All Writings
سبتمبر 27, 2010

لقد أدّى الإستيطان دوره

لقد خدم مشروع بناء المستوطنات في الضفّة الغربيّة من الناحية التاريخيّة أربعة أهداف رئيسيّة لإسرائيل هي: تعزيز الأمن، تقوية الإرتباط بالأراضي “التوراتيّة” القديمة، تحسين حياة المواطنين الإسرائيليين وأخيرا ً الضغط على الفلسطينيين لقبول واقع وجود إسرائيل كدولة. واليوم نرى أنّ كلّ من هذه الأهداف قد تحقّق إلى حدّ بعيد. ولذا فقد انتهى دور مشروع الإستيطان وأصبح يمثّل الآن عبئاً يهدّد بتفويت فرصة إسرائيل للتوصّل لسلام ٍ وأمن دائمين.

لقد دافع الإسرائيليون ولفترة ٍ طويلة من الزّمن عن الإستيطان بقولهم أنّه قد عزّز أمن إسرائيل. وبالفعل، فإن البناء في المناطق المحاطة بالقدس قد وسّع الإستيطان اليهودي بإنشاء حزام ٍ عازل ضد الهجمات. وبصورة مماثلة، كان الهدف من بناء المستوطنات في الضفّة الغربيّة توسيع حدود إسرائيل باتجاه الشّرق لتوفير مزيد ٍ من الأرض والأمن لإسرائيل، وبالأخص على طول الساحل الأوسط حيث المسافة بين البحر الأبيض المتوسّط والضفة الغربيّة لا تزيد عن حوالي ثمانية أميال، أي ما يعادل 13 كم، غير أنّ منطق الأمن فيما يخصّ المستوطنات لم يعد يعتدّ به الآن. فإنشاء الجدار الأمني وتقوية وحدات الأمن الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة قد عزّزتا معا ً وبصورة جوهريّة أمن إسرائيل. أضف إلى ذلك، فقد بيّن إطلاق صواريخ حزب الله البعيدة الكدى بأن حيازة المزيد من الأراضي لن يعزّز كثيراً أمن إسرائيل ضدّ التهديدات القصيرة أو الطويلة المدى.

لقد أُنشئت المستوطنات أيضا ً وتمّ التوسّع بها بدعم ٍ وحماس ٍ من الوطنيين المتديّنين اللذين يسعون لاستيطان الأراضي “التوراتيّة” في يهوذا والسامرة. ويعتقد هؤلاء المستوطنون باندفاع ٍ ديني وايديولوجي بأن المسيح المنتظر سيأتي عندما يعود اليهود إلى أرض إسرائيل التوراتيّة. لقد كرّست هذه الحركة نفسها وبصورة خاصّة للإستيطان اليهودي في الأراضي التوراتيّة، وقد نجحوا بهذا الخصوص في الدّفع بمفاهيم تدعو إلى ضرورة ضمّ الكتل الإستيطانيّة الرئيسيّة، بما في ذلك الأحياء المحيطة بمدينة القدس، إلى دولة إسرائيل. وبعد أن حقّقوا ذلك، يجب على هؤلاء الوطنيين المتدينين الشروع الآن في سؤال أنفسهم عمّا إذا أراد الله لهذه الأرض المقدّسة أن تتميّز بالسيطرة وإذلال شعب ٍ لآخر أم بالإزدهار والسّلام. فبدلا ً من الدعوة للسيطرة الإسرائيليّة المطلقة على الأماكن المقدّسة في أراضي يهودا والسامرة، على هؤلاء الوطنيين المتديّنين أن يدركوا الحاجة لإقامة دولة فلسطينيّة تحافظ على الوصول الآمن لكلا الجانبين، اليهود والمسلمين، لمواقعهم المقدسة.

لقد تمّ التوسّع بالمستوطنات أساسا ً لتوفير فرص عيش أفضل للمواطنين الإسرائيليين. لقد انتقل آنذاك حوالي ثلث مستوطني الضفة الغربيّة إلى مناطق استيطانهم الحاليّة في الضفة الغربيّة طمعا ً بالمنافع والحوافز الإقتصاديّة التي كانت توفّرها لهم آنذاك الحكومة الإسرائيليّة والمنظمات المؤيّدة لهم. أمّا في الوقت الحاضر، فإن التوسّع في النشاط الإستيطاني لا يأتي بفوائد اقتصاديّة لا للمواطنين الإسرائيليين كأفراد ولا للحكومة الإسرائيليّة. زد على ذلك، هناك احتمال ٌ كبير أن يتمّ إخلاء المستوطنات الإسرائيليّة المقامة على أراض ٍ فلسطينيّة خارج نطاق التجمّعات الإستيطانيّة الكبرى. وأيّ استثمار في الاستمرار بالبناء خارج هذه التجمعات هو في الواقع إهدار لموارد ماليّة يجب أن تخصّص لتقوية صلب المجتمع الإسرائيلي والتحضير لإعادة اندماج المستوطنين اللذين لا مفرّ لهم من العودة إلى أرض إسرائيل كجزء من اتفاقيّة سلام.

وأخيرا ً، فقد خدمت المستوطنات للضغط على الفلسطينيين لقبول سيطرة إسرائيل على الأرض، وفي النهاية الإذعان لبقاء الدولة اليهوديّة، وقد نجحت إسرائيل أيضا ً في تحقيق هذا الهدف. لقد قبلت في الوقت الحاضر السلطة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة بحقّ إسرائيل في الوجود وبمبدأ الأرض مقابل السّلام وحلّ الدولتين الذي سيسمح لإسرائيل والدولة الفلسطينيّة أن تعيشا جنبا ً إلى جنب بسلام ٍ وأمان. وللتأكيد، ستبقى هناك عناصر متطرّفة أخذت على نفسها تدمير إسرائيل، وفي مقدمتها الآن حماس في غزّة، غير أنّ أغلبيّة الفلسطينيين اللذين استُطلعت آراؤهم يؤيّدون وبثبات فكرة حلّ الدولتين. وقد كرّست نفسها القيادة الفلسطينيّة في الضفّة الغربيّة لاجتثاث تأثير التطرّف من الضفة الغربيّة وتعزيز الأمن في المنطقة.

ومع تحقيق هذه الأهداف الرئيسيّة، أيّة جهود للإستمرار في التوسّع المحموم لمشروع الإستيطان في أرجاء الضفّة الغربيّة عند انتهاء فترة تجميد الإستيطان الموافق اليوم السادس والعشرين من شهر أيلول (سبتمبر) الجاري ستخدم فقط تقويض الأمن في دولة إسرائيل، ولذا يجب التخلّي عن هذه الجهود كليّا ً. سيرسل استمرار البناء ما وراء التجمعات الإستيطانيّة الرئيسيّة رسالة ً واضحة لا لبس فيها للمجتمع الدولي تقول: إسرائيل ليست جادّة بحلّ الدولتين. وتجدر الإشارة هنا أنّه تمّ الأخذ بعين الإعتبار ومنذ زمن ٍ طويل من خلال دورات ٍ تفاوضيّة عديدة بأنّ ما يزيد عن 80 % من مستوطني الضفّة الغربيّة، أي ما يعادل 300.000 مستوطن، سيبقون على الأرجح في منازلهم بعد اتفاقيّة الدولتين، حيث يمثّل هؤلاء المستوطنون أولئك الذين يعيشون في التجمعات الإستيطانيّة الكبرى وضواحي القدس التي لن تتخلّى عنها إسرائيل بسبب معتقدات توراتيّة وسياسيّة قويّة. لا تستطيع إسرائيل أن تدّعي من ناحية بأنها ترغب في السّلام ومن الناحية الأخرى تبني في مناطق معروفة بأنها ستكون جزءا ً من الدولة الفلسطينيّة المقبلة.

عدم تجميد الإستيطان وراء التجمعات الإستيطانيّة الرئيسيّة سيضرّ ليس فقط بأمن إسرائيل القومي، بل وسيزيد أيضا ً من عزلتها الدوليّة ويعزّز الجهود الرامية لنزع الشرعيّة عن الدولة اليهوديّة. ستبعث إسرائيل من خلال الإستمرار في بناء المستوطنات رسالة ً مفادها أنّها ليست جادّة في العمليّة السلميّة وأنّها توفّر – ولو بطريقة ٍ غير مقصودة – الوقود للمجموعات المتطرّفة التي تسعى لتجنيد إرهابيين لارتكاب أعمال عنف ضد المواطنين الإسرائيليين وستحبط أي مظهر أو مسعى ً لعمليّة السّلام. هذا ناهيك عمّا قد ينتج عن ذلك من توتّرات في العلاقات مع الولايات المتحدة وقد ترتدّ إلى باعثيها الإيماءات الإيجابيّة الصادرة عن الدول العربيّة، بما في ذلك موافقة جامعة الدول العربيّة على المفاوضات المباشرة. أضف إلى ذلك كلّه، فإن الإستمرار في التوسّع الإستيطاني قد يكثّف جهود الحملة الدوليّة الرامية إلى إزالة الشرعيّة الدوليّة عن حقّ إسرائيل في الوجود.

ولتجنّب مثل هذا السيناريو، على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن يضع مصالح إسرائيل القوميّة فوق مصالح تحالفه السياسي. وهنا يكمن اختبار نتنياهو: هل لديه الشجاعة والقناعة الراسخة وميزات القائد اللازمة للتوصّل لحلّ الدولتين، أم أنّه سيبقى رهينة السياسات المحليّة ؟ عليه أن يبيّن الآن قدرته على القيادة بالإعلان عن موقف إسرائيل بكل وضوح. وهذا يجب أن يتضمّن عمليّة تبادل الأراضي لضمّ الأغلبيّة العظمى من المستوطنين المتواجدين في التجمعات الإستيطانيّة الرئيسيّة إلى داخل إسرائيل، وإعطاء الخيار لبعض المستوطنين المتديّنين للبقاء ضمن أراضي الدولة الفلسطينيّة عن طريق اتفاقيّة مع الفلسطينيين وأن تبدأ المفاوضات فورا ً بمعالجة موضوع الحدود. للتفاوض حول مسألة الحدود أهميّة خاصّة في الوقت الحاضر حيث أنّه سيزيل ومنذ البداية أيّة تساؤلات تتعلّق بأيلولة الأراضي، أي بمعنى أيّ منها ستؤول لإسرائيل وأي منها للدولة الفلسطينيّة. زد على ذلك، ستسمح للإسرائيليين بالإستمرار في توسيع المستوطنات التي ستنضمّ لإسرائيل، وذلك في وقت ٍ مبكّر من العمليّة قبل تسوية أيّة قضيّة خلاف ٍ أخرى بين الطرفين. لرئيس الوزراء نتنياهو القدرة السياسيّة على بسط هذه الأرضيّة. ومع وجود حزب كاديما بانتظاره كشريك ائتلافي محتمل، عليه إظهار هذه القدرة القياديّة للوصول لحلّ الدولتين. والسؤال الوحيد الذي يطرح نفسه الآن هو: أي طريق سيختار نتنياهو ؟

يزعم النقّاد بأن الفلسطينيين قد رفضوا قرار إسرائيل بتجميد الإستيطان مدّة عشرة أشهر وأنهم الآن فقط يرفعون من أهميته. ويقول هذا الإدعاء بأنّه في الوقت الذي تقوم فيه إسرائيل بتنازلات – مثل تجميد البناء في المستوطنات – لم تستلم إلاّ القليل أو حتّى لا شيء بالمقابل، هذا مع بقاء الفلسطينيين خارج المفاوضات لأشهر قل استمالتهم من طرف الولايات المتحدة الأمريكية للإشتراك في المفاوضات المباشرة. ويجادل البعض بقولهم بأنّ إسرائيل لم تجمّد بناء المستوطنات في الماضي، ومع ذلك حصل تقدّم في الجولات التفاوضيّة السابقة – فلماذا الآن كلّ ذلك ؟ والجواب بسيط جدّا ً: لكي تبيّن إسرائيل هذه المرّة بأنها ملتزمة بفعل كلّ ما بوسعها لخلق جوّ يشجّع على التوصّل لاتفاقيّة دائمة وثابتة. أضف إلى ذلك، وبعد سنوات ٍ من التفاوض مع إسرائيل في الوقت الذي استمرّت فيه اسرائيل ببناء مستوطنات في الضفّة الغربيّة على الفلسطينيين أن يبيّنوا لشعبهم – المتشكّك هو الآخر كالإسرائيليين من مباحثات السّلام الحاليّة – بأن الوضع هذه المرّة مختلف تماما ً.

لقد تحقّقت بشكل ٍ عام أهداف مشروع الإستيطان. والإستمرار به في الوقت الحاضر في مناطق لا مفرّ من أنها ستكون جزءا ً من الدولة الفلسطينيّة سيعرّض أمن إسرائيل وعملية السلام حديثة الولادة للخطر. وتراقب الولايات المتحدة والمجتمع الدولي عن كثب ماذا سيكون ردّ فعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على اختبار قدرته القياديّة. فلديه الأدوات اللازمة للنجاح. وعليه الآن أن يبرهن بأنّ لديه القناعة التامة لصنع السّلام.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE