ماذا بعد الحرب الثالثة بين إسرائيل وحماس؟
الآن وبعد أن انتهت الحرب الثالثة بين إسرائيل وحماس بشكل غير حاسم مثل الحربين السابقتين ، هل سيستعد الطرفان للحرب التالية أم سيدعان العقلانية تسود ويرسمان مسارًا جديدًا بشكل جذري من شأنه إنهاء الحلقة المفرغة التي لا يمكن لأي طرف أن ينجو منها ؟
تصحيح الخطأ
لا يمكن لأي مراقب مهتمّ بالنزاع الوحشي بين إسرائيل وحماس أن يتوصل إلى أي نتيجة بخلاف أن كلا الجانبين كان ولا يزال موهومًا بشأن هدفه المفترض المتمثل في تدمير الآخر تمامًا. وإذا قدمت التجارب السابقة أي درس ، فهو يمكن لإسرائيل أن تلحق دمارًا هائلاً مع سقوط ضحايا وحتى تقطع رأس قيادة حماس ، لكن حماس ستظل على قيد الحياة وتعيد تجميع صفوفها وتعيد بناء ترساناتها وستظهر أقوى. وبينما تستطيع حماس إطلاق آلاف الصواريخ ، يمكن لإسرائيل أن تمتص مثل هذا الهجوم وتصعد لتفرض ثمنًا أكبر. من المؤكد أنه لا يمكن لأي من الطرفين تغيير المعادلة ، ولكن فقط يمهد الطريق للجولة التالية.
ومما يساهم في هذا المأزق هو أن إسرائيل تقيّم نتيجة الحرب من حيث مقدار الدمار الذي ألحقته ، وعدد المقاتلين الذين قتلتهم ، ومدى إضعاف قدرة حماس الهجومية. وبما أن إسرائيل تعتبر حماس عدوًا إرهابيًا لا يمكن إصلاحه فيجب احتواؤها بطريقة “جز العشب” كل بضع سنوات.
و بالمقابل ، تقيس حماس النتيجة سياسياً ونفسياً وتأثيرها على الجمهور الفلسطيني. وبهذا المعنى ، يمكن لحماس أن تدعي النصر بحق في هذه الحرب الأخيرة لأنها نجحت في اغتصاب عباءة المُدافِع عن القضية الفلسطينية و “الوصي الحقيقي للقدس الشرقية”. بالإضافة إلى ذلك ، لقد وجهت حماس ضربة سياسية كبيرة لمنافسها – السلطة الفلسطينية – لرد فعلها الضعيف على الإضطرابات في القدس الشرقية.
وفي الحقيقة ، لا يمكن لإسرائيل وحماس تجاهل الواقع الجليّ وهو أنه لا يمكن لأي منهما إلغاء وجود الآخر. عليهم أن يقرروا إلى أين يذهبون من هنا ، وأن يدركوا أن الوضع الراهن غير مستدام كما تم إثباته مرارًا وتكرارًا.
زيادة الضغط الجماهيري
الفلسطينيون في غزة يائسون. إنهم يعانون من الفقر والبطالة بنسبة 50 في المائة ونظام رعاية صحية منهار ونقص الأدوية والغذاء والغاز والكهرباء، هذا كله إلى جانب الإصابات والدمار الذي تعرضوا له خلال الحروب المدمرة. إنهم يريدون إنهاء الصراع مع إسرائيل. وعلى الرغم من عدم التعبير عن هذا الشعور بحرية ، فإن قيادة حماس تدرك تمامًا أن إلقاء اللوم على إسرائيل فيما يتعلّق بمحنة الشعب ليس له صدى إلا إلى حد معين. يجب عليهم تلبية مطالب جماهيرهم إذا كانوا يريدون منع إضطرابات واسعة النطاق.
وبالمثل ، يزداد إحباط الإسرائيليين من الطريقة التي يتعامل بها نتنياهو مع الصراع مع حماس (هذه هي الحرب الثانية غير الحاسمة مع حماس تحت إشرافه). وتعاني المجتمعات المجاورة لغزة أكثر من نصيبها من القلق والخوف والإضطرابات في حياتها اليومية. يشعر معظم الإسرائيليين بالإستياء من أنهم يجب عليهم أن يهرعوا إلى الملاجئ لعدة أيام للحصول على الحماية من الصواريخ ، كل ذلك في الوقت الذي يتأثر فيه الاقتصاد بشدة وتتصاعد تكلفة شن هذه الحروب باستمرار مع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق للحلقة الدموية.
وفي ضوء الحرب الأخيرة ونتائجها غير الحاسمة ، قد تضطر إسرائيل وحماس إلى إعادة النظر في علاقاتهما ورسم مسار جديد لتغيير ديناميكية الصراع الذي يمكن للطرفين الاستفادة منه.
أولاً ، وقف إطلاق نار طويل الأمد: لم يعد قرار المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالرد الفوري (بشكل غير متناسب) على أي استفزاز لحركة حماس ، كما كان الحال في كل حرب ، هو الحل. يجب على إسرائيل التي ساعدت في قيام حماس في المقام الأول لموازنة منظمة التحرير الفلسطينية وشهدت نموها وتطورها على مدى العقود الثلاثة الماضية، أن تعترف بأنها ببساطة لا تستطيع أن تحقّق زوالها. حان الوقت لأن توافق إسرائيل على وقف إطلاق نار طويل الأمد (هدنة) لمدة 15-20 سنة ، وهو ما تسعى إليه حماس منذ عدة سنوات، ولكن لدى إسرائيل مخاوف مشروعة من أنه خلال فترة الهدوء الطويلة هذه ، ستجمع حماس المزيد من الصواريخ وتبني المزيد من الأنفاق وتحسن بشكل كبير قدرتها الهجومية والدفاعية.
يمكن التخفيف من هذه المخاوف من خلال الردع أو المكافآت. الأولى هي إغراء حماس بأن الإمتثال الكامل سيؤدي إلى رفع تدريجي للحصار وإعادة بناء البنية التحتية. الثانية ، سيؤدي انتهاك الإتفاقية إلى دفع إسرائيل إلى توجيه مثل هذه الضربة الهائلة التي قد لا تتعافى منها حماس. وفي هذا الصدد ، كانت ترسانة حماس من الصواريخ والأسلحة الأخرى نقطة خلاف رئيسية بين الإسرائيليين. تحت شروط وقف إطلاق نار طويل الأمد ، يجب أن تبقى ترسانة حماس الحالية مقفلا ً عليها تحت إشراف مباشر من مصر التي توسطت منذ فترة طويلة بين إسرائيل وحماس.
ثانيًا ، إعادة بناء البنية التحتية لقطاع غزة: إعلان الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة والمانحين الآخرين سيقدمون مليارات الدولارات لإعادة بناء ما دُمّر خلال الحرب الأخيرة وتوسيع البنية التحتية هو أمر بالغ الأهمية. إن بناء المدارس والمستشفيات والمساكن والطرق وشبكات الكهرباء أمر بالغ الأهمية لكل فلسطيني في غزة وأيضًا لقيادة حماس. وعلى الرغم من أن حماس تحدت إسرائيل في الماضي مدركة أنها كانت تدعو إلى رد إسرائيلي واسع النطاق، سيصبحون الآن – نظرًا لمدى صعوبة الظروف في غزة – أقل ميلًا لتحدي إسرائيل مرة أخرى ، خاصة إذا كانوا يريدون الحفاظ على مكاسبهم السياسية من الحرب الأخيرة .
و من الواضح أن الولايات المتحدة ، بدعم من دول أخرى ، ستنشئ نظام مراقبة غير مقيّد لمنع حماس من تحويل أي من المساعدات التي تتلقاها لأغراض عسكرية ، وخاصة بناء الأنفاق وتصنيع الصواريخ والتدريب. وفي الحقيقة سيكون من الحكمة إشراك حماس في جهود إعادة الإعمار لجعلها منوطة بشكل متزايد بالعملية.
ثالثًا ، الرفع التدريجي للحصار: بالتزامن مع وقف إطلاق نار طويل الأمد ، يجب على مصر ، وبدعم قوي من الولايات المتحدة ، العمل مع إسرائيل وحماس على خطة ترفع الحصار تدريجياً على مدى خمس سنوات. يجب أن يكون الرفع الكامل للحصار مرتبطا مباشرة بنبذ حماس للعنف ضد إسرائيل ، ويجب أن يثبت ذلك من خلال منع أي عمل عدائي ضد إسرائيل من قبل أي مجموعة من داخل غزة. علاوة على ذلك ، يجب على حماس أن تلتزم بالنأي بنفسها عن الإخوان المسلمين لأن القاهرة تلعب دورًا مركزيًا في أي وقف لإطلاق النار وتنفيذه ، وتعتبر الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
هذه هي اللحظة التي يجب أن يدرك فيها قادة حماس أنه لا يكفي التباهي بالنصر النفسي والسياسي الذي حصدوه من الحرب. يجب أن يترجموا ذلك إلى مكاسب عملية. لديهم الآن فرصة حاسمة لتغيير ديناميكية الصراع بأكملها من خلال إظهار الإعتدال. وسيكون من الحكمة أكثر من جانب إسرائيل أن تغتنم اللحظة وتتجاوز الفكرة القديمة والمرهقة بأن حماس ببساطة لا يمكن إصلاحها.
قد يبدو ما ورد أعلاه منطقيًا للغاية بالنسبة لنهج ٍ لحل مثل هذا الصراع المستوطن بين الخصوم الأقوياء حيث تتصاعد المشاعر وتتعمق الكراهية وتكون عدم الثقة أمرًا مستهلكًا فقط للذات. وعلى أية حال ، فإنني أدعو أي زعيم إسرائيلي أو زعيم من حماس ليوضح لي ما إذا كان هناك أي بديل آخر قابل للتطبيق ولديه أي فرصة لأن يكون مقبولا ً من كلا الطرفين.