يجب تأجيل الانتخابات في ليبيا
يجب على الحكومة الانتقالية أن تركز أولاً على قضايا الأمن الداخلي والمصالحة والتنمية الاقتصادية من أجل توفير أساس قوي لانتخابات وطنية حرة ونظام سياسي جديد ومستقر.
في الوقت الذي يحتفل فيه الثوار الليبيون باستحقاق خلع العقيد معمر القذافي بعد 42 عاماً من الحكم الاستبدادي في ليبيا وتحويله من ديكتاتور يتمتّع بسلطة مطلقة إلى هارب يرتعد خوفاً، تبدأ بطرده التحديات الفعلية لليبيا الجديدة. فالطريق لصياغة دستور جديد وتأسيس أحزاب سياسية جديدة وإعادة بناء بنية تحتية مدمرة وتنمية اقتصاد ضعيف وإنشاء وتعزيز مجتمع مدني ستكون طريقاً طويلة وصعبة ومحفوفة بالعنف والمخاطر. فبعد حرمان شعبه من أيّ شكلٍ من أشكال المشاركة في الحكم، على الليبيين أن يبدأوا الآن بالتقاط ما تركه القذافي من حطام لبناء أساس لدولة حرّة وآمنة ومستقرّة.
يجب أن تكون استعادة حكم القانون في جميع أرجاء البلاد في مقدمة الأولويات. وما دام يحتفظ المناصرون للقذافي بجيوب مقاومة والقذافي نفسه ما زال هارباً، لن يبدأ بالجدّ انتقال ليبيا إلى مرحلة ما بعد الثورة. يجب أولاً إلقاء القبض على القذافي والسيطرة الشاملة على كلّ ليبيا قبل استعادة الأمن والخدمات العامة الأساسية مثل الكهرباء والمياه النظيفة الصالحة للشرب بصورة كاملة ويعتمد عليها. يجب أن يكون هناك الخطوات (1) و (2) للحكومة الانتقالية حديثة الولادة.
-2-
أولاً، ستكون عملية جمع الأسلحة مهمّة رئيسية في هذه الجهود، بما في ذلك مخزونات الأسلحة الضخمة التي اغتنمها الثوار من مجمّع القذافي في طرابلس، باب العزيزية. وإعادة توظيف قوات الشرطة والأمن والتأكد من أنها تقبض رواتبها ومستحقاتها بالكامل وتعمل بشكلٍ حسن للحفاظ على الأمن الداخلي هو شرط لا بدّ منه لتحقيق أي تقدم إضافي.
لقد عانى الكثير من الليبيين من قساوة قوات الأمن الداخلي تحت حكم القذافي. وقد يكون العقاب والأخذ بالثأر من الأشياء الطبيعية للعديد من الليبيين لتصفية حسابات قديمة، ولذا على الحكومة الإنتقالية أن تتعلّم من الأخطاء التي ارتكبت في العراق والبدء فوراً بحملة مصالحة بين فئات الشعب الليبي وذلك بالترحيب باندماج قوات الشرطة والجيش اللذين كانوا موالين للقذافي بدلاً من تسريحهم وإثارة موجات من الانتقام والثأر التي قد تقوّض كل جهد لترسيخ الأمن الحقيقي في البلاد.
يجب أن تبدأ من الآن عملية التئام شطري البلاد، شرقها مع غربها، بدلاً من مفاقمة الانقسام بينهما. وعليه فإنّ تأسيس فصائل وأحزاب موحّدة لتشكيل حكومة "تؤكد على الهوية الإسلامية للشعب الليبي والتزامه بالقيم الإسلامية المعتدلة ورفضه الكامل للأفكار المتطرفة والتزامه بمحاربتها في جميع الظروف" – كما ورد في بيانٍ للمجلس الانتقالي الوطني يوم 30 آذار (مارس) – سيشكّل خطوة هامة نحو قيام ليبيا المستقرة والمزدهرة.
فإذا كان من المطلوب بناء اقتصاد مزدهر يعيد أفواج العمالة الأجنبية إلى ليبيا يصبح من الضروري ترسيخ الأمن والأمان في جميع أنحاء البلاد وهو أمر ليس بسهل. وعلى المجلس الوطني الانتقالي بصفته السلطة الشرعية في ليبيا المعترف بها من عشرات الأقطار حتى الآن ومن الجامعة العربية عند عودة الأمن إلى نصابه أن يعمل كلّ ما بوسعه ليعيد إنتاج
-3-
النفط الليبي إلى سابق عهده وذلك لتغذية البلد برأس المال الذي يحتاجه بشدة. ويعتقد المحللون الصناعيون بأنّ ليبيا ستحتاج إلى سنتين لعودة إنتاج النفط إلى ما كان عليه خلال حكم القذافي وهو 1.6 مليون برميل يومياً. وفي مقابلة لرئيس الفريق الليبي لتحقيق الاستقرار في المجلس الوطني الانتقالي، أحمد جيهاني، مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي. بي. سي) في الآونة الأخيرة قال:" إنّ الإهمال الكلي لصناعة النفط والبنية التحتيّة تحت حكم القذافي قد يحتاج إلى عقدٍ من الزمن لإصلاحه وإعادة تأهيله".
وبإنتاج لا يتعدّى الآن 60 ألف برميل يومياً، ألقت الثورة في البلد مهمّة صعبة على كاهل المجلس الانتقالي الوطني من حيث إعادة النظر في معاملة الدولة لعقود النفط وذلك لضمان الشفافية وتوزيع عادل للثروة النفطية على جميع أنحاء ليبيا. وأخيراً، وحيث إنتاج النفط يعادل حوالي 95% من إيرادات الصادرات الليبية واستعادة معدلات الإنتاج الكامل للنفط تستغرق وقتاً، فإن الإفراج التدريجي لأصول القذافي المجمدة والتي تقدّر بحوالي 100 مليار دولار أمر ضروري لقيام الحكومة بالتزاماتها المالية وبقائها قادرةً على إيفاء جميع ديونها وحفاظها على ثقة الشعب.
تعتبر التنمية الاقتصادية الحقيقية موضوعاً مركزياً لبلد ارتفعت فيه نسبة البطالة إلى 30% قبل نشوب الانتفاضة. والآن هناك فرص للنمو الاقتصادي إذا أثبت المجلس الانتقالي الوطني نجاحه في الحفاظ على الحكومة كقوة تستطيع توليد الثقة بينها وبين الشركات والمستثمرين. بإمكان ليبيا الاستفادة من موقعها الجغرافي على ساحل البحر الأبيض المتوسط ومقربتها من أوروبا بالاستثمار في مجال السياحة والصناعة. أضف إلى ذلك، فإن بناء مؤسسات تعليمية لتوفير الفرص للشباب الليبي في الحصول على المهارات الحديثة اللازمة سيفتح الباب للمزيد من الاستثمارات الأجنبية الضخمة ويتوسّع سوق العمل بذلك.
-4-
إنّ استعادة الأمن الداخلي والمصالحة ما بين الحرس القديم والجديد والقيام بمجهود كبير لإعادة بناء الاقتصاد سيضع الأساس القوي المطلوب للتحرك قدماً نحو إصلاحات
ديمقراطية هامّة. سيكون الانتقال لحكم ديمقراطي ومركزي جديد أمراً شاقاً وسيحتاج وقتاً طويلاً. لم يترك القذافي شيئاً لليبيا: لا أحزاب سياسية ولا مجتمع مدني ولا منظمات غير حكومية ولا حتى برلمان.
يجب أن يبدأ التّحول السياسي بقيام جمعية وطنية ليبية جديدة تمثّل جميع أنحاء البلاد. وبالرّغم من فعل الكثير للتحضير لصياغة دستور جديد، غير أنه على اللجنة التي ستكلّف رسمياً بصياغة الدستور الجديد أن تكون مختارة ومفوّضة من قبل الجمعية الوطنية الليبية. والإطار الدستوري الليبي الناجح هو ذاك الذي يعكس احتياجات ومطالب الشعب ويسمح لزعماء القبائل بقسطٍ من السلطة ما دامت حقوق الإنسان مصانةً دستورياً ومطبقةً بالكامل.
يجب تأجيل الانتخابات العامة المخطّط لها على الأقل مدة سنتين. وبالفعل، فإن الانتخابات التي تُعقد في وقتٍ قريب – كما تميل إلى الدفع بها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي – ستكون خطأً فادحاً بالنسبة لليبيا، إذ يقف المراقبون في تونس ومصر على الصعوبات المتنامية للحركات الديمقراطية حديثة الولادة في بلدين أُطيح بحاكميهما المستبدين، غير أن مستوى البنى التحتية للمجتمع المدني في هذين البلدين أسمى بكثير مما تركه القذافي من خرائب.
يجب إعطاء الأحزاب السياسية الوقت والموارد اللازمة لتنظيم نفسها وتطوير أجندات سياسية وتعريف عامة الشعب بمواقفها بالنسبة لمختلف القضايا التي تؤثر في أمن البلد مستقبلاً وفي تطوراته الاقتصادية. والمناداة بالانتخابات في القريب العاجل سيعطي الكثير من التصديق والسلطة التي في غير محلّها لفصائل قبليّة منعزلة ولإسلاميين، وبالأخصّ المجموعة الإسلامية الليبية المحاربة التي ستكون على الأرجح المجموعة الوحيدة القادرة
- 5 –
على كسب الولاء في الساحة السياسية الليبية الغير ناضجة. وسنرى إذا كانت بقايا المجموعة الإسلامية الليبية المحاربة ستتمسّك في ليبيا الجديدة بوعدها الذي أطلقته في شهر نوفمبر
2009 المتعلّق بنبذ العنف الجهادي ضد "النساء والأطفال وكبار السنّ ورجال الدين والتجار وغيرهم".
لقد كان الغرب على صواب في استخدام "النيتو" لمساعدة الثوار في الإطاحة بالمجذوب الذي حكم ليبيا مدّة (42) عاماً. لقد كانت الإستراتيجية من ناحية أساسية ناجحة لأنه في حين ساعد الغرب نضال الثوار فإنّ من قاد النصر وأحرزه في النهاية هم الليبيون أنفسهم. ولذا يجب التوصل إلى بناء ليبيا الجديدة أيضاً بنفس الطريقة. ففي حين أنه على المجتمع الدولي دور مهم ليلعبه في تغذية البلد بالسيولة والاستثمارات الضرورية جداً، غير أنّ نجاح التّحول الليبي سيكون في النهاية مرتبطاً بالتصميم المستمرّ للشعب الليبي نفسه.
سيكون لأي تطور يأخذ مجراه في أية دولة عربية تأثيراً مباشراً أو غير مباشراً على إسرائيل. لقد تمتعت إسرائيل على مدى عقود طويلة على سبيل المثال بعلاقات جيدة مع المغرب. وبالرّغم من أنّها كانت هادئة، غير أنّها كانت فعّالة. أعتقد أنّ لإسرائيل فرصة لأن تمدّ يدها للحكومة الليبية الجديدة وتعرض عليها المساعدة في المجال الطبي بصورة خاصة، حيث هناك حاجة ماسة للأطباء والممرضين والإمدادات الطبية لتلبية الاحتياجات الإ