فقر الأطفال في أمريكا أمر لا يمكن الدفاع عنه
مقترحات إدارة ترامب بشأن الميزانية السنوية والجهود الرامية إلى إلغاء واستبدال قانون الرعاية الصحيّة المعروف ب (أوباما كير) وإعادة هيكلة النظام الضريبي، هذه كلها تشير إلى نتيجة حزينة وحتى مأساوية. فالفقراء سوف يصبحون أفقر، وسوف تستمر المدن المتهالكة في الإنهيار وسوف ترتفع معدلات الجريمة؛ ولكن الأسوأ من ذلك كله، سيكون أطفالنا المحرومين أضعف وسيعانون من نقص في الرعاية الطبية وسوء التغذية مع احتمال ضئيل أو معدوم لغد أفضل وأكثر إشراقا.
إن حالة الفقر في الولايات المتحدة، وخاصة بين الأطفال، بغيضة ومخزية، مما يضع أمريكا، أغنى وأقوى بلد في العالم، في ضوء مخجل. والإدارات الأمريكية المتعاقبة مذنبة من حيث الإهمال الفاحش تجاه الأطفال الفقراء وإلحاق أضرار لا تحصى بالملايين الذين ما زالوا يعانون، الأمر الذي تسبب في خسارة هائلة في الموارد البشرية والإنتاجية للبلد.
وتبين الإحصاءات التالية الموجعة للقلوب حجم المشكلة. يعيش واحد من كل 11 طفلا، أي ما يقرب من 6.5 ملايين طفل في جميع أنحاء البلاد، في فقر مدقع (بمعدل 12.129 دولارا في الشهر لأسرة مكونة من أربعة أفراد). ويعيش واحد من بين كل خمسة أطفال في سن الروضة إلى سنّ مرحلة ما قبل المدرسة (4.2 مليون طفل) في ظروف فقر ينذر بشؤم، ويزيد ذلك حدّة ً حقيقة أن هذا العمر هي فترة نمو الدماغ السريع. ويعاني الأطفال السود والاسبانيون بشكل غير متناسب من الفقر – واحد في ثلاثة وواحد من كل أربعة على التوالي – مقابل واحد من كل ثمانية أطفال من نظرائهم البيض. فإذا لم تكن هذا نتيجة لفشل هائل في النظام الإقتصادي الأمريكي وسياساته المتخلفة، فمن الصعب التفكير في ما عسى أن يكون السبب.
لا يوجد أي جزء من البلاد لا يعاني من الفقر الشديد الذي يعاني منه الأطفال أكثر من غيرهم. وفيما يلي بعض العينات: يصل في بوسطن معدل الفقر لدى الأطفال إلى 26.9 في المئة. وفي مقاطعة ماريون، ولاية إنديانا، يعيش 31 في المائة من الأطفال دون الثامنة عشرة في فقر. وفي مقاطعة دونا آنا، ولاية نيومكسيكو، يبلغ معدل الفقر لدى الأطفال 39 في المائة؛ وفي مقاطعة كاميرون، تكساس، يصل معدل الفقر لدى الأطفال إلى 47 في المئة، وهو أمر ٌ مخجل.
وهناك حالة أكثر وضوحا في هذا الصدد تعرض أكثر صورة قتاما ً عن محنة الأطفال الفقراء في هذا البلد الثريّ. فولاية كنتاكي مثال على الآثار الدورية والمهدّدة بشكل ٍ كبيرا مرحلة الطفولة في مجتمعنا بسبب الحرمان الإقتصادي. فمع وجود 25 في المائة من أطفال هذه الولاية في الفقر، من المألوف أن نسمع هذا الآن من مجتمع مستقر اقتصاديا بأنّ هناك منطقة شديدة الفقر والعوز. هؤلاء الأميركيون غير قادرين على الاعتماد على دعم أي مجتمع، حيث غالبا ما يُنسب إليهم بأنهم وصمة عار من قبل أولئك الأكثر تميزا ويجب أن يخفوا القليل ممّا لديهم عن الآخرين الذين هم أيضا ًعلى نفس الدرجة من اليأس والجوع.
ويعاني أطفال هذه الأسر من مشاكل تنموية لا تنجم عن سوء التغذية فحسب، بل أيضا من بيوت محطّمة ونقص في التعليم وغياب أي قاعدة عاطفية مستقرة. والحقيقة الأكثر حزنا ً للوضع هي أن هؤلاء الأطفال ولدوا في نظام قمعي عقليا وعاطفيا وجسديا. وكشف تقرير لصحيفة “كوريه جورنال” التابعة “لليو.إس. آ اليوم” أن هؤلاء الأطفال الذين يعانون من الفقر يمكن أن تتمّ مساعدتهم بالائتمان الضريبي للدخل المكتسب لأسرهم، وهو أحد البرامج الرئيسية التي استُهدفت بتخفيضات في ميزانية ترامب المقترحة.
قال ترامب في خطاب تنصيبه رئيسا ً للولايات المتحدة الأمريكية إن “الرجال والنساء المنسيون في بلدنا لن يبقوا منسيين … الأمهات والأطفال المحاصرين في الفقر في مدننا الداخلية … الطلاب المحرومين من المعرفة … نجاحهم سيكون نجاحنا”. إذا كان هذا هو تعهده، فلماذا يقطع الدعم عن البرامج التي تدعم هذه الأهداف والغايات ؟
لقد أصبحنا الآن، بطبيعة الحال، معتادين على نفاق ترامب وسياساته المزعجة التي وضعت البلد في حالة تخلف، هذا في الوقت الذي يُخضع فيه شريحة مهمّة من جيل آخر من الشباب إلى اليأس والحرمان. فبدلا من إعطاء هذه الملايين من الأطفال المعوزين كل فرصة للازدهار في مجتمع مفتوح والمساهمة في رفاه مجتمعاتهم المحلية، يخنق نموهم ويجعلهم يعتمدون بشكل دائم على المعونة الحكومية وهم يواصلون النضال في اليأس الصامت.
العديد من هؤلاء الأطفال لم ينهي المدرسة الثانوية. وهم يهيمون على وجوههم في الشوارع، عاطلين عن العمل وعلى غير هدى، وينتهي بهم المطاف إلى التحول إلى الجريمة. يُزجّ بعشرات الآلاف في السجون بسبب سرقة بسيطة أو جنح بسيطة اخرى. وعندما يغادرون السجون، يرتكب العديد منهم جرائم أكثر خطورة. وتتبدد إمكانية أن يُصبحوا مواطنين إيجابيين ومنتجين. بالنسبة لهم، الحلم الأميركي هو كابوس حيّ يتفاقم بميزانية ترامب سيئة التصور والتخطيط الذي مررّها بجرأة قبل أسبوع مجلس الشيوخ الذي يهيمن عليه الجمهوريون.
وهنا القسوة الصارخة لاستقطاعات ميزانية ترامب. فعلى مدى السنوات العشر القادمة يجري إستقطاع 190 بليون دولار من برنامج المساعدة التغذوية التكميلية (قسائم الطعام)، و 616 بليون دولار من برنامج المعونة الطبية وبرنامج التأمين الصحي للأطفال. وبالإضافة إلى ذلك، فإن خفض المعونة المؤقتة للأسر المحتاجة (الرعاية الاجتماعية) هو 21.6 بليون دولار. وهناك تخفيض مقترح قدره 40.4 بليون دولار من الاعتمادات الضريبية المكتسبة من الدخل والائتمانات الضريبية للأطفال.
ووجد تحليل مؤسسة بروكينغز لمشروع قانون غراهام-كاسيدي (الذي ينهي فعليا سلطة الالتزام بالموارد مقدما) أن حوالي 21 مليون شخص سيفقدون التغطية الصحية حتى عام 2026. ومن المتوقع أن خطة ترامب لإنهاء الدعم لقانون الرعاية بأسعار معقولة – التي تلقاها ما يقرب من 6 فإن مليون شخص (أكثر من نصف جميع الأشخاص الذين يشترون التأمين من خلال البورصات) في عام 2017 – سيؤدي إلى ارتفاع أقساط التأمين لجميع العملاء، فضلا عن تكاليف لا يمكن أن يتحملها الأمريكيون ذوي الدخل المنخفض.
وتحت ذريعة تصحيح “الخداع” في برامج الرعاية الاجتماعية هذه، فإن خطة ترامب ستقضي على تمويل هام من الأطفال الذين تعتمد حياتهم عليه.
وعلاوة على ذلك، فإن خطته الضريبية ستعود بالفائدة على أغنى الأميركيين، ولا تفيد إلا الطبقة المتوسطة بشكل متواضع، ولا تؤثر تأثيرا مباشرا على الثلث الأدنى من السكان، مما يبقي الفقراء فقراء، بل وتخلق مزيدا من الفقر.
وهذه المفاهيم لا تتناقض فقط مع وعود ترامب برفع المعاناة اليومية عن المسحوقين والبائسين ، ولكنها تؤكد من جديد على عدم مبالاته بمحنة الأطفال المحرومين وموقفه المتحيّز تجاه الأصول الإسبانية والسود بينهم الذين يشكلون الأغلبية. وما يجهله معظم الناس أنه وفقا لتصنيفات منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي لمعدلات الفقر في دخل الأطفال، فإن الولايات المتحدة تقع بشكل مخز ٍ بين المكسيك وليتوانيا.
وإبان ذلك، يصر ترامب على تخصيص 1.5 مليار دولار لبناء جدار مخجل على طول الحدود المكسيكية، متحديا فرضية أن عظمة أمريكا أصبحت ممكنة لأن أجيال من المهاجرين الجدد ساهمت كثيرا في النسيج الإبداعي والأخلاقي لمجتمعنا.
وعلى الرغم من أن الميزانية النهائية ومشروع قانون الرعاية الصحية قد يتم تعديلها إلى حد ما من قبل مجلس النواب، فحقيقة أن ترامب اقترح مثل هذه التخفيضات العميقة يتحدث عن الكثير من تجاهله للجزء الأكثر حرجا ً من السكان. ويعيش الملايين من الأطفال الفقراء في أسر لا تملك الوسائل الكافية لتحسين قدرتها، مما يؤثر تأثيرا كبيرا على نموها وسلوكها. هنا ينبغي أن تستثمر مليارات الدولارات، الأمر الذي يمكن أن يحدث فرقا حقيقيا في حياة أطفالنا الثمينة، بدلا من أن تضيع على مشاريع لا جدوى منها مثل الجدار مع المكسيك.
على ترامب وحزبه الجمهوري – الذي يتخبط في حالة من الفوضى – أن يفهم بأنه لا ينبغي ترك أي طفل أمريكي بدون رعاية لائقة به. وهذا أمر حارب لأجله ممثلو الشعب الأمريكي من الحزبين في عام 2011، وهذا هو المبدأ الإنساني الذي يجب أن ندافع عنه اليوم.