هزيمة بولسونارو انتصار لمناصري تغيّر المناخ
الهزيمة الانتخابية للبرازيلي جاير بولسونارو هي انتصار لكل من يهتم بخطر تغّير المناخ. يمكن أن تساعد هزيمة بولسونارو التي يستحقها عن جدارة في إنقاذ غابات الأمازون المطيرة ، التي دُمرت في ظل حكمه الإجرامي ، ويمكن أن تبدأ عملية عكس كارثة تغيّر المناخ التي تلوح في الأفق.
تصحيح الخطأ
يمثل فوز الرئيس المنتخب لويز إيناسيو لولا دا سيلفا على جاير بولسونارو في البرازيل فرصة تاريخية للبدء في التراجع عن بعض الأضرار الكبيرة التي لحقت بغابات الأمازون المطيرة في البرازيل على مدار السنوات الأربع الماضية. فمنذ توليه منصبه في يناير 2019 ، دمّر بولسونارو الأرض لتحقيق مكاسب قصيرة النظر ، مما أدى إلى تراجع الأنظمة البيئية التي يرغب أي إنسان مفكر في الحفاظ عليها في مواجهة مثل هذا التدهور العالمي غير المسبوق. قام بولسونارو بتفكيك تدابير الحماية البيئية بشكل منهجي بحيث أصبح أولئك الذين لا يهتمون بالبيئة أحرارًا في تطهير الأرض وتحويلها إلى مراعٍ دون أي مساءلة. أزمة الأمازون التي تتكشف هي كارثة لتغير المناخ والتنوع البيولوجي والسكان الأصليين في المنطقة والعجائب التي لم تتداول والتي لا يزال يتعين على العلوم البشرية فهمها.
أظهرت دراسة نشرت عام 2020 في مجل”الطبيعة”(Nature ) أنه إذا استمر التدمير المنهجي لمنطقة الأمازون البرازيلية بلا هوادة ، فقد يتحول الكثير منها إلى سافانا قاحلة ، أو حتى ” منطقة لشجيرات جافة” في غضون عقود نظرًا لمعدل الزحرجة (إزالة الغابات) التي تعود إلى حد كبير إلى تعمد إشعال الحرائق الممنوعة حسب القانون والتي تهدف إلى تحويل الغابات إلى مراعي بشكل دائم. ومع الدمار الذي لحق بالغابات المطيرة ، لحق الدمار أيضا ً بالسكان الأصليين الذين تدمرت أوطانهم ومعيشتهم بسبب إزالة الغابات.
فقط تخيل أنه بين أغسطس / آب عام 2020 ويوليو/ تموز عام 2021 فقدت أكثر من 5000 ميل مربع من الغابات المطيرة في منطقة الأمازون البرازيلية – وهي مساحة أكبر من مساحة ولاية كونيتيكت. في الواقع ، بلغ معدل التدمير في عهد بولسونارو أعلى مستوى له منذ عشر سنوات حيث غضت إدارته الطرف عن قطع الأشجار غير القانوني وإزالة الغابات من أراضي السكان الأصليين ، وكما لاحظت منظمة العفو الدولية ، فإن “العنف ضد أولئك الذين يعيشون على الأرض ويسعون إلى الدفاع عن أراضيهم.”
في ظل حكم بولسونارو المتهور والفاسد ، قامت حكومته عن عمد “بإضعاف وكالات إنفاذ القانون البيئي ، وتقويض قدرتها على معاقبة الجرائم البيئية بشكل فعال أو الكشف عن صادرات الأخشاب غير القانونية” ، كما تصف الوضع مؤسسة هيومن رايتس ووتش. تم تعليق الغرامات المفروضة على قطع الأشجار غير القانوني في منطقة الأمازون البرازيلية بموجب مرسوم رئاسي في بداية أكتوبر 2019. وأصبحت عمليات الاستيلاء غير القانونية على الأراضي في المحميات وأراضي السكان الأصليين في أمازون البرازيل أمرًا روتينيًا ، حيث خفض بولسونارو ميزانية الوكالات التي تحمي الغابة من المقاصة غير المصرح بها. وتسمح المنظمات الإجرامية التي يطلق عليها على نحو ملائم “مافيات الغابات المطيرة” ، لمربي الماشية بالعمل مع الإفلات من العقاب ، ووفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية تمتلك هذه المافيات “القدرة اللوجستية لتنسيق استخراج الأخشاب على نطاق واسع ومعالجتها وبيعها مع نشر رجال مسلحين لحماية مصالحهم.”
من الصعب فهم حجم الدمار الهائل الذي ألحقه بولسونارو بمنطقة الأمازون. إن الزحرجة المتفشية أمر مأساوي على العديد من المستويات – فهي تدمر المواطن (بيئات الحيوانات والنباتات) وأنواع لا حصر لها يتم دفعها إلى حافة الانقراض ، في حين نحن بالفعل في خضم الانقراض الجماعي لحيوانات وحشرات ونباتات هذا الكوكب. إنه يسرع من هجمة تغيّر المناخ في الوقت الذي نواجه فيه بالفعل الآثار الرهيبة لارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض. هذا بالإضافة إلى أنه يمحو أراضي السكان الأصليين الذين عانوا بالفعل وتعرضوا للاضطهاد والقتل على مدى عقود.
من المؤكد أن مدى الدمار الذي لحق بالغابات المطيرة في عهد بولسونارو كان هائلاً لدرجة أننا بالكاد نستطيع أن نبدأ في فهم الخسارة التي لحقت بالإنسانية والعلم ومعرفتنا بالنباتات والحيوانات غير المكتشفة والتي تحمل إجابات لأسئلة لم نحلم بها حتّى. هذه خسارة مخزية للعالم كله وللأجيال .
فشلت حكومة بولسونارو فشلاً ذريعًا في التصرف كوصي مسؤول على منطقة الأمازون وبانتانال (وهي أكبر أرض رطبة استوائية في العالم تقع في الغالب داخل البرازيل والتي تمتلك إلى جانب الأمازون بعضًا من أكثر النظم البيئية تنوعًا بيولوجيًا في العالم) – وبدلاً من ذلك ، ساعدت الحكومة بكل طريقة ممكنة لها لكي تسرع في هذا الدمار الذي لا يمكن تصوره. فقد قالت الدكتورة ميشيل كالاماندين ، عالمة البيئة الاستوائية في غابات الأمازون المطيرة ، أنه “عندما تُفقد إحدى الغابات ، فإنها تختفي إلى الأبد. قد يحدث التعافي ولكن لا يتم التعافي بنسبة 100٪ أبدًا”.
يجب أن نوقف هذه المهزلة. فمن خلال هذا الدمار العشوائي وقصير النظر للغابات المطيرة ، نحرم البشرية من المعرفة التي يمكن أن تغيّر الطب وتحسن حياتنا وتحول العالم، وذلك من الطريقة التي نبني بها مدننا إلى الطرق التي نصنع بها منازلنا.
تلهم الأنواع النباتية والحيوانية التقنيات الجديدة والأشكال الجديدة للهندسة المعمارية وأنواع جديدة من التصميم والأهمية المادية. ومع ذلك ، ربما تمت بالعلوم دراسة أقل من 1 في المائة من أشجار ونباتات الغابات المطيرة – على الرغم من أن ما لا يقل عن 25 في المائة من المستحضرات الصيدلانية الغربية مشتقة من مكونات الغابات المطيرة. ومن خلال السماح باستمرار الزحرجة (إزالة الغابات) على نطاق واسع ، فإننا نلحق أنفسنا والأجيال القادمة بأذى لا يوصف وغير معقول.
دعونا نتذكر أن الأمازون لا تنتمي ببساطة إلى البلدان التي تتواجد فيها – فهي ليست المورد الحصري لتلك الشركات القادرة على استغلالها والاستيلاء على مواردها وتدميرها مع الإفلات من العقاب. الأمازون جزء من إرثنا الجماعي ، إرث يتجاوز الثمن الذي علينا واجب نقله إلى الأجيال القادمة، هذا بغض النظر عن الأرباح التي قد نحققها من الاغتصاب المنهجي.
ودعونا لا نخطئ أو نتصنّع في الكلام: إن غابات الأمازون تتعرض للاغتصاب ساعة بساعة ، شهرًا بعد شهر ، سنة بعد سنة ، والعالم يشاهد في صمت حيث يتكرر هذا الانتهاك يوميًا. إن الوقت ينفد بالنسبة لنا للتصرف بطريقة ذات مغزى لوقف هذا الهلاك الطائش لواحدة من أعظم العجائب الطبيعية في العالم.
ومع انتخاب لولا رئيسًا للبرازيل ، لدينا الآن فرصة تاريخية لدعمه وتشجيعه على البدء فورًا في العمل على خطة لعكس سياسات بولسونارو الكارثية في ثلاثة مجالات رئيسية: البيئة والأمن العام والاكتشافات العلمية.
أولاً ، ينبغي أن يبدأ الرئيس لولا بحظر الزحرجة وقطع الأشجار غير القانوني والاستيلاء على الأراضي. ولتحقيق هذه الغاية ، يجب عليه ألا يكتفي بأي شيء آخر عدا إصدار قانون جديد يتم تكريسه في الدستور البرازيلي يضع حداً للتدمير المنهجي للغابات المطيرة. وينبغي أن يتضمن القانون عقوبات سجن إلزامية بالإضافة إلى غرامات باهظة لمنع مربي الماشية وقطع الأشجار غير القانونيين من ارتكاب مثل هذه الجرائم مرة أخرى دون عقاب.
ثانيًا ، يجب عليه وضع خطة شاملة لحماية حقوق الإنسان لمجتمعات السكان الأصليين من الشبكات الإجرامية التي تستخدم العنف والترهيب والإرهاب لإجبار السكان المحليين على الصمت. ينبغي أن يجعل مثل هذه الخطة محور سياسته الداخلية مع تحسين الأمن وتوفير التمويل اللازم للوكالات البيئية لأداء مهامها بغيرة وحماس.
ثالثًا ، ينبغي على الرئيس لولا دعوة المجتمع العلمي العالمي للقيام بمزيد من دراسة عجائب الأمازون ،وبالشراكة معهم في إطلاق عشرات المشاريع العلمية التي سيستفيد منها العالم بأسره ، مع الحفاظ على مجد الأمازون كأحد الأعمدة المركزية في مكافحة تغيّر المناخ.
وأخيرًا ، ينبغي على الرئيس بايدن ، الذي يتفهم جيدًا الخطر الذي يمثله تغّير المناخ ، تقديم الدعم السياسي والمساعدة المالية للرئيس لولا لمساعدته على عكس بعض الأضرار التي لحقت بمنطقة الأمازون من قبل سلفه.
يجب على الرئيس لولا أن ينظر إلى صعوده إلى السلطة والمسؤولية الملقاة على عاتقه على أنها ليست أقل من مهمة مقدسة ستساعد في إنقاذ الكوكب من الكوارث صنع الإنسان لتغير المناخ التي تلوح في الأفق.