All Writings
نوفمبر 22, 2010

الولايات المتحدة وإيران عند مرحلة مصيريّ&#157

 

بقلم: أ.د. ألون بن مئيـــــــــــــــــــر

أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية

بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط

بمعهد السياسة الدوليـــــــــــــــــة

          حقّقت الولايات المتحدة خلال سنتين من عمل إدارة أوباما تقدّماً في تشديد العقوبات ضد النظام الإيراني، ولكن يجب فعل المزيد لتغيير طموحات إيران النووية. فبالرّغم من العقوبات الجديدة استمرّت إيران في كسب نفوذ في العراق وأفغانستان وتحريك الاضطرابات في لبنان، وهذا كلّه في الوقت الذي تتقدّم فيه بجهود تخصيب اليورانيوم. والآن ليس من المحتمل أن تنظر إيران للولايات المتحدة المشغولة بالانسحاب من المنطقة والتي تحاول علاج اقتصادها الواهن على أنها تهديد حقيقي للنظام في طهران أو لطموحاتها النووية. على الولايات المتحدة الأمريكية وضع سياسة ناجحة لإيران تؤكد على أهمية الجهود الدولية من ناحية وتحدّد في نفس الوقت عواقب واضحة لتحدّي إيران المستمرمن الناحية الأخرى.

 

          وبالرّغم من أنّ الرزمة الجديدة من العقوبات تؤذي الاقتصاد الإيراني، غير أنّها بعيدة عن كونها كاسحة حيث أن طهران مستمرّة في تحمل الكثير من الضغط. وبالرّغم من العقوبات الجديدة التي تستهدف قطاع الطاقة، بما في ذلك رقابة مالية صارمة على الإستثمارات الجديدة، غير أن إيران ما زالت قادرة على بيع كميات معتبرة من النفط لبدانٍ بحاجة له، وفي مقدمتها الصين والهند. وحتى في الوقت الذي تجبر فيه العقوبات إيران على إجراء تخفيضات مقيتة في قطاع النفط وغيرها من الإعانات المالية الحكومية التي قد تثير القلق والاضطرابات في البلد، غير أنّ إيران قد أظهرت قساوتها في قمع الخلافات في الجمهورية الإسلامية. فالإجراءات العنيفة التي اتخذتها "الباسيج" (قوات التعبئة الشعبية) خلال الثورة المحليّة التي أحاطت بانتخابات الرئاسة المشكوك في نزاهتها والتي أُجريت في شهر مايو (أيار) عام 2009 قد أظهرت بوضوح أنّ الحكومة الإيرانية لن تغيّر بسهولة مسارها وستعمل كلّ ما بوسعها للحفاظ على تمسّكها بالسّلطة. أضف إلى ذلك، وبالرّغم من أن زمرة رجال الدين الحاكمة مدركة تماماً الفوائد التي قد تجنيها بإنهاء العزلة العالمية، غير أنّها من الناحية الأيديولوجيّة ملتزمة جداً ومستنفذة بسبب المنافسات والمشاحنات الداخلية بحيث لم تعد قادرة على إيجاد طريقة للخروج من هذا المأزق والانضمام ثانية للمجتمع الدولي. والعقوبات –

 

-         2 –

 

مهما كانت قاسية – لن تُخضع على الأرجح إيران، هذا إلاّ إذا حلّ محلّها إجراءات أخرى يجب أن تكون الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذها.

 

          وفي حين تعمل إيران على تقليص تأثير العقوبات الدوليّة فهي تحضّر نفسها لاحتمال مواجهة عسكرية وتعمل في نفس الوقت على تقويض المصالح الأمريكية في المنطقة.

