All Writings
يناير 13, 2009

موازنة التناسب في حرب غزة

بقلم: أ.د. ألون بن مئير
أستاذ العلاقات الدولية بمركز الدراسات الدولية
بجامعة نيويورك ومدير مشروع الشرق الأوسط
بمعهد السياسة الدوليــــــــة

يتم غالباً الحكم على التناسب في الحرب من الناحية الشخصية حيث أن كل جانب يزن من ناحيته عواقب الأعمال العدوانية، خصوصاً إذا كان هناك إصابات بين المدنيين. وفي حين أنه من الصعب جداً تبرير عملية عسكرية فقط على أساس التناسب في القوى عند أية مرحلة من مراحل الحرب، غير أنه يجب أن يكون هناك سبباً وجيهاً يتمحور حوله الجدل أو النقاش. وحيث أن أجندة حماس السياسية وسبب وجودها هو دمار إسرائيل، فإنّ إسرائيل تدّعي بأن مطاردتها لحماس تصبح سبباً وجيهاً أو قضية عادلة.

إن قادة إسرائيل في ظلّ هذه المعادلة متمسكون بواجبهم وهو اتخاذ أية إجراءات يرونها ضرورية لإخضاع حماس. فهذه من وجهة نظر قادة إسرائيل ليست حرباً بين إسرائيل والشعب الفلسطيني – بالرغم من أن حماس تريد إخراجها بهذه الصورة – بل حرباً بين إسرائيل وطائفة إرهابية متعصبة دينياً تعمل كعملاء لإيران وهي بلد تهدد وجود إسرائيل بالذات. والنظر إلى الصراع مع حماس من هذا السياق يطرح أسئلة مختلفة حول التناسب في القوى العسكرية وكذلك المخاطر بالنسبة لاعتبارات إسرائيل الأمنية القومية على المدى البعيد.

غالباً ما كان يقول علماء العلوم الأخلاقية الدولية بأن التناسب واستعمال القوة في الحرب يعتمدان على الناحية الأخلاقية – المعنوية أكثر من الاعتماد على التكافؤ الكمي أو النوعي. وفي هذه الحالة ما دام هدف حماس هو تدمير إسرائيل، فإن التكافؤ الأخلاقي أو المعنوي سيكون تدمير حماس أو على الأقلّ تهميش قدراتها العسكرية. وإذا كانت إسرائيل – تقيداً منها بمبدأ التناسب – قادرةً على التخفيف بصورة جذرية من إصابات المدنيين والتوصل رغم ذلك إلى هدفها، فإنها ستكون ملزمة بفعل ذلك. التناسب بحدّ ذاته لا يقدّم بالضرورة معادلة مقبولة. فإذا أطلقت إسرائيل بدون تمييز صاروخاً ضد غزة مقابل كل صاروخ أطلقته عليها حماس خلال السنوات الثلاثة الماضية، حينها يكون رد إسرائيل من وجهة نظر التعريف "متناسباً"، غير أنه قد يكون ذلك قد تسبّب بموت عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء. ولكن

إسرائيل لو فعلت ذلك لأدينت بشدة وبحق من قبل المجتمع الدولي لردّها العنيف ولو كان في نفس الوقت متناسباً.

وتجدر الإشارة بأن معايير التناسب لا تنطبق على إصابات المحارب بل على العلاقة ما بين وسائل وهدف الحرب. وعلاوة على ذلك، وبالرّغم من أن إسرائيل تمتلك المزايا الفنيّة الساحقة والتفوق الهائل في قدرة النيران، فقد علّق أحد مشاهير علم الأخلاقيات الدولية وهو السيد فرانسيس وينترز بقوله:"ليس هناك في المنطق الأخلاقي المعنوي للدفاع عن النفس ما يؤيد فكرة بأنه يجوز فقط للقوى العظمى أن تحارب بصورة عادلة إذا قلّصت نفسها على أسس المساواة لقوى صغيرة".

يتأثر التناسب أيضاً بصورة جذرية بالجهد الذي يُبذل للتمييز ما بين المحاربين وغير المحاربين وبهدف التقليص من إصابات المدنيين إلى الحد الأدنى. يتقيّد الجنود الإسرائيليون تماماً بالبروتوكول العسكري لتجنب إصابات المدنيين وذلك من خلال الهجومات المستهدِفة ويتهمون حماس بأنها تستخدم المدنيين دروعاً بشرية للزيادة عمداً من عدد وفيات المدنيين. حماس ترفض هذه الحجة على أساس أن منظمتها حركة شعبية راسخة في المجتمعات المدنية. لا شك أنه عند النظر إلى قتال من زاوية المعطيات الوجودية، أكان ذلك من الناحية السياسية أو البدنية، تكون التضحيات الكبيرة أسهل تحملاً. حماس تريد أن تضع إسرائيل في موقف دفاعي بوضعها تحت ضغط دولي شديد لإنهاء الأعمال العدوانية قبل التوصل إلى أهدافها. لدى قادة حماس الوقت وقد أكدوا مراراً علناً بأنهم مستعدون للتضحية بعشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين ما داموا سيظهروا منتصرين. إنهم يستمرون في إطلاق الصواريخ من المدارس والجوامع مدركين تماماً بأن إسرائيل ستستهدف باحتمال كبير منصات صواريخهم أينما كانت.

وأخيراً هناك السؤال عمّا إذا كان بالمقدور تجنّب هذه الأعمال العدوانية أم لا وعمّا إذا قد استنفذت إسرائيل جميع السبل والوسائل السلمية قبل تصميمها على خوض هذه الحرب. لم تعد إسرائيل تعتبر غزة أراضي محتلة لأنها تقول بأن حماس قد فوّتت كل الفرص لإعادة بناء وتطوير القطاع منذ انسحاب الإسرائيليين منه في عام 2005. لقد اختارت حماس بدلاّ من ذلك أن تستعمل المنطقة كقاعدة إطلاق لإمطار إسرائيل بما يزيد عن 10.000 صاروخ. وبعد محاولة إسرائيل في الماضي عدة مرات عبر الطرق السياسية والوسائل العسكرية المناسبة لوضع حدّ لهجمات حماس الصاروخية المستمرة، ولكن بدون جدوى، لم يبق لإسرائيل أي خيار آخر غير استعمال القوة. وبالرّغم من عدم وجود تناسب في القوى بين الطرفين هذه المرة، غير
أنها حرب مبرّرة من الناحية المعنوية – الأخلاقية لأنها تتعامل مع عدو مصمّم على تدميرها.

يجب على كل فرد إسرائيلي وفلسطيني يؤمن بالتعايش السلمي بين الشعبين أن يعلم بأن حماس لو تُركت وشأنها تفعل ما تريد فإنها ستستمر في تقويض أي أملٍ للتوصل إلى حلّ عادل ودائم للنزاع الفلسطيني – الإسرائيلي. وعلى إسرائيل إلاّ تدّخر جهداً أبداً في تجنب إصابات المدنيين لكي تقع هذه الحرب ضمن فئة ما يسمّى "الحروب العادلة". وبصرف النظر عن التناسب، فإن الخسائر من كلا الجانبين ستكون سدىً إذا لم تحسّن النتيجة النهائية للحرب وبصورة جوهرية آمال سلام إسرائيلي – فلسطيني ممكن وظروف معيشة المواطنين الفلسطينيين. ولهذا السبب، يجب أن توفر أية هدنة يتم الاتفاق عليها القاعدة الصلبة لمثل هذه النتيجة. وأي شيء أقل من ذلك سيجعل هذه الحرب ليس إلاّ فصلاً آخراً محزناً من السجلات الإسرائيلية – الفلسطينية وسيكون فيه السؤال عن التناسب في القوى ليس إلاّ ملاحظة هامشية غامضة.

 

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE