All Writings
سبتمبر 18, 2019

الحرب ليست خيارًا بالنسبة للولايات المتحدة وإيران

كان قرار ترامب بالإنسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA ، أو صفقة إيران) مبنيًا للأسف على عدم فهم أهميته ومساهمته المحتملة في إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط في المستقبل. حتى من دون معرفة الفروق الدقيقة للصفقة ، فإن قرار ترامب بالإنسحاب من الإتفاقية كان بناءً على تعهده بالقيام بذلك أثناء حملته الإنتخابية لمنصب الرئيس وتصميمه على التراجع عن توقيع الرئيس أوباما. علاوة على ذلك ، تمكن رئيس الوزراء نتنياهو ، الذي عارض بشدة الصفقة ، من إقناع ترامب بإلغائها بدعم كامل من الإنجيليين الأمريكيين الذين يحتاج ترامب إلى دعمهم السياسي.

أدركت إدارة أوباما منذ البداية أن صفقة إيران سوف تبطئ بشكل جذري برنامج إيران للتطوير النووي في عدد من المراحل لمدة 10-25 سنة. لم يعتقد أي من الموقعين على الصفقة أن إيران ستتخلى بالضرورة عن طموحها في امتلاك أسلحة نووية. ومع ذلك ، فقد اتفقوا جميعًا على أنه خلال هذه الفترة يجب أن تبذل جميع الأطراف جهودًا متواصلة للبناء على الصفقة لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية وتطبيع علاقاتها الخارجية معها.

ومن خلال السماح لإيران بجني ثمار سياسية واقتصادية من خلال إزالة العقوبات وتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة وحلفائها والتأكد من أن الولايات المتحدة ليس لديها تصميم تجاه تغيير النظام ، فإن إيران ستشعر بالأمان بينما تتمتع باقتصاد مزدهر. هذا من شأنه أن يخفف من تهديداتها الخارجية ويجعل حيازة الأسلحة النووية غير ضروريّا ً، وهو في الواقع غير مرغوب فيه ، لأنه سيعزل إيران مرة أخرى ويخضعها لعقوبات جديدة كاسحة، الأمر الذي من شأنه أن يقوّض بشدة التقدم الذي أحرزته في تلك الفترة.

لقد جعل تطور الأحداث – منذ انسحاب الولايات المتحدة من الصفقة – ترامب ونتنياهو يدركان أن الإنسحاب كان خطأ. لقد تبنّت إيران خطّا ً أكثر تشددًا ورفضت إنهاء أنشطتها الشائنة وتواصل التغلب على العقوبات التي تشلّها تقريباً. وفشل أمل نتنياهو في أن يقوم ترامب بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية ويحدث تغييراً في النظام وتبيّن أن تفاؤله بأن تستسلم إيران في وجه العقوبات كان في غير محله.

وإدراكًا للعواقب الوخيمة المحتملة للحرب مع إيران ، فإن ترامب مصمم على عدم بدء أي عداء ضد طهران. ففي أعقاب إسقاط إيران طائرة تجسس أمريكية بدون طيار في يونيو ، ألغى ترامب أمره بالإنتقام من أهداف إيرانية خوفًا من التصعيد غير الضروري. لقد أقنعت مرونة إيران واستعدادها لمواجهة أي هجوم أمريكي – حتى على حساب المعاناة بخسائر كبيرة ودمار هائل – ترامب – بما يثقل صدر نتنياهو – بأن المفاوضات وحدها هي التي ستحل الصراع مع إيران.

علاوة على ذلك ، وعلى الرغم من استمرار التقارب الأوروبي من الناحية الفنية للصفقة ، فقد حدث انخفاض كبير في التجارة مع إيران بسبب الضغط الأمريكي، هذا على الرغم من رغبة الأوروبيين في الحفاظ على الصفقة واعتبارها أداة لاحتواء الأزمات في المنطقة. وإذا إستمرّ هذا الإتجاه ، لن يكون لدى إيران أي حافز لمواصلة التقيّد إلى حد كبير بأحكام الصفقة وقد تتراجع ، لأنها ترفض الإلتزام بصفقة تزيد من شعورها بالضعف.

ومع ذلك ، وفي ضوء الظروف المتغيرة أصبح من المستحيل الدخول في مفاوضات جديدة ما لم يتم تهيئة جو جديد لا ينظر إليه أو يفسر على أنه استسلام – وهو ما لن تسمح بحدوثه إيران. إن مطلب الرئيس روحاني برفع العقوبات كشرط مسبق لاستئناف المفاوضات هو أمر غير مقبول. بدلاً من ذلك ، يجب أن يكون الدخول في محادثات جديدة غير مشروط. ينبغي أن تستند الصفقة المعدّلة إلى الصفقة الأصلية وأن يتم تنظيمها لاستعادة الثقة في إيران ومنع أي عدوان في المستقبل ضدها من قبل أي قوة من داخل المنطقة أو خارجها.

إن مشاركة طرف ثالث “موثوق به” مهم بشكل خاص لأن الإيرانيين لا يثقون في ترامب – ليس فقط بسبب انسحابه من الصفقة ، ولكن بسبب تراجعه عن المواقف وازدراء الرأي العام تجاه إيران.

إن فرنسا ، التي اضطلعت بدور الوساطة بين الولايات المتحدة وإيران ، هي الأكثر ملاءمة لمواصلة جهودها لتمهيد الطريق لإجراء محادثات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران دون أن تطلب من إيران تقديم أي تنازلات قد تجعلها تظهر كضعف. ستكون فرنسا أيضًا في وضع يسمح لها بالمساعدة في التخفيف من أي حواجز على الطرق قد تنشأ خلال عملية التفاوض مع الشروط الأساسية التالية.

الشرط لمفاوضات جديدة:
1 – على عكس التصريحات التي أدلى بها مستشار الأمن القومي جون بولتون ووزير الخارجية بومبيو والتي تدعو علانية إلى تغيير النظام في إيران ، يجب أن يوضح ترامب أن إدارته لا تسعى لتغيير النظام في طهران. هذه هي القضية الأكثر أهمية بالنسبة للنظام ، وأي شيء آخر ثانوي. وبالفعل، وافقت إيران على الصفقة ليس فقط بسبب العقوبات ولكن لأن الصفقة زودتها بأمان مضمون ، وهو الحفاظ على النظام.

2 – ينبغي أن يكرر ترامب رغبته في الدخول في مفاوضات مباشرة وغير مشروطة لأنه نظرًا للظروف الحالية تظل المحادثات المباشرة هي الخيار الوحيد القابل للتطبيق. فمن خلال إجراء محادثات وجهاً لوجه ، يمكن التخفيف من انعدام الثقة العميق بين الولايات المتحدة وإيران. ومع إدراك أن المفاوضات الجديدة لا يمكن أن تتجاهل الصفقة الأصلية ، يحتاج ترامب إلى أن يصرّح علنا أن نية الولايات المتحدة هي أن يكون لديها اتفاق “محسّن” يعكس مصالح الطرفين.

3 – يجب على الطرفين إيقاف جميع التصريحات العلنية الحادة ضد الطرف الآخر. ولا شك أن إجراء مفاوضات في ظل ظروف من العداء والتهديدات اللفظية المتبادلة لن يؤدي إلا إلى تعزيز شكوك الطرفين بنوايا الطرف الآخر الحقيقية.

4- ونظرًا لأن النزاع الأساسي هو بين الولايات المتحدة وإيران لا ينبغي لأي دولة موقعة على الصفقة – إلى جانب فرنسا كوسيط – أن تشارك في المحادثات الجديدة. لروسيا والصين مصالحهما الخاصة المناهضة لذلك. وبالنظر إلى علاقاتهما المتوترة على نحو متزايد مع الولايات المتحدة ، فقد يعيقان جهود الولايات المتحدة لإبرام صفقة جديدة بدلاً من مساعدتها.

5- يجب على كل من إيران والولايات المتحدة تجنب أي استفزازات أثناء التحضير للمفاوضات وبالتأكيد خلالها. فالإستيلاء على السفن أو إسقاط طائرة أخرى بدون طيار من قبل أي من الجانبين من شأنه أن يعطل المفاوضات بشكل سيئ ، هذا إن لم ينسفها كليّا ً.

معالجة نشاط إيران الشائن:
يتعين على إيران أن تفهم أن التدخل في المنطقة يثير مخاوف أمنية كبيرة حيث تواصل مشاركتها في أنشطة شنيعة. ومن أجل الحد من إدراك التهديد ومنع اتخاذ إجراءات مستقبلية ضدها، يجب أن توافق إيران على معالجة القضايا الرئيسية الأخرى وإن كان ذلك على مسار ٍ منفصل عن المحادثات النووية. وهذا يشمل دعم إيران للجماعات المتطرفة مثل حزب الله وحماس وتمويل الإرهاب والتخريب وتورّطها المباشر في الحرب الأهلية في اليمن لدعم الحوثيين واستخدامها للميليشيات الشيعية لخوض حروبها بالوكالة في سوريا وتهديداتها المتكررة ضد إسرائيل .

وبصرف النظر عن ذلك ، يجب أن توافق إيران على الحد من تطوير صواريخها الباليستية التي تشكل مصدر قلق كبير لدول المنطقة وتعارض العديد من قرارات الأمم المتحدة. بالإضافة إلى ذلك ، ينبغي أن يُطلب من إيران تقديم كشف كامل لتاريخها النووي و تقديم جميع المعلومات المتعلقة بمنشآتها ومعداتها النووية كما كشفت عنها المحفوظات التي استولت عليها إسرائيل، هذا إلى جانب التكنولوجيا والمواد التي أخفتها عن المراقبين الدوليين.

وبالنظر إلى الموقف النفسي الإيراني وكيف ينظر النظام إلى نفسه، سيكون من السذاجة افتراض أن تطبيق أقصى قدر من الضغط من خلال العقوبات سيجلب إيران إلى طاولة المفاوضات. إيران دولة فخورة ؛ إنها تسعى إلى إحترام الشعوب بها ولن ترضخ للتهديدات، هذا بغض النظر عن المعاناة التي قد تتعرض لها.

وبالتالي ، وبما أن كل من الولايات المتحدة وإيران ترغبان في تجنب الحرب، فإن الخيار الوحيد المتبقي القابل للتطبيق يعتمد على المفاوضات. المطلوب هو تهيئة الظروف المواتية لمحادثات جديدة للتوصل إلى اتفاق جديد من شأنه أن يسمح لإيران بإنقاذ ماء وجهها ويجعل ترامب يدعي بأنه حقق صفقة أفضل بكثير من أوباما.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE