تغيير الواقع في غزة
بقلم: أ.د. ألون بن مئير
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليــــــــة
كان من المفروض أن تتوقع قيادة حماس الرد الإسرائيلي العسكري المستمر والحاسم على هجماتها الصاروخية على إسرائيل. ويبدو أن قادة حماس الآن قد أخطأوا خطأً فادحاً في تقدير مشاعر الإسرائيليين وعزمهم. لقد أخفقوا في إدراك أنّ إسرائيل لا تستطيع تحمّل المزيد من تآكل مصداقيتها في الرّدع وبالأخصّ في صحوة الحرب في لبنان عام 2006، وبأنّ إسرائيل تنظر إلى هذا النزاع من الزاوية الأوسع والمتمثّلة في التحديات المستقبلية القادمة من إيران وحزب الله وبأن المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية في المستقبل لن تجري تحت نيران البنادق. والاعتماد على الضغط الدولي للتّوصل إلى نهاية فورية للهجوم الإسرائيلي العنيف على غزة قد يثبت أيضاً بأنه ليس في محلّه لأن إسرائيل الآن عازمة بألاّ تسمح أبداً بعودة الوضع الراهن.
إنه لمن المفجع جداً أن يعلق المدنيّون الفلسطينيون الأبرياء في الوسط ويعانوا بغير قصد الإصابات والموت الناتج من تصرّف غير مسئول لقادة متعصبين دينياً واللذين فقدوا منذ زمن طويل بوصلتهم المعنوية. والمقلق أكثر هو رد فعل العديد من ممثلي الحكومات العربية، وبالأخص السلطة الفلسطينية، التي تدين علناً الرد العسكري الإسرائيلي بدون حتى التلميح إلى قيام حماس من جانب واحد بإنهاء الهدنة وإطلاقها الصواريخ يومياً على التجمعات السكانية الإسرائيلية واستخدام النساء والأطفال كدروع بشرية. إن قادة السلطة الفلسطينية يتمنّون فيما بينهم كالعديد من القادة العرب الآخرين الدّمار التام لحماس، غير أنّهم لم يبدوا أبداً الشجاعة لتحميل حماس علناً مسئولية تعريض شعبها للتهلكة في حين أن حماس تقوم بتقويض جهود السلطة الفلسطينية للتفاوض على اتفاقية مع إسرائيل على أساس حل الدولتين.
من المفهوم أن القيادات العربية تريد إنهاء المعاناة الفلسطينية في غزة وبحاجة أن تظهر علناً بأنها تتعاطف مع هذه القضية. غير أنّ النفاق لن يوقف بأية حال معاناة الفلسطينيين مستقبلاً أو إنهاء سفك الدماء. لقد عانى الشعب الفلسطيني ما فيه الكفاية والسبيل الوحيد لإنهاء محنته هي التأكد بأن حماس ستخرج من هذا النزاع بصفة الخاسر المطلق. لأنه ما دامت حماس مستمرّة في المناداة علناً بتدمير إسرائيل وبقاء الدول العربية الأخرى صامتة حيال ذلك، فإن الشعب الفلسطيني سيبقى معرّضاً الآن وفي المستقبل أيضاً لويلات الحرب التي ستجلبها عليهم قادة حماس المتهورون وقبول العرب بذلك.
آخذين هذا بعين الاعتبار، على إسرائيل من الناحية الأخرى أن تبقى ملتزمة بإنهاء الاحتلال. ولكن للتعجيل بموعد انهاء الاحتلال، يجب على الأزمة الحالية أن تنتهي بطريقة تؤدي إلى استئناف مفاوضات السلام في جو هادىء. وقبيل الإطاحة بحماس يجب على إسرائيل أن تتمسّك بالإجراءات التالية قبل إنهاء العمليات العدوانية المستهدفة قيادة حماس، بنيتها التحتية ومؤسساتها العسكرية.
أولاً، يجب على إسرائيل إجبار حماس بأن تنهي هجوماتها الصاروخية إمّا بتدمير مخزونها من الصواريخ أو إجبار قادتها لقبول مطلب إسرائيل بدون قيدٍ أو شرط. وعلى إسرائيل ألاّ تنهي اجتياحها لقطاع غزة قبل تحقيق هذا الهدف بالكامل. هذا الأمر مهمّ بصورة خاصّة لأنه يرسل رسالة واضحة لحزب الله وإيران بأن نتيجة حرب صيف عام 2006 كانت انحرافاً عن الوضع الطبيعي وبأن تحدّي إسرائيل مرّة أخرى سيجبر أعداءها لملاقاة نفس المصير.
ثانياً، للتوصل إلى توقفٍ دائم للأعمال العدوانية على إسرائيل أن ترحّب بتمركز قوّات دولية مكونة بصورة أساسية من قوات الدول العربية مثل مصر والأردن والمغرب والمملكة العربية السعودية ويدعمها مراقبون من الولايات المتحدة وتخوّل هذه القوات الدولية باستعمال أية قوة تبدو ضرورية لمنع أي انتهاك لوقف إطلاق النار. وتبقى هذه القوات في المنطقة تحت إمرة الأمم المتحدة وترحل فقط بقرار من مجلس الأمن الدولي.
ثالثاً، على مصر بالتعاون مع إسرائيل وبمساعدة الاتحاد الأوروبي أن تنهي تماماً تهريب الأسلحة والذخائر لغزة من صحراء سيناء. يعتبر هذا المطلب شرط لا بد منه لقبول أية هدنة مستقبلية. وعدا ذلك، فما دامت حماس مستمرّة في التّزود بالأسلحة، فإن نفوذ إيران وحزب الله سيستمرّ ولن يكون الأمر سوى موضوع وقت لنشوب الحريق القادم.
رابعاً، بموجب الشروط الثلاثة المذكورة آنفاً لتخفيف الأزمة الإنسانية الرّهيبة في قطاع غزة على أساسٍ دائم وثابت، يجب إعادة فتح المعابر الإسرائيلية – الفلسطينية والمصرية – الفلسطينية بشرط أن تكون تحت سيطرة طواقم من إسرائيل والسلطة الفلسطينية ومصر والسلطة الفلسطينيّة على التوالي. لن تقبل إسرائيل وكذلك الفلسطينيون بأقل من ذلك حيث أنه من الضروري تهميش سلطة حماس في غزة، وفقدان حماس السلطة على المعابر سيكون له دلالة واضحة على تهميش دورها في المنطقة.
خامساً، لإيجاد منفذ من هذا الانهيار الحالي، على إسرائيل والسلطة
الفلسطينية أن يلتزما من جديد وبصورة جدية باستئناف مفاوضات السلام لوضع نهاية للاحتلال. وتستطيع إدارة أوباما أن تلعب دوراً مهماً في هذا الخصوص وذلك بالاعتماد على الدول العربية أن تقوم بكل الضغوطات اللازمة لحمل حماس على قبول مبادرة السّلام العربية والطلب من إسرائيل كذلك بأن تحتضنها. هذا الأمر سيعيد أيضاً الوحدة الفلسطينية ما بين قطاع غزة والضفة الغربية على أن يكون الشطرين تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، الأمر الذي لا بدّ منه أيضاً لأي جهد يبذل للتوصل إلى سلام دائم بين إسرائيل والفلسطينيين.