All Writings
سبتمبر 29, 2006

سياسة العراق الفاشلة

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الشئون الدولية بجامعة نيويورك
ويلقي محاضرات حول المفاوضات الدولية ودراسات الشرق الأوسط

مهما حاولت وضع أحسن قناع لها فإن تقديرات وكالات الاستخبارات الأمريكية لاتجاهات الإرهاب الدولي تدين إدارة بوش بأية طريقة يتم النظر إليها. لقد ذكر التقرير وبطرق عديدة ما هو واضح وهو أن حرب العراق قد ساهمت في ارتفاع حدة التطرف الإسلامي وانتشار أيديولوجية الجهاد عالميا وزادت من مشكلة الإرهاب بشكل عام بصورة جوهرية. وما هو محزن فعلا ليست نتائج التقرير بحد ذاتها بل رفض إدارة بوش وبإصرار الاعتراف بأن حرب العراق والاحتلال قد أغضبت العرب والمسلمين في جميع أنحاء العالم. وبدلاً من معالجة انعكاسات الحرب المفجعة وتطوير إستراتيجية خروج قابلة للتطبيق, فإن الإدارة الحالية مستمرة في ربط العراق بالإرهاب الدولي في حين أن العراق قد ألقي به بسبب الإرهاب في حرب أهلية.

وفي الوقت الذي تسخن فيه حملات انتخابات مجلس الشيوخ الأمريكي فإن الجدل قد تركز ثانية حول مسألة عما إذا من المفروض على الولايات المتحدة الأمريكية, خصوصا في يقظة المخابرات, أن تبقى على مسارها الحالي في العراق أو تبحث عن إستراتيجية خروج. إن جدل الإدارة بأن القوات الأمريكية ستنسحب تدريجيا عندما تتمكن القوات العسكرية وقوات الأمن العراقية من السيطرة على الأمن في البلاد هو جدل مضلل. إن الخبرات السابقة في تدريب قوات الأمن العراقية وولائها المشكوك فيه للدولة والأحوال على أرض الواقع كلها لا تدعم بكل بساطة موقف الإدارة الأمريكية.

من الواضح أن استمرار الاحتلال بحد ذاته قد أعطى مجاهدي السنة والبعثيين وأنصار صدام حسين أقوى حافز لمقاومة الوجود الأمريكي بالسلاح. والشيعة تريد أن تبقى القوات الأمريكية لا لحرصها على الديمقراطية بل لتقوية قاعدتها وتقويض أي تحد سياسي. وإبان ذلك, فإن المذابح الطائفية لن تنتهي ليس فقط بسبب العداء التاريخي الطويل ما بين الطائفتين السنية والشيعية بل وبصورة خاصة لأن الصراع بالنسبة للسنة هو صراع وجود. ونتيجة الائتلاف الشيعي تحتفظ كل مجموعة بمليشياتها الخاصة, بما في ذلك جيش المهدي التابع لمقتضى الصدر, لتوفير الحماية البدنية اللازمة لأفرادها والحفاظ على أجندة هذه المجموعات الشيعية الوطنية طويلة الأمد للإبقاء على سيطرة الشيعة بأي حال من الأحوال وبأي ثمن. ولتحقيق هذا الهدف تعمل المليشيات جنبا إلى جنب مع القوات العسكرية وقوات الأمن العراقية التي يغلب عليها الطابع الشيعي. ولذا تجد موظفي

الحكومة والأجهزة الرسمية تدعم بسكوت التطهير الطائفي. وبالرغم من أن إدارة بوش تستمر في إنكارها ما هو واضح, غير أن العراق فعلا في حرب أهلية. ولربما يتساءل المرء إذن تحت أية ظروف يمكن للقوات الأمريكية أن تنسحب من العراق ما دامت الشيعة والسنة تشجعان عمداً الوضع الفوضوي لخدمة مصالحهما الخاصة في ظل أجنداتهما المتناقضة مع بعضهما البعض؟ لن يبقى العراق مستقبلا قطعة واحدة والعنف فيه لن ينتهي مهما كانت الحجة التي تتذرع بها الولايات المتحدة لاستمرار احتلالها للعراق.

ربما أن هناك إجماع شعبي بشكل عام بأن الولايات المتحدة لن تستطيع ببساطة خلع أوتاد خيمتها في العراق وترحل, غير أنه من الضروري وضع إطار زمني ( لغاية سنتين) لسحب القوات الأمريكية مهما كانت الظروف. ليس هناك, كما تدّعي الإدارة الأمريكية, أية حجة بأن مثل هذا الجدول الزمني سيمنح الثوار والمتمردين نوعا من الانتصار أو أنه سيشجع المجموعات الإرهابية على التربص والانتظار أو سيكثف هجماتها للإسراع في رحيل الأمريكيين.

وإذا كان لتقرير الاستخبارات الأمريكية أي فضل أو تقدير, فإن ما يجب أن يكون واضحا على ضوئه هو أن نهاية الاحتلال ستهدّئ الكثير من رياح الثوار والمتمردين وستخفف بدرجة كبيرة من حوافز الكثير من "المجاهدين" خوض حرب عمياء من الإرهاب ضد الولايات المتحدة وحلفائها. أضف إلى ذلك، ما دام يسمح لحكومة المالكي التي تسيطر عليها الشيعة باستغلال وجود القوات الأمريكية من أجل تحقيق أجندتها الخاصة من منطلق طائفي، تعتبر الولايات المتحدة أداة في أيديها وهي بذلك تديم أمد الفساد الذي عمّ معظم موظفي الحكومة والوزارات العراقية. فبعد اجتياز مرحلتين من الانتخابات الوطنية وتمرير الدستور، على الحكومة العراقية أن تدرك مدى خطورة مجازفتها وما عليها أن تفعل للحفاظ على ديمقراطيتها حديثة الولادة. هذا يعني بأن الحفاظ على الديمقراطية العراقية لن يكون بواسطة حراب القوات الأمريكية مهما كان حجمها وقوّة بقائها. وبالفعل، كلّما طال أمد بقاء القوات الأمريكية عظم شأن المقاومة وضعفت الحكومة المنتخبة لأنه ينظر إليها كأداة أمريكية لخدمة مصالح واشنطن الخاصة. سينقسم العراق في النهاية بطريقة أو بأخرى إلى عدّة أقاليم. وهنا بإمكان الولايات المتحدة، لا بل المطلوب منها في الواقع، مساعدة العراق في هذا التحوّل بحيث تحصل المناطق أو الأقاليم السنيّة على حصة عادلة من موارد النفط الوطنية، الأمر الذي قد يشكّل مطلبا جوهريا لإنهاء العنف في العراق.

قد لا يغفر لهذه الإدارة الأمريكية تبنيها سياسة مضلّلة تجاه العراق اعتمدت على التفكير الساذج للمحافظين الجدد بأن الأمور ستسير حسب تمنّيهم، غير أنه لن يغفر لها على أية حال احتكارها، لا بل تحريفها المعلومات حول الوضع في العراق لتضليل الرأي العام وذلك بالإصرار على صحة سياستها الفاشلة. لن يكون بالمقدور الانتصار لا على الحرب ضد الإرهاب ولا على الحرب في العراق إلا إذا تخلّت الإدارة الأمريكية الحالية عن سياستها الفاشلة في "الإبقاء على المسار الحالي". من الضروري الآن وضع برنامج زمني لسحب القوات الأمريكية من العراق، تلك القوات التي قدّمت تضحيات أكبر بكثير مما تطلّبه نداء الواجب لها.

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE