مصـالح متـقاربـــة
بقلم: أ.د. ألون بن مئيرأستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسطبمعهد السياسة الدوليــــــــة لأول مرة تتقارب مطالبات إسرائيل بإنهاء العنف كشرط أولي لأي تقدم في المفاوضات مع الجانب الفلسطيني مع مصالح حماس في إنهاء العنف من أجل البقاء سياسياً بعد فوزها الساحق في الانتخابات التشريعية الأخيرة. وهذا ما سيجعل حماس ليس فقط أن تمدّد فترة الهدنة ــ ولربما إلى ما لا نهاية ــ بل وأيضاً كبح جماح غيرها من المجموعات المسلحة. وليس من قبيل السخرية لو قلنا بأنه من الممكن لحماس أن تجد نفسها مضطرة لتنفيذ شعار الرئيس محمود عباس: "بندقية واحدة، قانون واحد وسلطة واحدة". وبذلك تساعد إسرائيل في المضي قدما بخطط فك الارتباط وتعزيز فرص حل الدولتين. وحيث أن حماس تفرض نفسها الآن كسلطة حاكمة, على قادتها وقادة إسرائيل أن يتفحصوا خياراتهم الحقيقية. أما أولئك اللذين ينادون بترك حماس تفشل بمساعيها، يتجاهلون بعض الحقائق التي تحول دون حدوث ذلك, إلاّ إذا انعزلت حماس كلياً عن محيطها. وهو أمر بعيد الاحتمال, هذا مع الأخذ بعين الاعتبار العواقب الوخيمة المترتبة نتيجة لذلك على الشعب الفلسطيني. بإمكان إسرائيل أن تحجز عن حماس أموال الضرائب المستحقة للسلطة, غير أنها لا تستطيع أن توقف استمرار تدفق إمدادات المواد الغذائية والأدوية والكهرباء وغيرها من النشاطات التعاونية الأخرى على مختلف الأصعدة الاقتصادية والمالية والأمنية في كلا الاتجاهين. وسيجد الاتحاد الأوروبي ــ بعد تداولات ومشاورات صعبة ومؤلمة ــ طريقة لتحويل مبالغ نقدية عبر قنوات خاصة للسلطة الفلسطينية لمنع حدوث كارثة إنسانية. وبالرّغم من أنّ الولايات المتحدة الأمريكية لا تستطيع من الناحية القانونية الاستمرار في الدعم المادي المباشر ( لإعلانها بأن حركة حماس هي منظمة إرهابية), فإن إدارة بوش ستبحث عن طرق أخرى, بما في ذلك المنظمات الغير حكومية (NGO's ) لتقديم مساعدة غير مباشرة للشعب الفلسطيني. علاوة على ذلك, فقد أعلنت الدول العربية, خصوصاً المملكة العربية السعودية, عن نيتها في الاستمرار بدعم الفلسطينيين من منطلق أن زيادة معاناة الفلسطينيين سيثير اضطرابات سياسية كبيرة وأعمال عنف في المنطقة. وأخيراً, فإن سوريا, ولربما أكثر إيران, لن تقفا مكتوفتي الأيدي تنظران إلى انهيار كيان ساهمتا في خلقه. حتى ولو لم يسمح لحماس كونها السلطة الحاكمة أن تتعامل ببعض الشئون المالية مباشرة, غير أنها ــ على أية حال ــ ستستفيد لأنّه لا يوجد جهة مانحة أو داعمة ماديّاً للشعب الفلسطيني تريد مزيداً من التدهور في أوضاعها السيئة. عامل آخر هو رغبة كل لاعب سياسي, بما في ذلك إسرائيل, تجنب اندلاع العنف من جديد على نطاق أكبر لأنّه قد يؤدي إلى انتفاضة ثالثة. ولذا من المستبعد أن تفشل حماس، ولن يسمح لها بالفشل تحت أي ظرف من الظروف لمخاوف حقيقية يتهجسها جميع اللاعبين السياسيين بان يسفر ذلك عن فرض سيناريو جديد أشد سوءاً وخطورة مما قبله. وحيث أن حماس من جانبها تدرك بأن استئناف العنف سيقوض إلى حد كبير جهودها في الحكم وقد يؤدي حتى إلى انهيارها، فإن إسرائيل من جانبها ستستدل أيضاً بأنه وفي غياب أي بديل قابل للحياة أية جهود منهجية لخنق حماس ستؤدي إلى الفوضى والعنف الخانق. وفي ظل الوضع الحالي ومستوى التفاهم بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني, فإن إنهاء العنف سيمنح الطرفين وبصورة جليّة أقوى دافع عقلاني لاتخاذ مبادرات من جانب واحد من شأنها أن تحرك الأوضاع على الأرض باتجاه هدف حل الدولتين المرغوب فيه من قبل الطرفين في الوقت الحاضر. ومن وجهة النظر الإسرائيلية, وفي الوقت الذي يعتبر فيه إنهاء العنف أمر ضروري لا مناص منه كشرط لأي تقدم في عملية السلام, إسرائيل لا يهمها في الواقع من يشكل السلطة الفلسطينية طالما أن العنف ضدّها قد توقف. وكما قال لي أحد كبار المسئولين الإسرائيليين :" نحن لا نسأل عن هوية الأشخاص طالما أنهم ليسوا معروفين لدينا بأن أياديهم ملطخة بدمائنا. ولكن في اللحظة التي تشكل فيها حماس حكومة جديدة, سنحملها مسئولية أي عنف تجاه إسرائيل, بصرف النظر عن منشئه." وبالمثل, كثير من شكاوي ومظالم حماس ضد إسرائيل ستؤخذ بعين الاعتبار في حالة توقف العنف. ولإحداث ذلك، يجب على حماس تحرير نفسها وتحرير الجمهور الفلسطيني كذلك من الفكرة الخاطئة التي تزعم بأن إسرائيل لا تنسحب من الضفة الغربية إلا بقوة السلاح. كان هذا النوع من التفكير دائما مضلّلا، ولربما قد ازدادت حدته بوصول حماس للسلطة. والحقيقة أن إسرائيل لن تسحب تحت أي ظرف من الظروف قواتها أو تزيل مستوطناتها ما دام هناك عنف متأجّج. أعتقد بأن قادة حماس يفهمون هذه الحقيقة الأساسية وبأنهم يدركون أيضا من منطلق موقعهم المسئول الآن بأن قواعد اللعبة قد تغيرت. فبالرغم من وجود نقاش حاد ضمن قيادة حماس ما بين المتشددين والمعتدلين حول كيفية التعامل مع إسرائيل، فان هناك على الأقل إجماع واضح فيما بينهم وهو ضرورة إيقاف استمرارية العنف. وخلافا لذلك، فان أجندة حماس السياسية بأكملها وقدرتها على الحكم ستكون معرضة للخطر. ومدركة لهذه العواقب، فان حماس على الأرجح ستركّز على أربع قضايا ستساعدها في إنجاح حكمها للشعب الفلسطيني والتحرك تدريجيا نحو فتح المزيد من القنوات الرسمية باتجاه إسرائيل. وهذه القضايا الأربع هي: أولا: على حماس أن تعمل كل ما بوسعها لإقناع حركة فتح للانضمام إليها في حكومة ائتلافية. إذا تشكّلت هذه الحكومة فإنها ستكون غطاء لقبول حماس ضمنا بالاتفاقيات السابقة المبرمة مع إسرائيل وستوسّع القاعدة الشعبية لهذه الحكومة، إضافة إلى منحها السيد محمود عباس مصداقية أكبر في تعامله مع القضايا السياسية الخارجية، خصوصا فيما يتعلق بإسرائيل. ثانيا: على حماس توحيد جميع قوى الأمن وضم ميليشياتها إلى جهاز أمن فلسطيني رئيسي وموحّد وفرض سياسة "قانون البندقية الواحدة". هذا مع الحيلولة دون قيام أية مجموعات أخرى مسلحة مثل الجهاد الإسلامي وكتائب شهداء الأقصى بأية عمليات عسكرية مع ضرورة مصادرة أسلحتهم وتفكيك بنيتهم التحتيــــــــــــــة. ثالثا: على حماس الوفاء بوعودها للجمهور الفلسطيني من حيث توفير الخدمات الاجتماعية وضمان الأمن الداخلي والقضاء على الفساد وخلق مشاريع إنمائية من شأنها توفير فرص العمل لعشرات الآلاف من الفلسطينيين. ورابعا وأخيرا: يجب على حماس أن تتكلم بلغة واحدة. المطلوب من قيادتها ترك عادة الحديث عن موضوع ما لجمهور ناخبيها باللغة العربية ثم تحريف ما قيل عند التكلم باللغة الانجليزية مع الممثلين الأجانب أو الصحافة الأجنبية بما يتماشى مع أهواء هؤلاء الأجانب. لن يتم استغفال أحد بمثل هذه الممارسات التي قد تقوّض فقط مصداقيتها. يبدو أنه شيء من سخرية القدر أن تتقارب في النهاية مصالح إسرائيل وحماس من بعضهما البعض بطريقة قد تؤدي إلى تقدم جوهري في عملية السلام بدون مفاوضات مباشرة. سيشجّع وقف الأعمال العدائية بين الطرفين كلا الحكومتين، الحكومة الإسرائيلية والحكومة الفلسطينية بقيادة حماس، للقيام بتنازلات لبعضهما البعض دون أن يغيّر أي منهما موقفه المعلن بصورة رسمية تجاه الطرف الآخر. ولكن في نهاية المطاف، ما سيغيّر بالفعل من ديناميكية الحوار الإسرائيلي – الفلسطيني هو جوّ خال من العنف. وهذا غائب حتى الآن عن الساحة منذ وقت طويل.