رسالة لنتنياهو: كفـــــــــــى !!
لقد جدّد قتل حارس أمن لكنيس في العاصمة الدانماركيّة كوبنهاجن قبل أكثر من أسبوعين دعوة نتنياهو لهجرة جماعيّة لليهود الأوروبيين إلى إسرائيل. وبالرغم من أنّه قام بمثل هذه النداءات المتهوّرة من قبل، غير أنّه يدّعي هذه المرّة بأنّه – كونه رئيس وزراء إسرائيل – يمثّل يهود العالم ويستطيع أن يتكلّم نيابة عنهم.
هذا الإدعاء الخادع إهانة للحكومات الأوروبيّة ولحوالي المليون ونصف يهودي الذين يعملون ويعيشون حياة مزدهرة في أوروبا. وتكمن السخرية في أنّ نتنياهو لا يمثّل يهود العالم ولا حتّى أغلبية اليهود الإسرائيليين عدا الجزء الذي صوّت لحزب الليكود في الإنتخابات الماضية.
وبالرغم من ذلك، فإنه ينتهز الفرصة لاغتصاب النقاش السياسي في إسرائيل الذي يقود الإنتخابات، هذا بصرف النظر عن الضرر الذي قد يلحقه بالناس الذين يريد حمايتهم على حدّ زعمه، فقط لأنه يعتقد بان هذا يخدم مصالحه.
وبالرّغم من أنّ إسرائيل تمثّل ملجأ ً يرحّب فيه بأي يهودي، فلم يعيّن حتى يهودي واحد غير إسرائيلي خارج إسرائيل نتنياهو ليكون المتكلّم باسمه أو حاميه. لا ينكر أي مراقب صادق بأن الإرتفاع المفاجىء لهجمات العنف ضدّ اليهود مرتبطة بتصاعد العداء للساميّة الذي لم يحدث من فراغ. إنّه نتيجة مباشرة لشعور الإستياء المتنامي ضد الإسرائيليين نتيجة سياسات نتنياهو المضلّلة تجاه الفلسطينيين واستمرار الإحتلال.
ودعوة نتنياهو اليهود الأوروبيين للهجرة إلى إسرائيل للعيش “بأمان” وكي لا يكونوا عرضة ً للإرهاب قد قوبلت بالسّخط من العديد من زعماء اليهود، بما فيهم حاخام الدانمارك الأكبر الذي قال:”إذا كانت الطريقة التي نتعامل بها مع الإرهاب هي الهروب لمكان ٍ آخر، إذن ينبغي علينا الهروب جميعا ً إلى جزيرة مهجورة”.
هذا وشعر أيضا ً زعماء أوروبيّون غربيّون بإهانة كبيرة، فقد صرّح رئيس وزراء الدانمارك هيلي ثورننغ – شميدت بأن:”اليهود ينتمون للدانمارك. وهم جزء من المجتمع الدانماركي ولن نكون بنفس الوضع الذي نحن فيه بدون الجالية اليهوديّة في الدانمارك”، وهو قول شبيه بما قاله رئيس الوزراء الفرنسي بعد هجومات إرهابيّة في شهر يناير الماضي في باريس على متجر يهودي.
وبصرف النظر عن انجذاب أو ميل يهود الشتات لإسرائيل، فهم مواطنون موالون لدولهم المعنيّة، وانخداع نتنياهو بأن جلب اليهود إلى إسرائيل سيضمن أمنهم لا يفوقه سوى عجرفته الجبانة.
إنّ دعوة نتنياهو للهجرة الجماعية تُنفر يهود الشتات وقد تضعهم حتّى في خطر ٍ أكبر. فما قتل من الإسرائيليين في إسرائيل من جراء العنف مع الفلسطينيين خلال الخمسة والعشرين عاما ً الماضية يفوق ثمانين ضعف ما قتل من اليهود في أوروبا من الإرهابيين خلال نفس الفترة.
لا شكّ بأن دعوة نتنياهو لليهود بالهجرة إلى إسر ائيل مدفوعة أيضا ً برغبته القويّة لزيادة السكان اليهود في إسرائيل والإبقاء على الهويّة القوميّة اليهوديّة للدولة. وهذا يفسّر أيضا ً مطالبته بأنه كشرط أساسي للتوصل لاتفاقية سلام، يجب على الفلسطينيين الإعتراف بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي.
وهنا يتجلّى نفاق نتنياهو على أشدّه. بالفعل، إذا كان يريد حماية اليهود من الأعمال الإرهابيّة وتشجيعهم على الهجرة للحفاظ على أغلبية يهودية في إسرائيل، عليه أن يركّز أوّلا ً وقبل كلّ شيء على معالجة الأسباب الكامنة وراء ارتفاع هجمات العنف، وذلك بمحاولة حيويّة صادقة لحلّ الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وأنا أؤكد أنّه في حالة التوصّل لاتفاقيّة سلام مع الفلسطينيين سيهاجر العديد من اليهود لإسرائيل بدون حثهم على ذلك. سيكون هؤلاء راغبين في بناء حياة جديدة في إسرائيل، ليس لأنهم بالضرورة يشعرون بأنهم أكثر أمنا ً، بل لأنّ السّلام قد يشعل من جديد الروح الرياديّة التي كانت وراء الهجرة الجماعيّة لإسرائيل في السنوات الماضية، هذا بصرف النظر عن عدم اليقين واحتمال حدوث العنف.
أجل، من المؤسف أن نرى بأن إسرائيل لم تعد تثير هذه الروح، وبالأخصّ لدى الشباب الأوروبي والأمريكي بسبب الصراع المستمرّ الذي أخمد تلك الروح، تاركا ً فراغا ً لا يمكن ملؤه بالشعارات السياسيّة الفارغة.
على نتنياهو أن يصحو على الواقع الكئيب وهو أنّ مليون إسرائيلي تقريبا ً قد هاجروا من إسرائيل خلال ال 25 عاما ً الماضية. وقد غادر العديد منهم ليس فقط لأنهم ضجروا من الصراع العنيف الذي يبدو لا نهاية له، بل لأنهم يشعرون أيضا ً بالخيانة من قبل قادة سياسيين أنانيين منغمسين في الملذات.
فبصرف النظر عن حالات شاذة قليلة، إسرائيل تعاني من قادة لم يعودوا أوفياء للرؤية التي أوجدت إسرائيل. ونتيجة لذلك، فقد فقد العديد من الإسرائيليين الأمل بأن الجوّ السياسي سيتغيّر في وقت ٍ قريب ما لم يبرز قادة جدد يكونوا ملتزمين بإنهاء الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني.
لا غرابة أن نجد بأن العديد من الإسرائيليين الذين هاجروا لا يرون سببا ً يدفعهم للعودة إلى إسرائيل لكي يروا فقط أطفالهم وقد جُندوا في جيش ٍ قد أصبح أداة قمع بدلا ً من أن يكون الحارس الفخور لبلد ٍ حرّ ومستقلّ ومزدهر يعيش بسلام ٍ مع نفسه ومع الشعب الذي يشاركه الحياة على الأرض.
هذا بالطبع لا يزعج نتنياهو. بالنسبة له، هذه حملة سياسية إمّا أن يؤججها أو يموت بها. وهو سيؤجّجها وسيقول أيّ شيء ليبقى في بؤرة الإهتمام الشعبي حتّى عن طريق استغلال القضايا الحسّاسة مثل معاداة الساميّة، التطرّف العنيف ضدّ اليهود وتهديد إيران النووي. لقد تجاوز حتّى الخط الأحمر بقبوله الدعوة لإلقاء خطاب أمام جلسة مشتركة للكونغرس الأمريكي، الأمر الذي أثار سخط وحيرة العديد من رجال الكونغرس وقادة يهود داخل وخارج إسرائيل، إضافة إلى أغلبية الشعب الأمريكي. هذا في حين أنّه يبرهن على عدم احترام بالكامل للرئيس أوباما، وما هو أهمّ من ذلك حتّى للمكتب التنفيذي التابع للرئيس.
نتنياهو مصمّم على عرض نفسه بصورة زعيم شجاع وبطل القضايا اليهوديّة، في حين أنّ ليس لديه في الواقع شجاعة بل جسارة غرّة وجاهلة تليق بسياسي قد يبيع نفسه لأعلى ُمزايد. ونتيجة لذلك، فقد جرّ العلاقات الإسرائيليّة التي لا غنى ً عنها مع الولايات المتحدة إلى حالة الأزمة، هذا علاوة على أنه أغضب القادة الأوروبيين وأربك اليهود في كلّ مكان وزاد من عزلة إسرائيل.
ولذا يجدر بجمهور الناخبين الإسرائيليين الذين سيدلون بأصواتهم عن قريب أن يتذكروا بأن عليهم الآن البحث عن أفق ٍ جديد وإرسال رسالة واضحة بنبرة ٍ عالية لنتياهو تقول: كفــى !