All Writings
أغسطس 23, 2006

الديمقراطية على النمط الأمريكي ، وسيلة أم 

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية بجامعة نيويورك

ومدير مشروع الشرق الأوسط بمعهد السياسة الدولية.

 

         الانتخابات الحرة لا تخلق الديمقراطية . وعندما تسبق هذه بناء المؤسسات الديمقراطية ، فإنها على الأرجح تحدث عدم استقرار واضطرابات خصوصا في البلدان التي كانت تحكمها سابقا أنظمة سلطوية.

وهذا يفسر سبب ضرورة أن تقوم الولايات المتحدة أولا بمساعدة وتشجيع المؤسسات والمنظمات الليبرالية وتطويرها بحيث تتمكن هذه بنجاح من منافسة المجموعات الإسلامية المتطرفة المنظمة بصورة جيدة .

 

         إن أفكار الرئيس بوش بأن دمقرطة العراق سيكون له تأثير ايجابي على باقي العالم العربي – من حيث إدخال الازدهار والسلام إلى المنطقة – وبأن الديمقراطية دواء شاف للإرهاب الإسلامي هي في الواقع أفكار مضللة ولا تستند إلى الحجج والبراهين . ولو ألقينا نظرة سريعة على الواقع السياسي للعالم العربي لتبيّن لنا بأن قيام الديمقراطية في الأقطار العربية لن يترجم بصورة آلية إلى تأسيس ديمقراطية ليبرالية .   

وفي الواقع لو أعطيت الفرص لأن يكون هناك تنافس حر ونزيه في الانتخابات ، سيخرج على الأرجح الإسلاميون منتصرين من هذه الانتخابات . ولو كانت الأحاسيس والميول الحالية في الدول العربية تعبّر عن اتجاه معيّن ،فان أية حكومة تشكلها أحزاب سياسية إسلامية منتخبة ستكون على خصام أكبر مع الولايات المتحدة من الأنظمة السلطوية الحالية . إضافة إلى ذلك، ليس هناك مؤشرات تدل على أن الديمقراطية ضرورية لدحر الإرهاب ، كما وليس هناك أية بيانات أولية تدعم الادعاء بحتمية وجود علاقات ما بين الأنظمة السلطوية والإرهاب .

 

         البيانات تقول في الواقع شيئا مختلفا تماما ، حيث تبيّن دراسة سنوية تجريها وزارة الخارجية الأمريكية بعنوان "صورة الإرهاب الدولي" بأنه وقع في السنوات ما بين 2000  إلى 2003  ما مجموعه

( 269 ) حادث إرهابي ذو أهمية بالغة في الدول الحرة و ( 119 ) حادث في دول تعتبر حرّة إلى حد ما و ( 138) حادث في دول أنظمتها سلطوية . وتبيّن الدراسة أيضا بأنه كان في خلال نفس الفترة ( 203 ) هجوم إرهابي في الهند لوحدها التي تعتبر دولة ديمقراطية ، بينما لم يسجّل أي حادث من هذا النوع في الصين التي يصعب أن نعتبرها دولة حرّة . هذه النتائج لا تدل بالطبع على أن الديمقراطيات تجذب لها أعمال إرهابية أكثر من الأنظمة الدكتاتورية ، لا بل ربما تقول بأنه في حين أنّ الديمقراطيات الناضجة هي أكثر استقرارا وتتجنب بصورة عامة الدخول في صراعات مع بعضها البعض ، فان الحريات السياسية بحد ذاتها لا توفر بصورة آلية درعا ضد العنف والإرهاب . فمثلا لم تمنع الديمقراطية في فرنسا – التي رسخت فيها كتقليد منذ قرون – حدوث أعمال الشغب الحالية والتي انتشرت سريعا في المدن الفرنسية . ما لم يسبق الانتخابات

 

الديمقراطية بناء المؤسسات الديمقراطية والتشجيع الفعّال للتطوير الاجتماعي والاقتصادي، فان هذه الانتخابات ستخلق ديمقراطيّات غير ليبرالية ضيقة الفكر شبيهة بالأنظمة السلطوية .

