كسر الجمود في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني
بقلم د. ألون بن مئير، أستاذ في جامعة نيويورك وخبير في سياسات الشرق الأوسط متخصّصاً في المفاوضات وحلّ النزاعات وهو عضو في البرلمان الأوروبي ونائب رئيس الوفد لبلدان المشرق.
نادرا ً ما كان الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بعيدا ً حتّى الآن عن إيجاد حل. منذ وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل وحماس خلال صيف عام 2014، والرغبة في السعي إلى السلام في تناقص. بدلا ً من ذلك سادت التوترات المتصاعدة، تتخللها عمليات الطعن والدّهس بالسيارات من قبل الفلسطينيين، وأعمال العنف بما في ذلك الحرق من قبل المستوطنين.
ونادراً ما اتخذ إحباط الشعبين مثل هذا الشكل من تحطيم المعنويات الذي ينعكس من هذا العنف اليومي. وعلاوة على ذلك، تم تحويل انتباه المجتمع الدولي عن القضية الفلسطينية بسبب الصراع السوري والأنشطة الإجرامية التي يرتكبها تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، التي تعتبر الآن من الإهتمامات الرئيسية للجهود الدبلوماسية والرأي العام على مستوى العالم.
حالة من التوتر مواتية للسلام بين إسرائيل وفلسطين:
ومع ذلك، فإن الأجواء نادرا ما تكون مواتية لإيجاد حل للنزاع. فالفوضى التي تجتاح الشرق الأوسط تغير قواعد اللعبة بالنسبة لإسرائيل والدول العربية.
كثير من الفلسطينيين والإسرائيليين قلقون من تغلغل ممكن لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في غزة والضفة الغربية. فشل سياسة حماس وإصرار الحكومة الإسرائيلية للعودة إلى الحوار في ظل شروطها الخاصة توفّر أرضا خصبة لأنشطة أكثر عدائية من شأنها أن تمنع التعايش السلمي. فشرر الإرهابيين في كل مكان في فلسطين. لا يوجد بلد في الشرق الأوسط له مصلحة في السماح بظهور صراع جديد.
وعلى أية حال، فإن غالبية الإسرائيليين والفلسطينيين تسعى للسلام، ورغبة الدول العربية لتطبيع علاقاتها مع اسرائيل توفر أرضا خصبة لإستئناف مفاوضات السلام.
طرحت في عام 2002 مبادرة السلام العربية من قبل الجامعة العربية لإنهاء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وفي الإطار المقترح ستقيم جميع الدول العربية والإسلامية علاقات دبلوماسية طبيعية مع اسرائيل بعد الانتهاء الناجح لعملية السلام مع الفلسطينيين.
وبالنسبة للدول العربية، فإن الهدنة مع إسرائيل ستمكّن من ظهور قوس استقرار من البحر الأبيض المتوسط إلى شبه الجزيرة العربية. وهذا يمكن أن يكون مفيداً لهذه البلدان التي تريد الإلتفاف على النفوذ الإقليمي لإيران.
القيادة يجب أن تأتي من أوروبا:
لأوروبا في هذا الوضع المعقد من المصالح المتشابكة دور بارز لتلعبه، حيث أن الولايات المتحدة حاليّا ً غير قادرة على الإلتزام بعملية السلام. فالولايات المتحدة بانشغالها بالإنتخابات الرئاسية المقبلة، وشعورها بالقلق إزاء عدم وجود فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق، وتفضيلها لاتخاذ موقف ” إنتظر وترقّب” قد تكون أيضا على استعداد لدعم مبادرة الإتحاد الأوروبي من أجل السلام.
ومثل هذه الفرصة موجودة. ففرنسا تحاول منذ عدة أشهر إحياء عملية السلام وتدرس في الوقت الحاضرعقد مؤتمر دولي بمشاركة جميع أصحاب المصلحة في هذا الصراع. وعلى الإتحاد الأوروبي وكذلك الدول الأعضاء فيه أن توفّر الدعم التامّ لهذه المبادرة.
ومع ذلك، يجب إستيفاء بعض الشروط الدبلوماسية استنادا إلى الدروس المستفادة من إخفاقات الماضي. وإلا، فإننا في أحسن الأحوال سنحصل على هدنة مؤقتة، مجرد مهلة قبل اندلاع أعمال العنف القادمة. والمبادرة العربية للسلام يجب أن تكون أساس كل المفاوضات.
من ناحية، تؤكد المبادرة على مبدأ التعايش بين الشعوب العربية والإسرائيلية. ومن ناحية أخرى، فإنها تبيّن روح توافق لإنهاء الصراع مع الإتفاق على عمليّات لتبادل الأراضي.
إنّ دور الإتحاد الأوروبي هو في دعم عملية السلام. وفي هذا السياق، علينا أن نؤكد أن اللجنة الرباعية للشرق الأوسط هي الآن أكثر عبئاً من مساعدة في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. مطالبها تجاه حماس عفا عليها الزمن ولا تأخذ في الإعتبار الحقائق الجديدة.
وجميع أولئك الذين لهم مصلحة في الوضع الراهن يدعمون اللجنة الرباعية. نحن بحاجة للتخلص الآن من اللجنة الرباعية، إعادة إحياء مبادرة السلام العربية، وتشجيع المبادرة الفرنسية الأخيرة.
إعداد السلام الآن:
ومع ذلك، سبعون عاماً من الفشل في محاولات لتحقيق السلام بين إسرائيل وفلسطين قد علمتنا أن الدبلوماسية وحدها لا تكفي. سبعة عقود من المعاناة وفقدان الكرامة الفلسطينية – فضلاً عن الإنتهازية السياسية من طرف قادة الطرفين – قد أقامت الحواجز النفسية التي يكاد من المستحيل التغلب عليها في الوضع الحالي، هذا إلاّ إذا سبقت مفاوضات السّلام عملية تواصل بين الناس على غرار “شعب لشعب” لفترة من الزمن.
هناك حاجة للتفاهم المتبادل لقبول ما هو واضح: تدمير إسرائيل أو زوال الفلسطينيين نهائيّا ً هما سيناريوهان مستحيلان. التعايش بين الشعبين هو الأفق التاريخي الذي لا مفر منه.
وهذا يتطلب إنهاء الروايات السامة التي يلقيها القادة على كلا الجانبين، وإنهاء البناء الإستيطاني المحموم ، وتغيير الكتب المدرسية التي تشيطن الطرف الآخر، ودعم مبادرات مشتركة مثل السلام البيئي لتحمي التراث البيئي المشترك …وباختصار جميع الظروف التي من شأنها أن تمهد الطريق للسلام.
في كتابه “هذا هو الإنسان” قال الفيلسوف والأديب الألماني فريدريش نيتشة: “من يعيش من أجل محاربة عدو، له مصلحة في بقاء هذا العدوّ على قيد الحياة”. كلماته هذه تتناغم مع هذا الصراع حيث يتم تقليص الطرف الآخر لدور عدوّ بالوراثة. فكسر هذه الدائرة هو ما نطمح إليه.
مع هذا المناخ المواتي والجهود الدبلوماسية الحالية وبناء بعض الثقة المتبادلة بين الطرفين، لدينا الإرادة لحل هذه المرّة وإلى الأبد الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والإتحاد الأوروبي لديه القدرة على تولي دور القيادة. هذه هي خارطة الطريق للوصول إلى السلام.