All Writings
يوليو 14, 2016

التحرّك ما وراء الرباعيّة الدوليـــــة

انّ التقرير الذي تمّ مؤخراً التصريح بنشره من قبل رباعية الشرق الاوسط – المكوّنة من الولايات المتحدة, روسيا, الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة – هو خطوة مرحب بها, حيث أن التقرير يؤكد على أهمية التوصل لاتفاقية سلام ما بين اسرائيل والفلسطينيين على أساس حلّ الدولتين. ولربما ما هو أكثر أهمية هو اختتام التقرير بملاحظة بارزة مفادها أنه ما لم يتمّ التوصل لتقدم هامّ وملموس نحو السلام, فان الوضع الراهن سيؤدي حتما لمزيد ٍ من التدهور في العلاقات الاسرائيلية – الفلسطينية ولعنف ٍ شديد ومتجدد على نطاق ٍ واسع ما بين الجانبين.

وهناك حسب التقرير ثلاثة عناصر تفاقم حاليا ً الوضع الهشّ الحالي: أولهما العنف المستمرّ (ولو أنه بصورة متقطعة), وثانيهما التوسّع المستمرّ وشرعنة المستوطنات, وثالثهما تراكم الآسلحة غير المشروع, وبالاخصّ من طرف حركة حماس.

ولعكس هذه الاتجاهات, توصي الرباعية بضرورة عدم قيام أيّ من الطرفين باجراءات أحادية الجانب – مثلا ً ضمّ المزيد من الاراضي من قبل اسرائيل, أو محاولات جديدة من قبل الفلسطينيين لتدويل حلّ الصراع – وأن يقوم كلا الطرفين باظهار التزام صادق للتوصل لحلّ الدولتين.

وتدعو الرباعية أيضا ً لانهاء التحريض ووقف التوسع في المستوطنات والامتناع عن “الاجراءات الاستفزازية” وتعزيز “مناخ التسامح”. وبالرغم من أنّ هذه جميعها ضرورية, فان التقرير لا يقدّم أية رؤى جديدة ولا يضع اطار قد يؤدي الى حلّ دائم للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني.

وبالرغم من ذلك, فان تقرير الرباعية الدولية مهمّ في اعادة الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني لبؤرة اهتمام المجتمع الدولي, مؤكدا ً على ضرورة الشروع بمفاوضات جادة للتوصل لاتفاق ومنذرا ً بأنه عدا ذلك سيعاني الطرفان من عواقب وخيمة.

وبالرغم من أنّ الرباعية الدوليّة تدرك الوضع المأساوي في الشرق الاوسط في الوقت الحاضر, فانها فشلت في أخذ الواقع على الارض بعين الاعتبار والبعد النفسي السيكولوجي للصراع الاسرائيلي – الفلسطيني الذي يستمرّ في اعاقة أيّ تقدّم.

وبالفعل, فبالنظر الى العلاقة الضغنة ما بين اسرائيل والفلسطينيين فان الوضع لا يسمح بتنفيذ أية مبادرة سلمية, أكانت أحادية الجانب أو من خلال التدخل الدولي. ولذا, يجب أولا ً تغيير الوضع على أرض الواقع لخلق بيئة مواتية لكلا الطرفين للقيام بالتنازلات اللازمة.

ونتيجة لذلك, لا اسرائيل ولا الفلسطينيين قادرين- حتّى لو أرادوا ذلك – على القيام بالتنازلات اللازمة في الجوّ الحالي. انهم مستمرون في تحدي النداءات المتكررة التي تطلقها الرباعية الدولية والولايات المتحدة لحلّ الصّراع وتجاهلوا قرارات مجلس الامن الدولي المتعددة (بما فيها القرارين 242 و 338) التي طالبت اسرائيل والفلسطينيين بحلّ صراعهما على أساس حلّ الدولتين.

وللتوصّل لذلك, فأنا أشعر بشدة بأن أية مفاوضات مستقبليّة يجب أن يسبقها أولا ً عملية مصالحة لكي نعالج ثلاث قضايا هامة هي: عدم الثقة المتبادل والمخاوف الآمنية والوهم بأن بامكان أيّ من الطرفين امتلاك الكلّ على حساب الطرف الآخر الكلي.

وبالرغم من أنّ تقرير الرباعية الدولية يذكر باختصار أهمية مبادرة السلام العربية, الاّ أنّ المبادرة في نظري ينبغي ألاّ يُنظر اليها على أنها مجرد وسيلة لتوجيه عملية التفاوض, بل بالآحرى كالاطار المركزي لتحقيق سلام ٍ شامل.

هناك عدد من الحقائق التي تميّز مبادرة السلام العربية عن أي اطار أخر للسلام: أولا ً, انها منبثقة من الدول العربية نفسها (بقيادة المملكة العربية السعودية) التي لها صلة وثيقة بها, أي أنها ليست بالاحرى من خارج المنطقة كما هي الرباعيّة الدوليّة التي لا تحتوي عل تمثيل عربي فيها.

ثانيا ً, تقدم مبادرة السلام العربية لجميع أطراف الصراع – بما في ذلك حماس واسرائيل اللتان لم تتبنياها حتى الآن – قواسم مشتركة عديدة تتفق عليها بالرغم من أنها ولاسباب استراتيجية لم تقبلها علنا ً, وهذه تشمل قضية اللآجئين افلسطينيين والامن القومي ومسألة التصرّف في المستوطنات ومستقبل القدس.

ثالثا ً, تقدّم مبادرة السلام العربية اطارا ً حقيقيّا ً وواقعيّا ً لاتفاقية سلام بين اسرائيل والفلسطينيين في سياق سلام ٍ عربي-اسرائيلي شامل ينشده الطرفان. وفي الختام, تجدر الملاحظة بهذا الخصوص بأن مبادرة السلام العربية لم تُطرح على أساس اما أخذها كلّها أو تركها كلها على النحو الذي تُعرض على الجمهور الاسرائيلي, بل أنّ جميع القضايا المُختلف عليها خاضعة للتفاوض ما بين الطرفين ان كان هناك فعلا ً أية نيّة حقيقيّة للطرفين للتوصّل لاتفاقية.

وأنا شخصيّا ً أعتقد بهذا الخصوص بأن مبادرة فرنسا لاستئناف المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية أمر مهمّ جدا ً, ففرنسا تحاول اتخاذ نهج مختلف لحلّ الصراع وتعتبر اطار مبادرة السلام العربية يؤدي الى هذا الهدف. ولكنني,على أية حال, أعتقد جازما ً بأنه يجب على المبادرة الفرنسية أن تولي اهتماما ً خاصا ً لضرورة تهيئة كلا الطرفين من ناحية نفسية – سيكولوجية من خلال عملية مصالحة (تواصل شعب مع شعب) قبل استئناف المفاوضات الرسميّة وذلك لتعزيز فرصة نجاح المفاوضات بشكل ٍ جذري.

ليس هناك أدنى شكّ بأن عملية السّلام قد أصبحت خلال العقد الماضي أشدّ تعقيدا ً من أي وقت ٍ مضى وستزداد تفاقما ً وقد تؤدي باحتمال كبير لحريق ٍ هائل لا يريده أي من الطرفين ولكن لا أحد منهما يفعل ما فيه الكفاية لتجنبه.

ان المؤتمر الدولي الذي دعت اليه فرنسا للانعقاد في نهاية فصل الخريف كاستمرار للمؤتمر الاول الذي انعقد يوم 3 يونيو من العام الجاري سيولّد حتما ً زخماً أكبر لاستئناف مفاوضات السلام. ولكن يجب على هذا المؤتمر على أية حال أن يوفّر ألية دوليّة تبدأ من عملية المصالحة التي قد تؤدي باحتمال ٍ كبير لسلام ٍ اسرائيلي – فلسطيني شامل.

لقد وصل الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني لنقطة تشبّع من المحتمل عندها أن ينفجر. وأي صوت يدعو انتباه المجتمع الدولي لمنع حدوث كارثة في طور تشكلها هو صوت مرحّب به.

حان الوقت للعمل والرباعية الدولية قد قدمت مساهمتها في هذا السياق. ويجب ترجمة هذه المساهمة الآن الى اطار عملي تستطيع فقط مبادرة السلام العربية أن تقدّمه.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE