All Writings
يناير 21, 2011

نهاية مبدأ الأرض مقابل السلام!

لقد بيّن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من خلال أعماله – أو بالأحرى أكثر من خلال تراخيه – بأنّه يرفض فكرة الأرض مقابل السلام. لقد تمّ الكشف عن ذلك بوضوح من خلال قبوله المتردّد والمتكلّف لحلّ الدولتين، رغم التحذيرات الوافرة. ورفضه إيقاف البناء في المستوطنات في الضفة الغربية حتّى لشهرين إضافيين مقابل مضاعفة رزمة المساعدات الأمريكية. ولذا فقد أصبح بمزيد من الوضوح بأنّ إطار اتفاقيات السلام الإسرائيلية الناجحة مع مصر والأردن التي كانت تعتمد على مبدأ “الأرض مقابل السلام” لم تعد واقعية، الأمر الذي لا يمثّل شيئاً سوى تغيير جذري في موقف السلام بالنسبة لإسرائيل فيما يتعلّق بالسوريين، وبصفة خاصة الفلسطينيين. وعليه يصبح أمل التوصل لمفاوضات ثنائية ناجحة ليس فقط أمراً بعيد المنال بصورة لا تُعقل، بل وتخلق أيضاً حالة في منتهى الخطورة.

ففي تشكيله حكومة مع أفيغدور ليبرمان فضّل نتنياهو أمن إسرائيل والتهديد الديمغرافي بصورة تختلف عن الحكومات الإسرائيلية السابقة، ولكن باستثناء شرط واحد مهمّ. يعيش اليوم حوالي 5.8 مليون يهودي في “فلسطين التاريخية” وهي المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. وهناك ما مجموعه 5.3 مليون فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة وإسرائيل. ويبلغ نسبة أو معدّل المواليد لليهود الإسرائيليين (1.7) طفل لكل عائلة، بينما تبلغ هذه النسبة بين الفلسطينيين في الضفة الغربية (2.1) وفي قطاع غزة (3.3). وقد قدّر المكتب الفلسطيني المركزي للإحصائيات حديثاً بأنّ العرب الفلسطينيين سيشكلون الأغلبية السكانية في فلسطين التاريخية في مدة لا تتجاوز عام 2014. وقد كشف استطلاع حديث أجراه مركز تاوب للدراسات الإسرائيلية بجامعة نيويورك بأن (50%) تقريباً من الطلاب المتواجدين في مدارس إسرائيل في الوقت الحاضر هم إمّا عرب أو يهود متدينون.

وفي مواجهة هذا المأزق الديمغرافي، قام آرييل شارون بالانسحاب أحادياً من قطاع غزة طارحاً عنه بذلك مسئولية ما يزيد عن (1.5) مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة ومقوّياً في نفس الوقت الأغلبية اليهودية الإسرائيلية (حتّى لو مدّتها فقط لعدد من السنوات). وخارطة نتنياهو الظاهرة – مع شريكه ليبرمان – هي أيضاً إعادة ترسيم حدود إسرائيل بشكل أحادي، غير أنّ الفرق الجوهري في الاستراتيجية هو أن شارون انسحب لحدود 1967 بين إسرائيل وقطاع غزة في حين أنّ نتنياهو يريد ألاّ يكترث “للخط الأخضر” عام 1967 في إعادة ترسيم الحدود لفصل إسرائيل عن الفلسطينيين في الضفة الغربية. ورفض نتنياهو وقف البناء في المستوطنات ما وراء البلوكات الإستيطانيّة الثلاثة الكبرى التي من الأرجح أن تنضمّ لإسرائيل كجزء من أيّة اتفاقيّة مع الفلسطينيين يبيّن – بخلاف أسلافه اللذين كانوا طامعين بضمّ ما نسبته أقلّ من (10 %) من أراضي الضفة الغربيّة كجزء من اتفاقيّة مبادلة الأراضي مع الفلسطينيين – بأنّه يطمع إلى أكثر من ذلك بكثير. وينسجم هذا السّلوك مع اقتراح ليبرمان المثير للجدل المتمثّل في “خطّة الترانسفير”، أي ترحيل مواطنين فلسطينيين يحملون الجنسيّة الإسرائيليّة كالذين يعيشون في مثلّث القرى العربيّة الواقعة في الجليل لحكم السلطة الفلسطينيّة – ضدّ إرادتهم – مقابل مناطق التوسّع الإستيطاني اليهودي في الضفّة الغربيّة. ولذا فإن استراتيجيّة حكومة نتنياهو ذات شقّين: أوّلا ً، توسيع منطقة الحكم الإسرائيلي في الضفة الغربيّة بالتخلّي في نفس الوقت عن مناطق الأغلبيّة الفلسطينيّة. وثانيا ً، المطالبة بالإعتراف بإسرائيل كدولة يهوديّة كشرط مسبق لأية اتفاقيّة. وتشكّل هاتان الخطوتان التكتيكيّتان مجتمعتين نظرة مشوّهة لخطة نتنياهو “للسّلام” التي يبقى فيها نتنياهو غير مبالٍ بمصير دولة فلسطينيّة مستقلّة ما دامت إسرائيل تحتفظ بحسّها الكاذب في الأمن وتتمتّع بأغلبيّة يهوديّة قويّة. ورفض نتنياهو ايقاف نمو الإستيطان ونجاح ليبرمان في الدّفع بمطلب قسم الولاء للمواطنين الإسرائيليين يدلّ على أنّ هذه الإستراتيجيّة تسير بشكل ٍ جيّد بالنسبة لهما.

وفي مواجهة هذه الرؤية الكئيبة لمستقبلهم يشعر الفلسطينيّون بأنّهم الآن مضطرّون للجوء للمجتمع الدّولي. وبقيامهم بذلك، فأنّهم يسعون لتحقيق نقطتين هامّتين وحرجتين: أوّلاً، بيان واضح بأن استمرار النشاط الإستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربيّة ليس إلاّ عائقا ً أمام التوصّل لاتفاقيّة سلام ٍ دائم بين اسرائيل والفلسطينيين. وثانيا ً: أنّ حل الدّولتين الذي يعتمد على أساس حدود عام 1967 وعلى قراري مجلس الأمن الدولي رقم (242) و (338) هو الحلّ الحيوي الوحيد للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني واللذين يتمتّع كلاهما بموافقة وتأييد دوليين. وسيضع الفلسطينيّون هاتين النقطتين في الإطار واللغة الصحيحة اللتين استخدمتهما الأمم المتحدة قبل سنوات ٍ طويلة، جاعلين معارضتهما في منتهى الصّعوبة على البيت الأبيض. فكيف بعد كلّ تصريحاته السابقة ضدّ الإستيطان سيرفض البيت الأبيض بيانا ً مؤيّدا ً لحلّ الدولتين على أساس حدود عام 1967 ؟ وسيكون لتأييد مثل هذا البيان من طرف الولايات المتحدة الأمريكيّة صدى ً هائلا ً. وحتّى بدون تأييد الولايات المتحدة، فإن تأييد الأغلبيّة العظمى للدول التي تشكّل الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة لهذا البيان أو القرار سيعطي الفلسطينيين دعما ً قويّا ً في الإستمرار بالضغط على إسرائيل في معارضتها المتواصلة لصنع السلام. ومن المهمّ أن نتذكّر بأن قرار الجمعيّة العموميّة للأمم المتحدة رقم (194)- الذي يُقتبس بشكل منتظم على أنّه رؤية المجتمع الدّولي حول قضيّة اللآجئين الفلسطينيين – هو قرار غير ملزم، غير أنّ تأثير هذا القرار بالرّغم من ذلك يبقى مركزيّا ً في أيّة مفاوضات مستقبليّة لتسوية مشكلة اللاجئين الفلسطينيين.

ومع ذلك، ستكون حملة السلطة الفلسطينيّة لكسب التأييد على الساحة الدوليّة ناقصة ً ما دامت مجموعات مثل حماس مستمرّة في معارضتها. وما دامت حماس وغيرها من المجموعات الرافضة تقف ضدّ الجهود الدوليّة للسلطة الفلسطينيّة في حشد معارضة ضد المستوطنات وتأييد حلّ الدولتين، سيكون لإسرائيل المبرّر في الإبقاء على حجتها بأن ليس لديها شريكا ً حقيقيّا ً للسلام، وستستمرّ في استغلال هذا التبرير في خوض حملة تضع اللوم على الرّفض الفلسطيني لحق إسرائيل في الوجود كدولة يهوديّة في إبقاء عمليّة السّلام معلّقة، لا على العناد الإسرائيلي.

وهنا يكمن الخطأ الفادح عند الفلسطينيين والدول العربيّة وهو أنّهم لم يسلّموا – وما زالوا – بصورة مقنعة وكافية بأنّ إسرائيل تواجه بالفعل تهديدات أمنيّة مشروعة من مجموعات متطرّفة مثل حماس وحزب الله والتي يجب تسكينها إذا كان على إسرائيل قبول نهاية يُتّفق عليها للصّراع. وقد أصبحت حدود عام 1967 الآن مصدرا ً لفخر الفلسطينيين والعالم العربي، وبالأخصّ من خلال معاهدات السّلام مع مصر والأردن ومبادرة السّلام العربيّة التاريخيّة التي تعرض تطبيعا ً كاملا ً بين إسرائيل والدول العربيّة مقابل الأراضي التي احتلتها إسرائيل في عام 1967، شاملة اتفاقيّة إسرائيليّة – فلسطينيّة على حلّ الدولتين تعتمد على هذه الخطوط. ولكن بدون استلام موافقة على المبادرة من حماس وحزب الله، حتّى ولو لم تحتضن إسرائيل نفسها مبادرة السّلام العربيّة، من الخطأ رفض أو التغاضي عن مبررات إسرائيل بأنها مهدّدة وبأنّها بدون شريك وبأن العرض أو المبادرة العربيّة غير شاملة. إنّ الموافقة على مبادرة السّلام العربيّة من طرف حماس وحزب الله سيضاعف من تاثير جهود السلطة الفلسطينيّة في ممارسة الضغط على إسرائيل لإزالة مبرراتها في عدم اتخاذ أيّة خطوة نحو السّلام.

وإبّان ذلك، يرتكب أيضا ً نتنياهو أخطاء ً من طرفه. أوّلاً، إنّ استمرار إصراره بأنّه يريد التفاوض وجها ً لوجه مع رئيس السلطة الفلسطينيّة محمود عبّاس إلى حين ظهور “الدّخان الأبيض”(إشارة ً إلى الجلسات الماراثونيّة لانتخاب البابا في الفاتيكان من قبل المجمع المسكوني للكرادلة – المترجم) كما أعلم مؤخّرا ً الصحفيين هو بكلّ بساطة أمرٌ غير معقول. فبمساندته البناء في المستوطنات والإصرار على مطالب جديدة، لا أحد يعتقد بأنّ نتنياهو سيفاوض بنيّة صافية بدون إبراز البرهان الذي يبيّن صدق أقواله وبأن هذه الأقوال لا ترمي فقط للإلتفاف حول الضغط الدولي المتنامي عليها. لن تُخرج الكلمات وحدها إسرائيل من عزلتها، بل تستطيع ذلك الآن بالأعمال فقط. وثانيا ً، على نتنياهو أن يدرك أيضا ً بأنّه لن توجد قيادة فلسطينيّة، حاليّة أو مستقبليّة، أو حتّى قيادة في العالم العربي ترضى بأي شيء أقلّ من اتفاقيّة يتمّ التفاوض عليها على أساس حدود عام 1967. وهذا سبب ضلال اسرائيل بموقفها المزدوج والمتأرجح تجاه مبادرة السّلام العربيّة. ففي كلّ يوم يمرّ تفقد دولة إسرائيل فرصة في إلزام العالم العربي الوفاء بوعده في الإعتراف بها وتطبيع العلاقات معها، وقبل كلّ شيء ضمان أمنها القومي، وذلك كلّه في ختام مباحثات سلام ٍ ناجحة.

يكشف استطلاع أجراه مؤخّرا ً معهد السّلام الدّولي (IPI ) بأن الإسرائيليين سيبقون متحفّظين على خطّة مبادرة السّلام العربيّة حيث أنّ (36 %) منهم فقط يفضّلون مبادرة السّلام العربيّة على الوضع الراهن. وما دامت قيادة إسرائيل تعزّز الفكرة الخاطئة أن بإمكان إسرائيل الحفاظ على أمنها وعلى الأغلبيّة اليهوديّة بدون اتفاقيّة تعتمد على خطوط حدود عام 1967 وتستمرّ في رفض وعود مبادرة السّلام العربيّة لها، فهي بذلك تقوم بصورة فعّالة بخسارة فرصة لصنع السّلام والزجّ بالجيل القادم من الإسرائيليين والفلسطينيين للدمار والموت المتواصلين.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE