الحاجة إلى تحرّك جريء في المفاوضات الإسرا
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
تسير المفاوضات الإسرائيلية – السورية الغير مباشرة التي تجري الآن بوساطة تركية – حسبما جاء في كل التقارير عنها – على خير ما يرام. والجولة الرابعة للمفاوضات التي تقرّرت في نهاية الشهر الحالي تدل على أن كلا الجانبين يتوقعان التوصل إلى مزيد من التقدم في المفاوضات. غير أن التقارير الآتية من دمشق وأنقرة التي تشير إلى أن سوريا عازمة ألاّ تدخل في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل قبل تسلّم الإدارة الأمريكية الجديدة مهام عملها تدل على خوف أو قلق من جانب الحكومة السورية. وبالفعل على سوريا الاّ توافق فقط على مفاوضات مباشرة مع إسرائيل كما يؤيّد ذلك بشدة المسئولون الأتراك بل أن الوقت قد حان أيضاً للقيام بتحرك جريء تجاه الإسرائيليين. قد يغيّر مثلاً اجتماع على مستوى عالٍ بين إسرائيل وسوريا وبين ليلةٍ وضحاها ديناميكية مفاوضاتهم وقد يزيد بصورة جذريّة من أسهم الإدارة الأمريكية في حال التوصل إلى نتيجة ناجحة.
إن الجهود التي يبذلها الرئيس السوري بشّار الأسد لإقصاء إدارة بوش والحطّ من قدرها، مهما كانت هذه الإدارة معادية بموقفها تجاه سوريا، هو في نهاية المطاف خطأ لأنها لا تستطيع تقدير ما سيكون عليه موقف بوش تجاه احتمال التوصل إلى سلام إسرائيلي – سوري تحت مراقبته. والأسد يعلم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت ما كان يدخل أية مفاوضات معه، مباشرة كانت أو غير مباشرة، بدون رضا إدارة بوش، ولو للحد الأدنى. وحيث أن السيد بوش قد فشل في إظهار إنجاز في سياسة خارجية واضحة المعالم في العراق وفي إيران أيضاً وحتى مع السلطة الفلسطينية، فإنه الآن توّاق أكثر في الاستفادة من أي اختراق سياسي ودبلوماسي يصادف طريقه خلال أيامه "الباهتة" في البيت الأبيض. وبعد عودتي في الآونة الأخيرة من زيارات طويلة لتركيا وإسرائيل حيث التقيت خلالها بعدد من المسئولين على كلا الجانبين، أصبحت الآن الفكرة واضحة وهي: في الوقت الذي تسير فيه المفاوضات بصورة جيدة، فإن الأمر بحاجة إلى حدوث شيء جذري وجريء لضمان استمرارية وثبات المفاوضات وضمان نتيجة ناجحة لها. نحن نعلم بأن إسرائيل وسوريا يتفهم كل منهما بصورة واضحة متطلبات الطرف الآخر لعقد سلام بينهما. وإلاّ، وبالأخص سوريا، لم تكن قد دخلت في أية مباحثات سلام، فما بالك حتى الإعلان عنها.
وبالرّغم من تصريحات البيت الأبيض التي تشير إلى أن الولايات المتحدة لن تشترك في أية مفاوضات مع سوريا، فإن التوصل إلى اتفاقية بين إسرائيل وسوريا سيكون له تأثير جذري إيجابي في جميع أرجاء الشرق الأوسط. ستتحسّن الأوضاع في العراق وتساعد على تقويض إيران وتضعف حماس وتعطي لبنان متنفساً من الوقت للتوصل إلى استقرار سياسي. وهذا ما تريده إدارة الرئيس بوش الآن وتحتاج إليه أكثر من أي وقت مضى. والآن تستطيع إسرائيل أن تفتح باب واشنطن لدمشق ولدى الأسد فرصة ذهبية للإستفادة من رغبة بوش في إظهار إنجاز هام في السياسة الخارجية للعالم، وفي الوقت نفسه تعزيز مكانته الدولية. أضف إلى ذلك، وبصرف النظر من سيكون الرئيس القادم للولايات المتحدة الأمريكية، باراك أوباما أو جون ماك كين، سيشعر بأنه ميّال من الناحيتين السياسية والأخلاقية المعنوية لإشراك سوريا مباشرة وهو ما تريده دمشق بالضبط. فإذا تمكّن الرئيس بوش التوسط للتوصل إلى اتفاقية حتى من حيث المبدأ ما بين البلدين، فإن ذلك سيكون له تأثيراً عنيفاً على القرارات التي ستتخذها الإدارة الأمريكية القادمة للشرق الأوسط، وسيعرض المؤتمر القادم لاتحاد الدول المطلّة على البحر الأبيض المتوسط والذي سيعقد في العاصمة الفرنسية باريس تحت رعاية الحكومة الفرنسية للرئيس الأسد فرصة زخمة لإحراز اختراق تاريخي. وعليه أن ينتهز هذه الفرصة.
تحرّك جريء تقوم به سوريا سيكون له أيضاً صدىً واسعاً في إسرائيل. فلو أخذنا مثلاً سبباً واحداً فقط وهو أن معظم الإسرائيليين ما زالوا متشككين حول نوايا سوريا النهائية. هم يبحثون عن إيماءة صادقة وجادة يثبتها فقط تحرك جريء كاجتماع رسمي ما بين أولمرت والأسد. ما زال الكثير من الإسرائيليين يشعرون بالحنين إلى زيارة الرئيس المصري أنور السادات لإسرائيل في عام 1977 والتأثير العميق الذي أحدثته هذه الزيارة على الرأي العام الإسرائيلي فيما يتعلق بمبادلة الأراضي بالسلام. أضف إلى ذلك، فإن أولمرت محاصر سياسياً وقد لا يبقى سوى بضعة أشهر في منصبه كرئيس وزراء إسرائيل. تستطيع ما تنجزه هذه الإيماءة أو الخطوة أن يتجاوز المدة المحددة لبقاء أولمرت في منصبه حيث أنها ستحدث تحولاً جذرياً في الرأي العام الإسرائيلي الذي يؤيد حالياً الإحتفاظ بمرتفعات الجولان كإجراء أمني. وبصرف النظر عمّن سيخلف أولمرت في منصب رئاسة الوزراء – بما في ذلك زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو الذي يعارض سياسة إعادة أية أرض محتلة – فإن الرأي العام سيكون إلى جانب صنع السلام، حتى مقابل مرتفعات الجولان، وسيطالب باستمرار العملية السلمية.
بالتأكيد، للرئيس الأسد شعبه الذي عليه أن يأخذه أولاً بعين الاعتبار. وليس هناك في الوقت الحاضر ما يشير بأن الشعب السوري سيمتعض لمثل هذه الخطوة،
فهو مدرك تماماً بأن رئيسه قد أخذ على نفسه استرداد الجولان بدون استعمال القوة وإنما بالدبلوماسية الحازمة والمفاوضات الجادة. لقد دعا الرئيس بشار الأسد خلال السنتين الماضيتين مراراً وتكراراً لمفاوضات سلام مع إسرائيل وأعدّ شعبه لمثل هذا الاحتمال. فقد استقبل العديد من السوريين برضىً وارتياح الأنباء التي تحدثت لأول مرة عن مفاوضات سلام إسرائيلية – سورية ويدركون قيمة تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة. وقد أعلن الرئيس الأسد بوضوح في مقابلة له أُجريت حديثاً قائلاً: "إن أهم شيء في المفاوضات المباشرة هو من يكفلها ….. فلربما نستطيع أن نعطي الإدارة الأمريكية الجديدة بعض الأوراق الرابحة لحثها أكثر على المشاركة". حتى وإن لم يتم التوصل في النهاية إلى اتفاقية سلام كاملة مع إسرائيل خلال فترة إدارة بوش، فإن إيماءات الرئيس الأسد الآن ستضع سوريا تحت أفضل ضوءٍ ممكن لاستمرار المفاوضات مع الرئيس الأمريكي الجديد، والتي جعلها الرئيس الأسد أولوية في المقام الرئيسي.
وتسهيل تركيا القيام بأية إيماءات أو خطوات أولية تؤدي إلى اتفاقية ستعزز بالتأكيد مركزها القيادي في الشرق الأوسط كبلدٍ صانعٍ للسلام الدولي. وفي وقتٍ تحاول فيه تركيا جاهدةً لأن تصبح عضواً في الإتحاد الأوروبي، فإن أية مساهمة للاستقرار والتطورات السلمية بين جيرانها ستعزز من آمالها بصورة ملحوظة.
لا شك أن كلا الرئيسين، الأمريكي بوش والإسرائيلي أولمرت، ضعيفان سياسياً. وبالرغم أنه من غير المحتمل أن يقوما بتحركات طائشة لتغطية ضعفهما، إلاّ أنهما يميلان بالتأكيد إلى التكيف حسب الوضع إذا كان هناك أملٌ في سلامٍ حقيقي. وما تحتاج سوريا أن تفهمه هو أن الوقت عاملٌ مهمٌ جداً للرئيس بوش ولرئيس الوزراء أولمرت. ولذا على الرئيس السوري بشّار الأسد أن يتصرف بحكمة وتروٍّ وأن يعمل كل ما بوسعه لانتهاز هذه الفرصة الفريدة من نوعها التي تتماشى مع خطوته الجريئة في الإعلان عن مفاوضات السلام بين سوريا وإسرائيل.