كيف يمكن لأوباما أن يواجه تحديات الشرق الأ
12 نوفمبر (تشرين ثاني) 2008
بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة
بعد ثمانية أعوام من السياسة المضلّلة لإدارة بوش في الشرق الأوسط، حان الوقت لإستراتيجية نيّرة كي تعالج محن المنطقة. وهذه يجب أن تتضمن طريقة تعيد الأمل لمنطقة مزّقها العنف وسيطرت عليها النزاعات والإنقسامات ومليئة بالازدراء تجاه الولايات المتحدة. وبالرّغم من أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تواجه أمريكا هي – ويجب أن تكون – أولى أولويّات الرئيس المنتخب أوباما، يجب ألاّ يتردد أوباما في مواجهة النزاعات الملتهبة في الشرق الأوسط والتي لا تحتمل تأجيلها بدون تقويض المصالح الإستراتيجية وأمن الولايات المتحدة بدرجة شديدة.
يواجه السيد أوباما تحدّياً لا يُصدّق لإنهاء الحروب في العراق وأفغانستان بصورة مشرّفة وإعادة الأمل إلى الشعب الفلسطيني وإشراك إيران وسوريا بصورة بنّاءة وفي نفس الوقت تعزيز النمو الاقتصادي في المنطقة. هذه مهام مثبطة للعزيمة قد يستغرق تنفيذها عدّة سنوات ولكن يجب – في أية حال من الإحوال – معالجتها مهما بدت مستحيلة. يجب تنفيذ وعد أوباما في التغيير ليس فقط بهدف استرداد مصداقية أمريكا وقيادتها المعنوية في الخارج، بل أيضاً بقصد خدمة مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية ومنع حريق هائل قد يجتاح المنطقة بأبعاد مأساوية. يجب أن تكون استراتيجية أمريكا الجديدة في الشرق الأوسط شاملة ومتكاملة ومستخدمة كل أدوات ووسائل أمريكا الدبلوماسية وقوّتها وتعمل في نفس الوقت مع حلفائها. وفي الوقت الذي يجب على أمريكا أن تستلم دفّة القيادة، يجب عليها أيضاً أن تتعهد بإلزام نفسها باستراتيجية متعددة الأطراف تعمل مع قوى أخرى لتنسيق حلول لبعض أكثر النزاعات تعقيداً والتي لا تستطيع أمريكا حلّها لوحدها. يجب تطوير الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط بغية تحقيق أمنٍ إقليمي شامل تكون لأغلب الدول في المنطقة – إن لم يكن لجميعها- حصةً أو مصلحة في الإبقاء عليه.
في العراق يجب أن تبقى الإدارة الجديدة ملتزمة بسحب معظم القوّات الأمريكية خلال ستة عشر شهراً على النحو الذي يتصوّره الرئيس المنتخب أوباما، ولكن بشيء من المرونة وبشرط استيفاء أولاً ثلاثة معايير مهمّة وهي: يجب على قوات الأمن العراقية الداخلية والقوات العسكرية أن تكون متكاملة وموحدّة ومدرّبة تدريباً جيداً لحفظ النظام والأمن الداخلي. هذا أولاً. وثانياً، من المهم تزويد السنّة بالوسائل والإمكانيات للدفاع عن أنفسهم وتسيير شئونهم الداخلية الذاتية على النحو الذي يرونه مناسباً أسوةً بزملائهم الأكراد. وثالثاً وأخيراً يجب إصدار قانون للنفط يشترط على توزيع ٍ عادل لعائدات النفط على جميع العراقيين. فمن خلال السعي وراء هذه الأهداف الثلاثة مدعومة بتهدئة العنف التي سيتم التوصل إليها عن طريق اندفاع القوات الأمريكية، سيكون العراقيون أنفسهم أكثر ميلاً للموافقة على الإصلاحات السياسية والمصالحة. أضف إلى ذلك، على الولايات المتحدة أن تسعى بنشاط إلى إشراك جيران العراق، وبصورة خاصة سوريا والسعودية وتركيا والأردن الذين لهم مصلحة في استقرار العراق ورغبة قوية في جسر الإنقسام السنّي- الشيعي. أي شيء أقلّ من ذلك قد يعيد إلى الوراء الكثير من التقدم الذي تمّ إحرازه حتى اليوم، ولكن هذه المرة بدرجة أكثر وطأة من الماضي بكثير حيث أن القوات الأمريكية المتبقية في العراق لن تكون قادرة على صدّ أعمال عنف متجددة. إن على أمريكا التزام أدبي بمغادرة العراق بحالة معقولة من الأمن الثابت والإستقرار السياسي. هذا ما نحن مدينون له للشعب العراقي، وعلى إدارة أوباما ألا تقوم بأقل من ذلك.
