All Writings
سبتمبر 26, 2011

تأييد نتنياهو يعرّض إسرائيل للخطر

 

بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

          بالرّغم من جميع الدّعوات التي يدلي بها رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، للعودة إلى مفاوضات السّلام في حالة قبول الفلسطينيين بذلك، هناك حقيقة بسيطة لا يمكن إخفاؤها وهي إنّ السيد نتنياهو لا يريد حلّ الدولتين. إنّه يريد فقط تأخير اتخاذ القرار مهما كلّف ذلك من ثمن. لقد نجح في ذلك حتّى الآن ومن الأرجح أن يستمرّ في إحراز النجاح بمساندة التأييد الثابت له من طرف الكونغرس الأمريكي ومؤيّدي إسرائيل في الولايات المتحدة، ولكن بفعلهم ذلك يعرّض نتنياهو ومؤيدوه الأمريكيون أمن إسرائيل القومي للخطر.

          ففي شريط فيديو التقطه ال "يو.تيوب" وشاهده حتى الآن مئات الآلاف أكّد نائب وزير الخارجيّة الإسرائيلي، داني أيالون، ما قاله رئيس الوزراء نتنياهو خلال جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي بأنه "يجب عدم اعتبار الضفّة الغربيّة أرضا ً محتلّة". ويدّعي أيالون بأن إسرائيل قد قدّمت في الماضي حلّ تسوية بعدم إقامتها دولة إسرائيل على الضفة الشرقيّة من نهر الأردن التي تشكّل حاليّا ً المملكة الأردنيّة الهاشميّة.

          بهذا النّوع من المواقف المتأصّلة بعمق في سياسات حكومة نتنياهو يعتبر التوصّل إلى اتفاقية يتمّ التفاوض حولها على حلّ الدولتين درب ٌ من الخيال. وإبّان ذلك قدّم أعضاء في الكونغرس مثل رئيسة لجنة الشئون الخارجيّة،  إليانة روس لهتاينن من الحزب الجمهوري، مشروع قانون يقضي بقطع التمويل عن الأمم المتحدة وعن أية دولة تصوّت لصالح الدولة الفلسطينيّة في الأمم المتحدة، هذا علاوة ً على قطع المساعدة الأمريكيّة المخصّصة للسلطة الفلسطينيّة.

إنّ التصريحات التي يدلي بها مرشحو الرئاسة من الحزب الجمهوري مثل حاكم ولاية تكساس، ريك بيري، الذي قال بأنّ الرئيس باراك أوباما "يُلقي بإسرائيل تحت عجلات حافلة" قد تكون فقط من باب الخطابة قُبيل انطلاق الحملات الإنتخابيّة الرئاسيّة في الولايات المتحدة، غير أنها لا تفعل شيئا ً ايجابيّا ً للسّلام سوى تشجيع المزيد من التعنّت الإسرائيلي. لقد دفع مؤيدو إسرائيل في الولايات المتحدة صنّاع القرار لاتخاذ مواقف طائشة، قصيرة النظر، مؤيدة لسياسة نتنياهو مهما كان الثمن على مستقبل إسرائيل ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة. قد يكون ذلك بدافع حماية مصالح إسرائيل في هذه المرحلة الحاسمة من الصراع السياسي، غير أنّ الجمهوريين يستغلّون إسرائيل إلى حدّ كبير في سعيهم وراء منافع سياسيّة. ومن باب السخرية أن يحدث ذلك لمضرّة إسرائيل.  وقيام الجمهوريين بالإعلان بنجاح بأن دعم إسرائيل هو إحدى قضاياهم السياسيّة الرئيسيّة قد أجبر الرئيس أوباما أيضا ً – الذي يسعى لإعادة انتخابه لفترة رئاسيّة أخرى – لدعم موقف نتنياهو بدون أي تحفّظ.

          سيساعد بالتأكيد مثل هذا الدعم السياسي الغير محدود لحكومة نتنياهو على تقويض النفوذ الأمريكي ومصداقيّة الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط وما ورائها. وما يقلق أكثر من ذلك هو أنّ هؤلاء "الأصدقاء" – كما هم في الكونغرس الأمريكي والبيت الأبيض – يشجّعون الرافضين لقيام الدولة الفلسطينيّة في ائتلاف نتنياهو الحاكم في دولة إسرائيل على الإستمرار في سياساتهم الإستخفافيّة التي تهدّد أمن إسرائيل القومي على المدى البعيد. قد ينظر نتنياهو وزمرته إلى ذلك على أنّه نصر ٌ كبير، ولكن هذا لا يخدم في الواقع سوى خداع نتنياهو لنفسه بأن إسرائيل ستكون بحال ٍ أفضل بتأخير تسوية الصّراع الفلسطيني بدلا ً من مواجهته مباشرة ً للبحث عن حلّ عادل.

          وللتأكيد، لدى إسرائيل الآن لربّما أكثر من أيّ وقت ٍ مضى مخاوف أمنيّة مشروعة، فالتجربة الإسرائيليّة من الإنسحاب من غزّة ولبنان – ولو أنّ ذلك كان أحاديّ الجانب ودون التفاهم أو التنسيق بشأنه بصورة واضحة مع الفلسطينيين واللبنانيين – لتلقّي فقط الصواريخ مقابل ذلك قد دقّ للشعب الإسرائيلي ناقوس الخطر فيما يتعلّق بمبدأ " الأرض مقابل السّلام". وحيث أنّ السلطة الفلسطينيّة تسيطر فقط على الضفّة الغربيّة، يشك الكثير من الإسرائيليين بأن الإنسحاب منها سيعطي نتيجة ملموسة على الأرض ويضمن لإسرائيل الأمن والطمأنينة لأنّ حماس وغيرها من المجموعات المتطرّفة مثل حزب الله في لبنان التي تتلقى علانية الدّعم

من إيران ما زالت تسعى لتدمير إسرائيل وتخطّط وتشترك بشكل ٍ منهجي في أعمال عنف وعمليّات إرهابيّة.

          لا شكّ أنّ الظروف الأمنية السائدة في الضفة الغربية تختلف جذريّا ً عن تلك التي كانت سائدة قبل الإنسحاب الإسرائيلي من غزة وجنوب لبنان. ومع ذلك، لا يتوقّع أحد أن تنسحب إسرائيل ببساطة من الضفة الغربية بدون ترتيبات أمنيّة صارمة مبنيّة على التعاون الأمني الإسرائيلي – الفلسطيني القائم حاليّا ً، لا بل ستتجاوزه.   

          وهذا يطرح السؤال التالي:" هل إسرائيل الآن في وضع ٍ أفضل مما كانت عليه عندما استلم نتنياهو مقاليد رئاسة الوزراء قبل حوالي ثلاثة أعوام ؟". الجواب على هذا السؤال واضح تماما ً. فمعاهدة السّلام الإسرائيليّة – المصريّة في وضع ٍ محفوف ٍ بالخطر أكثر من أي وقت ٍ مضى، وروابط إسرائيل مع تركيا تدهورت بشكل ٍ لم يسبق له مثيل، وعلاقاتها مع إدارة أوباما – ولو أنها تبدو ظاهريّا ً على خير ما يرام – متوتّرة إلى حدّ بعيد. هذا ويرى المجتمع الدولي، بما في ذلك العديد من دول الإتحاد الأوروبي، في إسرائيل المتهم بالدرجة الأولى بخلق المأزق الكامن وراء تردّي العلاقات الإسرائيليّة – الفلسطينيّة.

          ُتضاعف إبان ذلك الإضطرابات والتخوّف من المستقبل في منطقة الشرق الأوسط نتيجة الربيع العربي قلق الإسرائيليين على أمنهم القومي. والإدّعاء بأن هذا الوضع الراهن وعزل إسرائيل المتزايد عن المجتمع الدولي سيأتي لا محالة بصرف النظر عن سياسات نتنياهو واستمرار الإحتلال هو ادعاء لا أساس له من الصحّة، فالإحتلال يستمرّ في تغذية المشاعر المعادية لإسرائيل في جميع أرجاء المجتمع الدولي، وبشكل ٍ خاصّ في العالمين العربي والإسلامي. لا يمكن لإسرائيل أن تأخذ موقعها الطبيعي من الناحية الأخلاقيّة – المعنويّة ومكانتها الشرعيّة الصحيحة بين الأمم الحرّة إلاّ بإنهاء الإحتلال.

          البرهان على ذلك يقع الآن على كاهل نتنياهو. فسياسته في الوقت الحاضر تتمثّل في كلمة واحدة: "أخّر !". لقد فوّت نتنياهو في خطابه أمام الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة فرصة ً ذهبية أخرى ليس فقط أنّ بيان القضيّة التي تسعى اليها إسرائيل هي السّلام الحقيقي مع الأمن، بل أيضا ً التعريف بما ستفعله إسرائيل للتحرّك باتجاه حلّ الدولتين. لقد وضع نتنياهو إسرائيل بدلا ً من ذلك في موقع الدفاع عن النفس بمحاولات تبريره استمرار الإحتلال

والبناء في المستوطنات ولم يعرض أية بدائل أو أفكار جديدة. والملفت أكثر للنظر أنّه لم يعرض على الفلسطينيين حتى إيماءات جديدة لحسن النيّة مثل التجميد المؤقّت لبناء المستوطنات لإغراء الفلسطينيين على العودة إلى طاولة المفاوضات.

 وفي الوقت الذي يبيّن فيه الآن الفلسطينيّون والعالم العربي استراتيجيّة واضحة للعالم تتمثّل في استخدام الأمم المتحدة لتحسين مكانتهم الدوليّة بدفع مبادرة السّلام العربيّة إلى الأمام، يقف نتنياهو أمام العالم بدون أيّة مبادرة أو خطّة يعلن عنها. وبالفعل، فسياسة نتنياهو تتمثّل في رفض أية فرصة للسلام إذا كانت مرتكزة على حلّ الدولتين.

ولحين قيام مؤيّديه في الولايات المتحدة بوقف نشاطاتهم السياسيّة المفرطة لصالح إسرائيل والإعتراف باستحقاقيّة لومهم في المساهمة بعزلة إسرائيل، فإنهم مستمرون في نزع الشرعيّة عنها وتعريض أمنها القومي للخطر، وهو الأمن الذي يدّعي المسئولون الأمريكيّون بحمايته والدّفاع عنه.  وأثناء ذلك كلّه، يستمرّ نتياهو في السير بإسرائيل في مسار ٍ خطير سيزيد من عزلتها وقد يجدّد أعمال العنف والإرهاب ضدّها، الأمر الذي سيعرّض أمن مواطنيه ومستقبل إسرائيل للخطر المحدق. 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE