استقلال الأكراد العراقيين طال إنتظاره منذ عقود
من المرجح أن يمر إستفتاء الأكراد العراقيين للإستقلال – المقرر اجراؤه فى 25 سبتمبر (الشهر الحالي) – من قبل الغالبية الساحقة من السكان الأكراد. ولكن للأسف ليس هناك بلد واحد (باستثناء إسرائيل) عبّر عن تأييده للقرار التاريخي الوشيك للأكراد في تحقيق أخيراً حلمهم الذي كان قائما منذ عقود من أجل إقامة دولة خاصة بهم. وعلى الرغم من أنّ مرور الإستفتاء لن يؤدي تلقائيا إلى الدولة، فإنه يمثّل خطوة حاسمة إلى الأمام تفتح الباب لمفاوضات مع الحكومة التي تقودها الشيعة في بغداد للتوصل الى اتفاق.
وبصرف النظر عن مدى صعوبة المفاوضات، وبالرّغم من معارضة الإستفتاء حتّى من قبل حلفاء الأكراد، وبالأخصّ الولايات المتحدة (بحجّة أنّه جاء في وقت غير مناسب) يجب أن يبقى الأكراد عازمين على السير قدما ً حسب الخطة، وهو أمر ٌ طال إنتظاره منذ عقود.
ولوضع الأمور في نصابها، يجدر بنا أن نلقي لمحة موجزة عن تاريخ محنة الأكراد. الأكراد هم مجموعة عرقية من الشرق الأوسط وهم في الغالب مسلمون سنيون يتحدثون لغة مميّزة ويتقاسمون هويّة ثقافيّة واحدة رغم كونهم مشتّتين بين أربع دول. وكان الأكراد لقرون أكبر مجموعة عرقية بدون دولة (حاليّا ً 30 مليون) في منطقة الشرق الأوسط يعيشون تحت حكم إمبراطوريات مختلفة وحكام مستبدين حيث كانوا يواجهون التمييز والإضطهاد في حين حُرموا من حقهم في التمتّع بثقافتهم الفريدة.
وعندما كان الأكراد يحاولون إقامة وطن لهم، لم تدم مساعيهم طويلا ً، فمملكة كردستان المستقلّة التي برزت في أعقاب الحرب العالميّة الأولى دامت أقلّ من سنتين (1922 – 1924) قبل أن تتجزّأ ما بين العراق وإيران وتركيا وسوريا. وفي عام 1946 أعلن الأكراد الإيرانيون بدعم ٍ من الإتحاد السوفيتي جمهورية أطلقوا عليها إسم “مهباد”، ولكن سرعان ما انهارت هذه في نفس العام عندما إستعادت القوات الإيرانية الإقليم.
ومما لا يثير الدهشة أن الدول الأربعة التي تعارض إستقلال الأكراد هي أسوأ المعتدين على حقوق الإنسان الكردي. لقد اضطهدت بشكل منهجي وبلا رحمة أقلياتها الكردية، الأمر الذي ترك لدى الأكراد علامة لا تُمحى من الإستياء والإزدراء تجاه بلدان إقامتهم.
تضم تركيا أكبر جالية كرديّة (15 مليون نسمة، أي ما يقرب من 18 في المئة من السكان الأتراك). انهم يقاتلون للحفاظ على هويتهم العرقيّة وطريقة حياتهم التي تتناسب مع إرثهم الحضاري الغنيّ والعريق. ومن الصعب تعداد الإساءات ضدّ الأكراد في ظل الحكم الوحشي لرئيس تركيا رجب طيب أردوغان. لقد وثّق تقرير للأمم المتحدة انتهاكات حقوق الإنسان بما في ذلك عمليات القتل والإختفاء والتعذيب وتدمير المنازل ومنع الوصول إلى الرعاية الطبية مع ترك المنطقة التي يسكنها الأكراد في حالة خراب. لقد زُجّ بعشرات الصحافيين الأكراد في السجون وتمّ اعتقال إثني عشر من البرلمانيين الأكراد، هذا في حين تُستخدم أساليب العقاب الجماعي ضد المدن والقرى الكردية.
ويذكر أن ثمانية ملايين كردي في ايران (حوالي 10٪) يتمتّعون بشكل رسميّ بتمثيل سياسي ولكنهم عانوا من الناحية التاريخيّة من عدم مساواة إجتماعيّة – سياسيّة عميقة، الأمر الذي حفّز الجناح العسكري للحزب الديموقراطي الكردستاني في ايران للتوجّه الى العنف. وفي السنوات الأخيرة تم تصعيد الصراع بين الجانبين، مما اضطر العديد من المدنيين الأكراد إلى الفرار.
وفي سوريا كان المليونا كردي (حوالي 9٪) غير نشطين سياسيا في ظل أنظمة الأسد. وفي السنوات الخمس الماضية إستفادوا من الحرب الأهليّة وأقاموا منطقة شبه مستقلّة ذاتيّا ً تعارضها تركيا بشدّة خاشية أن يدفع ذلك جاليتها الكرديّة للسعي وراء حكم ذاتي على نمط أكراد العراق.
ليس لأي من هذه البلدان الحق القانوني أو الأخلاقي في معارضة الإستفتاء. وفي هذه المرحلة يجب على الأكراد العراقيين أن يقاتلوا بكل ما في وسعهم للحفاظ على حقهم الأصيل في أن يكونوا أحرارا ومستقلين، لأن وقت إخضاعهم المستمر يجب أن ينتهي.
وهناك سبعة ملايين كردي عراقي (حوالي 15٪ من سكان العراق) كانوا هدفا ً للإضطهاد من اليوم الأول من إقامة دولة العراق في عام 1922. كان الأكراد ضحايا بلا رحمة في ظل نظام صدام حسين الذي قتل ما لا يقل عن 50.000 كردي خلال فترة الثمانينات من القرن الماضي وأكثر من 5.000 رجل وامرأة وطفل قد قتلوا بالغاز في عام 1988. ومنذ عام 1991 عززوا قواعد الحكم الذاتي في ظل الحماية الأمريكية التي منحت الأكراد المجال لبناء منطقة حكم ذاتي تتمتع الآن بجميع علامات دولة مستقلة ناشئة.
إن سنوات الإستعباد وسوء المعاملة والتمييز والقمع الوحشي جعلت الجالية الكردية العراقية مصمّمة على عدم إخضاع نفسها ثانية لنزوات أية حكومة عراقيّة، فالقومية الكردية هي المحرك الحقيقي وراء توجهها نحو إقامة الدولة، ولن يساوم الأكراد العراقيّون على ذلك أبدا ً بصرف النظر عن المعارضة الشبه عالميّة لاستقلالهم السياسي.
كل حزب سياسي كردي، بما في ذلك الإتحاد الوطني الكردستاني المنافس التقليدي للرئيس البارزاني والعديد من الجهات الأخرى المنتسبة للأحزاب الرئيسية تتمسّك بقوة بهدف وطن ٍ مستقلّ.
ورفض الرئيس بارزاني تحذيرا من الولايات المتحدة مفاده أن السعي وراء الإستقلال في هذه المرحلة الزميّة سيؤدي إلى المزيد من زعزعة إستقرار المنطقة وسيقسّم العراق بطريقة لا يمكن إصلاحها، وردّ قائلا ً. ” هل سبق وكان لنا يوما ً إستقرار وأمن في هذه المنطقة بحيث ينبغي علينا أن نخشى من فقدانها ؟ ومتى كان العراق متحدا ً بحيث يتسنّى علينا أن نقلق بشأن كسر وحدته ؟ أولئك الذين يقولون ذلك، إنما يبحثون فقط عن أعذار لإيقافنا “.
والسخرية هي أنه في حين أن الحكومات العراقية والإيرانية والتركية تريد أن تكون مجتمعاتها الكردية مواطنين مواليين للدولة، فإنهم لم يفهموا أبدا أنّ ولاء الأكراد لبلدانهم يعتمد على الطريقة التي يُعاملون بها وعلى الحريّات التي تُمنح لهم واللطف والكياسة التي يُقابلون بها. إن طلب الولاء غير المشروط من الأكراد في حين سلبهم حقوقهم الإنسانية الأساسية هو قمة النفاق والكذب.
أضف إلى ذلك، فإن الجنون المستعرّ في الشرق الأوسط يزيد من تصميم الأكراد على السعي والقتال والموت من أجل إقامة حكم ذاتي، إن لم يكن الإستقلال كما هو الحال في العراق.
ستنصاع الحكومة العراقية في نهاية المطاف للتفاوض مع الأكراد بهدف إقامة دولة مستقلّة لهم ولكن بشرط عدم إدراج مدينة كركوك. كركوك قضية مثيرة للجدل بسبب خزانها النفطي الضخم ولأن نصف سكانها تقريبا من العرب والتركمان. وعلى الرغم من أن برزاني يصر على أن كركوك يجب أن تدرج في الإستفتاء، غير أنه يجب عليه أن يلتزم بالنتائج والعمل مع الحكومة العراقية للتفاوض على حل مقبول للطرفين.
يجب على الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أن يبرهنا بأن حقوق الإنسان والحرية والديمقراطية هي الحقوق المتأصلة لكل مجموعة عرقية بصرف النظر عن مكان إقامتها، وبالأخصّ عندما تتعرّض لسوء معاملة جسيمة ويتم بشكل ٍ منهجي إنتهاك حقوقها المدنية الأساسية وحقوقها الإنسانية. وعدا ذلك، فالتبشير بحقوق الإنسان وإنكار تلك الحقوق على الناس الذين كانوا خاضعين للإضطهاد والتهميش هو نفاق وخداع وشرّ بحد ذاته.
ونفاق الولايات المتحدة مروّع ومثبّط للعزيمة بشكل ٍ خاصّ لأنّ الأكراد قاتلوا وما يزالوا بصدق وأمانة جنبا ً إلى جنب مع الولايات المتحدة وحلفائها ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). ورفض مطلبهم لتقرير المصير بعد سنوات من المعاناة الوحشية من قبل الأنظمة العراقية المتعاقبة، وخاصة في ظل حكم صدام حسين، أمر غير معقول ومخز ٍ.
يجب على الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي أن يكونا في طليعة دعم الأكراد العراقيين لتحقيق الإستقلال ووضع حد للظلم التاريخي الذي ابتلي به كافة الشعب الكردي وقوامه 30 مليون.