All Writings
مايو 26, 2011

موقف نتنياهو يعرّض أمن إسرائيل للخطــر

          بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

    بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

          إنّ الخلاف المزعوم والمفتعل حول خطاب الرئيس أوباما عن الشرق الأوسط الذي فبركه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وساندته في ذلك وسائل الإعلام هو خزي ونفاق. لم يقل الرئيس أوباما شيئا ً جديدا ً حول الحدود، بل سرد فقط الحقائق: لن يقبل الفلسطينيّون أبدا ً أية حدود لا تضمّ دولة فلسطينيّة في الضفة الغربيّة وقطاع غزّة، والمنطقتان تعتمدان على "خطوط عام 1967" أساسا ً لهما، كما ولن تقبل إسرائيل أبدا ً أية حدود لا تضمّ التجمعات الإستيطانيّة الثلاثة الكبرى. والتفاوض حول خطوط عام 1967 مع عمليّات تبادل أراضي يُتّفق عليها بين الطرفين تلبي مطالب الطرفين، الأمر الذي جعلها أساس مفاوضات الحدود في كلّ محاولة ٍ لصنع السّلام، بما في ذلك قراري الأمم المتحدة رقم (242) و (338) اللذين وقّعت عليهما إسرائيل. ولكن بتشويه أقوال الرئيس اختار نتنياهو بطريقة ٍ غير مسئولة الشّجار مع الرّجل الذي يستطيع حماية إسرائيل من عزلة ٍ دوليّة شاملة تقريبا ً، هذا في حين تجاهل الخطوات المهمّة جدّا ً التي اتخذها الرئيس لصالح إسرائيل.

         

ألقى نتنياهو قبل أيام من خطاب الرئيس أوباما خطابا ً أمام البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) حدّد فيه مطالب إسرائيل الأساسية: الإحتفاظ بالتجمّعات الإستيطانيّة، بقاء القدس عاصمة موحّدة، معارضة عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل وتلقّي الإعتراف كدولة يهوديّة.  ولقد قام الرئيس أوباما بالفعل بدعم جميع هذه المطالب، ولكن نتنياهو اختار عدم الإصغاء له. ورد فعل نتنياهو على خطاب الرئيس أوباما بقوله: " إنّ خطوط عام 1967 غير قابلة للدفاع " يتجاهل ببساطة دعوة أوباما لعمليّات تبادل أراضي باتفاق متبادل بين الطرفين، الأمر الذي يعني أصلا ً حدود معدّلة عن تلك عام 1967 كما شرح الرئيس أوباما ذلك في توضيحاته ل "آيباك" – اللجنة الأمريكية – الإسرائيلية للعلاقات العامة. وفكرة "حدود غير

-2-

قابلة للدفاع" تتجاهل أيضا ً الفطرة السليمة والمنطق. فالمسافة ما بين البحر الأبيض المتوسّط ونهر الأردن لا تتعدى 44 ميلا ً. فإذا كانت حدود عام 1967 بعد التعديل "غير قابلة للدفاع"، فأيّة حدود إذن قابلة للدفاع ؟  كم "حفنة" إضافيّة من الدونمات أو الكيلومترات يحتاجها نتنياهو للحفاظ على توازن أمن إسرائيل القومي ؟  الحقيقة المزعجة لإسرائيل هي أنّ ليس التوسّع الإقليمي في الأرض بعدد قليل من الهكتارات أو الكيلومترات ما سيحافظ على أمن إسرائيل القومي، بل ما يضمن أمن إسرائيل فقط هي العناصر الأربعة التالية: 1) اتفاقية سلام دائم،  2) قوّة ردع معقولة وجديرة بالثقة،  3) ضمانات دوليّة قابلة للتطبيق، وأخيرا ً 4) علاقة أمريكيّة – إسرائيليّة قويّة توفّر لإسرائيل مظلّة أمنيّة. هذا ما سيحمي فعلا ً إسرائيل من الإزدراء الدولي لها بدعم حقّها في الدفاع عن نفسها والعمل جنبا ً إلى جنب ٍ معها لمواجهة المخاطر والتهديدات الإقليميّة مثل تلك القادمة من إيران.

