All Writings
فبراير 5, 2008

سياسات الأوهـــــــــــــــــــــــام

7 فبراير 2008

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

لقد عدت للتوّ من رحلة ٍ طويلة ٍ للشرق الأوسط وكنت آمل أن أعود إلى وطني وأنا أشعر بنشوة عارمة للتقدّم الذي حصل في المفاوضات الإسرائيلية – الفلسطينية، وبالأخص ّ في صحوة مؤتمر أنا بوليس للسّلام. ولكن مما أفزعني هو أنني لم أشعر ولم أرى الكثير من التفاؤل، لا في إسرائيل ولا في الأردن ولا في التحدّث مع مسئولين فلسطينيين ومصريين. وأولئك اللذين ما زالوا يعتقدون بأنه بالإمكان التوصّل إلى اتفاقية سلام إسرائيلية – فلسطينية في نهاية هذا العام الجاري 2008 – كما يرغب الرئيس بوش – هم أقلية عالقة هنا وهناك.

لا ينبع الشعور السائد بالإستسلام من نقص ٍ في التوق إلى السلام على كلا الجانبين، بل يبدو أن مصدره على الأغلب هو الإدراك بأن الظروف السياسية في إسرائيل وفي المناطق الفلسطينية ليست ناضجة للقيام بالتنازلات التحوّلية اللازمة لإفساح المجال لاتفاقية سلام. والحقيقة المحزنة أنه لا توجد في الوقت الحاضر – على مدى الساحة السياسية بجميع أطيافها-
قيادات حازمة ذات رؤية بعيدة تستطيع أن تغيّر الديناميكية السياسية لحشد دعم شعبي من أجل معادلة جديدة للسلام جديرة بالتصديق.

ففي إسرائيل، وبالرغم من أن التقرير النهائي للجنة فينوغراد كما يبدو لا يدين بصورة جازمة رئيس الوزراء إيهود أولمرت كما كان يخشى وأن بإمكانه البقاء على رأس الحكومة الإسرائيلية، غير أنّ أولمرت سيبقى مكبّل اليدين من قبل شركائه في الإئتلاف الحكومي اللذين لا يتفقون تماما ً معه حول كيفية التقدم في عملية السلام. فقد هدّد حزب شاس اليميني المتديّن بترك الحكومة إذا وُضع ملف ّ القدس على طاولة المفاوضات، وقد أذعن أولمرت لهذا التهديد. أمّا حزب العمل بقيادة وزير الدفاع ايهود باراك فما زال يأمل بإجراء انتخابات مبكّرة – ولكن في وقت يختاره هو- لعزل السيد أولمرت عن منصبه. وفي أثناء ذلك يسعى باراك لتمرير سياسات دفاعية غالبا ً ما تكون على خلاف ٍ مع سياسات رئيس وزرائه. وبالنسبة لوزيرة الشئون الخارجية السيدة تزيبي ليفني، فإنها لم تحرز أي تقدّم ملموس وبقيت تراوح مكانها. وبالرغم من أنها دعت لاستقالة أولمرت بعد نشر التقرير الأولي للجنة فينوغراد، إلاّ أنها تدعمه حاليّا ً " لحاجة ٍ في نفس يعقوب ". واقتناعا ً منها بأنها الوحيدة التي تحمل " عباءة" رئيس الوزراء السابق آرييل شارون، فانها لن تفوّت مستقبلا ً أية فرصة لتولّي زعامة حزب " كاديما ". وبالنظر إلى المجتمع الإسرائيلي، نراه اليوم منقسما ً على نفسه كما هو حال حكومته. فالشعب الإسرائيلي يتهم قادته بأنهم منشغلون في شئونهم الذاتية ومهتمون بمصالحهم الشخصية أكثر من اهتمامهم بشئون الدولة. أما بالنسبة لحزب المعارضة بزعامة نتنياهو الذي يتصدّر الآن نتائج استطلاعات الرأي العام في إسرائيل، فإنه يتهم الحكومة ببيع أمن إسرائيل القومي بثمن بخس ويتربّص للإستيلاء على منصب رئاسة الوزراء في حالة عقد انتخابات جديدة. وبالرغم من أن هناك أغلبية قوية من الإسرائيليين ( حوالي 70 % ) تقبل فكرة حلّ الدولتين، غير أنه لا يوجد حتى هذه اللحظة وفاق وطني حول كيفيّة التقدم للوصول إلى هذا الهدف، وما هي التنازلات التي يجب القيام بها.

والجانب الفلسطيني ليس أفضل حالا ً مما تقدّم. فرئيس السلطة الفلسطينية، السيد محمود عبّاس، يبدو ضعيفا ً ليس فقط في أعين الإسرائيليين، وإنما أيضا لمعظم الفلسطينيين وبصرف النظر عن اتجاهاتهم السياسية. وبالنظر إلى النزاع الدموي ما بين فصيل فتح الذي يحكم الضفة الغربية وحركة حماس التي تحكم قطاع غزة، ليس هناك ما يشير إلى أن هذا النزاع
سينتهي في المستقبل القريب. ففي حين تسعى فتح إلى حصول تقدّم سريع في المفاوضات مع إسرائيل لكي تبرهن بأن الإعتدال يعطي ثماره، فإن إطلاق صواريخ القسّام على إسرائيل من غزة بمرأى من أعين حماس الساهرة لا يهدف فقط – وبكل ّ بساطة – إلى إضعاف معنويات الشعب الإسرائيلي، بل وبصورة خاصة إلى تقويض أي تقدّم في المفاوضات بين أولمرت وعبّاس. وفي الوقت الذي تتناحر فيه حماس وفتح، تستمرّ معاناة الفلسطينيين العاديين، وبالأخصّ في قطاع غزّة، وتحمّلهم الوطأة الشديدة الناتجة عن قيام إسرائيل بإغلاق جميع المعابر الحدودية انتقاما ً للهجمات الصاروخية. ومن شدّة بؤسهم ومحنتهم – وإلى حدّ ما أيضا بتوجيه من حماس – قام مواطنو غزة بنسف معبر رفح الحدودي مع مصر لإظهار العالم مأساتهم. وتدفّق على أثر ذلك مئات الآلاف من الفلسطينيين – على مرآى السلطات المصرية التي وقفت عاجزة عن فعل أي شيء – إلى داخل الأراضي المصرية لشراء حاجياتهم الأساسية. ولا يعتقد معظم الإسرائيليين بأن السلطة الفلسطينية بقيادة محمود عبّاس قادرة على تنفيذ الوعود التي قطعتها على نفسها. إنهم يستندون بذلك إلى الصراع العنيف والدموي القائم حاليا بين الفلسطينيين أنفسهم، وبالتحديد بين فتح وحماس. وهذا الصراع يجعل من المستحيل تقريبا التوصّل إلى اتفاقية عمليّة مع فتح إذا لم توافق حماس عليها، أو على الأقلّ ترضى بشروطها.

ومصر التي كانت تلعب ولفترة طويلة دور الوسيط ما بين إسرائيل وحماس قد وجدت نفسها الآن حبيسة ً ما بين صخرتين. فالسلطات المصرية كانت تعمل جاهدة للتوصّل إلى حلّ سلمي لأزمة المعابر دون اللجوء إلى العنف الذي – إذا ترك له العنان – سيتسبّب في موت العديد من الفلسطينيين، وهو أمر سيستغلّه حزب " الأخوان المسلمون" القريب جدا ً من حماس وقد يشعل في مصر فتنة خطيرة. وقد علّق مسئول مصري رفيع المستوى على ذلك لي بقوله: " نحن لا نسعى لإرضاء أي طرف. لا الإسرائيليين ولا حماس ولا السلطة الفلسطينية ……. ونحن لا نريد المعاناة للشعب الفلسطيني، ولكن في نفس الوقت لا نسمح لأي أحد أن ينتهك حرمة أراضينا". وفي الوقت الذي يستمر ّ فيه على أية حال السعي وراء حلّ دائم لأزمة الحدود بين مصر وغزّة، يبدو أن مصر تجد نفسها تتورّط تدريجيّا ً ضد ّ رغباتها وإرادتها في القضايا الداخلية والخارجية لقطاع غزة. ويبدو أيضا ً بأن إسرائيل وحماس – كلّ بدافع مصالحه الذاتيّة – تحبّذان مثل هذا التطوّر. وبالرغم من أن السلطات المصرية ترفض على ما يبدو التورّط أكثر في مشاكل قطاع غزة، غير أنها من الناحية الأخرى تعي أهمية ضبط حماس ومنع " الأخوان المسلمون " من زرع بذور الفتنة وعدم الإستقرار السياسي عن طريق حماس في مصر.

وأخيرا ً، فان إدارة بوش التي يضغط عليها الوقت لإبراز بعض التقدّم في حلّ النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني تستمرّ بدورها في ممارسة الضغط على أولمرت وعبّاس للقيام بتنازلات مهمّة. ولكن في حين يتظاهر كلا الطرفين بذلك – ولو شفويّا ً – فإن أنظار الإسرائيليين والفلسطينيين مصوّبة نحو عام 2009 – العام الذي ستستلم فيه إدارة أمريكية جديدة زمام الأمور – لكي يعيد كلّ منهم تقييم وضعه. والمؤسف حقا ً أن الكلّ يتكلّم عن السلام، ولكن الكلّ ينظر إلى السلام من وجهة نظره الضيّقة. وفي الغالب من خلال رؤية ضائعة.

 

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE