لقد أظهر الأوكرانيون ورئيسهم للعالم المعنى الحقيقي للبطولة والشجاعة
إن المقاومة المتزايدة من الرجال والنساء والمراهقين الأوكرانيين لصد الغزو الروسي الوحشي لبلدهم قد أظهرت للعالم بأسره المعنى الحقيقي للشجاعة والتصميم في مواجهة معتد متوحش يشن حربًا غير مبررة على جار مسالم ، التي ستدفع روسيا مقابلها ثمنا باهظا.
تصحيح الخطأ
كان ينبغي ألا يفاجئ الغزو الروسي لأوكرانيا أحداً ، حيث صرح الرئيس بايدن مرارًا وتكرارًا قبل أسابيع من الغزو أن بوتين كان يحشد قواته العسكرية ويضعها في حالة استعداد للهجوم على دولة مجاورة مسالمة دون أي استفزاز أو تبرير. لكن ما كان مفاجئًا هو سوء تقدير بوتين لعزم الأوكرانيين ورئيسهم على الدفاع عن بلدهم بكل قطرة دم والقيام بذلك بشجاعة وبسالة غير عادية. ينبغي أن يؤدي الدمار الهائل وعدد القتلى في نهاية المطاف إلى تعذيب ضمير كل زعيم غربي أصبح راضيًا عن تصميم بوتين المكشوف لتغيير النظام العالمي في سبيل إحياء الإمبراطورية الروسية من خلال استخدام القوة الوحشية مع الاعتماد على الافتقار إلى العزيمة من طرف التحالف الغربي لردعه.
و في حين أنه من غير المرجح أن تنتصر أوكرانيا عسكريا ً على الغزاة وأن المدنيين سيموتون طالما أنهم يرفضون الاستسلام للعدوان الروسي ، فإن الموت في ساحة المعركة ليس بأي حال من الأحوال نفس الشيء مثل التنازل بالهزيمة حتى لو كانت النتيجة في أي منهما قد تبدو ظاهريا ً نفسها. فكما قال ونستون تشرشل : “الأمم التي انهارت بالقتال نهضت مرة أخرى ، لكن تلك التي استسلمت بشكل تام قد انتهت”. وكما قال الإغريق القدماء : “من الأفضل أن يموت المرء على قدميه من أن يعيش على ركبتيه.” والأوكرانيين يعطون العالم درسا في التصميم والشجاعة والتضامن والوطنية الحقيقية.
قال البعض أن الرئيس زيلينسكي لا ينبغي أن يشجع الأوكرانيين على مواصلة القتال عندما تكون الهزيمة نتيجة مفروضة ؛ أنه إذا ألقى المدنيون زجاجات حارقة على القوة الغازية فسيكون هناك خسائر في الأرواح لا داعي لها ؛ وأن الحكومة الأوكرانية لا ينبغي أن تتخلى عن التفاوض على إنهاء الصراع طالما أن بوتين على استعداد للتفاوض.
أي شخص يقدم مثل هذه الاقتراحات لم يقلل فقط من أهمية وحدة وعزم الأوكرانيين على القتال حتى النهاية المريرة ، ولكنه فشل أيضًا تماما ً في فهم ما يسعى إليه بوتين – أي الإطاحة الكاملة باستقلال أوكرانيا وبتر رأس قيادتها وتدمير إرادتها في مقاومة حكمه الاستبدادي.
قال الفيلسوف أدورنو ذات مرة ، “إن الحاجة إلى إسماع صوت المعاناة هي شرط لكل الحقيقة.” أتذكر هذا القول عندما أرى ما يحدث يومًا بعد يوم في أوكرانيا. قُتل الآلاف من الأوكرانيين بسبب القصف العشوائي وفر ما يقرب من مليون لاجئ بالفعل إلى البلدان المجاورة ، ومن المرجح أن يرتفع هذا العدد إلى الملايين قبل أن نرى نهاية لهذا الصراع.
و الآن هو الوقت الذي يجب أن نصغي فيه إلى صوت المعاناة. بدا أن بوتين وجنرالاته قد تخيلوا أن أوكرانيا ستسقط بسرعة في أيديهم – فهم لم يعولوا على قيام أمة موحدة ومقاومتها لهم بكل ما أوتيت من قوة وعزيمة. لم يتوقعوا أن يحمل المواطنون الذين ليس لديهم خبرة عسكرية على الإطلاق السلاح وزجاجات المولوتوف وكل ما يمكنهم العثور عليه لطرد الغازي.
وكيف كان ردّ بوتين – هذا “العبقري” كما أشار إليه ترامب في بداية الصراع – ؟ تمامًا كما قد يتوقع المرء – لم يكتف بتصعيد لهجته ووضع أسلحته النووية في حالة تأهب قصوى ، بل زاد من وحشية هذه الحرب غير المعقولة ؛ بدأ في استهداف المدنيين علناً وقتل الأطفال وغيرهم من غير المقاتلين.
و بينما يراقب بوتين أن بلاده تزداد عزلة ، تتصاعد الاضطرابات المدنية بين عامة الروس الذين يرفضون هذه الحرب العدوانية ضد دولة مسالمة وذات سيادة. أمة تطالب فقط بحق كل دولة حرة ومستقلة – الحق في الوجود ، والحق في تقرير المصير ، والحق في الوقوف شامخًة بين مجتمع الأمم.
إن إدعاء بوتين بأن أوكرانيا يقودها “نازيون جدد” ليس مجرد قول عبث ، ولكنه يظهر فقط أنه سيقول أي شيء يناسبه حتى لو كان خاطئًا بشكل واضح وجليّ . ورئيس أوكرانيا ، فولوديمير زيلينسكي – الذي أثبت أنه زعيم شجاع وفعال حقًا في زمن الحرب – هو في الحقيقة نفسه يهودي. لكن زيلينسكي لم يولد فقط لوالدين يهوديين ، فقد فقد جده سيمون زيلينسكي الذي خدم في الجيش الأحمر خلال الحرب العالمية الثانية، ووالده وثلاثة أشقاء له قُتلوا جميعًا في الهولوكوست.
ليس مهمّ أي من هذا بالطبع لبوتين الذي تعمد في هذه الحالة صياغة أكاذيبه لتكون شريرة وخبيثة بقدر ما هي شائنة. يتسبب بوتين في أضرار لا توصف ، ليس فقط للأوكرانيين الذين يتحملون بشجاعة وطأة غزوه الوحشي وقصر نظره ، بل إنه يؤذي أيضًا ملايين الروس الأبرياء، الروس العاديون الذين يعارضون بوضوح هذا الغزو المروع ولا يرغبون في أن تشن بلادهم حربًا ضد جار مسالم ، يقودهم سفاح قاس وغير أمين. سيعانون للأسف لسنوات قادمة بسبب حربه الكارثية التي لن تؤدي إلا إلى زيادة عزلة روسيا وتجلب معاناة هائلة وصعوبات اقتصادية على شعبها.
علاوة على ذلك ، قام المستبد الروسي بتهميش مستشاريه لمتابعة هذه الحرب العدوانية العبثية وتجاهل التداعيات الاقتصادية التي كانت دائمًا النتيجة الحتمية. الروبل ينهار ، وهذه مجرد بداية الضائقة الاقتصادية التي ستصيب الشعب الروسي التعيس الذي وضع ثقته في طاغية ، قيصر العصر الحديث ، الذي قاد عودة عالمية للسلطوية.
و عندما نرى ما يحدث في أوكرانيا وكيف يواجه هذا البلد ببطولة كل قوة الجيش الروسي الأكثر جبروتاً ، ينبغي أن نتذكر محادثة ترامب في 25 يوليو 2019 مع زيلينسكي. طلب رئيس أوكرانيا من ترامب مساعدة عسكرية من شأنها أن تساعد بلاده في الرد على الانفصاليين الروس وعلى العدوان الروسي الذي تقاومه بلاده الآن ببسالة.
و خلال تلك المكالمة قال زيلينسكي “نحن … مستعدون لشراء المزيد من الجافلين (Javelins) من الولايات المتحدة لأغراض دفاعية.” ونعلم جميعًا كيف كان رد ترامب: “أود منك أن تقدم لنا معروفًا على الرغم من …” وضع ترامب بلا خجل تلك المساعدة رهينة لمصالحه السياسية الشخصية. ترامب – الذي سعى باستمرار ، مثل بوتين ، إلى إضعاف الناتو – لم يفشل قط في الإشادة بالرئيس الروسي ؛ ودعونا لا ننسى هلسنكي ، حيث وثق ترامب صراحة بكلمة المستبد أكثر من كلمة فريق استخباراته.
إن أحلام بوتين العبثية باستعادة أيام مجد الإمبراطورية الروسية ستثبت بشكل ثابت زواله. فليكن هذا هو الدرس للقادة الدكتاتوريين الذين ينظرون إلى بوتين كنموذج يحتذى به. وفي كل مرة يشير فيها ترامب إلى بوتين على أنه “ذكي” ، فليكن هذا بمثابة تأكيد على أن ترامب نفسه موضع ازدراء وسخرية وأنه وأتباعه المتملقون هم السم لهذه الجمهورية وقبلة الموت لمؤسساتنا الديمقراطية.
ومقابل ذلك ، فإن الرئيس زيلينسكي الذي رفض عرضًا أمريكيًا بالإخلاء ، يقاتل من أجل بلاده ، حيث ظهر كبطل عالمي في المعركة ضد بوتين. البطولة الأوكرانية تمنح بلادهم الأمل ، فالآلاف من الرجال والنساء الأبطال الذين يقاتلون ضد القوات الروسية المدججة بالسلاح ، يظهرون للعالم بأسره الشجاعة والبسالة الأوكرانية.
لقد أثبت رئيس أوكرانيا أنه بطل ومصدر إلهام للشعوب المحبة للحرية في جميع أنحاء العالم. هو في الواقع كل شيء لا يفعله الدكتاتوريون المستبدون والذين يخدمون مصالحهم الذاتية مثل بوتين وأولئك اللذين يتمنون أن يكونوا يوما ً ديكتاتوريين مثل ترامب.