على طالبان والولايات المتحدة قبول الأمر الذي لا مفر منه
قد تنتهي أطول حرب في التاريخ الأميركي بعد اتفاق مبدئي بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الذي أبرم مؤخراً في الدوحة. من الأهمية بمكان أن هذه هي المرة الأولى التي تتفاوض فيها الولايات المتحدة وطالبان وجها لوجه ، وقد تم الإعلان عن المفاوضات،والإتفاق المبدئي الذي تم التوصل إليه تناول أهم اثنين من المتطلبات التي طالب بها كل طرف من الطرف الآخر: وافقت طالبان على منع أي جماعة مسلحة مثل القاعدة من استخدام الأراضي الأفغانية للتخطيط لهجمات على الولايات المتحدة وحلفائها ، وفي المقابل ، سيقوم التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة بسحب قواته من البلاد.
وعلى الرغم من أهمية الاتفاق ، هناك العديد من العقبات التي يجب التغلب عليها قبل التوصل إلى اتفاق نهائي ودائم. يحتاج الطرفان لإظهار الرغبة في التوصل إلى حل وسط في التعامل مع بعض الجوانب الحاسمة في الاتفاق حيث يكون للاعبين الآخرين ، وخاصة الحكومة الأفغانية الحالية ، مصلحة في النتيجة.
علاوة على ذلك ، ونظراً لانعدام الثقة بين الجانبين والخسائر الفادحة التي خلفتها الحرب على مدى 17 عاماً من القتال ، فإن التوصل إلى اتفاق مستدام يتطلب اتخاذ خطوات متسلسلة. إضافة إلى ذلك ، فإنهم يحتاجون إلى عملية تفاوضية يجب على كلا الجانبين الالتزام بها لتوليد الثقة المتبادلة وتخفيف العقبات النفسية التي أعاقتهم من التوصل إلى اتفاق في الماضي.
إطار الإتفاق: التفاهم بين الجانبين هو أنه يجب أن يتفقوا على جميع القضايا المتضاربة كشرط مسبق للتوصل إلى اتفاق شامل. على الرغم من أنه من الواضح أن هذا ضروري ، فسيكون من الخطأ ربط كل قضية معلقة بأخرى بدلاً من “معالجة” كل قضية متفق عليها والبناء عليها. وهذا يعني أنه حتى إذا ظهر خلاف خطير حول قضية متضاربة ، وتوقفت المحادثات ، فبمجرد استئناف المفاوضات لن تبدأ من الصفر. وهذا من شأنه أيضا أن يساعد في الحفاظ على بعض الزخم ، حيث أن الجانبين قد طورا بالفعل مصلحة ثابتة في عملية التفاوض.
اﻟﺘﺴﻠﺴﻞ: ﻣﻦ اﻟﻤﻬﻢ ﺟﺪاً الإﺗﻔﺎقﻋﻠﻰﻋﻤﻠﻴﺔ ﻣن ﺷﺄﻧﻬﺎ أنﺗنشىء ﺗﺮﺗﻴﺒاً ﻣﺘﺘﺎﺑﻌﺎً ﻟﻠﺨﻄﻮات اﻟﻤﺤﺪدة اﻟﺘﻲ ﻳﺘﻌﻴﻦ
اﺗﺨﺎذهﺎ ﻣﻦ ﺟﺎﻧﺐ واﺣﺪ وتُقابل ﺑﺎﻟﻤﺜﻞ من الجانب الآخر. ينبغي أن تبدأ هذه العملية من خلال مطالبة طالبان بإعلان وقف إطلاق النار ، والذي سيتم بموجبه بالمقابل سحب 10 إلى 15 بالمائة من القوات الأمريكية. وينبغي أن يعقب ذلك مفاوضات قائمة على المصالح بين طالبان والحكومة المركزية للتوصل إلى حل سياسي دائم ، والذي سيتم مقابله سحب جزء آخر من القوات الأمريكية. والمقايضة المتتالية بشأن العديد من القضايا التي لا يزال يتعين التفاوض بشأنها ستعزز عملية التفاوض وتضمن النتيجة المرجوة.
الأمن: يجب وضع ترتيبات أمنية طويلة الأجل لضمان الحفاظ على الأمن في جميع أنحاء البلاد أثناء عملية انسحاب القوات الأمريكية وما وراءها. ويتعين على القوات العسكرية الأفغانية الحالية وحركة طالبان التعاون في هذا الصدد ، وهو أمر لن يكون من السهل تحقيقه. ومع ذلك ، يصعب تصور أي اتفاق لا يستلزم مثل هذا التعاون، وهو أمر أساسي لأمن واستقرار البلد في المستقبل.بالإضافة إلى ذلك ، يجب أن يوافقوا على التعاون الكامل في نظام المراقبة الذي سيشمل مراقبين دوليين لضمان عدم استخدام أفغانستان كقاعدة إرهابية. من المهم أن نلاحظ أن حركة طالبان والقوات الأفغانية ما زالت تنظر إلى بعضهما البعض كأعداء لدودين وسوف تستغرق عملية المصالحة فترة من الزمن لضمان استمرار التعاون بين الجانبين.
مشاركة زعماء القبائل: إن نجاح أي اتفاق على المدى الطويل يتطلب الدعم الكامل من زعماء القبائل حيث أنهم يمارسون سلطتهم الهائلة على قبائلهم ، وبالتالي على طالبان. في محادثة طويلة أجريت مؤخراً مع زعيم قبلي من الباشتون ، أجمل خان زازاي ، أكد بشدة أنه بدون دعم القبائل لا يمكن أن يدوم أي اتفاق نظراً لأن البلاد كانت منذ زمن طويل مجتمعاً قبلياً. وسيكون من الضروري عقد اجتماع بين رؤساء القبائل لإقرار اتفاق السلام لإعطائه الشرعية وتعزيز استدامته.
المصالحة بين الحكومة وطالبان: ترفض حركة طالبان في الوقت الحالي الانخراط مباشرة مع الحكومة المركزية. ويصر الرئيس غاني على أن الاتفاقية النهائية يجب أن تحمي حقوق وقيم الأفغان التي لا يمكن التنازع عليها ، مثل الوحدة الوطنية والسيادة الوطنية والسلامة الإقليمية والدور المركزي للحكومة. بالإضافة إلى ذلك ، يجب حماية دور المجتمع المدني وحقوق الفئات العرقية الأخرى وحقوق المرأة وحكومة تمثيلية توافقية. وبالنظر إلى التاريخ المرير للصراع، فإن هذا النوع من التسوية السياسية لن يكون من السهل تحقيقه لأنه سيتطلب أيضاً دعم قطاع عريض من السكان الأفغان.
وبناء على ما نعرفه،وحيث لم تعد طالبان تسعى إلى احتكار السلطة ولا الخلافة الإسلامية ، فإن الإتفاق ممكن تماما ً. ويدرك كلا الجانبين أن التعاون الكامل بينهما هو شرط لا بد منه لإنهاء الأعمال العدائية وضمان حل دائم.
دور باكستان: لطالما لعبت باكستان دورا مباشرا وغير مباشر في حرب أفغانستان حيث أنّ للبلد مصالح مهمة في استقرار أفغانستان وأمنها كجارة. ولسنوات عديدة مضت كانت باكستان بمثابة ملجأ لمقاتلي حركة طالبان حيث كانوا يشنون منها هجمات إرهابية ضد القوات الأفغانية وقوات التحالف.
ومدركة ًبأن الولايات المتحدة عازمة على سحب قواتها عاجلاً أم آجلاً ، فإن باكستان تريد ضمان عدم تعرض أمنها للخطر ، وتقوية العلاقات مع الولايات المتحدة والاستفادة مالياً ومنع النفوذ الهندي في أفغانستان مع تعزيز نفوذها في هذا البلد. ومن المؤكد أن باكستان تريد تعزيز موقفها إقليمياً ومنع إيران من التدخل في الشؤون الداخلية لأفغانستان أيضاً.
التمويل الدولي: بعد 17 عاما من الموت والدمار ستحتاج أفغانستان إلى مليارات من المساعدات المالية لإعادة البناء وإعادة التأهيل والبنية التحتية والمدارس والمستشفيات والإسكان. والواقع أن أي اتفاق سلام سينهار تحت وطأة أزمة اقتصادية مستمرة. ولذا يجب على الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي ، على وجه الخصوص ، توفير مساعدات مالية كبيرة لمساعدة البلاد على الوقوف على قدميها. وفي الواقع ، بدلاً من الإستمرار في إنفاق المليارات على المجهود الحربي ، فإن المساعدات المالية الأميركية ستكون أفضل في جهود إعادة الإعمار.
السماح لمزيد من الوقت: لا تزال العديد من العقبات تقف في طريق الوصول إلى سلام مستدام في أفغانستان ، ولكن لمنع مثل هذه العقبات المحتملة من إفساد اتفاق دائم ، يجب على إدارة ترامب أن تمنح الوقت للمفاوضات الحالية لتسوية العديد من القضايا المستعصية والتي بحاجة لوقت وتطوير رؤية سياسية مشتركة لمستقبل البلاد.
من سخرية القدر، في أعقاب هجوم 11/9 قبل 17 عاما ً ، طالبت إدارة بوش بأن تمنع حكومة طالبان آنذاك أي متطرفين عنيفين ، مثل القاعدة ، من التخطيط لهجمات ضد الولايات المتحدة، الأمر الذي رفضته حركة طالبان، مما أدى إلى حرب أفغانستان. . وللأسف، لقد تطلب الأمر مقتل 2300 جندي أمريكي وعشرات الآلاف من الأفغان وأكثر من تريليون دولار للقبول بالأمر المحتوم من خلال التوصل إلى الاتفاق الحالي الذي يستند إلى نفس المبادئ.
سيكون أمرا ً مأساويا ً أن تبدد الولايات المتحدة أو طالبان هذه الإتفاقية الأولية لأن البديل هو الموت والدمار. وعلى الرغم من أنه يجب على الولايات المتحدة إنهاء هذه الحرب المدمّرة، إلا أنها يجب ألا تنسحب على نحو متهور وتترك حالة من عدم الإستقرار في أعقابها ، الأمر الذي سيؤدي بشدة إلى تقويض المصالح الجغرافية – الإستراتيجية للولايات المتحدة.