All Writings
يناير 30, 2015

نتنياهو يخون ما هو الأفضل لإسرائيل

لقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر صياحا ً من أيّ من أسلافه فيما يتعلّق ب”الخطر الإيراني المحدق”، مصرّا ً على أن أية اتفاقيّة لمنع إيران من حيازة الأسلحة النوويّة لن تكون أكثر من استراحة فنيّة. وهو يحشد أعضاء من الكونغرس الأمريكي لفرض عقوبات إضافيّة كاسحة على إيران، آملا ً أن يؤدي الضغط الإقتصادي المتنامي إلى تغيير النظام في إيران، أو على الأقلّ إجبار النظام الحالي على التخلّي عن طموحاته الرامية لحيازة الأسلحة النوويّة.

لقد أقنع نتنياهو نفسه بأن “تلهّف” الرئيس أوباما على التوصّل لاتفاق مع إيران سيترك إسرائيل عرضة ً للخطر، هذا بالرّغم من أنّ الرئيس الأمريكي قد أكّد مرارا ً وتكرارا ً بأنه لن يعقد تحت أي ظرف ٍ كان اتفاقا ً مع إيران قد يقوّض عن بعد أمن إسرائيل القومي.

ويدّعي نتنياهو – بتأييد جمهوريّ عريض في الكونغرس – بأنّه بالرّغم من تغيير نبرة إيران واستعدادها ظاهريّا ً للتعاون وإصرارها على أنّ برنامجها النووي للأغراض السلميّة، غير أنّها – على حدّ زعمه – ذئب في ثياب حمل مصممة على تحقيق هدفها النووي مهما استغرق ذلك من وقت.

لقد ضمنت طهران حتّى الآن مطلبين رئيسيين هما: تخصيب اليورانيوم على أراضيها وتحديد أية اتفاقيّة جديدة لعدد ٍ من السنوات. وهذه من وجهة نظر نتنياهو وصفة لكارثة حيث أن إيران ستكون تبعا ً لذلك حرّة في السعي وراء برنامجها للتسليح النووي.

ويؤكد نتنياهو بأنه وبالرّغم من أن خامئني قد ذكر مرارا ً بأنه ضد بناء أسلحة نوويّة، فإن خامئني يميّز ما بين حيازة الأسلحة النوويّة وامتلاك التقنية والمواد لتجميع قنبلة نوويّة في وقت ٍ قصير، الأمر الذي يرقى لنفس الشيء.

المشكلة هنا هي أنّ نتنياهو لا يعتقد بأن الرئيس أوباما سيطالب باتفاقيّة مُحكمة طويلة الأمد لمنع إيران من حيازة الأسلحة النوويّة. وبالرّغم من أنّ الولايات المتحدة كانت باستمرار تطلع إسرائيل على فحوى المفاوضات مع إيران، غير أنّ نتنياهو لم يدّخر جهدا ً لحشد الكونغرس لإصدار مجموعة جديدة من العقوبات التي قد تعرقل فقط المفاوضات.

وقبول نتنياهو دعوة بوهنر، المتحدّث باسم الكونغرس، لإلقاء خطاب أمام جلسة مشتركة للكونغرس بغرض دحض استراتيجيّة الرئيس أوباما حول إيران هو أمر مضلّل ويلحق ضررا ً رهيبا ً بالعلاقات الإستراتيجيّة الأمريكيّة – الإسرائيليّة. وقيام نتنياهو بتجاهل الأعراف الدبلوماسيّة (البروتوكول) وإخطار البيت الأبيض بالدّعوة فقط بعد استلامها ورفضه إبطالها هي صفعة في وجه الرئيس الذي فعل أكثر من أيّ من أسلافه للحفاظ على أمن إسرائيل.

لقد تجاهل نتنياهو جميع مناشدات وسائل الإعلام وقادة المنظمات اليهوديّة وأصدقاء إسرائيل الأوروبيين وجهات أخرى عديدة لإلغاء رحلته، إن لم يكن لأسباب أخرى فمن أجل مصلحة إسرائيل فقط.

وللتأكيد، فقد ألحق نتنياهو عارا ً بإسرائيل وقوّض علاقاتها الوطيدة مع أهمّ حليف ٍ لها وقف بجانبها في السرّاء والضرّاء وسيبقى المدافع النهائي عنها. وبما أنّ الولايات المتحدة كانت وستبقى الضامن النهائي لأمن إسرائيل القومي، فإنه لأمر مناف ٍ للمنطق أن تسمح الولايات المتحدة بأية شروخ ٍ أو نقاط ضعف في اتفاقيّة جديدة طويلة الأمد قد تعرّض بأية طريقة كانت إسرائيل للخطر في وقت ٍ لاحق.

ونتنياهو يعلم جيّدا ً أنه في حالة قيام إيران بانتهاك الإتفاقيّة الجديدة، وفي حالة ما إذا تقرّر بأن استخدام القوّة ضروريّ لتدمير منشآت إيران النوويّة، ستكون الولايات المتحدة الدولة الوحيدة القادرة على اتخاذ مثل هذا الإجراء الخطير. علاوة ً على ذلك، وحتّى لو فقد نتنياهو عقله وصمّم على مهاجمة إيران على عاتقه الخاصّ، فإن الولايات المتحدة ستنجرّ هي الأخرى لأنه ليس لدى إسرائيل القدرة العسكريّة للشروع في مثل هذا العمل الرّهيب بدون دعم الولايات المتحدة، وذلك نظرا ً للعواقب الإقليميّة المروّعة المحتمل وقوعها.

فبأي منطق يمتلك نتنياهو هذه الوقاحة لانتقاد الولايات المتحدة والتصرّف بطريقة متهوّرة ومروّعة من شأنها فقط أن تلحق ضررا ً بعلاقات وروابط إسرائيل المقدّسة مع الولايات المتحدة لإحراز بعض النقاط السياسيّة محليّا ً، وبالأخصّ في فترة الإنتخابات هذه ؟

نتنياهو يعلم أفضل من معظم الناس بأن إسرائيل بدون الدّعم الأمريكي السياسي والعسكري والإقتصادي لم تكن قد وُجدت، فما بالك أن تصبح قوّة إقليميّة في جميع نواحي الحياة.

على رئيس وزراء إسرائيلي مسؤول أن يعمل عن كثب مع الولايات المتحدة للتوصّل لاتفاق محكم وحشد حلفائه في الكونغرس للعمل بهذا الإتجاه بدلا ً من محاولة إفشال اتفاقيّة قد تنهي، على الأقلّ احتماليّا ً، التهديد الإيراني.

وعليه، أرى أنه يجب على الولايات المتحدة أن تبيّن بوضوح بأنها لن تتردّد في فرض عقوبات ٍ إضافيّة كاسحة مع الدّعم الكامل من طرف الكونغرس إذا استمرّت إيران بالتباطؤ أو المماطلة. هذا وينبغي أن تتضمّن الإتفاقيّة الشروط التالية:

يجب الحدّ من قدرة إيران الفنيّة في بناء سلاح ٍ نووي عن طريق تخفيض جوهريّ في عدد وحدات الطّرد المركزي ووضع قيود على تركيب وحدات متطوّرة.

يجب إعاقة قدرة إيران على إنتاج البلوتونيوم بشكل ٍ دائم وفرض حدود صارمة على جودة وكميّة إنتاج اليورانيوم المخصّب.

وينبغي على الولايات المتحدة أن تصرّ على أن تنهي إيران برنامج أبحاثها وتطويرها للصواريخ الباليستيّة التي بمقدورها أن تهدّد إسرائيل وتوافق على نظام التفتيش الإقتحامي والحرّ والغير معلن. هذا ويجب إقناع الزمرة الدينيّة الحاكمة في إيران بأن الولايات المتحدة مستعدّة للجوء للخيار العسكري لوقف اندفاع إيران لأن تصبح دولة نوويّة عن طريق بقائها عسكريّا ً متيقظة في جميع أرجاء الخليج. وأخيراً، ينبغي أن تكون الإتفاقية سارية المفعول لمدّة لا تقلّ عن 10 أعوام.

يجب أن يفهم نتنياهو بأن تطبيع العلاقات ما بين الولايات المتحدة وإيران في نهاية المطاف هو الطريق الأفضل لإنهاء التهديد الإيراني. ولذا، فإن كان هناك أية فرصة أو أمل، مهما كان ضئيلا ً، لأن تجتاز هذه الإتفاقية اختبار الوقت، يجب استكشافها.

وأمّا البديل فهو ترك إيران حرّة لمضاعفة جهودها للوصول إلى العتبة النوويّة، مجبرة بذلك الولايات المتحدة الخيار ما بين أهون الشرّين: إمّا احتواء إيران وهو أمر مكلف وخطير وعرضة لعدم الإستقرار أو مهاجمة منشآتها النوويّة، الأمر الذي سيصعّد من عدم استقرار المنطقة وسيقوّض أمن إسرائيل القومي بدلا ً من تعزيزه.

ومهما كانت الإحتضانات والمعانقات وموجات التصفيق التي قد يتلقّاها نتنياهو من قاعة الكونغرس، لقد خان ما هو الأفضل لإسرائيل، وعلى جمهور الناخبين الإسرائيليين أن يتذكروا هذا عند الإدلاء بأصواتهم يوم الإنتخابات.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE