التقارير الصحفية الحقيقية في البلقان تهدد الحياة
أ.د. ألون بن مئير وأربانا إكسهارا
كان الصحفي الاستقصائي في كوسوفو باريم أولوري يعرف المهاجمين الذين اعتدوا عليه جسديا قبل عامين أمام منزله ، بينما ظلت الشرطة والمؤسسات الأمنية الأخرى صامتة. يقول أوليوري: “أرسلت أسماء إلى شرطة كوسوفو وكذلك إلى مكتب المدعي العام ، لكن لم يتخذ أي منهم أي إجراء”. وبدلاً من ذلك أرسل السياسيون الذين تم التعرّف عليهم من قبل الصحفي لدى الشرطة رسائل إلى أوليوري ينكرون أنهم شاركوا في الهجوم.
“كيف اكتشفوا أسماءهم التي ذكرتها ؟ هذا يثبت أن الشرطة تعمل جنباً إلى جنب مع السياسيين وأنهم استخدموا شهادتي لإعلامهم “، كما يقول أوليوري ، مضيفًا أن المؤسسات الأمنية في كوسوفو لا تحقق في القضايا بشكل سريع وشامل لأنها تخضع لسيطرة القيادة السياسية.
ونتيجة لذلك ، فإن العديد من الصحفيين الملتزمين بتقديم تقارير صريحة في كوسوفو ودول البلقان الأخرى يشعرون بعدم الأمان حيث أصبح من الطبيعي أن يتعرضوا للتهديد وحتى للاعتداء الجسدي. ويشير الترهيب المتنامي للمنافذ الإعلامية المستقلة في دول البلقان بوضوح إلى الفساد المنتشر والجريمة المنظمة في هذا الجزء من أوروبا.
من عجيب المفارقات هنا أن دول البلقان التي ترغب في الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي يبدو أنها تتجاهل أن حرية التعبير هي واحدة من الشروط الأساسية التي لا بدّ منها للإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي. إنها تتجاهل حقيقة أن حرية الصحافة هي إحدى الركائز الأساسية للديمقراطية والحكم الرشيد والمساءلة السياسية. ووفقاً لميثاق الإتحاد الأوروبي ، لا يمكن لأي بلد الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي دون ضمان حرية التعبير كحق أساسي من حقوق الإنسان (المادة 49 من معاهدة لشبونة).
أعربت المنظمات الدولية المعنية بحماية الصحفيين عن قلقها العميق إزاء الأجواء المعادية التي يعمل صحفيو البلقان في ظلها. ووثق التقرير العالمي السنوي لـمنظمة حماية حقوق الإنسان “هيومن رايتس ووتش (HRW)” الإعتداءات والتهديدات ضد الصحفيين في البوسنة والهرسك ، وكوسوفو ، والجبل الأسود ، وصربيا ، ومقدونيا. واستند تقرير هيومن رايتس ووتش إلى مقابلات مع 86 صحفياً معظمهم يكتبون حول قضايا حساسة مثل جرائم الحرب والفساد.
قبل بضعة أيام ، خرج الآلاف إلى الشوارع في صربيا ، مطالبين بإجراء انتخابات نزيهة ، وصحافة حرة ، واستقالة الرئيس ألكسندر فوتشيتش. لقد أدرك المواطنون الصربيون أن رئيسهم يستغل بالتأكيد منصبه لتحقيق مكاسب مالية مع تشديد قبضته على السلطة والسيطرة على وسائل الإعلام لمنع حدوث تقارير ضارة.
وقال سيد نومانوفيتش ، وهو صحفي من البوسنة والهرسك ، إن بيئة وسائل الإعلام في بلده أصبحت غير آمنة على نحو متزايد. “الاعتداءات الجسدية على الصحفيين أصبحت شائعة وتؤثر على حياتهم اليومية. يقول نومانوفيتش: “عندما يتعرض الصحفي للضرب لا يعد يصدر الأخبار”.
في عام 2018 هوجم جسديّا ً مالك جريدة “البوسنيان تايمز” (The Bosnian Times)، نيدزاد لاتيش وصحفي من شبكة تلفاز أخبار البوسنة (BN Television) فلاديمير كوفاسيفيتش ولم يتم القبض على مرتكبي الإعتدائين أو إحالتهما للعدالة. يقول نعمانوفيتش: “ليس من الصعب الإستنتاج بأن هذا العام سيكون أسوأ بكثير بالنسبة للصحفيين مقارنة بالعام الماضي. إن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو القيام بعملنا في مثل هذه البيئة المهددة”.
ورغم أنها عضو في الإتحاد الأوروبي، غير أن كرواتيا أيضًا ليست آمنة للصحفيين. هروفجي باجلو ، مالك “أخبار زادار” (Zadar News) ومراسل الموقع الوطني (National Index.hr)
تعرض لهجوم العام الماضي وعانى من إصابات جسدية شديدة. حدث هذا بعد ثلاثة أسابيع من زعم أن تومو ميدفيد ، وزير شؤون المحاربين القدامى ، هدد صحفي آخر هو فويسلاف مزوكو.
ودعت لجنة حماية الصحفيين سلطات الجبل الأسود في العام الماضي لضمان سلامة أوليفيرا لاكيش، وهي صحفية إستقصائية تعمل لدى جريدة “فيجيستي” (Vijesti) اليومية المحلية والتي أطلق النار عليها خارج مبنى شقتها في شهر مايو 2018.
ولاكيش التي كانت تكتب على نطاق واسع عن الجريمة والفساد في الجبل الأسود كانت ثاني صحفية من جريدة “فيجيستي” Vijesti تتعرض للهجوم في العام الماضي. وانفجرت قنبلة بالقرب من منزل زميل لاكيش في جريدة “فيجيستي” (Vijesti) وهوسيد صادقوفيتش في 1 أبريل 2018 حسبما أفادت به لجنة حماية الصحفيين في ذلك الوقت.
ووفقا لأحدث تقرير “فريدوم هاوس” (Freedom House ) “الأمم في عبور” (“Nations in Transit”) فإن الفساد والجريمة المنظمة في ألبانيا لا تزال تمثل مشكلة خطيرة على الرغم من جهود الحكومة في الآونة الأخيرة لقمع مثل هذه المخالفات. وبالرغم من ذلك، فإن تداخل رجال الأعمال الأقوياء مع السياسة وملكية بعض الزعماء الفاسدين لوسائل إعلام معيّنة يؤخر تطوير منافذ أخبار مستقلة.
وقال رئيس نقابة الصحفيين الألبان ألكسندر سيباشيد بأن معظم التهديدات التي يتلقاها الصحفيون تأتي من جماعات إجرامية تعمل وتحتكر قطاعات مهمة من الإقتصاد. ويقول:”يمارس الصحفيون والمحررون في ألبانيا الرقابة الذاتية بسبب المصالح الإقتصادية لمجموعات الأعمال ومالكي وسائل الإعلام الذين أنشأوا شراكات”.
ليس الفساد والجريمة المنظمة وحدها هي التي تمنع الأصوات الموثوق بها، بل أيضا ً انتقاد أيديولوجية عقائدية ، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإسلام ، أمر خطير للغاية بالنسبة للصحفيين.
يواجه الصحفيون في أنحاء البلقان ضغوطاً مماثلة من الحكومة التركية التي تستهدف كل من يجرؤ على انتقاد الرئيس التركي أردوغان على وجه الخصوص. ففي 20 تموز / يوليو 2016 أرسلت السفارة التركية في بريشتينا مذكرة إلى وزارة خارجية كوسوفو تحثها على التحقيق مع الصحفي بيرات بوزلاحا ومعاقبته بعد أن نشر تعليقات عامة تنتقد أردوغان على وسائل التواصل الإجتماعي.
وذكرت مذكرة السفارة التركية أنه “(ينبغي على الوزارة) ضمان اتخاذ الخطوات اللازمة بشأن هذا الشخص وفقًا للقانون”. وأرسلت لقطة شاشة من تعليقات بوزلاحا على الفيسبوك ضد أردوغان برفقة المذكرة.
وتضمّنت مذكرة السفارة – التي شاهدت وكالة رويترز نسخة منها – إقتباسا ً أيضًا عن قانون كوسوفو لعام 2016 الذي يحظر على المواطنين الإنضمام إلى النزاعات المسلحة خارج البلاد. كما ذكرت أن القانون ينص على أن الأشخاص مثل بوزلاحا الذين ينشرون مثل هذه التعليقات “ينبغي أن يحكم عليهم بالسجن من ستة أشهر إلى خمس سنوات”.
يقول خلال نزيري (Xhelal Neziri) ، وهو صحفي بارز من مقدونيا ، إنه على مدى السنوات الخمس الماضية انتهى المطاف بسجن اثنين من الصحفيين. “يواجه الصحفيون تهديدات ليس فقط من قبل السياسيين الفاسدين ، ولكن أيضا من شخصيات سياسية تستخدم الدين كغطاء لخدمة مصالحها. يقول نزيرى: “إذا انتقدت أيديولوجيتهم الدينية ، فإن آلة كاملة سوف تسيء إليك”.
وعلى الرغم من أن دساتير معظم دول البلقان تضمن حرية الصحافة ، فإن كل من يجرؤ على انتقاد سوء استخدام الدين يعتبر عدوّا ً للإسلام ويواجه أشد التوبيخ، وغالباً دعوة صريحة لـ “الإعدام”. فالجهاز الديني الذي يدعم الرئيس التركي نشط بشكل خاص ، إلى جانب أولئك الذين يرتبطون بمراكز القوة المالية في البلقان التي تنشر أكثر المبادئ الأساسية للإسلام.
وفي حين أن دول البلقان تزعم أنها دول ديمقراطية ، فإنها تتجاهل حقيقة أن حرية الصحافة أساسية لديمقراطية فاعلة. وينبغي على دول البلقان التي تطمح إلى الإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي ألا يكون لديها وهم بأن طموحاتها لا يمكن أن تتحقق ما لم ترقى إلى مستوى متطلبات ميثاق الإتحاد الأوروبي.
وعلى هذا النحو ، فإن الإتحاد الأوروبي في وضع يسمح له بممارسة تأثير كبير على هذه الدول. يجب عليه أن يوضح بشكل جليّ أن استمرار الترهيب والمضايقة والتحريض على الصحفيين سوف يحرم أي عضوية محتملة في الإتحاد الأوروبي.
تحتاج شعوب البلقان إلى معرفة أنه بإمكانهأ الإعتماد على دعم الإتحاد الأوروبي في معركتها من أجل حقوق الإنسان وحرية الصحافة ، ويجب على قادتها أن تدرك أن استمرار انتهاكهم لهذه الحقوق يحمل ثمنًا باهظًا.