 

         وبالنظر إلى المبررات المشكوك فيها للحرب في العراق وتكاليفها الباهظة على الشعبين الأمريكي والعراقي ، فان عامة الشعوب العربية لا تستطيع أن ترى أي مبرّر لهذه الحرب باسم الديمقراطية .

لم تتمكن الانتخابات اللاحقة وتمرير دستور جديد في العراق من إخماد الثورة ولا من تخفيف الشعور العميق بالكراهية والحقد الذي يكنه العراقيون بصورة خاصة والعرب بشكل عام تجاه الولايات المتحدة . ليس فقط أنهم يشعرون بالسخرية تجاه أمريكا والاستخفاف بها ، فالعرب يرفضون فكرة "زقّ " الديمقراطية على النمط الأمريكي في حلوقهم بقوة البندقية . وبصرف النظر عن هويتهم الوطنية الإقليمية فان العرب لا يرفضون مبدئيا الإصلاحات الديمقراطية . لا بل على العكس ، فالشعوب العربية وقد سئمت الاستبداد والفساد وسوء المعاملة من قبل اللذين في السلطة ، تتطلع إلى بعض الإصلاحات السياسية ما دامت هذه الإصلاحات تتوافق مع قيمهم ويتم تبنيها على خطى تتماشى مع البنية الاجتماعية والظروف السياسية لبلدانهم . ولكن بسبب وجود عدد من العوامل الحيوية المشتركة بين الدول العربية وأهمها الدين واللغة والتاريخ ، فان هناك أربعة إجراءات أساسية على إدارة بوش بصورة عامة أن تتبعها لتنفيذ إصلاحات ديمقراطية تؤدي إلى التقدم والاستقرار بدلا من العنف والاضطرابات السياسية .

 

         أوّلاً:إتباع التغييرات التدريجيّة : بسبب تاريخها الطويل مع

"مذهب السلطة"  الذي يشكل الإسلام إبانه وما زال إلى حد كبير عاملا مسيطرا ، وبسبب القبليّة والتشجيع اللذين يعتمدان على التوجه الديني والحضاري ،تفضل معظم المجتمعات العربية الإصلاحات التدريجية عن الاصلاحات الجذريّة الفورية. وحيث أن الحقوق الجماعية في معظم المجتمعات العربية تحل محل حقوق الفرد بصورة عامة فإنها تضيف عبئا آخرا على الجد في طلب الإصلاحات الديمقراطية لأن هذه الإصلاحات تركز أساسا على حماية الحقوق الفردية. أضف إلى هذه المشكلة أيضا حقوق الولاء التقليدي للعائلة والقبيلة التي تحد بالطبع من أهمية مبادئ الحكم الديمقراطي الذي يعتمد على المشورة والاتفاق وحكم الأغلبيّة .

يقول معظم الناس في المنطقة ، دولة تلو الأخرى بما في ذلك المملكة العربية السعودية ، عندما يسألون، بأنهم يريدون تغييرا بطيئا يزداد تدريجيا للتقليل من هدف المقاومة والفوز أخيرا على المتشككين ومنع ضربة عكسية جادة من شأنها طمس أي تقدم في المستقبل . ولهذه الأسباب، على أية إدارة أمريكية ترغب في إدخال إصلاحات ديمقراطية أن

 

تقوم بذلك بدعم كامل للإصلاحات التدريجية مهما استغرقت هذه الإصلاحات من سنوات لتثبيتها . على إدارة بوش أن تتوقف عن تشجيع الناس في الشرق الأوسط على القيام بثورة ضد حكوماتهم ثم تركهم وشأنهم -عند أية إشارة أو محاولة للقيام بذلك ، مهما كانت صغيرة أو قليلة الشأن – ليقوموا هم بأنفسهم بعد ذلك بإزالة أو تنظيف ما تسببوا به من فوضى أو بلبلة سياسية . الديمقراطية لن تنمو بسرعة نمو الفطر في الشرق الأوسط حسب الجدول الزمني الذي يضعه السيد بوش ، بل على الولايات المتحدة أن تقدم المساعدة والتوجيه مع تشجيع وحوافز أخرى وتسمح بصورة أساسية لكل دولة بتطوير شكل الديمقراطية الذي يتناسب مع " تربة " البلد .

 

         ثانياً : تقديم حوافز اقتصادية : على الولايات المتحدة أن تقدم لمعظم الأنظمة العربية حوافز اقتصادية مقابل تقدمهم بالإصلاحات الديمقراطية . هذا ويجب ألا تقدم هذه الحوافز الاقتصادية من حكومة لحكومة بدون شروط تربطها لأن هذه الأموال قد تحول لحسابات خاصة في بنوك سويسرية ، بل يجب تسخير هذه الأموال لتنفيذ مشاريع حيوية راسخة عن طريق الوكالات الأمريكية المتنوعة والمنظمات والمؤسسات الغير حكومية . الفكرة هي التأكد بأنّ المجتمعات المحلية تشترك في تصميم وتنفيذ مشاريع التطور هذه . وقد ثبت أيضا بأن المشاريع المحلية التي تتمحور حول إعادة بناء مختلف القطاعات الاقتصادية قد أحرزت نجاحا ملحوظا في كثير من المجتمعات حول العالم لأنّ لدى مواطني البلد نفسها حافز قوي لصيانة تلك المشاريع التي تعالج احتياجاتهم النوعية في التعليم والصحة والتجارة والزراعة وحماية البيئة . وتقوم في معظم هذه الحالات جمعيات أو مؤسسات محلية يتم تشكيلها من قبل أفراد المجتمع بإدارة مثل هذه المشاريع وتنفيذ مشاريع أخرى جديدة . ونتيجة لذلك تنشأ روابط جديدة من التعاون عندما تشترك تجمعات سكانية مجاورة لبعضها البعض لخلق مشاريع تعود بالفائدة على كامل منطقتهم . والولايات المتحدة الأمريكية بحاجة لأن تدرك بأن هذا النوع من التطور " من الأساس " يعتمد على أساس تدابير وإجراءات ديمقراطية . إن أهم عنصرين أساسيين في خلق الديمقراطية التعددية هما أولا تشتت أو انتشار السلطة باتجاه الدواخل ( التجمعات المحلية ) أي ما يسمى بِ "السلطة اللامركزية " وثانياً إقحام جميع الطبقات الاجتماعية في صنع القرار . إنّ المشاركة الواسعة في إعادة بناء المجتمعات هي في حد ذاتها الديمقراطية التعددية لأنّها تقوي صلاحيات الناس المحليين في تطوير أنفسهم . فإذا اختارت إدارة الرئيس بوش السير في هذا الاتجاه ، عليها أن تكون على علم مسبق بما سيستغرقه هذا من وقت طويل للتوصل إلى مستوى رفيع في حياة هذه المجتمعات المختلفة والمنتشرة في جميع أنحاء العالم العربي.لا يمكن التوصل إلى ديمقراطية متطورة بثمن بخس.

 

  على الولايات المتحدة الأمريكية أن تكون مستعدة لصرف عشرات المليارات من الدولارات في سبيل تطور مستمرّ لزرع بذور الديمقراطية . وفي النهاية يجب أن تصبح كل دولة عربية حسب قدرتها الاقتصادية ومعدّل تقدّمها على أسس هذه السياسة العريضة جزءاً من الاقتصاد العالمي . أجل إنّه مشروع طويل الأمد . ولكن بالمقابل لا تطور الديمقراطية ولا الحرب على الإرهاب مشاريع قصيرة الأمد !

 

         ثالثاً : تطوير المؤسسات الديمقراطية : على واشنطن أن تركز على تطوير أربعة مجالات إذا هي أرادت أن تلبي الاحتياجات اللازمة لتطوير المؤسسات الديمقراطية النوعية التي تدعم الديمقراطية طويلة الأمد . هذه المجالات هي الصحافة الحرّة ، مؤسسات ومنظمات ليبرالية ، هيئة قضائية نزيهة وحقوق الإنسان . وبالرغم من أن الدول العربية تنعم بوفرة وسائل الإعلام المطبوعة والألكترونية ، فهذه معظمها جهات رسميّة أو شبه رسميّة تابعة للحكومة . لقد كانت وما زالت وسائل الإعلام العربية وبشكل فاضح معادية لأمريكا ولإسرائيل ولم تسمح بنشر الأفكار الحرّة أو وجهات النظر المعارضة لسياسات حكوماتها . وبدون حرية التعبير ليس للديمقراطية أرجل تقف عليها . على الإدارة الأمريكية استخدام جميع الحوافز والتشجيع لإقناع الأنظمة العربية بأهمية تغيير نبرة وسائل الإعلام ، ليس بهدف تحسين صورة أمريكا المشئومة في الشوارع العربية فحسب ، بل للسماح مبدئياً بانتعاش صحافة أكثر حريّة لتكون دعامة من دعامات الديمقراطية . على إدارة بوش أن تركز أوّلاً على تطوير المنظمات والمؤسسات الليبرالية والأحزاب السياسية لتتمكن هذه من البروز ، لربما فقط بعد سنوات من التغذية ، كقوة سياسية جديدة بفرصة حقيقية لمنافسة المجموعات الإسلامية المتطرفة المنظمة والممولة حالياً بصورة أفضل . الموضوع الآخر الذي لا يقل أهمية عن ذلك هو تطوير سلطات قضائية نزيهة وحيادية عادلة. وهنا بإمكان الولايات المتحدة أن تقدم مساعدة جوهرية وتوجيه سليم في بناء الهيئات القضائية التي تتناسب مع طبيعة كل مجتمع ولكن تبقى حرة وعادلة ونزيهة. ومن الممكن بهذا السياق نقل خبرة الإدارة الأمريكية في تدريب القضاة والرفع من شأن وكفاءة النظام القضائي في العراق إلى دول عربية أخرى. وأخيرا يجب الحفاظ على حقوق الفرد مصانة دستوريا كضرورة حتمية لتطور الديمقراطية الحقيقية. وباستطاعة الولايات المتحدة الأمريكية أن تساعد أنظمة عربية عديدة للتحرك في هذا الاتجاه بحيث لا يستطيع زعيم عربي الدّوس على الحقوق الفردية بدون عقاب.        

 

         رابعا،  إصلاح الأنظمة التعليمية:  بالرغم من أن الولايات المتحدة تدرك أن الأنظمة التعليمية في المنطقة بحاجة إلى تغيير جوهري، غير أنه لم تبذل جهود كافية في معظم الدول العربية لتحقيق أي تغيير فعلي. هناك عشرات الآلاف من المدارس المدعومة بنسبة كبيرة من أموال المملكة العربية السعودية ومنتشرة في جميع أرجاء العالمين العربي والإسلامي والتي تقوم بصورة أساسية بتدريس العلوم القرآنية التي تعتمد على الوهابية السنية مذهبا لها والمطعّمة بمواد سامة ضد الولايات المتحدة واليهود. وإذا تركت هذه المدارس بدون رقابة،  فإنها ستصبح مصدرا رئيسيا لتغذية الجيل القادم من الإرهابيين.  لدى باكستان على سبيل المثال آلاف من هذه المدارس المموّلة سعوديا لان الحكومة الباكستانية تفتقر إلى الموارد اللازمة لتمويل المتطلبات التعليمية الضخمة في البلد. ولذا على الولايات المتحدة:  أ) إقناع حكومة المملكة العربية السعودية بتخفيف متطلبات التعليم ومناهج الدراسة في هذه المدارس و ب) تقديم مساعدة مباشرة لباكستان ولغيرها من الدول العربية أو الإسلامية حتى يصبح التعليم في هذه الدول أقل اعتمادا على التمويل القادم من أنظمة تفرض مناهج الدراسة على المدارس التي تمولها أو تدعمها.

ج) تشجيع دول أخرى مانحة لتقديم مساعدة خاصة للتعليم في دول عربية محتاجة كمصر مثلا،  و  د) الطلب من الحكومات العربية أن تقوم بمراجعة نصوص تاريخها وثم &#157

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE