تقزيــم حماس
18 فبراير ( شباط ) 2008
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
إن أخطر مشكلة تواجه المسئولين الإسرائيليين هي كيفية وضع نهاية لهجمات صواريخ القسّام اليومية الهادفة إلى إضعاف معنويات الإسرائيليين وتقويض مفاوضات السلام ما بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وتصرّ إسرائيل وبحق بأن المسئول عن هذه الهجمات هي حماس بصفتها السلطة التي أعلنت نفسها عن ذلك في غزة، ولذا – ترى إسرائيل – بأن على حماس أن تتحمّل عواقب مسئولياتها. والسؤال هو: ما العمل لإضعاف حماس بدلاً من تقويتها بالإجراءات الإسرائيلية العقابية المضادة وفي نفس الوقت التقدم في مفاوضات السلام.
لقد أدّت استراتيجية إسرائيل الحالية المتمثلة في عمليات القتل المستهدفة إلى نتائج محدودة، إن لم تكن عكسية. فبالرغم من أنّ قادة حماس ومقاتليها في حالة هروب والشعب الفلسطيني في ضيق شديد، إلاّ أن حماس وأتباعها ما زالوا قادرين على مقاومة الإسرائيليين وحث الجماهير على مناوأة إسرائيل والسلطة الفلسطينية. والإسرائيليون من ناحيتهم غير سعداء على الإطلاق لعجز جيشهم عن إيقاف الهجمات الصاروخية. وأولئك اللذين يعانون من وطأتها في سديروت يطالبون بحلّ فوريّ ينهي التهديد المستمر والألم النفسي المرافق له. وبالرّغم من أن إسرائيل الآن تعمل على تطوير نظام دفاع جوي قادر على اعتراض سبيل الصواريخ القصيرة المدى وتفجيرها، غير أنها بعيدة سنة أو ما ينوف عن عملية توظيف مثل هذا النظام. ويبقى الوضع الحالي بالنسبة لإسرائيل غير مريح بتاتاً لأنه يظهرها ضعيفة وغير حازمة أمام عدوًّ من الدرجة الثانية، الأمر الذي يطالب باجتياح غزة.
وآخذاً بعين الاعتبار الظروف الاجتماعية والاقتصادية المزرية لمئات الآلاف من الفلسطينيين في غزة، فإن اجتياحها – كما يطالب بذلك الكثير من الإسرائيليين وبعض المسئولين منهم- لن يقدّم حلاًّ طويل الأمد، فأغلبية الفلسطينيين في غزة لم يبق لديهم تقريباً شيء يخسرونه وهم يضعون اللوم على إسرائيل لكونهم في هذا الوضع البائس. وفي ظل هذه الظروف والمعطيات فإن اجتياح غزة، علاوةً على أنّه سيسبّب خسائر فادحة في أرواح الإسرائيليين والفلسطينين، سيجعل الفلسطينيين والعرب يلتفون ببساطة حول حركة محصّنة ومستعدّة للقتال وسيجعل من إعادة احتلال غزة من قبل إسرائيل أكبر مغامرة دموية ومكلفة للإسرائيليين، مهما كان هذا الاحتلال قصير الأمد. هذا علاوة على أن مثل هذا الاجتياح سيفيد حماس مباشرة أيضاً بطرق أخرى، فهو سيخرج المفاوضات مع السلطة الفلسطينية عن
مسارها وسيثير استنكاراً دولياً وسيخلق أزمة إنسانية ويترك إسرائيل حائرة في البحث عن مخرج مشرّف بدون أية تأكيدات لوقف الهجمات الصاروخية حتّى قبل خروج آخر جندي إسرائيلي.أضف إلى ذلك فإنه سيُنظر إلى مقاتلي حماس – أحياءً كانوا أو أموات – على أنهم أبطال وشهداء لكونهم قد حاربوا الجيش الإسرائيلي العتيد. والخلاصة أن مثل هذا الاجتياح، وبصرف النظر عن درجة نجاحه، سيجذب المزيد من المقاتلين إلى جانب حماس ويعمّق العزم والتصميم لدى أنصارها ويشعل حماسهم الديني للإستمرار في المقاومة الشرسة المسلّحة ضد الاحتلال مهما كان الثمن. وللتأكيد، سيضعف اجتياح غزة حماس من الناحية العسكرية لبعض الوقت، غير أنه لن يقضي عليها كحركة جماهيرية.
هذه المقدمات والمعطيات جميعها ستترك لإسرائيل خيار واحد قد يستغرق وقتاً أطول لتنفيذه ولكنه سيؤدي إلى تقزيم حماس في أعين أنصارها وأتباعها وسيغيّر الديناميكية السياسية الفلسطينية لصالح السلطة الفلسطينية في غزة وفي الضفة الغربية. والفرضية المنطقية لإسرائيل هي العمل على زيادة إبعاد الفلسطينيين اللذين يعيشون تحت سلطة حماس عن قادة التنظيم اللذين لم تجلب سياساتهم في المقاومة المسلحة سوى المزيد من الألم والمعاناة بدلاً من الفرج. وهذا لن يحدث عندما تقتل إسرائيل كل عضو من حماس تستطيع الوصول إليه، بل بالأحرى عند التشكيك أو إضعاف الثقة بأيدولوجية حماس وإفشال استراتيجيتها في المقاومة المسلحة وأخيراً عندما تدرك قيادتها بأن الاعتدال هو الوحيد الذي سيعطي الحركة دوراً سياسياً مشروعاً.
وبوجود الانشقاق بين حماس وفتح فإن إسرائيل في وضع أفضل بكثير للقيام بإبعاد أتباع وأنصار حماس عن قادتهم وذلك عن طريق زيادة التعاون مع السلطة الفلسطينية وجعل الأمر في منتهى الوضوح بأن أية مساعدات تصل للفلسطينيين في غزة هي قادمة من حكومة الرئيس محمود عباس أو بإيعاز منه. ومن بين أهم الخطوات التي يجب على إسرائيل القيام بها هو السماح للسلطة الفلسطينية – بموافقة المراقبين من طرف الاتحاد الأوروبي على الجانب الفلسطيني والتنسيق معهم – بالسيطرة على المعابر الحدودية الستة (واحد مع مصر وخمسة مع إسرائيل). ولقد أخبرني مسئول فلسطيني رفيع المستوى بأن لدى السلطة الفلسطينية (600) عنصراً من الحرس الرئاسي جاهزين لاستلام مواقعهم في ضبط الحدود. سيعطي فتح الحدود لسكان غزة إشارة واضحة بأن السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء سلام فياض مهتمّة بتحسين وضعهم وبالتالي تحسين حياتهم المعيشية، وهنا ستكون السلطة الفلسطينية أهلاً للثقة والمصداقية وليست حماس. وإذا لم تسمح حماس للسلطة الفلسطينية بضبط المعابر الحدودية فإن الناس ستثور على حماس متّهمة إياها بالحصار وبمعاناتهم المتواصلة.
إضافة إلى ذلك، على إسرائيل أن تقوي موقف السلطة الفلسطينية بتنفيذها الخطوات الأولى من خارطة الطريق وهي: (1) تجميد التوسع في المستوطنات القائمة، خصوصاً ما هو ليس مرشحاً للإنضمام إلى الأراضي الإسرائيلية، وذلك بعقد اتفاقية بهذا الخصوص مع الفلسطينيين. (2) تفكيك المستوطنات الغير شرعية لكي تبيّن إسرائيل للفلسطينين وللعالم بأنّها ملتزمة بإنهاء الاحتلال. (3) إزالة نقاط التفتيش والحواجز الغير ضرورية لأمن إسرائيل وذلك بهدف تسهيل حياة العديد من الفلسطينين من حيث إعادة البناء ووضع حد لعمليات الإذلال الغير لازمة. (4) إطلاق سراح المزيد من السجناء الفلسطينيين، حيث أن موضوع الأسرى في منتهى الحساسية بالنسبة لجميع الفلسطينيين، و (5) إعادة فتح المؤسسات الوطنية الفلسطينية في القدس. ستقوي هذه الإجراءات العملية المعتدلين تحت قيادة الرئيس محمود عباس في الوقت الذي ستضعف فيه حماس لعجزها عن تقديم نفس الخيرات والتسهيلات. لا شك أن بعض هذه الإجراءات ستشكل مخاطراً أمنيةً لإسرائيل، ولكن يجب موازنتها بالفوائد التي ستنتج عنها على المدى المتوسط والبعيد، هذا من ناحية. ومن الناحية الأخرى يجب على السلطة الفلسطينية أن تبيّن لإسرائيل وللعالم بأنّها تعمل حقاً كلَّ ما بوسعها لوقف العنف ضد إسرائيل، خصوصاً من جانب كتائب الأقصى المحسوبة على حركة فتح. أضف إلى ذلك، ولإقناع الرأي العام الإسرائيلي بالتزامها المطلق بالتعايش السلمي، على السلطة الفلسطينية أن توقف أيضاً جميع الإثارات والتحريضات العلنية العامة أكانت عن طريق وسائل الإعلام، أم في المدارس وفي الجوامع.
ليس هناك كما يبدو وصفة مثالية لحلّ ٍ كامل. أقول هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار طبيعة حماس كحركة شعبية والبيئة السياسية والاجتماعية المتواجدة فيها. غير أنه لا يجب على إسرائيل أن تقع في شرك حماس وتدع عواطف الجمهور الإسرائيلي الملتهبة تقضي على مسارٍ سلمي وعقلاني يتم التخطيط له وتنفيذه بعناية.