All Writings
يونيو 25, 2012

هل أصبح الوضع في سوريا صورة ساخرة عن المجتمع الدولي ؟

لقد أثبتت التطورات في سوريا -  بعد خمسة عشر شهراً من الذبح الذي لا يرحم وأعداد رهيبة من النساء والأطفال القتلى – عدم كفاءة لا بل سخافة المجتمع الدولي وإفلاسه الأخلاقي الجدير بالازدراء في وجه المجازر الرهيبة التي تقشعّر لها الأبدان. إن الإخفاق في إيقاف الأزمة ناتج عن عدم رغبة المجتمع الدولي في اتخاذ إجراءات صارمة لإنهاء القتل في حين يستمر العالم بإصدار بيانات الشجب والاستنكار التي لا حصر لها ضد نظام الأسد في ظلّ خطة كوفي عنان، علماً بأنهم على دراية تامة بأنهم لن ينجحوا. وهؤلاء الذين بإمكانهم تغيير مجرى الأحداث في سوريا، بما فيهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وجامعة الدول العربية قد بيّنوا بصورة مخزية قصر نظرهم المروّع المقترن بالتفكير الرّغبي في مواجهة خلافات لا تُجّسَر.

فمع تعليق مهمة المراقبين الدوليين في سوريا ينادي السيد كوفي عنان الآن بإصلاح ساذج آخر لخطته " المحاصرة" بدعوة لتشكيل ما يسمى "مجموعة الاتصال الدولية حول سوريا" التي ستضمّ بشكل مربك تماماً إيران وروسيا اللتان زودتا الرئيس الأسد بالوسائل التي يقتل بها شعبه، وما زالتا تفعلان ذلك. وفي الوقت الذي يحاول فيه السيّد كوفي عنان وبشكل جادّ وضع نهاية ٍ للمذابح بالوسائل الدوبلماسيّة، غير أنّ رغبته في الحفاظ على سمعته كوسيط ٍ دولي تستمرّ في الوقوف في طريقه. ستثبت خطّة عنان الجديدة (كغيرها من سلفاتها) عدم جدواها في القريب العاجل، وأثناء ذلك سيموت الآلاف أيضا ً من السوريين الأبرياء بسبب عجز الغرب عن حشد الشجاعة الأدبيّة والأخلاقيّة للعمل بتصميم ٍ وإصرار.

لقد قتل في أحداث رعب ٍ خيالي آلاف الأطفال منذ بداية الإنتفاضة السوريّة، وآلاف آخرين أكثر منهم قد عانوا ضروبا ً لا يتصوّرها العقل من التعذيب وسوء المعاملة. أطفال أٌجبروا بوحشيّة منقطعة النظير على مشاهدة تشويه ثمّ إعدام آبائهم ليلقوا بعد ذلك نفس المصير الذي لقيه أفراد عائلاتهم. شُر ِطت حناجرهم وهم في أحضان أمهاتهم يستغيثون، وفتيات صغار السنّ ونساء يغتصبن بوحشيّة على أيدي وحوش ٍ بشريّة لا ضمائر لها ثمّ يُذبحن على مرآى أحبائهنّ.  هذا والمجتمع الدولي يقف مكتوف اليدين. هذه الأحداث، على الرغم من أنها بالكاد "تخدش السّطح"، هي في تباين شديد مع مكائد المجتمع الدولي، وبالأخصّ تلك القوى التي تستطيع أن تتصرّف عمليّا ً لإنهاء تلك المعاناة. أكان ذلك بدافع ٍ من مصالحهم السياسيّة الفريدة في الإبقاء على نظام الأسد، وأعني بذلك روسيا والصين وإيران، أو الإفتقار الشديد للإرادة، ناهيك عن الحسابات السياسيّة المضلّلة للقوى الغربيّة بعدم التدخّل. ليس هناك استعداد لتزويد المعارضة بالمعدّات اللازمة للدفاع بفعاليّة عن نفسها، كما وليس هناك رغبة على الإطلاق في استخدام وسائل عسكريّة ضدّ مجازر الحكومة.

ولاختتام هذا العرض الذي يتعذّر تبريره، فإن دعم خطة عنان الأولى التي اجتازت مجلس الأمن الدّولي لطبيعتها الدّرداء قد حدّد أصغر قاسم مشترك لعمل ٍ دولي. وقبل اتخاذ القرار الذي تبنّى مبادرة عنان، كانت روسيا والصين مسئولتين عن إحباط محاولة ٍ مدعومة من جامعة الدول العربيّة في مجلس الأمن تدعو الأسد للتنازل عن السلطة والشروع في مرحلة سياسيّة انتقاليّة. بذلك أفشل البلدان أي أمل في التوصّل لحلّ سياسيّ للصراع. وتشكيل مجموعة اتصال في هذه المرحلة أمر ٌ لن يأتي بثمار وسيثبت عدم فعاليته بشكل ٍ ميئوس منه كخطّة عنان الأولى. وهذا الأسلوب في اتخاذ الإجراءات سيمنح الأسد بلا شكّ مزيدا ً من الوقت ليستمرّ في ذبح مواطنيه بلا رحمة.

السخرية المذهلة في اقتراح تشكيل مجموعة اتصال حول سوريا هي دعوة إيران للإنضمام للمجموعة، وهو أمر يتحدّى كلّ منطق وعقلانيّة على ضوء دور إيران في تزويد نظام الأسد بالدّعم الحيوي، بالرجال والعتاد، الأمر الذي مكّن حكومة الأسد من الإستمرار في سلوكها. وفي حين أنّ إشراك روسيا قد يكون ضروريّا ً بحكم علاقاتها القويّة وتأثيرها على الأسد، غير أن إيران متورّطة وهي شريكة في المذابح اليوميّة في محاولة ٍ يائسة منها لإنقاذ الهيمنة العلوية (والعلويّون طائفة دينيّة لها جذور في المذهب الشيعي). إيران بلد يعمل على زعزعة الإستقرار في منطقة الشرق الأوسط منذ ثورتها في عام 1979، وهي البلد الذي يقف وراء الثورة في العراق طيلة العقد الماضي، وبلد يتسابق نحو امتلاك وتطوير أسلحة نوويّة. إيران بلد تحدّى خمسة قرارات صدرت عن مجلس الأمن الدولي ويمنع الوكالة الدوليّة للطاقة الذريّة من القيام بمهامّ التفتيش بدون قيود،  بلد يئنّ تحت وطأة عقوبات دوليّة شديدة بسبب عنادها، وبلد يسعى للهيمنة الإقليميّة مع الحفاظ بأي ثمن على "الهلال الشيعي" الذي يمتدّ من الخليج العربي إلى البحر الأبيض المتوسّط. وحكمة السيّد عنان تقوده للإعتقاد بأن إيران يجب أن تكون جزءا ً من الحلّ، في حين أنها في الواقع جزء كبير من المشكلة. وعلى ضوء سجلّ إيران الذي أشرت إليه، لا تعليق آخر لديّ على حكمته المزعومة.

ولكن لنفترض أنّه تمّ تشكيل مجموعة اتصال دوليّة بإيران أو بدونها. بأيّة إجراءات أو وسائل ستنجح هذه المجموعة إذا كان القصد هو فقط إزاحة الأسد عن السلطة ؟ حتّى ولو تمّ استبدال الأسد بمصلح ليبرالي يكرّس نفسه لحقوق الإنسان والمساواة والعدل، ليس هناك فرصة لنجاحه إذا بقي جهاز الدولة بأكمله في مكانه، أي الآلاف المؤلفة من أفراد الأمن الداخلي والجيش وأجهزة الإستخبارات ووزارة الداخليّة وطليعة حزب البعث وغيرهم ممّن لهم مصالح قويّة في الحفاظ على النظام الحالي ويقاتلون من أجل البقاء. ففي دعمه لاقتراح السيد عنان الجديد سيقحم المجتمع الدولي نفسه في قضيّة وهميّة خادعة ستفشل بالتأكيد على حساب أرواح الكثيرين من أبناء الشعب السوري. يبدو من الصّعب جداً التفكير في شكل ٍ "أرقى" من النفاق والسّخف !!

وبالرغم من أنّ الصّراع يتفاقم نحو هرب ٍ أهليّة، فهناك خياران محتملان لحلّ الأزمة. الأوّل هو أن يُعرض على الرئيس الأسد حصانة من الملاحقة الجنائيّة وتزويده وأفراد عائلته وعصابته الإجراميّة بمرور ٍ آمن لعدد ٍ من الدول العربيّة التي ترضى استقبالهم، بما في ذلك المملكة العربيّة السعوديّة. يفترض هذا الإقتراح ضمنا ً بأن إزالة الأسد سيجلب حلاًّ للصراع، غير أنّه في النهاية مشروع لا يُنطلق منه، فبشّار الأسد لم يرث لوحده الرئاسة عن أبيه، بل ومعه جهاز حكومي كامل ملتفّ حوله وهو مسئول معه عن هذه الجرائم البشعة. أيّ حلّ دوبلماسي يدور حول خروج الأسد يجب أن يتضمّن أيضا ً إزالة آلاف الأفراد الذين يرأسون أو يقودون مختلف أجهزة الدولة. ورحيل هؤلاء يجب أن يتبع تشكيل إئتلاف حكومي يمثّل جميع الفصائل السوريّة ويقود البلد عبر مرحلة ٍ انتقاليّة قوامها أربعة إلى خمسة أعوام. وهنا أنصح الغرب بأن يتجنّب وهم أنّ الإنتخابات السريعة ستجلب حلاّ ً، فمصر وليبيا واليمن وحتّى تونس تقدّم أمثلة صارخة لفشل مثل هذه الحلول السريعة.

وفي حالة فشل "عرض الرّحمة" هذا الذي لا يستحقّه في الواقع الأسد وزمرته، لن يبقى هناك شكّ بأنّ على جامعة الدول العربيّة والولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي وتركيا أن تلتمّ سويّا ً لاتخاذ قرار ٍ حول عمل عسكري يهدف إلى قصف أهداف عسكريّة انتقائيّة في سوريا. وبعد القيام بعدد ٍ من الضربات يتوقّف القصف وتُرسل رسالة واضحة للأسد مفادها بأن القصف سيستأنف بدون قيود إذا لم يتخلّى هو وعشيرته عن مواقعهم. وبالرغم من أنني أفضّل حلاّ ً سلميّا ً، إلاّ أنّه في فترات المآزق المأساويّة تضطرّ أحيانا ً إلى اللجوء إلى مستوى معيّن من العنف المضادّ لمنع حدوث كوارث أضخم بكثير. وبما أنّ سلاح الجوّ السوري قد قام في الآونة الأخيرة بإسقاط طائرة حربيّة تركيّة، وإذا وقف حلف الشمال الأطلسي (الناتو) بحزم ٍ وراء تركيا، ستكون أنقرة على الأرجح أكثر ميولا ً لاستقطاع جزء كبير من سوريا لتوفير التغطية والأرض التي ستمكّن قوات المعارضة السوريّة من العمل فيها وفي نفس الوقت توفير المساعدة للآجئين وحماية كامل المنطقة بفرض حظر ٍ جوي عليها. لن تخاطر روسيا أو إيران أو الصين على تحدّي الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ما دامت روسيا بالدرجة الأولى على علم ٍ مسبق عبر قنوات ٍ خاصّة بأنّ مصالحها في سوريا لن تتأثّر.

حان الوقت للتوقّف عن الأوهام والنّفاق المخزي وتبنّي بدلا ً من ذلك إطارا ً واقعيّا ً لإنهاء آلة القتل السوريّة الرهيبة. لقد قمع النظام الذي يسيطر عليه العلويّون ولعقود ٍ عدّة أفراد شعبه وأذلّهم لأحوال ٍ غير أنسانيّة وحرمهم من أبسط الحقوق المدنيّة، ملقيا ً بهم فريسة ً للفقر والعوز. لذا يجب على المجتمع الدولي أن يرقى لمستوى التزاماته الأخلاقيّة لوقف سفك الدماء، فالإخفاق في تحقيق ذلك سيؤدي حتما ً إلى فقدان مصداقيّة القوى الغربيّة في المنطقة والإذعان في نفس الوقت لنزوات روسيا وإيران وإغراق سوريا في حرب ٍ أهليّة شاملة.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE