إستراتيجية نتنياهو البالية لإشغال حماس
شغل نتنياهو منصب رئيس الوزراء مدة 11 عامًا متزامنًا مع حكم حماس على غزة منذ أن استولت حماس على السلطة عام 2007 من السلطة الفلسطينية بعد مواجهة عنيفة قصيرة الأمد بين الجانبين. وقام نتنياهو خلال هذه الفترة بإدامة الصراع مع حماس بشكل متعمد كوسيلة لتعزيز أجندته السياسية الشريرة. لم يفكر مطلقًا في إيجاد حلّ مقبول للطرفين يمكن أن ينهي الأعمال العدائية ويؤدي تدريجياً إلى التعايش السلمي. بدلاً من ذلك ، صوّر حماس على أنها عدو لا يمكن إصلاحه وملتزم بتدمير إسرائيل وأصر على أنه لا يوجد شيء يمكن لإسرائيل أن تفعله سوى الحفاظ على الوضع القائم والتعامل مع حماس بالقوة.
إن الإنفجار الأخير بين الجانبين هو مجرد حلقة عنيفة أخرى في صراع دموي مستمر، بما في ذلك ثلاث حروب أسفرت عن مقتل الآلاف من الفلسطينيين وعشرات الإسرائيليين ، ناهيك عن الدمار الهائل الذي لحق بغزة والإضطراب الإجتماعي والإقتصادي الذي عانى منه الإسرائيليون.
غالبا ما يستخدم نتنياهو قوة غير متناسبة “لتلقين حماس درسا”. ومع ذلك ، فهو يعلم أن الأزمة الإنسانية في غزة بالغة الضخامة بحيث يتعذر على حماس والجمهور قبولها ، كما حدث في الماضي ، بتخفيف تدريجي ومؤقت بينما يظل الحصار قائماً ويستمر القنوط واليأس على حالهما. وكما هو متوقع ، تستمر دائرة العنف المفرغة وإدارة الصراع بدلاً من حله بقيت إستراتيجية نتنياهو طوال الوقت.
يقاوم نتنياهو دعوات من حزبه ، وكذلك من بعض أعضاء المعارضة ، لغزو غزة وقطع رأس قيادة حماس – كما وصفها وزير الطاقة وعضو مجلس الوزراء الأمني يوفال شتاينيتز لإذاعة الجيش يوم الاثنين “للتخلص من حماس علينا أن نغزو غزة “. ويعتقد هو وغيره بحماقة أن مثل هذه الخطوة الصارمة من شأنها أن تضمن الهدوء وتؤدي إلى انتقال سلمي من حماس إلى السلطة الفلسطينية ، وهو أمر لا يرقى إلى حلم بعيد المنال. وما لم تحتل إسرائيل غزة بشكل دائم ، فإن كادرًا جديدًا من قادة حماس سوف ينهض بين عشية وضحاها تقريبًا وسيكون أكثر نشاطًا وحيويّة ً من القيادة الحالية.
يعترض نتنياهو على توغل آخر خوفاً من أن حماس هذه المرة لن توافق على أي وقف لإطلاق النار لا يوفر الإنفراج بشكل دائم ويؤدي إلى رفع الحصار الذي يعارضه بشدة.
وهو يرفض أيضًا إعادة احتلال غزة ، لأن هذا من شأنه أن يجبر الحكومة الإسرائيلية على رعاية ما يقرب من مليوني فلسطيني ، وهذا لن يكون مجرد كابوس. لن تتطلب هذه الخطوة الخاطئة فقط إنشاء جهاز أمني هائل يعرض حياة الجنود باستمرار لخطر جسيم ، بل سيتكلف أيضًا مئات الملايين من الدولارات سنويًا.
سعى نتنياهو باستمرار لمنع أي جهود للمصالحة بين السلطة الفلسطينية وحماس ، مما يسمح له بادعاء أنه لا يوجد شريك تفاوضي. وعندما اتفقت السلطة الفلسطينية وحماس مرتين في الماضي على تشكيل حكومة وحدة رفض نتنياهو الدخول في محادثات سلام وأصر على أنه لن يتفاوض مع حكومة فلسطينية تضم حماس.
غالباً ما يستوعب نتنياهو المصريين في التعامل مع حماس بالنظر إلى دور مصر الهام في التوسط بين إسرائيل وحماس. فمصر مهتمة بالحفاظ على الهدوء في غزة ، لكنها لا تمانع الضربة العقابية التي تلحقها إسرائيل بحماس من وقت ٍ لآخر. ونظرًا لأن حماس تعدّ بمثابة فرع من جماعة الإخوان المسلمين التي وصفتها مصر بأنها منظمة إرهابية ، فإنها تفرض قيودًا شديدة على عبور الفلسطينيين من غزة إلى مصر.
أخيرًا ، يختار نتنياهو باستمرار الضغط على حماس من خلال اغتنام أي فرصة لمقاطعة تدفق البضائع ومواد البناء لضمان أن تظل حماس ضعيفة وتعتمد على حسن نوايا إسرائيل. إنه يريد من الفلسطينيين في غزة أن يلوموا حماس والجهاد الإسلامي على محنتهم ، على أمل إثارة الاضطرابات – وهذا لم يتحقق بصورة جادّة بأي شكل من الأشكال. لقد قاد بمهارة غالبية الإسرائيليين إلى الإعتقاد بأن حماس تشكل تهديدًا مميتًا بينما يتجاهل الحقائق التي لا رجعة فيها على الأرض ، والتي يجب أن يواجهها لإيجاد حل دائم للصراع مع حماس.
إن غزة في الواقع سجن كبير في الهواء الطلق به ما يقرب من مليوني فلسطيني معدم لا يمكن تخطيهم. غزة منفصلة عن الضفة الغربية وتحكمها حماس التي تحتضن أيديولوجية مختلفة عن السلطة الفلسطينية. ليس هناك احتمال بأن تقوم السلطة الفلسطينية وحماس بتسوية خلافاتهما ؛ لن تتخلى حماس عن السلطة وتسليم ترساناتها للسلطة الفلسطينية، الأمر الذي تعتبره حماس من وجهة نظرها بمثابة استسلام. أولوية حماس هي إنهاء “سجن” سكان غزة وستستمر في القتال والتضحية من أجل إنهاء الحصار.
يجب أن يكون واضحا أنّ حماس كانت أسوأ عدو لحماس نفسها. فعلى الرغم من أنها تعرف أن إسرائيل موجودة لتبقى ولا يمكن لأي قوة أن تزيحها، فإنها تدعو علانية إلى تدمير إسرائيل، وهذا يفيد بشكل ٍمباشر نتنياهو وأغلبية الإسرائيليين. يقدّم تشدد حماس وتراكم الترسانات العسكرية لديها دليلًا إضافيًا للعديد من الإسرائيليين على أن حماس عدو لا يمكن تغييره ويستحق ما حدث له.
ومع ذلك ، فإن صحة هذه الحجة لا تغير حقيقة أن الفلسطينيين في غزة يعيشون إلى حد كبير تحت ظروف غير إنسانية. وبغض النظر عن رواية حماس العنيفة ضد إسرائيل فهي أيضاً تريد إنهاء النزاع دون أن تُهان في هذه العملية. إن حلّ النزاع مع حماس ليس توغلاً آخر في غزة أو إمطار دمارا ً من الجو أو قطع رأس قيادة حماس، وبالتأكيد ليس إعادة احتلال غزة. بدلاً من ذلك ، تحتاج إسرائيل إلى التعامل مع غزة ككيان منفصل عن الضفة الغربية حيث يكاد لا يوجد شيء مشترك بين الجانبين.
اقترحت حماس مرارًا وتكرارًا وقفًا طويلًا لإطلاق النار (هدنة) لمدة تتراوح بين 15 و 20 عامًا تسمح إسرائيل خلالها لحركة حماس بالشروع في بناء البنية التحتية والإسكان والمستشفيات والمدارس والموانئ البحرية ومشاريع تنمويّة أخرى. سيؤدي ذلك إلى خلق الآلاف من الوظائف وتحسين نوعية الحياة التي يتوق إليها كل فلسطيني في غزة.
وينبغي تنفيذ هذه المشاريع تحت إشراف لجنة دولية خاصة لضمان توجيه جميع هذه الأموال من الدول المانحة ، بما في ذلك الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي والدول العربية الغنية بالنفط ، إلى هذه المشاريع. من المؤكد أن حماس ستتبنّى مصلحة خاصة في حماية التطور الجديد ، وبالتالي فإنها سوف تمتنع عن استفزاز إسرائيل وتقوم بكبح جماح الجهاد الإسلامي للحفاظ على الهدوء.
حماس تدرك بأن إسرائيل ستتمكن دائمًا من إحداث الفوضى في غزة إذا لم تلتزم بالكامل بشروط وقف إطلاق النار. إن وقف إطلاق النار على المدى الطويل بالتزامن مع تدابير بناء الثقة سيغير بالتأكيد طبيعة العلاقات الثنائية بين إسرائيل وحماس، الأمر الذي قد يؤدي تدريجياً إلى رفع الحصار تمامًا. علاوة على
ذلك يمكن ، بل ويجب التوصل إلى حل للنزاع بين حماس والسلطة الفلسطينية شريطة ألا يقوض ذلك الأمن القومي لإسرائيل بأي حال من الأحوال بعد أن تحلّ إسرائيل صراعها المنفصل مع السلطة الفلسطينية.
هناك الكثير من المتهكمين الذين يعتقدون أن السلام بين إسرائيل وحماس ليس سوى وهم. على العكس من ذلك ، فإن أي شخص يدّعي بأن الوضع الحالي مستدام يكون مضللاً حيث إنه يتجاهل الإضطرابات وإراقة الدماء على مدى السنوات الـ 12 الماضية، هذا إضافة إلى الواقع على الأرض الذي لا يمكن تغييره.