All Writings
يناير 13, 2023

على الطريق لتدمير إسرائيل كما نعرفها

كان إنشاء إسرائيل تحقيقاًلحلم مؤسسيها وتصوّرلتجمع اليهود في دولة آمنة وحرة وعادلة من شأنها إنهاء اضطهاد اليهود منذ ألف عام. ومع ذلك ، فإن الأمر ليس بأقل من مأساوي أن حكومة نتنياهو المشكلة حديثًا تخون كل مبدأ من مبادئ رؤية مؤسسي الدولة،ملحقة بذلك الضرر بالبلد.

كنت على مدى العقود الأربعة الماضية مراقبًا عن كثب لإسرائيل. قمت بتدريس عشرات الدورات التدريبية وكتبت العديد من الكتب ومئات المقالات والدراسات التي توضح تفرد البلد. لقد أثنيت على مؤسساتها الديمقراطية ومدحتقضاءها غير الملوث وأعجبت بقوتها الداخلية وبراعتها وأثنيت على اكتشافاتها في العديد من المجالات وأعجبت بظهورها كقوة تكنولوجية. وعلى الرغم من كل الصعاب، فقد أصبحت إسرائيل دولة قوية وحازمةوملتزمة بسيادة القانون وتجسد الحرية والمبادئ الديمقراطية في بحر من الدول الاستبدادية. حازت الدولة على إعجاب أصدقائها وحسد أعدائها،هذا بينما كانت تحقق الكثير من حلم مؤسسيها – على الرغم من الاختلافات الأيديولوجية العديدة ، فإن العديد من الآباء المؤسسين لإسرائيل ، بمن فيهم زئيف جابوتنسكي ، وتيودور هرتزل ، وديفيد بن غوريون ، يؤمنون بوطن لجميع يهود العالم مع نظام حكم ديمقراطي ، معترفين بأن السكان العرب على الأرض سيبقون هناك على أرضهم.

ولكن مع نمو البلاد وازدهارها وبعد أن أصبحت إسرائيل قوة عسكرية هائلة ، بدأت تفقد رؤية مؤسسيها والأسباب الأساسية وراء إنشائها. لم أخجل أبدًا أن أنتقدبشدة ، عند الضرورة ، العديد من الحكومات الإسرائيلية التي اتبعت في الماضي سياسات مضللة وغالبًا ما تؤدي إلى نتائج عكسية. الآن أنا في حيرة شديدة من إيجاد الكلمات لوصف اشمئزازي من تركيبة حكومة نتنياهو الجديدة التي تستعد لاتباع سياسات كارثية ستوجه ضربة قاتلة للقيم التي بنيت عليها الدولة بينما تضع الأمة في وضع لا مثيل له على طريق محفوف بالمخاطر.

لعنة الإحتلال
لم يكن بإمكان الآباء المؤسسين لإسرائيل أبدًا أن يتصوروا أن تصبح الدولة قوة احتلال وتخضع لها ملايين الفلسطينيين الأصليين وتسلبهم أراضيهم وتخنق حريتهم وتدمّر مزارعهم وتطردهم من منازلهم وتعاملهم بازدراء ووقاحة وظلم صارخ. وفي كلّ يوم تقريبا ً على مدى فترة الاحتلال يُقتل فلسطيني. الفلسطينيون ليسوا أبرياء بأي مقياس، ولكن ما الذي كان سيفعله اليهود الإسرائيليون في ظل هذا الاحتلال القاسي ، كما يعيشه الفلسطينيون اليوم ، عندما يظل اليأس والقنوط هو النظام السائد اليوم؟

إن الاعتقاد بأن اليهود المطاردين والمضطهدين تاريخياً قد أصبحوا الظالمين اليوم يتحدى كل قيمة يهودية وكل حق إنساني وعقيدة أخلاقية دافع عنها اليهود أنفسهم بجد على مر القرون. من المؤكد أن الاحتلال لعنة ستعاني منها إسرائيل في المستقبل بنفس القدر الذي يعاني منه الفلسطينيون، إن لم يكن أكثر.

الفساد المستشري
لم يتخيل مؤسسو إسرائيل أبدًا أن الدولة ستُحكم يومًا ما من قبل رئيس وزراء فاسد تمامًا يُحاكم في ثلاث قضايا منفصلة بتهم الاحتيال والرشوة وخيانة الأمانة. لقد وضع مصلحته الشخصية فوق مصلحة الدولة ودفع بلا خجل لتحقيق حلمه الطويل في جعل إسرائيل مستبدّة معه على رأس السلطة حيث تسود السيادة اليهودية.

شكل نتنياهو أكثر الحكومات عنصرية ورهابا ً وتطرفا ً إلى أقصى اليمين في تاريخ إسرائيل. قام بتقسيم الوزارات لتعيين أصدقاء ومجرمين مثل شاس أرييه درعي ،إيتمار بن غفير من عوتسما يهوديت وبتسلئيل سموتريتش من الصهيونية الدينية في مناصب لا خبرة لهم فيها إلا القليل أو حتى لا خبرة على الإطلاق، وذلك فقط لإرضاء غرورهم المتضخم وطموحهم الأعمى . يتم تخصيص الملايين لهذه الوزارات المنشأة حديثًا والتي لا بد أن تتعارض مع بعضها البعض لأن وظائفها ومسؤولياتها إما تتداخل أو يتم تحديدها بشكل فضفاض،الأمر الذي يعد وصفة للفوضى.

شلّ القضاء
لن يستوعب الآباء المؤسسون أبدًا أن حكومة إسرائيلية ستسعى إلى شل القضاء وخاصة استقلال وسلطة المحكمة العليا. نتنياهو عيّن ياريف ليفين وزيرا للعدل، وهو مخطط منهجي يسعى منذ سنوات إلى إضعاف استقلالية المحكمة العليا. ويخطط ليفين الآن ، بموجب تعليمات نتنياهو ، لتمرير “بند التجاوز” الذي يعارضه معظم الإسرائيليين والذي يمكن أن ينقض ، حتى مع وجود أغلبية صوت واحد في الكنيست ، أي قرار من المحكمة العليا التي تعتبر جوهرة تاج الفقه الإسرائيلي وإعطاء السياسيين وزناً أكبر على تعيين القضاة.

المحكمة العليا هي المؤسسة الوحيدة التي تتمتع بسلطة تقييد الإجراءات الحكومية وحماية المبادئ الديمقراطية للبلاد. والآن تريد الحكومة اغتصاب تلك السلطة من أجل تقويض المؤسسات الديمقراطية الإسرائيلية من خلال اللجوء القضائي المحدود وكذلك تعطيل اتهامات نتنياهو بالفساد دون تدخل المحكمة. أوضح وزير الدفاع السابق موشيه يعلون الأمر بإيجاز عندما قال إن مقترحات نتنياهو تظهر “النوايا الحقيقية لمتهم جنائي” “المستعد لإحراق البلاد وقيمها … من أجل الهروب من قفص الاتهام”.

تحدّ تاريخي
قد ُيصاب مؤسسو إسرائيل بالصدمة عندما يدركون أن الدولة التي تم إنشاؤها على وجه التحديد لغرض جمع اليهود من أي ركن من أركان العالم ، بغض النظر عن توجهاتهم الدينية –أكانت محافظة أمإصلاحية أم دينية – تخطط لوضع قيود على من يتأهل ليكون يهودياً. وقدعيّن نتنياهو في هذا السياق آفيماعوز ، متعصب بامتياز ، كقيصر مسؤول عن “قسم وعي الدولة اليهودية” داخل مكتب الهوية القومية اليهودية الذي تم تشكيله حديثًا والذي يستعد الآن لتقييد هجرة أي يهودي من أصول يهودية قد تكون موضع تساؤل. ويستهدف حزبه “نعوم” أفراد مجتمع المثليات والمثليون ومزدوجو الميل الجنسي ومغايرو الهوية الجنسانية (LGBTQ)، خاصة من وسائل الإعلام ، بينما ينتقد بشدة “النسويات الراديكاليات”.

ومما يزيد الطين بلة أن إسرائيل لا تزال تسمح للحاخامية الأرثوذكسية بالسيطرة على الزواج من خلال عدم السماح بزواج المدنيين والمثليين، ومعارضة حقوق المثليين، ورفض الاعتراف بالزيجات التي يقوم بها الحاخامات الإصلاحيون أو المحافظون، الأمر الذييستمر في عزل ملايين اليهود. هذا لن يؤدي إلا إلى مزيد من التوتر في العلاقات المتوترة أصلاً مع يهود الشتات. وكما قال الحاخام إستر ليدرمان ، مدير الابتكار والقيادة في اتحاد الإصلاح اليهودي: “الهجمات التي تستهدف الإصلاح والتحويلات المحافظة يمكن أن تهدد هوية ومكانة اليهود الذين يرغبون في الهجرة من أمريكا الشمالية”. سيؤدي هذا إلى تقليص الهجرة اليهودية إلى إسرائيل بشكل كبير، الأمر الذي يتحدى أحد الأسس الرئيسية وراء إنشاء إسرائيل في المقام الأول.

العواقب الوخيمة لحكومة نتنياهو ذات الطالع السيء
كان مؤسسو دولة إسرائيل يحلمون بدولة يعيش فيها اليهود من جميع أنحاء العالم في وئام ويشكلون معًا مجتمعًا جديدًا تسود فيه الديمقراطية والمساواة ، حيث يتم ضمان حرية التعبير والدين وحيث يتم أيضا ًضمان حقوق الإنسان بغيرة وحماس وحيث يتم احترام الخلافات السياسية. ولكن بدلا من ذلك ، أنشأ نتنياهو أي شيء ما عدا حكومة مساواة. أي حكومة عنصرية حتى النخاع.

إستقطاب رهيب
تعمل الحكومة الجديدة على استقطاب الإسرائيليين في كل موقع سياسي واجتماعي وديني ، وتميز ضد الأقليات وتهاجم العلمانية وترفض الناشطات النسويات والمثليين وتضايق منظمات حقوق الإنسان. ومن المؤكد أن نتنياهو قد قوض بمفرده كل ركائز ديمقراطية إسرائيل. ستكون حكومته الجديدة ديمقراطية بالاسم فقط ، وسلطوية في الأساس على غرار بولندا والمجر وتركيا ، بلا أي وازع أخلاقي وفاشية في جوهرها وعنصرية وأكثر الحكومات اليمينية المتطرفة في تاريخ إسرائيل والتي لن تكسب البلاد شيئًا سوى السخرية والازدراء.

التخلي عن التطبيع العربي – الإسرائيلي
إن فرصة تطبيع العلاقات مع الدول العربية الأخرى ستضمحلّ تمامًا طالما ظل الاحتلال قائماً وطالما ظل بن غفير (وزير الأمن القومي حاليًا الذي سيكون تركيزه على الأمن في الضفة الغربية والذي سيكون حريصًا على إنزال الخراب كالمطر على الفلسطينيين) وسموتريتش (وزير المالية) في الحكومة. ومؤخرا أكدت وزارة الخارجية السعودية ما كانت تؤكده دائما،وهو “موقف السعودية الثابت من وقوفها إلى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق”. ولكن الآن ، اترك الأمر لبن غفير المعادي للأجانب ليفاقم الصراع مع الفلسطينيين ، مما يجعل من المستحيل التوصل إلى اتفاق ، وبالتالي فقدان فرصة تطبيع العلاقات مع المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى التي كان من الممكن أن تتبعها. كان إلغاء زيارة نتنياهو لدولة الإمارات العربية المتحدة يهدف إلى إرسال رسالة واضحة لنتنياهو مفادها أن سياسة حكومته الجديدة تجاه الفلسطينيين غير مقبولة على الإطلاق، وأن كل دولة عربية ستقف إلى جانب الفلسطينيين تحت أي ظرف من الظروف.

الإضرار بالعلاقات الأمريكية الإسرائيلية
سوف تتأثر العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية سلبًا أيضًا. أوضح الرئيس بايدن معارضته لتوسيع المستوطنات وحذر إسرائيل من التفكير حتى في ضم المزيد من الأراضي الفلسطينية. سيستمر التوتر بين واشنطن والقدس في التصاعد لأن بايدن ونتنياهو ببساطة لا يجتمعان في الرأي في مجموعة من القضايا الأخرى ، لا سيما كيفية التعامل مع البرنامج النووي الإيراني. وعلى الرغم من أن العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل متينة ولم تتأثر بالتوجه السياسي للإدارات الأمريكية المتعاقبة والحكومات الإسرائيلية المتتالية ، فهذه هي المرة الأولى التي تعرب فيها الولايات المتحدة عن قلقها العميق بشأن تركيبة الحكومة الإسرائيلية الجديدة وتطرفها واحتمال أن تؤثر سياساتها على علاقاتهما الثنائية.

تكثيف معاداة السامية
على الرغم من وجود معاداة السامية منذ زمن بعيد واستمرار إسرائيل في دق ناقوس الخطر بشأن تصاعد معاداة السامية ، لم تنسب أي حكومة إسرائيلية ولو مرة واحدة ، على الأقل جزئيًا ، صعود معاداة السامية إلى استمرار الاحتلال. لا ينبغي أن يكون هناك شك في أنه بالنظر إلى ما تمثله الحكومة الجديدة ونيتها لتوسيع المستوطنات وضم المزيد من الأراضي في الضفة الغربية ، فإن معاداة السامية ستستمر في النمو. واستمرار الاحتلال يذكر العالم كله بقسوة اسرائيل في المناطق. في الواقع ، ستزيد الحكومة الإسرائيلية الجديدة الأمور سوءًا ، وما لم ينته الاحتلال ، ستستمر معاداة السامية في التصاعد وستصبح الحوادث المعادية لليهود شائعة بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم.

تنشئة طابور خامس
بدلاً من تعزيز التماسك الاجتماعي وتشجيع العرب الإسرائيليين على أن يصبحوا جزءًا لا يتجزأ من التيار الاجتماعي والاقتصادي السائد في إسرائيل ، تستعد الحكومة الجديدة لتكثيف التمييز ضد هذه الفئة التي تمثل أكثر من 20٪ من السكان. إن المزيد من الاغتراب والتمييز ضد عرب إسرائيل من قبل الحكومة الجديدة سوف يغذي العداء من الداخل ، مما سيعجّل بلا شك الاضطرابات الاجتماعية ويدفع العرب الإسرائيليين بشكل متزايد نحو التشدد ليصبحوا طابورًا خامسًا بمجرد اندلاع موجة عنف جديدة بين إسرائيل والفلسطينيين ، الأمر الذي سيكون مجرد مسألة وقت في ظل هذه الحكومة الشوفينية.

ما فعله نتنياهو ، بالتأكيد ، ليس أقل من انقلاب سياسي. إنه مخطّط بارع ، بلا وازع ، ولا أخلاق ، ولا ولاء للبلد الذي يتوق إليه ملايين اليهود ويموتون من أجله. وبدلاً من إحلال السلام ، يقوم بإعداد الجيل القادم من الشباب الإسرائيلي لخوض الحرب القادمة والتضحية بأرواحهم على مذبح غروره وغرور عصابته المتعصبة. نتنياهو خطير ، خطر على مستقبل اليهود في إسرائيل وخارجها ، ويجب إسقاط حكومته بسرعة قبل فوات الأوان.

نعم ، في ظل الحكومة الإسرائيلية الجديدة بقيادة مستبدين ، متعصبين مسيانيين ، متحمسين فاسدين ومتعطشين للسلطة ، ستسير إسرائيل في مسار مظلم ومؤسف سيصبح أكثر قتامة من أي وقت مضى ويمحو شخصيتها كدولة ديمقراطية ويجعلها لا شيء سوى دولة منبوذة وأبرتهايد. سوف يشتمها المجتمع الدولي وسوف تقف باستمرار في موقف دفاعي وتعيش بالبندقية من أجل البقاء.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE