???? ???? ?????
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
إن التشاورات الجارية حالياً بين أعضاء فريق الأمن القومي برئاسة باراك أوباما وقيادات الكونغرس ضرورية لتحديد أفضل السبل الممكنة للقيام بحربٍ ناجحة في أفغانستان. ولكن ما يجب أن يوجه هذه المناقشات ويكون سابقة لجميع الأطراف المعنية بهذه الحرب هو الفهم الصحيح للهدف ومهمّة محدّدة وواضحة. على الرئيس أوباما أن يحدّد أهدافه بصراحة عندما يتعلق الأمر بالتّمرّد المضاد والإرهاب المضادّ وبناء الأمة، خصوصاً وأنه يفكر بإرسال قوات إضافية لدعم هذه الجهود. فهل تريد الولايات المتحدة تخليص أفغانستان من طالبان أم أنها تريد القضاء المبرم على القاعدة كمنظمة إرهابية وإيجاد بعض طرق العمل مع طالبان؟ فقط عندما يكون الهدف مفهوماً تماماً من قبل البيت الأبيض ووزارة الشئون الخارجية والبنتاغون والكونغرس يستطيع الرئيس أوباما أن يضع استراتيجية شاملة للحرب وأن يجمع الموارد اللازمة لشنّ حملة ناجحة.
ومهما كانت هذه العملية مهمة للتوصّل إلى نتيجة إيجابية في أفغانستان، فإن مصالح الأمن القومي الأمريكية قد تمت تسويتها بحلول وسط بإيديولوجيات كلا الجانبين اللذين استقطبا هذه الحرب لمكاسب سياسية تافهة. وما كان من المفروض أن يكون تحليلاً معمّقاً للاستراتيجية العسكرية الأمريكية قد أصبح نقطة حديث حزبية للأوساط الإعلامية وموضوعاً يُحث على استعجاله من قبل زعماء الكونغرس. وهل هي صدفة أن يؤيد كل أعضاء الكونغرس الجمهوريين الإرسال الفوري لقوّة عسكرية إضافية قوامها 40.000 جندي أمريكي حسب طلب الجنرال ماك كريستال، حتى قبل أن يعلموا الغرض الفعلي لهذه القوات؟ وكلٌّ من نظائرهم الديمقراطيين – بما فيهم نائب الرئيس بيدن – قد رفض زيادة القوات العسكرية قبل التوصل إلى إجماع حول هدف هذه الحرب. أمرٌ واحد واضح فقط وهو بعد النجاح الأوّلي لهزيمة طالبان في عام 2001 أُهملت حرب الضرورة في أفغانستان لتحوّل تركيز الأنظار إلى حرب الاختيار في العراق. لقد سمح هذا الإهمال لطالبان وللقاعدة بإعادة تنظيم صفوفهم وحشد قواتهم وبالأخص عندما تحصنوا في المناطق القبلية في الباكستان، مجبرين الولايات المتحدة الأمريكية على شن حربٍ جديدة يُفترض أن تكون قد انتهت منذ بضع سنوات. وحيث أن الانتباه يتحوّل ثانية إلى أفغانستان. من الضروري هذه المرّة أن تكون الأهداف حقيقية ويمكن تحقيقها، هذا مع التفكير أيضاً باستراتيجية خروج من الحرب. إن هذه الحرب بلا شك خطيرة ومعقّدة، ولذا أي شيء أقل من أخذ الخيارات المتاحة بعين الاعتبار سيعرّض حياة آلاف الجنود دون ضرورة للخطر.
الرئيس أوباما على صواب في محاولته لجمع النصائح والمشورات من أولئك المتواجدين في جميع جوانب الطيف واللذين هم من أفضل من يعلم ما يجب أن تتبنى الولايات المتحدة من استراتيجيات لتنفيذ حربٍ محفوفةٍ بالمخاطر بهذا الحجم. يجب عليه ألاّ يندفع بسرعة لاتخاذ قرار سيكلّف دون قصد مئات، إن لم يكن آلاف، من أرواح الأمريكيين. ومن المهم أيضاً أن نؤكد بأنها ليست فقط حرب أمريكية. ففي التحليل النهائي يجب على الشعب الأفغاني وحكومته – وكذلك الشعب الباكستاني وحكومته – أن يتعلّم كيف يتعامل مع الثوار والمجموعات الإرهابية المحليّة التي تهدف إلى إرهاب مواطنيهم وتقويض حكومتهم بالقدر الذي يريدون فيه تقويض الجهود الأمريكية والحليفة.
حدث هذا ا لإندفاع في العراق عندما أصبح الأمر واضحاً تماماً بأن القوات الإضافية ستقلب موازين القوى في الحرب. أضف إلى ذلك، ما نجح في العراق هو بناء القوة العسكرية العراقية وقوى الأمن الداخلي للمستوى الذي يسمح للولايات المتحدة الأمريكية أن تتخذ قراراً بشأن جدولٍ زمني للانسحاب. علاوةً على ذلك، لقد استطاعت الولايات المتحدة أن تقنع الثوار والمتمردين العراقيين بالانضمام إلى العملية السلمية. هذا لا ينطبق على طالبان وليس من المحتمل أن يتغيّر الوضع مع السياسة الحالية لهذه الحركة. لقد صمدت الحرب الحرب في أفغانستان أكثر من الحرب في العراق ولسنا في أيّ حال ٍ من الأحوال قريبين الآن من تبنّي إستراتيجيّة خروج.