         

وفي الأثناء اختار نتنياهو – ومعه الكثيرون من وسائل الإعلام إضافة ً إلى نقّاد الرئيس ومنافسيه – أن يتجاهل الخطوات الجوهريّة التي اتخذها أوباما لوضع المسئولية على الفلسطينيين. وفعلا ً، فإن تكرار أوباما لنقاش حدود عام 1967 كان موجّها ً مباشرة ً لهذا الغرض.  أوّلا،  إنه يعطي الفلسطينيين – والأوروبيين – اعتبارات جديدة قبل التصويت المقترح للجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة على الإعتراف بدولة فلسطين في شهر أيلول (سبتمبر) القادم. وقيام الرئيس أوباما بعد الخطاب بمقابلة مطوّلة لإذاعة ال "بي.بي.سي" البريطانيّة مخاطبا ً فيها الجمهور الأوروبي، وانطلاقه كذلك رأسا ً لرحلة أوروبيّة تستغرق خمسة أيّام لا تؤكّد سوى التزامه بضمان أنّ " الجهود الرامية لإزالة الشرعيّة عن إسرائيل ستبوء بالفشل" وأنّ " الإجراءات الرامية كذلك إلى عزل إسرائيل في الأمم المتحدة في شهر أيلول (سبتمبر) القادم لن تخلق دولة فلسطينيّة مستقلّة ". وثانيا ً، فإن القصد من التركيز على الحدود هو إزالة موضوع تجميد الإستيطان من استمرار النظر اليه كالعائق الرئيسي أمام المفاوضات.  ويبدو أنّ الرئيس نجح في ذلك بدلالة أن الفلسطينيين يطلبون الآن ردّ نتنياهو على صيغة أوباما بالنسبة للحدود كشرط أساسي لاستئناف المفاوضات بدلا ً من تجميدها بالكامل.  وثالثا ً، فقد خاطب الرئيس طموحات الفلسطينيين الوطنيّة في سياق "الربيع العربي" للحفاظ على مصداقيّة الولايات المتحدة في المنطقة. ولكن ما هو أهمّ أنّه فعل ذلك دون التنازل عن التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل "كدولة يهوديّة".  وبالفعل، فإن تكرار الرئيس الأمريكي في خطابه بأن "إسرائيل دولة يهوديّة ووطن للشعب اليهودي، ودولة

-3-

فلسطين وطن للشعب الفلسطيني" كان بمثابة تصديقاً منه على حلّ الدولتين ورفضاً لحقّ اللاجئين الفلسطينيين العودة إلى إسرائيل.  رابعا ً، لم يذكر الرئيس أوباما فقط بأن الفلسطينيين "ابتعدوا عن المفاوضات" ولكنه تحدّى الفلسطينيين أيضا ً فيما يتعلّق بحكومة الوحدة الوطنيّة بين فتح وحماس أن يقدّموا له "جوابا ً معقولا ً" حول السؤال: " كيف باستطاعتك أن تتفاوض مع طرف ٍ لا يظهر نفسه مستعدّا ً للإعتراف بحقّك في الوجود ؟".

         

أن تضع الحدّ الأقصى من المواقف لعلمك بأن المفاوضات ستقوم في النهاية بتخفيض سقف هذه المواقف أو المطالبات للتوصّل إلى أهدافك الفعليّة هو شيء،  والشيء الآخر المختلف تماما ً هو أن تتخذ موقفا ً يعتبر غير مقبول كليّا ً للطرف الآخر كما فعل نتنياهو عندما ألقى خطابه في جلسة مشتركة للكونغرس وأنّ ما قاله لا يسمح بأية فرصة إطلاقا ً للمفاوضات. في النهاية يعلم كلا الطرفين جيّدا ً ملامح أية اتفاقية للسلام.

         

وبالنسبة للحدود بالتحديد،  فكما قال أوباما ستكون الحدود التي سيتمّ التفاوض عليها هي أساسا ً حدود عام 1967 مع عمليّات تبادل للأراضي لضم التجمعات الإستيطانيّة الكبرى لإسرائيل. وفيما يتعلّق بالقدس، يجب أن تبقى المدينة موحّدة ولكن يجب أن يكون للفلسطينيين أيضا ً بعض الوجود في الأحياء العربيّة من المدينة لإقامة عاصمة للدولة الفلسطينيّة في القدس الشرقيّة. وبخصوص الأمن، سيكون لإسرائيل بالتأكيد ضمانات أمنيّة صارمة مع قوّة حفظ سلام دوليّة ( لربما بمشاركة إسرائيليّة – فلسطينيّة أيضا ً لحدّ ما) تتمركز على طول نهر الأردن. ويجب تجنيد هذه القوة من أقطار ٍ معيّنة لها مصلحة حقيقيّة في حفظ السّلام، شاملة دول عربيّة مثل الأردن، مصر، المملكة العربية السعودية وكذلك دول الإتحاد الأوروبي مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا،  وتكون جميع هذه القوات تحت قيادة أمريكيّة.  وأخيرا ً، على كلا الجانبين مواجهة هذه الحقائق الصعبة وهي أنّ الإعتراف بإسرائيل كدولة يهوديّة يتطلّب أغلبيّة يهوديّة. وهذه الأغلبيّة لن يتمّ الإحتفاظ بها إلاّ عن طريق حلّ الدولتين. وبالمقابل، فإن حلّ مشكلة اللاجئين الفلسطينيين يجب أن يكون عن طريق العودة إلى فلسطين، لا إلى إسرائيل.  ليس هناك إسرائيلي أو فلسطيني معتدل قد يقبل بأقلّ من ذلك. لا شيء منها جديد،  ولا بند منها مثير للخلاف أو الجدل، كما ولا يمكن تحقيق

-4-

أيّ منها إلاّ بالمشاركة الفعليّة للولايات المتحدة وبتشجيع ٍ وتسهيلات ٍ منها،  بصرف النظر عمّا إذا كان المجتمع الدولي أو الفلسطينيين أو إسرائيل يحبّون ذلك أم لا.

 

إذا قُدّر لهذا الحلّ أن يتحقّق، يجب على إسرائيل والفلسطينيين أن يخاطبوا أولئك اللذين يريدون الإبقاء على هذا الصراع محتدما ً إلى الأبد بدلاً من وضع نهاية له. هذا يعني بالنسبة لإسرائيل عدم تمكين المستوطنين والجماعات المتطرّفة اليمينيّة من الإساءة للقضيّة الصهيونيّة بطرق ٍ تضعف تحالف الولايات المتحدة مع إسرائيل وتضع مستقبل إسرائيل في خطر. وهذا يعني أيضا ً بأنّ على نتنياهو بدلا ً من تغطية عينيه عن الحقيقة والإشارة إلى العوائق لتبرير خموله، عليه أن يكون نشطا ً في إظهار قيادة حقيقيّة وأن يسلك طريقا ً واقعيّة وعمليّة من شأنها أن تقود إسرائيل إلى أمن ٍ وسلام أكبر، بعيدا ً عن عزلتها المتزايدة. وبالنسبة للفلسطينيين فهو الإدراك بأن العنف لا يؤدي إلاّ إلى الدمار. يجب على حماس أن تتحرّر من فكرة أنّ بإمكانها تدمير إسرائيل. فاستخدام الخطابة والعنف سيضعان حماس ليس فقط في خطر فحسب، بل إلى إبادتها كليّا ً عن الوجود. إسرائيل لن تتردّد في الردّ على هذه التهديدات والمخاطر باغتيال قيادة حماس وإنزال ضربة قاسية على بنيتها التحتيّة حتى على حساب الإدانة الدولية. ولكن على إسرائيل أيضا ً أن ترحّب بأية إشارة اعتدال تطلقها حماس، وبالأخصّ إذا كانت اتفاقيّة المصالحة بين حماس وفتح ستثبت.

         

لقد نقل مسئولون مصريّون كبار هذه الرسالة بصفة شخصيّة لقادة حماس. فإن هم تجاهلوا النصيحة، لن يتحمّلوا سوى مسئوليّة أفعالهم وسيكون ذلك أيضا ً على حساب القضيّة الوطنيّة الفلسطينيّة والتقدّم الهائل الذي تمّ إحرازه للتوصّل لهدف الإس&

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE