محور إسرائيلي – إيراني ؟ في الخيــال!
نظرا ً للثورات والإضطرابات التي تجتاح الشرق الأوسط، هناك من يعتقد بأن لدى أقوى دولتين غير عربيتين (عدا تركيا) وهما إسرائيل وإيران مصالح مشتركة في تشكيل تحالف إستراتيجي بينهما قد يقوّي بشكل ٍ جذريّ موقفهما ويساهم في الإستقرار الإقليمي. ويدفع هؤلاء بأن مثل هذا التحالف قد يخلق ميزانا ً جديدا ً للقوى ويضع الأساس لتطوّر جيوسياسي جديد قد يكون ذات فائدة مشتركة للطرفين. وهم يعلّلون قولهم هذا استنادا ً لعدد ٍ من الفرضيّات من بينها العلاقة التعاونيّة الحميمة طويلة الأمد التي كانت سائدة بين البلدين والتي استمرّت لغاية ثورة الخميني عام 1979. أضف إلى ذلك، كما يقولون، ليس هناك تضارب أو صراع حول المصالح لأنّ طموحات إيران في أن تصبح القوّة المهيمنة في المنطقة لا تؤثّر على إسرائيل، لا بل بإمكان البلدين الإستفادة بشكل ٍ كبير من وفرة موارد بعضهما البعض البشريّة والطبيعيّة. ويجادل هؤلاء بقولهم أيضا ً بأنّ العداوة ما بين إيران وإسرائيل عابرة وظرفيّة، مشيرين إلى أنّ إسرائيل قد زوّدت إيران بالأسلحة والذخائر خلال الحرب الإيرانية – العراقيّة التي استمرّت ثمانية أعوام من 1980 لغاية 1988. وبتغيير الرياح السياسيّة في الشرق الأوسط قد يستعيد البلدان – على حدّ زعمهم – تعاونهما السابق.
ويستطرد مؤيدو هذه الفكرة قائلين بأنه نظرا ً لأنّ الدول العربيّة السنيّة المذهب لن تتّفق أبدا ً يوما ً ما مع إيران الشيعيّة وترفض إسرائيل من حيث المبدأ كجزء لا يتجزّأ من المنطقة ذات السيادة والأغلبيّة العربيّة، فإن إسرائيل وإيران قد تنجذبان لبعضهما البعض وتسعيان لخلق تحالف وثيق بينهما لمواجهة الموقف العربي المضادّ. وأخيرا ً، يشير هؤلاء إلى الرواية الشعبيّة المتغيّرة للرئيس روحاني الذي يحاول أن يبدو أكثر وديّا ً لا لإسرائيل، بل لخبرات وتجارب اليهود التاريخيّة. وروحاني هذا، كما يرونه هؤلاء، يعطي الإشارة إلى أنّ الباب مفتوح لحوار ٍ ما بين إيران واليهود لأنّ بلاد فارس (إيران سابقا ً) كانت من الناحية التاريخيّة مساندا ً وفيّا ً لليهود ولطموحاتهم في إعادة بناء وطنهم.
قد يكون لهذه الحجج صدى ً فقط على الورق لمن يبدو أنّهم يفتقرون لحسّ فعلي للتغييرات الشاملة التي حدثت في الشرق الأوسط خلال الأربعة عقود الماضية ولتأثيراتها على الصراعات العربيّة – الإسرائيليّة بشكل ٍ عام والإسرائيليّة – الفلسطينيّة بشكل ٍ خاصّ.
قبول الدول العربيّة لإسرائيل:
بعد حوالي سبعة عقود من الصّراع ما بين إسرائيل والدول العربيّة يبدو أنّ هذه الأخيرة قد سلّمت بقبول إسرائيل كدولة مستقلّة في وسطها، ولو أنها تشترط بأن تطبيع العلاقات مع إسرائيل مرتبط بعدد ٍ من التنازلات التي يجب على إسرائيل القيام بها، وبالأخصّ فيما يتعلّق بالفلسطينيين.
وبالّرغم من الشكوك القائمة بين الإسرائيليين، فإنّ مبادرة السلام العربيّة التي طرحت لأوّل مرّة من قبل جامعة الدول العربيّة في عام 2002 قد قدّمت بشكل ٍ واضح وحيّ موقف العرب الجديد تجاه إسرائيل. لم تكن مبادرة السّلام العربيّة يوما ً خدعة ً كما يدّعي بعض الإسرائيليين، بل تبقى مقترحا ً صالحا ً دوما ً للسّلام. لقد تمّ تعديلها مؤخّرا ً لكي تعكس رغبة إسرائيل في تبادل الأراضي بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وهذه تضع في الواقع الأساس للمفاوضات الإسرائيليّة – الفلسطينيّة الجارية حاليّا ً.
التغييرات الإقليميّة الكاسحة:
تمثّل مبادرة السّلام العربيّة تغييرا ً جذريّا ً. وبالرّغم من أنّ إسرائيل لم تتفاعل مع المبادرة بشكل ٍ إيجابي، غير أنّ شروط المبادرة تبقى اليوم صالحة كما طرحت لأول مرّة. والتوتّر الحالي المتزايد بين الدّول العربيّة السنيّة بقيادة المملكة العربيّة السعوديّة من جهة وإيران من جهة أخرى في صحوة حرب العراق والحرب الأهليّة في سوريا والعداوة الشديدة ما بين إسرائيل والنظام الإيراني من شأنها أن تقرّب الدول العربيّة وإسرائيل لبعضهما البعض أكثر من أيّ وقت ٍ مضى.
بالتأكيد يلعب المثل القائل:” عدوّ عدوّي صديقي” دورا ً في هذا السيّاق، ولكن يدرك كلا الطرفين الآن المنافع الكبيرة المتبادلة التي بإمكانهما استخلاصها من العلاقات الطبيعيّة. هذا ولم يعد في الخفاء أنّ العديد من الدّول العربيّة تقيم في الوقت الحاضر علاقات تجاريّة سريّة مع إسرائيل وتتعاون معها في الشئون الإستخباراتيّة لمكافحة الإرهاب. قد يكون هناك بعض المكاسب لإيران في تحريض إسرائيل ضدّ الدول العربيّة، ولكن ليس هناك مكاسب لإسرائيل لتتحالف مع إيران. إسرائيل تدرك الآن أيضا ً بأنّ الوقت قد تغيّر وتغيّرت معه مصالح إسرائيل القوميّة. فإسرائيل محاطة بالدول العربيّة التي على إسرائيل أن تتعايش معها سلميّا ً وتتعاون معها إن هي أرادت أن تضمن أمنها وتنميتها الإقتصاديّة على المدى البعيد.
عداوة عميقة الجذور:
لقد جعلت جمهوريّة إيران الإسلاميّة – التي تحكمها زمرة دينيّة – من إسرائيل عدوّها اللدود وحبكت عداوتها في معتقداتها الدينيّة ومبادئها الثقافيّة، ولذا لن يكون هناك بالتأكيد تقارب ما بين إسرائيل والنظام الإيراني الحالي. ولكن حتّى لو طرأ تغيير في النظام الإيراني، فإن هذا التغيير لن يضمن بدوره تغييرا ً تلقائيّا ً في العلاقات الثنائيّة ما بين الدولتين.
لن تستطيع أية حكومة جديدة في طهران من التنصّل فورا ً من السياسة السابقة لرجال الدين تجاه إسرائيل بسبب العامل الديني، كما وأنّ إسرائيل لن تضع جانبا ً بكلّ بساطة وبشكل ٍ فوريّ خبرتها المرّة مع إيران خلال ال 35 عاما َ الماضية. لقد ضرب الشعور المتبادل بالكراهيّة والعداوة جذوره في جيل ٍ جديد على كلا الجانبين.
وقيام إسرائيل بتزويد إيران بالأسلحة خلال الحرب العراقيّة – الإيرانيّة كان بأمر ٍ من الولايات المتحدة وجزءا ً من استراتيجيّة محسوبة ومدروسة من قبل إدارة الرئيس رونالد ريغان لتزويد كلا الطرفين المتحاربين بالأسلحة. وقال في هذا السياق نائب مدير العمليّات في وكالة الإستخبارات الأمريكيّة (السي.آي.ايه):”لم نكن نريد أن تكون الغلبة لطرف ٍ دون الآخر، بل أردنا أن يقضي الطرفان على بعضهما البعض”.
الشكوك المستقبليّة:
لا تستطيع إسرائيل على ضوء ما تقدّم أن تقايض ببساطة السّلام المأمول مع الدول العربيّة (وفيما بعد مع العالم الإسلامي السنّي بأكمله) بعلاقات ٍ مستقبليّة مشكوك بأمرها وغير أكيدة مع إيران. إيران مدفوعة بالدرجة الأولى برغبتها في أن تصبح القوة المهيمنة في المنطقة وستحاول التوصّل لذلك بخلق تحالف مضادّ للسنّة العربيّة. وإسرائيل لا تستطيع أن تكون جزءا ً من تحالف أو تجمّع معادي للعرب لأنّ مصالحها القوميّة لا تتماشى مع طموحات إيران وبرامجها النوويّة.
انعدام الثقة:
أضف لما تقدّم بأن إسرائيل لا تثق ببساطة بالقيادة الإيرانيّة بصرف النظر عن تغيير سلوكها ولهجتها الشعبيّة. من وجهة النظر الإسرائيليّة لا يختلف روحاني عن سلفه أحمدي نجاد فكلاهما وجهان لعملة ٍ واحدة ولأنّ روحاني من حيث المبدأ ذئب في ثوب حمل، وإسرائيل لن تغترّ من الهجمة الكارسميّة التي يشنّها حاليّا ً روحاني في الوقت الذي يدين فيه الزّعيم الروحي آية الله خامئني إسرائيل ويصفها ب “الكلب المسعور”.
لا تستطيع إسرائيل تجميد علاقاتها مع الدّول العربيّة:
من المحتمل أن تستمرّ حرب الوكالة السنيّة – الشيعيّة المتمثّلة بالحرب الأهليّة في سوريا لسنوات طويلة، إن لم يكن عقودا ً من الزّمن. إنها حرب تحديد هويّة لأنّ المخاطر والرهانات عليها عالية جدّا ً وتحمل عواقب وخيمة لكلا الجانبين. إسرائيل ستجد نفسها عند الضرورة على جانب المعسكر السنّي – العربي وبالأخصّ لأنّ هذه قد تكون أفضل فرصة مناسبة لإسرائيل للقيام بكلّ ما بوسعها لتسوية صراعها مع الدول العربيّة. ونتيجة لهذا الموقف ستنتعش بشكل ٍ طبيعي العلاقات العربيّة – الإسرائيليّة نحو تسوية متبادلة تترك إيران خارج المعادلة.
لن تقبل إسرائيل بإيران نوويّة:
وأخيرا ً، فإن سعي إيران وراء الأسلحة النوويّة يشكل بالنسبة للدول العربيّة أكبر تحدّ ٍ خطر وهي تنظر إلى إسرائيل على أنها القوّة العسكريّة الإقليميّة الوحيدة التي تشاركها مخاوفها والتي بإمكانها منع إيران من تحقيق هدفها. هذا ومن المحتمل أن يسارع هذا القلق المشترك ما بين إسرائيل والدول العربيّة في التقدّم بعمليّة السّلام. وفي حال التوصّل لسلام، مهما طالت المدّة اللازمة لذلك، لن يكون لإسرائيل أي سبب لتغيير تحالفاتها، بصرف النظر عن المصير النهائي لبرنامج إيران النووي.
والسؤال المطروح هو: هل سيكون هناك أي ظرف تقوم إسرائيل وإيران تحت ظلّه بتطبيع علاقاتهما ؟ الجواب: نعم، ولكن قبل أن يحدث ذلك، يجب أن يكون هناك تغيير جذري في نظام الحكم في إيران وحلّ سلمي لبرنامج إيران النووي بطريقة ترضي إسرائيل وتلزم أية حكومة لاحقة في طهران به. وحتّى لو حدث كلّ ذلك، فإن مصالح إسرائيل الكبرى هي مع الدول العربيّة. وما دام الصّراع المسلّح بين السنّة بقيادة المملكة العربيّة السعوديّة والشيعة بقيادة إيران مستمرّا َ، فإن بروز محور إسرائيلي – إيراني يبقى وهما ً في أحسن الأحوال. هذا وتجدر الملاحظة أيضا ً بأنّ الأجواء الجيوسياسيّة الإقليميّة قد تغيّرت، وإيران نفسها هي المتهمة وراء بعض هذه التغييرات التي من الصّعب ردّها. ولذا على إيران الآن أن تتكيّف مع هذا الوضع الجديد، الأمر الذي قد يفسّر سبب سعي إيران وراء امتلاك الأسلحة النوويّة وفي نفس الوقت سبب زيادة نفور إسرائيل من مساعي إيران بهذا الخصوص بدلا ً من تقريب البلدين من بعضهما البعض لتشكيل محور ٍ غير مقدّس.