي ونتعاطف معه يبقى سؤال رئيسي جوهري وهو: متى سيدرك قادة إسرائيل بأنه وبالرغم من حالة الحرب الفعلية المستمرة مع المتطرفين الفلسطينيين فإنه يأتي وقت تسبّب فيه عمليّات تصفية بعض الأفراد ضررا ً أكبر بكثير من منفعتها وأن الإغتيالات ليست الردّ على المقاومة الفلسطينية ؟! مهما حاولت إسرائيل تبرير عملية الإغتيال الأخيرة فإن الحكومة لا تستطيع أن تخفي بأن هذه العملية (1) لا تتّفق كليّا ً مع العمليّة السلمية، (2) تعمل لصالح الفلسطينيين المتطرفين اللذين يعارضون مفاوضات السلام، (3) تغذّي الحلقة المفرغة لأعمال العنف والأخذ بالثّأر، (4) تضعف موقف محمود عبّاس، شريك إسرائيل الرئيسي في المفاوضات، (5) تثير أسئلة جادّة وحرجة حول نوايا إسرائيل النهائية، وبالأخصّ إذا استمرّت في توسيع المستوطنات القائمة، و (6) تغضب العديد من الدول العربية التي تنظر إلى حلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني كقضية مركزية لاستقرارها.

وبما أنّ الإغتيال كان من وجهة النظر الإسرائيلية أمرا ً ضروريا ً وشديد الفعّاليّة، على هيئة الدفاع الإسرائيلي أن تراعي الظروف السياسية التي تنفّذ فيها مثل هذه العمليّات. فإذا كان السّلام مع الفلسطينيين خيار إسرائيل الإستراتيجي، عليه ينبغي على قادة إسرائيل أن يظهروا للعالم ليس فقط قدرتهم على الوصول لأي إرهابي، بل وأيضا ً مهاراتهم السياسية لمعالجة العنف المتواصل بدون تدمير أو إلحاق ضرر بمفاوضات السلام.
إنّ مبدأ قتل كلّ فلسطيني هارب ويداه ملطخة بالدم الإسرائيلي هو مبدأ خاطىء لأنه يطرح السؤال التالي: " إلى أي مدى ستستمر عمليّات الإغتيال والقتل هذه وتحت أية ظروف يجب إنهاؤها ؟ ".

يتطلّب السلام بين إسرائيل والفلسطينيين إلى أكثر من وقف ٍ للأعمال العدائية. إنّه يتطلّب إظهار حسن النيّة وإعادة بناء الثقة وجهود حقيقية ومخلصة للمصالحة. الجروح التي تسيّب بها كلّ طرف ٍ للطرف الآخر عميقة ومؤلمة وقد تركت الكثير من النّدبات البشعة. ومن الأمور الضرورية والحسّاسة إذا أراد الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا جنبا ً إلى جنب ٍ بسلام أن يجدوا فيما بينهم متّسعا ً للمغفرة والنسيان متى أتيحت لهم الفرصة لذلك.

لن تستطيع إسرائيل أن تعيد كلّ مسلح فلسطيني إلى رشده، ولكن عليها أن تعطي فرصة ً للذين نبذوا العنف، حتى ولو لم يتبنّى أولئك بعد فكرة التعايش السلمي بين الشعبين. يجب ألاّ توضع رغبة إسرائيل في صنع السلام موضع شكّ بسبب عمليّات قتل متهوّرة وغير ضرورية.

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE