All Writings
نوفمبر 16, 2010

ورطــة سوريـــــــــــــــــــــــا

 بقلم: : أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

 

عندما زار الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الشهر الماضي جنوب لبنان مصحوبا ً بضجّة إعلاميّة كبيرة، فعل بذلك ما هو أكثر من مضايقة الإسرائيليين والغرب اللذين يسعون لتقليص النفوذ الإيراني في الشرق. لقد ساهمت الزيارة في تعزيز التقطّب المتزايد في المنطقة مبيّنة الآراء المختلفة والمتباعدة لإيران والدول العربيّة في تباين شديد وسوريا بينهما في الوسط. ونتيجة ً لذلك، فقد أصبحت سوريا الآن تحت ضغط ٍ جديد. فهل تستطيع سوريا المناورة كحليف لإيران ووكلائها وتقويض دورها المركزي في العالم العربي ؟  أم هي راغبة و/أو قادرة على تغيير مسارها والإنضمام إلى العالم العربي في إضعاف المدّ المتزايد للنفوذ الفارسي في المنطقة ؟ فأجوبة سوريا على هذه الأسئلة قد تشكّل تطوّر الأحداث في المستقبل القريب وبالأخص العلاقة ما بين إسرائيل ولبنان.

         

كان هناك قبل زيارة أحمدي نجاد تطورات عديدة في العام المنصرم أشارت إلى أنّ سوريا كانت في صعود ٍ ، مؤكّدة مرّة أخرى على دورها الريادي "كلاعب مركزي" في الصراع العربي – الإسرائيلي. ولدهشة الكثيرين فقد برّأ رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري سوريا من أية مسئولية في اغتيال أبيه، رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وقد اشتركت سوريا والمملكة العربية السعوديّة في عمليّة تقارب بزيارة مشتركة لبيروت روّجت لها وسائل الإعلام على مستوى ً عال ٍ معبّرة عن شراكة جديدة واعتراف ٍ ضمني لقوة سوريا المتجدّدة في الشّرق. وفي أثناء ذلك كانت إدارة الرئيس أوباما تسعى لتحسين العلاقات الأمريكيّة – السوريّة والشروع في محادثات السّلام بين سوريا وإسرائيل. وقد عيّن الرئيس أوباما في هذا السياق سفير الولايات المتحدة للعودة إلى دمشق خلال هذا العام وسافر العديد من المبعوثين والمسئولين المنتخبين إلى دمشق لإجراء محادثات ٍ على

 

-         2 –

مستوى ً عالٍ مع الرئيس بشّار الأسد ومعاونيه. أضف إلى ذلك، فقد وسّعت سوريا علاقاتها الإقتصاديّة مع العديد من البلدان، وفي مقدّمتها فرنسا وتركيا، واتخذت خطوات ٍ مهمّة لتحرير اقتصادها في محاولة ٍ منها لجذب الإستثمارات الأجنبيّة وإعداد البنية التحتيّة الإقتصاديّة بما يساعد تحقيق نموّ ٍ طويل الأمد. وفي نفس الوقت استمرّت سوريا بالتعاون مع ايران لإمداد حزب الله بالدعم اللوجستي والسياسي وتزويده بأنظمة صواريخ متطوّرة بحيث أصبحت هذه المجموعة المتطرّفة تمتلك الآن حسب التقارير الإستخباراتيّة ما يزيد عن 40.000 صاروخ.

         

قد تكون زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للبنان – بعد عام ٍ واحد من التقدّم في الإتجاه الذي أشرنا إليه – فصلا ً جديدا ً في تغيير اللعبة بالنسبة لسوريا. لقد كثّفت الزيارة من التوتّر العربي – الفارسي والسنّي – الشيعي الذي وصل بحدّ ذاته لدرجة ٍ عالية بعد تشكيل الأمم المتحدة محكمة ً للبحث في اغتيال رفيق الحريري والتي تورّط عناصر من حزب الله وقد تشير أيضا ً بإصبعها إلى دمشق في التخطيط لهذا الإغتيال. هذا كلّه قد أشعل مخاوف عنف ٍ طائفي متجدّد. وبالنسبة للعالم العربي – المغتاظ أصلا ً لأنّ الدول الأكثر نفوذا ً في منطقته وهي إسرائيل وإيران وتركيا دول غير عربيّة -  فقد أثارت زيارة أحمدي نجاد مخاوفا ً أن يكون نفوذ سوريا في لبنان قد تمّ التفوّق عليه من قبل إيران، وحتّى حزب الله نفسه. وواقع أنّ لا سوريا ولا المملكة العربية السعودية كانتا قادرتين على ايقاف زيارة أحمدي نجاد في وقت ٍ من القلق الشديد من اندلاع صراع ٍ طائفي متجدّد في لبنان يبيّن ما أصبح عليه حزب الله من قوّة وتصميم في لبنان.  إضافة ً إلى ذلك، تبيّن بعض التقارير في الصحافة السعوديّة – شديدة الإنتقاد لزيارة أحمدي نجاد – بكلّ وضوح طبيعة اللعبة المحفوفة بالمخاطر التي تلعبها سوريا.

         

يضع هذا الصّدع المتجدّد سوريا في ورطة. فما دام هذا الجوّ الضاغط قائما ً – ونتائج المحكمة الدوليّة ستعزّز بالتأكيد هذا الضغط، لا أن تبدّده – ستخسر سوريا لا محالة من قدرتها على المناورة. لا تستطيع الإستمرار في لعبة التوازن البهلواني على الحبل التي تلعبها هذه الأيام. فهي تقوّي روابطها مع الغرب ومع العالم العربي من ناحية، وتدعم في نفس الوقت حزب الله وتقوّي النفوذ الإيراني في لبنان من الناحية الأخرى. أجل، لا تستطيع سوريا بعد الآن أن تحصل على كلّ شيء في آن ٍ واحد. إنّها على قاب قوس ٍ أو أدنى من خسارة

-         3 –

الكثير من مكاسبها، هذا إلاّ إذا اتخذت إجراءات ٍ تصحيحيّة فوريّة. وستصبح ورطة سوريا أكثر حدّة وتعقيدا ً إذا اندلعت جولة جديدة من العنف بين إسرائيل وحزب الله.

          وتشير دلائل التحذير من أنّ نشوب هذه الحرب الجديدة على طول الحدود اللبنانيّة – الإسرائيليّة لم تعد موضع شكّ، بل موضوع وقت ٍ لا أكثر. ففي حفل وداع ٍ أقامته حديثا ً لجنة الشئون الخارجية والدفاع في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) عبّر رئيس المخابرات العسكريّة الإسرائيليّة المستقيل، عاموس يادلين، بصراحة ٍ عن مخاوفه بأن الحرب القادمة التي ستواجهها إسرائيل قد تكون أطول وقد تؤدّي إلى عمليات عسكريّة أوسع تشمل سوريا. و تسعى إسرائيل على أي تقدير في أيّ صراع ٍ مع حزب الله إلى مسح مخزونه من الأسلحة وتدمير بنيته التحتيّة. ومهما كانت التقديرات العسكريّة متواضعة، ستكون أهداف إسرائيل الإستراتيجيّة في حرب ٍ جديدة مع حزب الله على مستوى ً من الدمار للبنان تبهت له حرب عام 2006.

         

ونظراً لاحتمال مواجهة مثل هذا الصّراع الدموي، على سوريا أن تختار بين طريقين: فإمّا أن تدخل في هذا الصراع لنصرة حزب الله وتتعرّض لمواجهة عسكريّة مباشرة مع إسرائيل تتلقّى فيها ضربة ً مدمّرة، أو أن تدير ظهرها لحزب الله وايران. أمّا إذا أرادت سوريا الإحتفاظ بنفوذها في لبنان وتحصينه، عليها أن تختار عاجلا ً لا آجلاً ما بين حزب الله أو مصالحها الأوسع في كلّ لبنان. وقد تُجبر سوريا على الإختيار ما بين هذين الأمرين إذا وقعت حادثة مشابهة للهجوم عبر الحدود الذي قام به حزب الله والذي أشعل فتيلة الحرب في صيف عام 2006. والآن مع ازدياد قوّة حزب الله بصورة ملموسة يبقى السؤال عمّا إذا باستطاعة سوريا منع وقوع مثل هذا الحادث أم لا، وهو أمرٌ مشكوك فيه.

         

وممّا يقلق أكثر هو السؤال: كيف ستقوم إيران بمساعدة وكلائها حماس وحزب الله في حالة اندلاع أعمال عنف ٍ جديدة وكيف ستضغط على سوريا للقيام بنصرتهما. وكما ساندت

 

 

-         4 –

المملكة العربيّة السعوديّة ضمنا ً جهود إسرائيل لتدمير حزب الله في حرب صيف عام 2006، قد تسعى السعوديّة في هذه المرّة للإستفادة من علاقاتها المحسّنة مع سوريا للضغط عليها

كي تبقى خارج حلبة الصراع الجديد. أضف إلى ذلك، فإن استمرار مساعدة سوريا لحزب الله قد تؤدي لضربة ٍ إسرائيليّة لأهداف ٍ سوريّة تستخدم في خطّ تزويد الأسلحة لحزب الله، جارّة ً سوريا بذلك، إن شاءت أم أبت، لصراع ٍ مسلّح مع الدولة العبريّة. وبمواجهة مثل هذا السيناريو، لن تتمكّن سوريا من الإستمرار في لعبة التوازن البهلواني. فإذا لم تجد حلاّ لهذه الورطة قبل بدء جولة جديدة من الصّراع المسلّح، سيتقوّض نفوذ دمشق وروابطها الجديدة في المنطقة بصورة جوهريّة وسيزيد تهميشها من قبل المجتمع الدولي، في الوقت الذي تسعى فيه سوريا بالضبط لتقوية دورها الإقليمي كوسيط قويّ وتخرج أخيرا ً من عزلتها الدوليّة.

         

ويجادل بعض النقّاد بقولهم أن سوريا لا تواجه مثل هذه الورطة وأنها ستستمرّ في اللعب على كلا الجانبين في الصراع العربي – الفارسي والسنّي – الشيعي لكسب مزيدا ً من النفوذ في المنطقة. بل وأكثر من ذلك، فقد يجادل البعض أنّه كما بقيت سوريا خارج حرب لبنان في عام 2006، فمن الأرجح هذه المرّة أيضا ً أن تحجم عن دخول حلبة الصّراع. غير أنّ مثل هذا الجدل يخطىء في تقدير حالة الإنقسام الإيراني – العربي في الشرق الأوسط في الوقت الحاضر ولعبة التوازن البهلواني الخطرة التي تلعبها سوريا. مخاوف العرب من النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة تزداد يوما ً بعد يوم والوضع أصبح مقلقا ً للغاية. ففي الوقت الذي تصبو فيه الدول العربيّة لاستعادة القوّة في المنطقة التي تنازلت عنها لبلدان غير عربيّة، ومع توقّع حدوث تغييرات ٍ في القيادة خلال بضعة أعوام في بعض الأنظمة العربيّة الحاكمة مثل المملكة العربيّة السعوديّة ومصر، يتكتّم العالم العربي بصورة خاصّة حول توسّع دولة الوكيل الإيراني في المشرق. أجل، الدولة التي أسّسها حزب الله في لبنان. واستمرار مساعدة سوريا لحزب الله تمكّن تماما ً من تعزيز قوّة هذه الدولة. وفي حين أنّ سوريا لم تدخل – كما أسلفنا -  حرب عام 2006، غير أنّ أجواء شتاء 2010 / 2011 قد تثبت بأنها مختلفة كثيرا ً عن ذلك. فالزيارة الصّفيقة التي قام بها الرئيس الإيراني أحمدي نجاد تبيّن بأن سوريا قد تصبح رهينة ً للمصالح الإيرانيّة في لبنان. وعليه فقد تكتشف سوريا في الصّراع

 

-         5 –

القادم بأنها غير قادرة على الطلاق من زواج المصلحة طويل الأجل الذي ارتبطت به مع حزب الله.

لقد أعطت زيارة أحمدي نجاد إلى لبنان إشارة ً بتوسّع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، وأثارت مخاوف العرب وعمّقت الصّراع العربي – الفارسي من ناحية، والسنّي -الشّيعي من الناحية الأخرى حول النفوذ في المنطقة. أضف إلى ذلك، فقد كشفت الزيارة عن المغالطة التي توهم بأنّ بإمكان سوريا الإستمرار في التمتّع بثمار لعبتها البهلوانيّة الإقليميّة. يجب على سوريا أن تتخذ الآن قرارا ً حاسما ً: فإمّا الإستمرار في دعم حزب الله وخندقة نفسها كدولة تخدم مصالح إيران، أو لعب دور ٍ بنّاء بإنهاء دعمها السياسي واللوجستي لحزب الله ومنع أي إجراء استفزازي ضد إسرائيل دون الحاجة لقطع علاقاتها مع إيران. قد يبدو هذا بعيد المنال، ولكنه ليس كذلك.  كان بإمكان سوريا توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل في عام 2008 بوساطة تركيّة لو بقي رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود أولمرت، ملتزما ً بما تمّ التفاوض عليه.  دمشق تدرك بأن مصيرها وحظوظها باتجاه الغرب وإخوتها العرب. لم تستطع إيران في الماضي الوقوف أمام هذا المصير، ولكن تكون قادرة ً على ذلك في الوقت الحاضر.

          لا تستطيع سوريا التردّد أكثر أو الوقوف على الحياد. فإذا لم تتّخذ دمشق الآن هذا الإجراء التصحيحي الحاسم،  قد تواجه سقوطا ً شديد الإنحدار وتجرّ معها بذلك آمال التوصّل لسلام ٍ واستقرار ٍ في المنطقة.  وهذا بالضبط ما تريده إيران أن يحدث، وهذا الأمر لن يخدم بأي حالٍ من الأحوال مصالح سوريا الإستراتيجيّة، المتوسّطة والبعيدة ألأمد.  

 

_______________________________

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE