All Writings
سبتمبر 1, 2023

نداء تنبيه لرئيس وزراء كوسوفو كورتي

لقد تم انتخاب رئيس الوزراء كورتي على أساس أنه سيهتم بالضائقة الاجتماعية والاقتصادية التي تعيشها كوسوفو وينتشل شعبه من رماد الحرب ويمنحهم الأمل ويستعيد كرامتهم. ومن المؤسف أنه بعد مرور أكثر من عامين لم يعد لدى كورتي الكثير ليقدمه لوعوده.

كتبت على مدى العامين الماضيين عدة مقالات رأي حول الوضع في كوسوفو وكيف خذلت الحكومات المتعاقبة شعوبها في الواقع. ولكن عندما تولى رئيس الوزراء كورتي السلطة، شعرت بالامتنان لأن كوسوفو انتخبت أخيراً رئيساً للوزراء يرقى إلى مستوى المناسبة وينتشل بلاده من ركودها الذي دام 12 عاماً. ومع ذلك، ومع أفضل النوايا، لم تتماشى أولويات كورتي مع ما يريده الجمهور واحتياجاته. لقد أصبح مهووسًا بما يقوله أو يفعله الرئيس الصربي فوتشيتش، وأراد على وجه الخصوص تأكيد سلطته على المجتمع الصربي العرقي في كوسوفو كما لو أن الاستقلال الحقيقي لبلاده يعتمد بالكامل على تعهد هذا المجتمع بالولاء لعلم كوسوفو. وما زلت أعتقد أن كورتي قادر على تغيير المسار ووضع بلاده على مسار يتفق مع رؤيته لجعل كوسوفو ديمقراطية مستقلة ومزدهرة إذا أعاد ترتيب أولويات أجندته المحلية والخارجية.

هناك خمس حقائق يبدو أن كورتي يتجاهلها والتي كان من الممكن أن تغير مسار كوسوفو بشكل كبير نحو الأفضل.

الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الضامنان لاستقلال كوسوفو
بادئ ذي بدء، الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هما في نهاية المطاف ضامنان استقلال كوسوفو ولن يقدما أي حل لمشاكل كوسوفو، بما في ذلك صراعها مع صربيا وكذلك مع الصرب العرقيين، الأمر الذي من شأنه تحت أي ظرف من الظروف أن يعرض استقلال كوسوفو وسلامة أراضيها للخطر.

ففي نهاية المطاف، ساهمت هاتان القوتان في تمكين كوسوفو من التحول إلى دولة ذات سيادة وضمان استقلالها وأمنها على المدى الطويل. وسيكون من الهزيمة الذاتية من الناحية الاستراتيجية إذا تراجعتا عن التزاماتهما. وقد أظهر كورتي قصر النظر عندما لم يتبع نصيحتهما، وبدلاً من تعزيز العلاقات الحاسمة بين بلاده والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، رفض هذه النصائح، وخاصة فيما يتعلق بالحاجة إلى إجراء انتخابات جديدة في المناطق ذات الأغلبية العرقية الصربية في شمال كوسوفو.

كانت الانتخابات الأخيرة قد قاطعها صرب كوسوفو؛ صوت خمسة بالمائة فقط من إجمالي سكان المنطقة وانتخبوا رؤساء البلديات الألبان – حصل أحدهم على 100 صوت فقط – الذين بالتأكيد لا يمثلون الغالبية العظمى من السكان في تلك المناطق على الرغم من أن الانتخابات كانت حرة ونزيهة. كما كان الجميع يعلمون قبل الانتخابات بوقت طويل أن الجالية الصربية سوف تقاطعها. وصرح وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ردا على الاضطرابات: “نحن ندين بشدة تصرفات حكومة كوسوفو التي تؤدي إلى تصعيد التوترات في الشمال وزيادة عدم الاستقرار”.

من المحير أن يتحدى رئيس وزراء كوسوفو، البلد الذي يعتمد بشكل شبه حصري على الدعم السياسي والمساعدات الاقتصادية والضمانات الأمنية من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، توصياتهم فيما يتعلق بالبلديات ذات الأغلبية الصربية في كوسوفو، في حين أنه في الواقع التعاون والتنسيق مع الاتحاد الأوروبي أمر أساسي لسيادة كوسوفو. وقد دفع هذا شخصيات أمريكية، بما في ذلك سفير الولايات المتحدة لدى صربيا، كريستوفر هيل، إلى الإدلاء بصراحة عن كورتي: “لدينا معه بعض القضايا الأساسية للغاية حول ما إذا كان بإمكاننا الاعتماد عليه كشريك”.

كان ينبغي لرئيس الوزراء كورتي أن ينشىء رابطة البلديات الصربية التي تم الاتفاق عليها منذ عدة سنوات بعد وقت قصير من توليه السلطة. وللتأكيد، بدلاً من العمل جنباً إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي والتمتع بدعمه، قام الإتحاد الأوروبي في نهاية المطاف بفرض عقوبات صارمة على كوسوفو في حين أدى ذلك إلى عرقلة عملية الإنضمام للإتحاد.

كوسوفو مركزية في استراتيجية غرب البلقان
ثانياً، لا يبدو أن كورتي يقدر حقيقة أن كوسوفو تشكل بالنسبة للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي جزءاً لا يتجزأ من مصالحهما الاستراتيجية الشاملة في البلقان، وخاصة الآن عندما تستعر الحرب في أوكرانيا ويبذل الرئيس الروسي بوتين كل ما في وسعه لزعزعة استقرار المنطقة. ونظراً للانتماء الديني والتاريخي والثقافي بين روسيا وصربيا، فمن الواضح أن بوتين سيستغل هذه العلاقة إلى أقصى حد لخدمة مصالحه المباشرة.

وبالتالي، لكي تتمكن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من الحد من نفوذ بوتين على فوتشيتش، يتعين عليهما استيعاب فوتشيتش، بالطبع إلى حد معين فقط، دون المساس بأمن كوسوفو الوطني. وهذا لا يعني أن رفض فوتشيتش الاعتراف بكوسوفو وافتقاره إلى التعاون أمر مقبول، ولكن إستبعاده دون داع يؤدي إلى نتائج عكسية بالنسبة للمصالح الوطنية لكوسوفو والمصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

البلديات ذات الأغلبية الصربية
وثالثاً، كان كورتي، ولا يزال، يخصص وقتاً مبالغاً فيه للبلديات ذات الأغلبية الصربية وكأن إخضاعها لعقيدته السياسية من شأنه أن يضمن استقلال كوسوفو. بدءاً من النزاع حول لوحات الترخيص، إلى الخلاف حول رابطة البلديات الصربية، إلى الانتخابات المشؤومة في المناطق ذات الأغلبية الصربية، من بين بعض القضايا التافهة الأخرى، لم تفعل شيئاً سوى صرف انتباهه عن مهمته الأساسية المتمثلة في تلبية احتياجات شعبه.

والحقيقة أنه بصرف النظر عن المدى الذي قد تذهب إليه صربيا في حمل صرب كوسوفو على الانخراط في أي نوع من الأنشطة المناهضة للحكومة، فإنهم لا يستطيعون تهديد استقلال كوسوفو بأي شكل من الأشكال. ورغم أن فوتشيتش لن يعترف بذلك، فإنه يدرك تمام الإدراك أنه لا يستطيع الآن أو في أي وقت في المستقبل الاستيلاء على المنطقة ذات الأغلبية الصربية في كوسوفو، ومن المؤكد أنه لن يحقق ادعاءه بأن كوسوفو جزء لا يتجزأ من صربيا.

تنفير الاتحاد الأوروبي
رابعاً، من المحير إلى حد ما أنه بالنسبة رئيس وزراء يسعى بحماس لدمج كوسوفو في الاتحاد الأوروبي، فإنه يريد تنفير بالذات ذلك الاتحاد الذي يريد الانضمام إليه، بينما يفشل في اتخاذ جميع التدابير اللازمة للوفاء بالمتطلبات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للاتحاد الأوروبي والمعايير الديمقراطية. منذ اليوم الذي وصل فيه إلى السلطة، كان ينبغي على كورتي أن يستثمر معظم وقته وموارده ونفوذه السياسي لتحسين مستوى المعيشة ونوعية الحياة لكل مواطن كوسوفي عادي بشكل جذري.

كان ينبغي عليه أن يركز على الكثير مما وعد بفعله إذا تم انتخابه. ويشمل ذلك التنمية الاقتصادية من خلال جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية لتوفير فرص العمل ومنع هجرة الأدمغة التي تؤثر على كل صناعة وتؤدي إلى تآكل النسيج الاجتماعي في كوسوفو. ففي النصف الأول من العام، أنفقت الحكومة نسبة ضئيلة للغاية تبلغ 18% (150 مليون يورو) من ميزانيتها المخصصة البالغة 844 مليون يورو للاستثمارات الرأسمالية. إن هجرة الأدمغة في البلاد آخذة في التزايد؛ فقبل عشر سنوات، كان ما بين 15 ألفاً إلى 20 ألفاً من الكوسوفيين يغادرون البلاد كل عام بحثاً عن فرص عمل أفضل، وفي السنوات الخمس الماضية تضاعف العدد تقريباً إلى 30 ألفاً سنوياً.

كما وعد كورتي بتحسين النظام التعليمي من خلال بناء مدارس جديدة، وزيادة أجور المعلمين، وتسهيل الوصول إلى الكتب المدرسية الحديثة وتحديث جزء كبير من البنية التحتية المتداعية وتوفير رعاية صحية أفضل وبأسعار معقولة وتحسين ظروف السكن، وبالتأكيد التخلص من الفساد الذي يسمح للمسؤولين بإهدار كميات هائلة من الموارد المالية في حين يعمل على توليد انعدام الثقة العميق بين أهل كوسوفو وحكومتهم.

طلب صربيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي
خامسا، على الرغم من أن فوتشيتش لا يريد عزل روسيا للأسباب المذكورة أعلاه، إلا أن فوتشيتش لا يزال يريد اندماج صربيا في الاتحاد الأوروبي. إنه يعلم أن ازدهار صربيا ونموها في المستقبل يقع على عاتق الاتحاد الأوروبي، ولتحقيق ذلك، سيتعين عليه تلبية معايير الاتحاد الأوروبي من خلال الالتزام الكامل بالمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. ولكن الاعتراف باستقلال كوسوفو يظل شرطاً أساسياً لانضمام صربيا إلى الاتحاد الأوروبي.

وبما أن الاتحاد الأوروبي لديه مصلحة راسخة في قبول دول البلقان في الاتحاد الأوروبي ومنع روسيا من ترسيخ موطئ قدم قوي في أي من دول البلقان، فإن الاتحاد الأوروبي يحتاج إلى خلق أجواء مواتية لتحقيق هذا الهدف. ولهذا السبب، يريد الاتحاد الأوروبي خلق مجال متكافئ من شأنه أن يسمح لصربيا بأن تنأى بنفسها عن روسيا في حين يحرز بعض المكاسب نحو الإنضمام للاتحاد الأوروبي. حذر إيمانويل ماكرون يوم الاثنين من أن “فرنسا وألمانيا تراجعتا عن وعودهما بشأن سياسات التأشيرات وغيرها من القضايا الاقتصادية التي ستتم إعادة النظر فيها إذا لم يتصرف الطرفان بمسؤولية. يجب أن نكون حذرين للغاية في هذا الصدد، خاصة عندما يكون استقرار غرب البلقان في خطر”.

ولكن لكي يحدث ذلك، يجب على كوسوفو أيضاً أن تقوم بدورها. وهذا يعني أنه كلما قل عزل كورتي لبلغراد وكلما أصبح أكثر تعاونا مع صربيا، كلما وضع فوتشيتش في موقع “دفاعي” أصعب. وهذا لا يشكل بأي حال من الأحوال استرضاء لصربيا على حساب كوسوفو، لأنه في التحليل النهائي كلا البلدين يجب حل صراعهما إذا أرادا الإنضمام للاتحاد الأوروبي.

أعتقد أن كورتي قد يكون لديه ما يلزم لتغيير المسار والتركيز على ما يتوق إليه الناس. إنهم يريدون وظائف، ويريدون فرصًا، ويريدون النمو والازدهار، ويريدون الشعور بالأمن والأمان، ويريدون أن يكونوا أحرارًا في التعبير عن أنفسهم دون ضرر، ويريدون أن يُسمع صوتهم. هذا نداء للصحو، ومن الأفضل أن يستجيب له كورتي قبل فوات الأوان.

TAGS
غير مصنف
SHARE ARTICLE