وفي التعامل مع إيران، على الإدارة الجديدة خلق استراتيجية تعتمد على الإشراك والرّدع لمنع إيران من الاستمرار في تخصيب اليورانيوم بدون عقاب. وعلى الولايات المتحدة الشروع في مباحثات مباشرة مع إيران وإنهاء التهديد بتغيير النظام في طهران وفي نفس الوقت إفهامها بكل وضوح أن إيران نووية هي ليست خياراً. ويمكن تحقيق ذلك بمتابعة ثلاثة مسارات من المفاوضات المنفصلة ولكن المرتبطة ككلّ ببعضها البعض. المسار الأول يجب أن يركّز على التفاوض لإنهاء برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم بدون شروط مسبقة وماذا ستكون صفقة التشجيعات الإقتصادية مقابل ذلك. على الولايات المتحدة أن تستلم دفة القيادة في هذه المفاوضات ومشاركة حلفائها الأوروبيين وإشراك الصين وروسيا. ويجب أن تكون هذه المفاوضات محدّدة لفترة ثلاثة أشهر لمنع إيران من اللعب بالوقت. أمّا المسار الثاني فيجب أن يركّز على شكاوي إيران والولايات المتحدة ضد بعضهما البعض. وعن طريق إشراك إيران بصورة بنّاءة، ستساعد واشنطن على بناء ثقة متبادلة وحثّ التقدم على المسار الأول للمفاوضات وفي العلاقات الثنائية التي تعود بالفائدة على الطرفين وتشجيع رجال الإصلاح الإيرانيين للسعي وراء تغيير ديمقراطي دون الخوف من العقاب.
على المسار الثالث للمفاوضات أن يركّز على الأمن الإقليمي لتهدئة مخاوف إيران الأمنية القومية وتعزيز تعهدات الولايات المتحدة لحماية حلفائها في المنطقة. وفي حالة إصرار إيران، على أية حال، على الاستمرار بتخصيب اليورانيوم، يجب على الولايات المتحدة أن توضّح مدى العقوبات المدمّرة التي ستوجّه ضد إيران، في الوقت الذي لا تستبعد فيه استخدام القوة كآخر ملجأ. يجب على الولايات المتحدة أن تكون في مقدمة جميع هذه المسارات الثلاثة التي بدونها ستكون المفاوضات القادمة مضلّلة وخادعة كالمفاوضات السابقة، باستثناء أن الغرب وإسرائيل هذه المرّة سيواجهان الشبح المقلق لإيران نووية مع عواقب وخيمة.
ومنذ مؤتمر مدريد للسّلام المنعقد عام 1992 يتّحدث الجميع عن حلّ النزاع العربي – الإسرائيلي بطريقة تبعث للإشمئزاز من كثرة الإعادة وحتّى الآن لا نستطيع أن نجد شيئاً جديداً من حيث الجوهر فيما يتعلّق بالحلّ النهائي الذي سيوضع ضمن إطار معيّن. ويبقى قيام دولة فلسطينية في غزة ومعظم مناطق الضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية تعيش جنباً إلى جنب مع دولة إسرائيل – وفي نفس الوقت إيجاد حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين – الحلّ الوحيد القابل للحياة. وإعادة مرتفعات الجولان لسوريا شيء لا بد منه لحلّ الصراع الإسرائيلي – السوري. ولكن أن يكون لديك رؤية واضحة لسلامٍ عربي – إسرائيلي لا يقلّل من خطر حربٍ محتملة مدمّرة تجعل من الحاجة إلى إيجاد حلّ أمراً ملحّاً. وهنا أيضاً لتمكين إدارة أوباما من المساعدة في التنسيق لاتفاقية سلام، يجب عليها قبول الفرضية بأن دور أمريكا الفعّال والمباشر أمرٌ لا يستغنى عنه.
على إدارة أوباما أن تحتضن مبادرة السّلام العربيّة التي تمّ تبنيها لأول مرّة من قبل مؤتمر القمة العربي المنعقد في بيروت في شهر مارس (آذار) عام 2002. وبالرّغم من أن خارطة الطريق قد وضعت عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية في موضع متقدّم، يبقى احتضان المبادرة أمراً مهمّاً لسببين: لأنها تمثّل أولاً الإدارة العربية الجماعيّة التي بإمكانها أن تحجم المتطرفين العرب وثانياً لأن سلام شامل مع الإثنين والعشرين دولة عربية هو الوحيد الذي بمقدوره أن يقدّم لإسرائيل الأمن الذي تُنشده منذ ولادتها في عام 1948. ويجب على إدارة أوباما أن تقنع إسرائيل لقبول المبادرة من الناحية الرّسمية – الشكلية وفي نفس الوقت طمأنة الإسرائيليين بأن الولايات المتحدة ستضمن أمنهم وتصرّ على الإبقاء على الهوية القومية اليهودية لدولة إسرائيل تحت أيّة معادلة سلام.
على الولايات المتحدة أن تلعب دوراً فعّالاً ومباشراً بين الإسرائيليين والفلسطينيين عن طريق تعيين مبعوث رئاسي يتمتع بصلاحيات واسعة ويبقى في المنطقة إلى حين صياغة اتفاقية بين الطرفين. لقد أرسل الرئيس بوش خلال فترتي رئاسته (8 سنوات) ما يزيد عن اثني عشر مبعوثاً خاصّاً إلى الشرق الأوسط ولكن لم يمكث أي منهم مدّة كافية تسمح بالتنسيق والإستمرارية الضرورية للإبقاء على كلا الطرفين منهمكين تماماً في إيجاد حلّ لقضاياهما. ويجب أن يكون المبعوث الدائم الجديد مطّلعاً تماماً على تاريخ كلا الشعبين ويتحلّى بفهم واسع لتعقيد النزاع من جميع النواحي العاطفية والنفسية والدينية. إنّ هذا أمرٌ مهم بشكل خاصّ لأنّ كلّ من الطرفين يعاني من تحفّظات أو مشاكل نفسيّة حادّة تجاه الطرف الآخر بحيث ألحقت هذه في النهاية ضرراً بمواقف التفاوض لكل منهما. أضف إلى ذلك، بسبب وجود انقسام داخلي مستوطن ومجموعات رفض في كلا المعسكرين، فإن الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية بحاجة إلى تغطية أمريكية للقيام بالتنازلات اللازمة. ويمكن لمبعوث دائم يمارس الضغط اللازم ويتكلّم بالنيابة عن الرئيس الأمريكي أن يوفر مثل هذه التغطية السياسية.
يجب على إدارة أوباما أن تصرّ وتؤكد على إسرائيل بأن إنهاء احتلال الضفة الغربية يعني أيضاً نهاية لجميع أشكال النشاط الاستيطاني. إن التوسع في المستوطنات وإنشاء بؤر استيطانية جديدة كانت دائماً إحدى العقبات الرئيسية لمفاوضات السلام في الماضي وقوّضت مصداقية إسرائيل. وفي حين أن أوباما قد كرّر ولاء أمريكا لإسرائيل بصفتها أقرب حليف لها في الشرق الأوسط، يجب عليه أيضاً أن يُثبت بأنّ بمقدوره أن يكون وسيطاً أميناً في المنطقة عندما يتعلّق الأمر بإقامة دولة فلسطينيّة. والذي في غاية الأهميّة أيضاً هو إشراك دول عربيّة أخرى في المنطقة من اللتي تتحلّى بعلاقات ٍ جيّدة مع إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكيّة، شاملة مصر والسّعوديّة والأردن والمغرب وذلك منذ بداية جميع جهود السّلام. أضف إلى ذلك، يجب أن تساهم هذه الدّول في إنشاء قوّة حفظ سلام تتمركز في قطاع غزة والضفّة الغربيّة لتنفيذ شروط إتفاقيّة السّلام. تستطيع فقط قوّات عربيّة تمثّل الإرادة والمصلحة الجماعيّة لدولها أن تكبح جماح المتطرّفين الإسلاميين اللذين سيستمرّون على الأرجح في مقاومة أيّة إتفاقيّة سلام مع إسرائيل، وذلك إلى حين إخضاعهم. يجب أن تُشكّل هذه القوّة العربيّة بقرار ٍ من مجلس الأمن الدولي ويفضّل أن توضع تحت قيادة ورقابة أمريكيّة لإعطاء إسرائيل إحساسا ً أكبر بالثقة في ديمومة السّلام.
وخلافا ً لسياسة إدارة بوش التي حاولت عزل سوريا وأخذت تسعى لتغيير النظام فيها، على إدارة أوباما أن تشرك سوريا مباشرة ً في عمليّة السّلام، وبفعلها هذا ستغيّر جذريّا ً الديناميكيّة السياسيّة في المنطقة. سوريا العامل الأساسي لإضعاف حزب الله وحماس وتهميش نفوذ إيران في لبنان والمناطق الفلسطينيّة. لقد توصّلت إسرائيل وسوريا إلى تقدّم هائل في مفاوضاتهما الأخيرة الغير مباشرة بوساطة تركيا. ولكن سوريا تسعى أيضا ً إلى تطبيع علاقاتها مع الولايات المتّحدة الأمريكيّة. وسيكون الرئيس السّوري بشّار الأسد مستعدّا ً للدخول في مفاوضات ٍ مباشرة مع إسرائيل وإبرام إتفاقيّة سلام ٍ معها حالما تقوم إدارة أوباما بإشراك سوريا مباشرة ً. وستمهّد إتفاقيّة سلام بين سوريا وإسرائيل الطريق لاتفاقيّة سلام ٍ أخرى مع لبنان عندما تنسحب إسرائيل من مزارع شبعا، وهي قطعة من الأرض المتنازع عليها والواقعة ما بين لبنان وإسرائيل وسوريا.
وأخيرا ً، قد لا يدوم أيّ سلام ٍ عربي – إسرائيلي إن لم يكن مقترنا ً ببرنامج تنمية إقتصادي وإنساني لا يتعامل فقط مع الإحتياجات الماسّة لملايين العرب اللذين يعيشون في فقر ٍ مدقع بل ويعزّز أيضا ً الإصلاحات السياسيّة وحقوق الإنسان. أضف إلى ذلك، هناك العديد من المجموعات الإسلاميّة مثل الأخوان المسلمون في مصر والجهاد الإسلامي وحماس في المناطق الفلسطينيّة التي ستواصل إستغلالها لهذه المحن الإجتماعيّة لحشد المقاومة لأن السّلام مع إسرائيل يتعارض مع مصالحها. وعلى إدارة أوباما بالتعاون مع نظرائها من الحكومات الأوروبيّة أن تعيد تقييم المساعدات الماليّة الأمريكيّة والغربيّة للعديد من الدول العربيّة وتنفيذ برامج تنمويّة قابلة للحياة. وفي النهاية لا تستطيع الولايات المتّحدة حصر وجودها في المنطقة فقط على الحلول العسكريّة أو الحلول من حكومة لحكومة، بل يجب أن يكون هدفها عمل صفقات شاملة تتضمّن حلولا ً من أسفل إلى أعلى.
وبالرغم من أنّ شعوب الشرق الأوسط توّاقة لصنع السّلام لإنهاء عقود ٍ من العنف والمعاناة، فهي بحاجة أيضا ً إلى قيادة أمريكيّة شجاعة وملتزمة وذات بعد نظر لمساندتهم في إجتياز هذه الطريق الصعبة المؤدية إلى السّلام والمحفوفة بالمخاطر. وقد يكون للرئيس أوباما فرصة تاريخيّة لتحقيق ما فوّته العديد من أسلافه.