ولهذا السبب، يجب على الولايات المتحدة الأمريكيّة التركيز على عدد ٍ من القضايا الرئيسية الضروريّة لأمن الولايات المتحدة نفسها ولرفاهيّة الشعب الأفغاني. القضيّة الأولى هي إستراتيجيّة محاربة الإرهاب الهادفة لأنها ستؤثّر مباشرة ً في جميع الجهود المدنيّة والعسكريّة في المنطقة. ولقد أظهرت إستراتيجيّة إدارة أوباما لمحاربة الإرهاب حتى الآن نجاحا ً باهرا ً بتوقيع خسائر جسيمة في القاعدة وإضعاف الحركة بصورة جديرة بالإعتبار مقارنة ً بما كانت عليه الحركة قبل سنوات ٍ عديدة. وحيث أنّ حركة طالبان شعبيّة فطريّة وليس هناك إمكانيّة واقعيّة لمحوها عن الوجود، على الولايات المتحدة للتعامل مع هذه الحركة الشعبيّة على المدى البعيد أن تبتكر إستراتيجيّة تستطيع أن تغري الأغلبيّة التي لا تنتمي إلى إيديولوجيّة معيّنة وذلك للتخلّي عن القتال والإنضمام إلى العمليّة السلميّة.
والمستوى الثاني من هذه الإستراتيجيّة يجب أن يلبّي إحتياجات إعادة إعمار وإنعاش الشعب الأفغاني على مستوى مجتمع ٍ موحّد. وأفضل الطرق لردع حركة طالبان هو تزويد القرى الأفغانيّة بفرص العمل ومصادر الرزق بحيث يصبح للناس شيء يخافون عليه في مجتمعاتهم. وقد كانت الجهود الأمريكيّة في هذا المجال ناجحة ً حتى الآن عن طريق الطواقم الإقليميّة لإعادة الإعمار والعمل مع منظمات غير حكوميّة محليّة. والأهم من ذلك، كان مرحّبا ً بهذه المنظمات والطواقم من قبل الشعب. وفي خطابه في شهر مارس من العام الحالي حول الإستراتيجيّة الأمريكيّة لأفغانستان وباكستان قال الرئيس باراك أوباما:" لدعم الأمن والمساواة والعدالة …. سنحتاج لأخصائيين زراعيين ومعلمين ومهندسين ورجال قانون. هذه هي الطريقة التي بإمكاننا من خلالها مساعدة الحكومة الأفغانيّة على خدمة شعبها وتنمية إقتصاد لا تسيطر عليه المخدّرات المحظورة". ولذا على الولايات المتحدة أن تكرّس في هذا المجال مساعداتها ومصادرها للمنظمات الغير حكوميّة وللمبادرات الأفغانيّة الفعّالة في التأثير على المجتمعات المدنيّة وبناء الإقتصاد.
ولدعم إستمرار هذه المبادرات والسماح للولايات المتحدة أن ترسو على إستراتيجيّة خروج واقعيّة، يجب على الولايات المتحدة أن تكثّف جهودها في تدريب القوات العسكريّة الأفغانيّة وقوى الأمن الداخلي. يجب زيادة وتدريب هذه القوى بصورة جذريّة بحيث تصبح قادرة ً على مواجهة هذه التهديدات والتعامل معها بصورة فعّالة مع الوقت على مسئوليتها. أجل، يجب زيادة عدد القوات العسكريّة الأفغانيّة الحالية التي قوامها 93.000 جندي فقط إلى ثلاثة أضعاف هذا العدد، وكذلك قوات الشرطة . ومهما كان صعبا ً ومكلفا ً للمال والوقت بناء جهاز الأمن الأفغاني، إلاّ أنّه يبقى ضرورة حتميّة لا مفرّ منها. وبدون ذلك لن يكون هناك أمل للولايات المتحدة أن تسحب قواتها من الحرب في أفغانستان، ولن يكون هناك أي ضمان بألاّ تقوم القاعدة ومقاتلو حركة طالبان بإعادة رصّ صفوفهم مرّة أخرى وتشكيل تهديدات ٍ جسيمة على الولايات المتحدة الأمريكيّة وحلفائها. وهنا يجب على إدارة أوباما وشركائها الدوليين، وبالأخص دول الإتحاد الأوروبي، تحديد طواقم التدريب ورصد الأموال اللازمة.
لا يريد الشعب الأفغاني ولا الباكستاني أن يرى بلاده وقد تمزّقت بحرب ٍ لا نهاية لها. وهم لا يريدون أيضا ً أن يروا مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين يحتلّون فعليّا ً أرضهم. إنّ ما يحتاجه أولئك فعلا ً هو المساعدة العسكريّة والإقتصاديّة التي لن تقدّم بالتأكيد لهم على أساس ٍ زمني مفتوح غير محدّد. يجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن يتأكدوا بأن هذه الأموال تُصرف للغرض الصحيح وأنّ أية قوّات تُرسل إلى تلك المنطقة يجب أن يكون لديها إستراتيجيّة واضحة المعالم. ويسعى الرئيس أوباما الآن للحصول على مشورات مكثفة من عدة مصادر متنوّعة ومن خبراء عسكريين. ومهما كانت طبيعة القرار الذي سيتّخذه، يجب أن يكون قرارا ً واضحا ً بجميع معالمه وبنهاية منظورة.
_________________________________________________