وبالرّغم أن هناك حظر فعّال على مبيعات الأسلحة لإيران، فقد بذلت طهران جهوداً ضخمة لتحديث قوتها العسكرية، شاملة تحديث أنظمة تسليحها ذات الصنع المحلي مثل صواريخ أرض جوّ في محاولةٍ منها لبناء القليل اليسير من قدرة الرّدع في حالة تصميم إسرائيل أو الولايات المتحدة على مهاجمة منشآتها النووية. وتستمر إيران في نفس الوقت بالتّدخل في شئون العراق وأفغانستان وذلك – حسب التقارير- بتجهيز وتدريب عناصر طالبان في الوقت الذي تقوم فيه أيضاً بتوفير المساعدات المالية للرئيس الأفغاني حامد كارزاي. الأهداف واضحة: إيران مهتمّة جداً في إبقاء الولايات المتحدة منشغلة في أزمات وصراعات إقليمية تمنعها من تهديد إيران عسكرياً. وبالفعل، إيران تعلم بأنّ الشعب الأمريكي قد سئم الحروب في العراق وأفغانستان ولن يؤيد حرب ثالثة في الشرق الأوسط إلاّ إذا واجهت الولايات المتحدة تهديداً وشيكاً لا يمكن تلطيفه أو تسكينه. هذا وليس لدى إيران النيّة في استفزاز الولايات المتحدة جهاراً. وعليه فالمعادلة من وجهة نظرها هي: كلّما طال عجز الولايات المتحدة عن التقدّم وظلّت غاطسةً في مستنقعات العراق وأفغانستان، يكون الوضع أفضل لها.

 

          بدون تهديد بعملٍ عسكريٍ جدير بالتصديق وقيامها بجهود ناجحة لتقليص تأثير العقوبات الجديدة، تعوّدت إيران على ولايات متحدة تتوعد كثيراً ولكن تفعل ما هو القليل. وتبيّن المستندات الأخيرة "لتسربات الويكي" بأنّ القوات الإيرانية قد لعبت دوراً مهماً في تحريك العنف في العراق – وحتى محاربة القوات العسكرية الأمريكية مباشرةً – وذلك كلّه بدون ردّ أمريكي هادف. هذا يدلّ على أنّ مبدأ "توعّد كثيراً واعمل قليلاً" كان مطبقاً على مدى إدارات متعاقبة في البيت الأبيض، هذا بالرّغم من أنّ الوضع الآن وبكلّ وضوح أكثر إلحاحاً وإيلاماً. وبصرف النظر عن تصميم إدارة أوباما في الوقت الحاضر، فإن القيود الخارجية والداخلية تمنع الولايات المتحدة من اتخاذ خطوة متقدمة في التهديد العسكري، وبالمقابل فقد تقلّصت مصداقية الولايات المتحدة بصورة جوهرية. وإدراكاً لذلك، فقد صعّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من لهجته في تأييد ضربة عسكرية أثناء زيارته

-3-

 

الأخيرة للولايات المتحدة، مذكياً المخاوف أنّه إذا لم تقم الولاات المتحدة بفعل أي شيء ملموس، فإنّ إسرائيل قد تُصعّد الأمور بضربةٍ منها ضد إيران.

 

          وللتحرّك قدماً، يجب على إدارة أوباما أن تختار استراتيجية جديدة من بين مجموعة من الخيارات الغير كاملة والبغيضة:

 

          أولاٍ: قد تسمح لإيران بالحفاظ على برنامج لتخصيب اليورانيوم النووي ولكن تحت نظام مراقبة صارم مبنيّ بمساعدة المجتمع الدولي. ويعني هذا الخيار لإيران – أي إبقاء برنامج نووي على أراضيها – مصدر للاعتزاز الوطني وسيستمر هذا الوضع كما هو بصرف النظر عمّن سيكون في السلطة. ويفترض هذا السيناريو على أية حال بأنه ليس لإيران نيّة في السعي وراء تصنيع أسلحة نووية وبأنه من الأفضل تمكين إيران من أن يكون لديها برنامجاً نووياً تحت رقابة شديدة بدلاً من الاستمرار في لعبة خطرة لا نهاية لها. وقد تسمح إدارة أوباما لإيران الاحتفاظ ببرنامج تخصيب نووي وتبيّن لها في نفس الوقت بأنّها غير مهتمة في تغيير نظام الحكم في إيران بل فقط بجوّ مختلف في المنطقة يساعد على الاستقرار. وهذا الخيار، على أية حال، بعيد المنال ولأسباب عديدة. لم تبدِ إيران أي استعداد لفتح منشآتها النووية للتفتيش من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وليس من المحتمل أن يؤيد الكونغرس المنتخب حديثاً بأغلبية من الحزب الجمهوري مثل هذه الخطوة. وإسرائيل بلا شك سترفض هذه الفكرة بشدة، حيث أن الإسرائيليون مقتنعون بأن إيران تسعى لامتلاك أسلحة نووية ولا يمكن الوثوق بها بأنّها ستتخلّى عن طموحاتها في أن تصبح القوة المهيمنة في المنطقة. وفي القاهرة قال الرئيس أوباما:"من حق أية دولة، بما فيها إيران، الدخول في مجال الطاقة النووية للأغراض السلمية إذا التزمت بمسئولياتها المنصوص عليها في معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. هذا الالتزام في صميم المعاهدة ويجب الحفاظ عليه لكلّ من يلتزم به تماماً". ولكن السؤال هو: هل بمقدور أوباما إقناع جميع أطراف الصراع بأنّ هذه بالفعل صيغة يمكن تطبيقها عملياً؟

 

          ثانياً: قد تعطي الولايات المتحدة دعوة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتعزيز مصداقية الخيار العسكري ضد إيران بعضاً من الاهتمام، الأمر الذي يعني ضرورة أن تبدأ الولايات المتحدة بإعداد خطط للطوارىء وقد تشرع بمناورات عسكريّة إسميّة مشتركة مع إسرائيل

-4-

 

من ناحية ومع دول الخليج من الناحية الأخرى وقد يعطي هذا إشارة لإيران بجدية الخيار العسكري. ويرفض الإيرانيون بشدة المفاوضات من ناحية والتخويف من الناحية الأخرى. ولأنّ مصداقية إدارة أوباما أصبحت في دائرة الشكّ، قد يصبح هناك ضرورة لاتخاذ إجراءات تبيّن فعلاً بأنّ الخيار العسكري جادّ هذه المرّة. وبالرّغم من هذا كلّه، فهذا الخيار قد يكون غير كاف ٍ لإخضاع إيران لأنّها تشك بتصميم الولايات المتحدة، غير أنّ إجراء بعض المناورات العسكرية والإسراع في تسليم أسلحة متطورة لأصدقاء أمريكا في الخليج قد يؤدي الرسالة المطلوبة.

 

          ثالثاً: قد تأخذ الولايات المتحدة بعين الاعتبار القيام بأعمال انتقامية على مستوى محدود ضد بعض مصادر القوّة الإيرانية التي تعمل لتقويض المصالح الأمريكية، أكانت في أفغانستان أم في العراق. ولكن هذا الاقتراح يقول أيضاً بأنّه بدون إرسال إشارات لإيران تبيّن لها بوضوح بأنّها لن تستطيع مهاجمة المصالح الأمريكية بدون عقاب ستكون النتيجة فقط تصعيداً في سوء سلوكها. قد تهاجم الولايات المتحدة مصادر إيرانيّة معيّنة، عسكريّة أو مالية، ولكن فقط ردّاً على عمل إيراني ببرهان ٍ واضح هادف لتقويض مصالح أمريكية وحتّى قتل قوات عسكرية أمريكية. ومن المشكوك فيه أن تكون إدارة أوباما مستعدّة للسير في هذا الاتجاه. وهذا جزء من المشكلة، فإيران لا ترى سبباً للتفاوض بجدية إن لم يكن هناك عواقب لاستفزازاتها وتحدياتها المستمرة.

 

          رابعاً: إذا استؤنفت المفاوضات كما هو متوقّع، على الولايات المتحدة أن تعطيها إطاراً زمنياً محدوداً وأن تستخدم تركيا كوسيط مباشر مع الإيرانيين. على الإيرانيين أن يدركوا بأن عملية التفاوض ليست بلانهاية. وعلى إدارة أوباما إبّان ذلك أن تعمل لإعادة بناء الثقة مع تركيا بخصوص المفاوضات مع إيران. واتفاقية التبادل النووي لليورانيوم المخصّب التي تمّت بوساطة تركيا والبرازيل لم تذهب بعيداً للحدّ الذي أرادته الولايات المتحدة، ومعارضة تركيا اللاحقة للعقوبات في مقر الأمم المتحدة قد ترك العلاقات الأمريكية – التركية في توتّر. قد تكون تركيا قناة ثمينة للإيرانيين في ترسيم العواقب المحتملة لاستمرار إيران في تحدّي المجتمع الدولي. ليس مطلوب من المباحثات بين أنقرة وطهران أن تحلّ هذه محلّ مفاوضات الدول الخمس (الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا)، بل إثرائها وعرض طريقة على طهران لحفظ ماء وجهها للخروج من العزلة الدولية عن طريق علاقتها مع تركيا.

-5-

 

وقد يساعد التقدّم في هذه المفاوضات تطوير ترتيبات التبادل النووي التي قامت تركيا بوساطتها في وقت سابق وذلك بتعزيز الاتفاقية بحيث تتناول المخاوف الرئيسية للولايات المتحدة والمجتمع الدولي بشكل عام. ومن المحتمل أن يتم الاعتراض على دور مركزي لتركيا من قبل بعض أعضاء مجلس النواب الأمريكي اللذين قد يطرحون موضوع تحوّل تركيا الإقليمي باتجاه الشرق وأيضاً إسرائيل المتشككة كثيراً الآن من أنقرة بعد الصّدع العميق في العلاقات التركية – الإسرائيلية إثر الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية. وعلى أية حال، إذا عملت تركيا بالتعاون مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية، قد تحقق نجاحاً في هذه المساعي خصوصاً لأن تركيا تريد أن تمنع إيران من حيازة الأسلحة النووية بالقدر الذي تريده الولايات المتحدة، أو لربما أكثر، وذلك لتفادي احتمال نشوب حرب جديدة في الشرق الأوسط بعواقب لا يمكن التنبؤ بها.

 

          وأخيراً، هناك من ينصح بالصّبر. هؤلاء يقولون بأن إيران تمرّ الآن بصعوبات كثيرة وأن برنامجها النووي يتقدّم بوتيرة أبطأ بكثير مما كان يُعتقد، وأن جهود إيران معاقة بسبب عدة عوامل، فمنها أعمال تخريب تقوم بها قوى أجنبية ضد برامج حواسيبها النووية وعدم قدرتها على استيراد تكنولوجيا نووية وشعب متذمّر ومتململ نتيجة الأزمة السياسية التي عقبت الانتخابات والضغط الدولي عليها والنزاعات الداخلية ما بين مختلف مراكز القوى حول الاتجاه العام الذي تسير به البلاد. وعلى الرئيس أوباما أن يستمر في التركيز على تشديد العقوبات وجعلها أكثر فعاليّة. أضف إلى ذلك، على الولايات المتحدة وباستمرارأن تصعّد الضغوط الخارجية والداخلية بمساعدة الحركة الخضراء وغيرها من المجموعات مثل العرب والأكراد والبلوش وغيرهم، هذا إلاّ إذا استلمت الولايات المتحدة إشارة واضحة بأنّ طهران راغبة فعلاً بالدخول في مفاوضات جادّة للوصول إلى اتفاقية.

 

          هذا الاقتراح الأخير جدير بالاختبار، بشرط أن تقوم الولايات المتحدة بتنسيق استراتيجيتها بالكامل مع إسرائيل. وإذا لم تبيّن إدارة أوباما بأنّها مصمّمة بالفعل على إيقاف إيران بكلّ الوسائل – بما فيها الخيار العسكري – وإذا استنتجت إسرائيل بأنّ إيران على وشك التّوصل إلى قدرة الإنتاج، فمن المحتمل حينئذٍ أن تتصرّف إسرائيل بموافقة أمريكية أو بدونها. فعندما يتعلّق الأمر بأمن إسرائيل القومي، لا تعرف إسرائيل "بقرات مقدّسة"، بما في ذلك العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية. ويجب على كلا البلدين أن &#1

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE